جريدة الرؤية العمانية:
2024-12-24@01:00:02 GMT

الثقوب في الجدار

تاريخ النشر: 10th, November 2024 GMT

الثقوب في الجدار

 

 

سالي علي

 

هدفي من كتابة هذه المدونة هو استكشاف الأهمية التاريخية والثقافية لجدار غزة وجدار برلين كمعالم تاريخية تحمل كل منهما أحداثًا ومعاني عميقة لذا سأقوم بتسليطِ الضوء على الأثر الذي تركه كُل جدار في التاريخ المعاصر وكيف أثّر في السياسة الدولية والحياة الثقافية للشعوب المتأثرة بهما و سأقوم بتحليل العوامل التاريخية والاجتماعية والسياسية التي أدت إلى بناء هذه الجدران والتأثير الذي خلّفته على المجتمعات المحيطة بهما وكيف تشكّلت الثقافة والهوية بسبب هذه التجارب التاريخية.

.

تحتفظُ الجدران بأسرار توارثتها الأجيال؛ حيث تحفر بصمات تاريخية تروي قصصًا مؤلمة وتجارب مأساوية، إنها رموز للانقسام والحصار، ورموز أيضًا للصراع والأمل.

تاريخ جدار غزة الذي يجسد قضية فلسطينية معقدة قد أنشئ في عام 1994 وتم تعزيزه في عام 2000 في إطار الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ولم يتم هدمه كليًا حتى يومنا هذا.

يحيط الجدار بقطاع غزة مما أدى إلى حصار اقتصادي واجتماعي وسياسي أثّر على حياة المدنيين بشكل كبير. ومن ناحية أخرى، جدار برلين الشهير الذي كان يفصل بين الشرق والغرب في ألمانيا، وكان رمزًا لانقسام العالم خلال الحرب الباردة قد تأسس في عام 1961 وتم هدمه في عام 1989 بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وانتهاء الحرب الباردة.

التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لكل من جدار غزة وجدار برلين تظل مسألة حيوية فالحصار الإسرائيلي لغزة أثر سلبًا بشكل كبير على حياة السكان، مما يؤثر على التعليم والصحة والاقتصاد والثقافة بالمقابل أدى انهيار جدار برلين إلى إعادة توحيد ألمانيا وتحول سياسي واقتصادي واجتماعي هائل.

إن الجدار الحدودي بين إسرائيل وقطاع غزة يُعد جزءًا من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، فقد أحدث تأثيرًا سلبيًا على الحياة اليومية لسكان غزة؛ مما أثر على القطاع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي كما يعتبر الجدار سببًا رئيسيًا في قلة الوصول إلى الخدمات الأساسية مثل المياه النظيفة والكهرباء والرعاية الصحية والتعليم، كما ساهم في ارتفاع معدلات البطالة والفقر وتدهور الوضع الصحي والنفسي للسكان، وهم حاليًا شعب نازح لا يمتلك كفنًا ويُدفن جماعيًا يشرب الحي منهم مياهًا مالحة مصدرها البحر مباشرة منقطع عن العالم والأصح بأن العالم أراد الانقطاع عنه فلا تصله مساعدات ولا يؤخذ بحقه أي قرارات إنه شعب تلعب أطفاله لعبة تشييع الجنازة ولعبة من يكون شهيدًا بينما تمارسُ الأم فنَ النقش على أجساد أطفالها فتكتب الاسم كاملًا حتى يتم التعرف عليه بعد زوالِ ملامحَ أجسادهن.

من ناحية أخرى، نجد جدار برلين الذي كان رمزًا للانقسام العالمي والصراع السياسي، كان الجدار يفصل بين شرق وغرب برلين وكان يمثل حدودًا تقسم بين نمطي حياة مختلفين بشكل كبير، بعد هدم الجدار والتوحيد الألماني في عام 1989، شهدت ألمانيا تحولات هائلة في مجالات السياسة والاقتصاد والثقافة. وقد تكاتف الشعب الألماني للعمل سويا من أجل إعادة توحيد البلاد وتجاوز آثار الانقسام والانفصال.

ومن المهم أيضًا التطرق إلى الجوانب الثقافية والفنية لكل جدار فقد شكل كل منهما مصدر إلهام للكثيرين، وأدّى إلى نشوء أعمال فنية وأدبية وثقافية تعكس الصراع والتحديات التي تواجهها المجتمعات المتأثرة.

