د. عصام محمد عبد القادر يكتب: صناعة الوعي
تاريخ النشر: 10th, November 2024 GMT
ثمة إقرار حول تكوين الإدراك الصحيح الذي يبرهن عنه رأي صحيح، وتترجمه ممارسات صحيحة، ومن ثم ينبغي الاهتمام بمصادر المعلومات الموثوقة والموثقة؛ حيث إن صناعة الوعي تقوم على معرفة صحيحة، وفي المقابل ضرورة تجنب المعرفة المشوبة والتي تتمخض عنه المصادر المغرضة المضللة المتحيّزة لأجندات تحكمهم مصالح ومآرب.
وصناعة الوعي تتم بصورة مقصودة ومخططة يستقى من خلالها الفرد المعرفة وما تشمله من حقائق ومفاهيم ومبادئ وقوانين ومسلمات ونظريات علمية لا يخالطها الشك أو التحريف، وذلك في شتى صورها وجوانبها العلمية والعملية والحياتية وسائر أبعاد التنمية ومجالاتها المختلفة، وهذا بالطبع لا ينفك عن ثقافة القيم للمجتمع وما يتبناه من نسق خلقي.
ونوقن أن الوعي الصحيح يرتبط ارتباطًا وثيقًا بما يمتلكه الفرد من مهارات تفكير عليا تسهم في تنمية مقدرته على العطاء سواءً أكان على مستوى المعرفة أم الأداء، وهذا ما يجعله يشكل وجدان يتضمن اتجاهات وميول إيجابية وحب للاستطلاع، ويكون لديه رأيًا ويتخذ موقف يتوافق مع النسق القيمي الذي يتبناه ويقتنع بممارساته.
واعتماد صناعة الوعي على التعليم تعني ضرورة أن نقدم خبرات تساعد الفرد في إدراك ما يدور حوله من أحداث وما تتمخض عنه المعرفة من مفردات جديدة تضيف للرصيد المعرفي المتجدد الذي يرتبط بالثورة التقنية، والوعي يمكن الفرد في أن يعرف ويعمل بما يعرف ويسعى للمشاركة ومن ثم يتعايش مع المجتمع المحيط به.
واعتقد أن المؤسسة التعليمية أهم مؤسسة تصنع الوعي من خلال برامجها وما تتضمنه من مناهج تشمل أنشطة تعليمية مقصودة وأنشطة إثرائية تفي باحتياجات الفرد المعرفية والمهارية والوجدانية والتي يتزايد عليها الطلب في ضوء التدفق المتسارع للمعرفة، وهذا يؤكد ضرورة تهيئة البيئة التعليمية كي تعمل على تشكيل الوعي في صورته الصحيحة.
وصناعة الوعي تعمل على تعديل السلوك لدى الفرد، بمعني أن خبرته في مسار الزيادة أو التنمية سواءً أكانت معرفية أو مهارية أو وجدانية، أو في صورتها المتكاملة، وهنا نوقن مدى الجهود المتتابعة التي تقوم بها المؤسسة التعليمية بشأن تنمية الوعي الصحيح وتصويب ما قد يشوب الفكر من خطأ بشكل مقصود أو غير مقصود من مصادر عديدة.
وبيئة صناعة الوعي تقوم على مناخ من الحرية المسئولة التي تسمح للفرد بأن يعبر عن رأيه بشكل صحيح وفق معايير معلنة تعتمد على شواهد وأدلة من مصادر رسمية موثوقة؛ كي يتعود الفرد على مراحل إصدار الأحكام التي تبدأ بالمعرفة يليها الفهم والتحليل والاستنتاج وتكامل مفردات الخبرة حتى يصبح الحكم صحيحا، وهذا يؤكد أن إعمال العمليات العقلية يجب أن تقوم على الأسلوب العلمي في التفكير.
ومن العوامل التي تساعد في صناعة الوعي مبدأ الديمقراطية التي تقوم على فقه الحقوق والواجبات، وهنا يجب أن يعي الفرد مسئولياته كي يحصل على حقوقه المشروعة التي أقرها الدستور، وهذا يؤكد أن مصالح الدولة العليا ينبغي أن يضعها المجتمع وأفراده في قمة وسلم الأولويات، وأن تصبح الدولة هي الشغل الشاغل لدى الجميع، وأن المصلحة الخاصة لا تشكل أولوية في مقابل المصلحة العامة، وهذا لا يتأتى إلا عن صناعة وعي حقيقي.
وعبر لغة المناقشة والحوار التي تقوم على قواعد الاحترام والتقدير بين أطراف الحوار نستطيع أن نصنع وعيًا سليمًا من خلال آليات البناء الفكري الناتج عن قدح الأذهان وتلاقي الأفكار الإيجابية التي تسهم في مواجهة التحديات وحل المشكلات والتغلب على الصعوبات، ومقام الحوار يجعل الفرد يخرج كل ما لديه من فكر رشيد، ويمكنه من القضاء على حالة الصراع المعرفي التي تنتهي بالتثبت والوصول للحقيقة المجردة فيما يتعرض له من قضايا.
وجدير بالذكر أن الدور الإعلامي له أهمية بالغة في صناعة الوعي الذي يتعلق بتشكيل الرأي العام الموجه لسياسات الدول والدافع لنهضتها وبلوغ تنميتها في مجالاتها المتنوعة، وتعد الآلة الإعلامية ملاذًا لمن يرغب في المطالعة والفهم، وهذا يؤكد ضرورة التزام الإعلام بالميثاق المهني الذي يلزم القائمين عليه بالمهنية والشفافية والمصداقية المطلقة.
ودعونا نؤكد على أن صناعة الوعي ترتبط بتنمية الثقافة والتنوير وغرس القيم النبيلة والأخلاق الحميدة التي تجعل الإنسان قادراً على البناء والحفاظ على مقدرات وطنه وصونه من أي تهديدات، كما تحثه على اكتساب مزيد من الأفكار التي تبني الوطن وتجعله رائدًا في كافة المجالات التنموية.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: صناعة الوعی وهذا یؤکد تقوم على
إقرأ أيضاً:
محمد خزعل يكتب: تهويد القضية الفلسطينية
تعاني القضية الفلسطينية منذ عقود من محاولات التهويد والتغيير الديموغرافي الممنهج، حيث تسعى إسرائيل إلى طمس الهوية الفلسطينية، وإعادة تشكيل التركيبة السكانية في الأراضى المحتلة لصالح المستوطنين اليهود.. ومن أبرز الأدوات التي تستخدمها إسرائيل لتحقيق ذلك، سياسة التهجير القسري للفلسطينيين إلى دول الجوار، خاصة مصر والأردن، بهدف تقليل الوجود الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، ومنع إقامة دولة فلسطينية مستقلة.. بل إنها تسعى لتهويد القضية، من خلال عدة وسائل، أهمها:
الاستيطان: حيث تواصل بناء المستوطنات في الضفة الغربية والقدس الشرقية، بهدف تغيير الطابع الديموغرافي والجغرافي للمناطق الفلسطينية.
التهجير: بالضغط على الفلسطينيين لمغادرة أراضيهم عبر سياسات التهجير القسرى، مثل القصف المتواصل على أراضيهم وخصوصا غزة، وهدم منازلهم في الضفة الغربية، وسحب الإقامات من المقدسيين.
طمس الهوية الثقافية والدينية: بالسعى إلى السيطرة على الأماكن المقدسة «الإسلامية والمسيحية»، وتغيير المناهج التعليمية، ومحاولة فرض الطابع اليهودي على القدس.
فرض الحصار والعقوبات الاقتصادية: بهدف إجبار الفلسطينيين على البحث عن حياة أفضل في الخارج، ما يسهل تهجيرهم بشكل غير مباشر.
وتعتمد إسرائيل على عدة استراتيجيات لإجبار الفلسطينيين على مغادرة وطنهم، وتعد مصر والأردن من أبرز الوجهات المحتملة لهذا التهجير، لعدة أسباب:
بالنسبة لمصر: لقرب قطاع غزة من حدودها، ومعاناة الفلسطينيين من الحصار، تُطرح سيناريوهات تهجير سكان غزة إلى سيناء، وهو ما ترفضه مصر بشدة.
بالنسبة للأردن: تستقبل المملكة بالفعل أعدادا كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين منذ نكبة 1948، وتحاول إسرائيل الدفع بمزيد من الفلسطينيين إلى الأردن لجعلها «الوطن البديل»، وهو ما ترفضه الحكومة الأردنية رفضا قاطعا.
وكان لمصر على مدار عقود أدوار بارزة تجاه القضية الفلسطينية، ودائما ما تكون الرسالة الواضحة لقيادتها السياسية بالتأكيد على أنّ الحل العادل للقضية الفلسطينية يجب أن يكون عبر إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967، وليس عبر تفريغ الأراضي الفلسطينية من سكانها، وتأكد الموقف المصري من تهجير الفلسطينيين، حيث اتخذت القاهرة موقفا حاسما تجاه هذه المسألة، فأكدت القيادة السياسية مرارا رفضها القاطع لأي مخططات تهدف إلى التهجير القسري للأشقاء من غزة، حيث تؤكد مصر أنّ تهجير الفلسطينيين سيؤدي إلى تصفية القضية الفلسطينية، وإعطاء الشرعية للاحتلال الإسرائيلي لمواصلة توسعه.
كما تعمل مصر دوما على القيام بدورها المسؤول، وتقديم الدعم السياسي والدبلوماسي للفلسطينيين في المحافل الدولية، لمنع تنفيذ أي مخططات إسرائيلية تستهدف تهجيرهم، وتصفية قضيتهم.
وكما هو الحال مع مصر، يرفض الأردن رفضا قاطعا أي محاولات لتهجير الفلسطينيين إلى أراضيه، حيث يعتبر ذلك تهديدا لاستقراره وأمنه الوطني، حيث أكد العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني أيضا أن «الأردن ليس الوطن البديل»، مشددا على ضرورة إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية وفقا للشرعية الدولية.
إن تهويد القضية الفلسطينية وتهجير الفلسطينيين إلى دول الجوار يشكلان خطرا وجوديا على الشعب الفلسطيني، وهو ما يواجه برفض عربي ودولي.
وبجانب دور مصر والأردن في منع تهجير الفلسطينيين والتأكيد على ضرورة إيجاد حل سياسي عادل للقضية الفلسطينية، يبقى التحدي الأكبر هو مواجهة السياسات الإسرائيلية الساعية إلى فرض واقع جديد على الأرض، عبر المقاومة الدبلوماسية والسياسية، وتعزيز صمود الفلسطينيين على أراضيهم.