يعكس الفن والثقافة تأثير الجدران على التاريخ والذاكرة الجماعية للشعوب المتأثرة.

وعلى الرغم من اختلاف السياقات والتاريخ، فإن كل من جدار غزة وجدار برلين يثبتان الضرر الذي يمكن أن تسببه الجدران الفاصلة والحواجز الحدودية في حياة الناس وعلاقاتهم.

ومن هذه القصص يمكن أن نستخلص دروسًا حول الأهمية الحاسمة لبناء جسور التواصل والتفاهم والتعاون بين الشعوب، وتحقيق السلام والعدالة الاجتماعية ولكن هذه الدروس تحديدًا قد حصلت وحققت نتائج إيجابية في أوروبا بينما ضمن حدود ما يسمى وطنٌ عربي يبدو الأمر أكثرَ تعقيدًا بالأخصِ حينَ يتطرقُ الأمر للتعبيرِ عن رغباتِ الشعوب في التعبير من خلالِ أيّ وسيلةٍ للمطالبة في حقوقها وفي حرية اختيار مصيرها كما حصل في برلين حين رسموا على الجدران وكما حصل أيضا في غزة لكن المفارقة تكمنُ هنا.

فإن الفن والرسم على الجدران قد أثر بشكل كبير على نفوس أبناء الأرض المحتلة فقد مثل وسيلة فنية للتعبير عن الهوية والصراع والأمل. وقد بدأت ظاهرة الرسم على الجدران كوسيلة للتعبير عن المقاومة والتضامن مع القضايا الاجتماعية والسياسية؛ فهو يمثل تحديًا للقمع والظلم ووسيلة لنشر الوعي وإيصال رسالة إلى العالم بشكل عام. ويتيح هذا الفن الفرصة للفنانين للتعبير عن معاناة الشعوب والصراعات والتضامن مع القضايا العادلة. وإضافة إلى ذلك، يعتبر كوسيلة لجذب الانتباه إلى الظروف الصعبة التي يواجهها الناس في أراضٍ محتلة، كما وفّر وسيلة للتعبير والتسلية لأبناء الأرض المحتلة.

وبهذه الطريقة يؤكد الفن والرسم على الجدران ويواصل على إيصال رسالة الأمل والثورة من خلال التعبير الإبداعي؛ ففي برلين امتدت رسومات الممانعة للتعبير عن ما حصل من تقسيم تفريق تجزيء جَبري بين المواطنين وطالبوا حينها بهدمِ الجدار لتعودَ حرية التنقل،حرية المرور وحرية ممارسةِ الفكر.

بينما في غزة، نشأت الرسومات على الجدران لمناهضة الاحتلال الذي يدّعي الأحقية التاريخية والدينية بالأرض والذي يمارس أيضًا أبعدَ ما يمكن عن الإنسانية من وسائلَ قمعية فيها إذلال وتشويه لصورة الشعب الفلسطيني المقاوم أمام العالم أجمع، والذي نشهدُ الآن تحولًا جذريًا في القسم الغربي منه تحديدًا، فقد بدأ الشعب هناك يستوعب حجم أكذوبة إسرائيل والحقيقة المظلمة عنها بسبب التأثير الإيجابي لوسائل التواصل الاجتماعي والشخصيات المؤثرة المشهورة ممن يمتلكون متابعين كُثرًا والذين ساهموا في نقلِ صورة فلسطين الأولى قبيلَ سرقةِ هويتها ومحوها عن الخريطة فقد نقلَ باسم يوسف المذيع المصري صوت الحق بلغة عالمية والتقط معتز عزايزة الفلسطيني معرضًا فوتوغرافيًا حيًا لمواجهة أبناء غزة أقسى جرائم الحرب ورفعت بيلا حديد الأمريكية من أصول فلسطينية الكوفية على رأسها ضمن مظاهرات لوقف الحرب على غزة,

إن ما حدث في غزة من تهجير وإبادة وقتل عشوائي ذكّر الجميع بنكبة 1948 التي غادر فيها الشعب حاملًا مفتاح منزله بينما الآن بالكاد يحملُ الفلسطيني ما بقي من جسدهِ.

وختامًا.. أرجو الانتباه للضوء الذي حاولت مقاربة ومفارقة فيه لأن تجدوا من خلفهِ البوصلة الحقيقية التي أردتُ مشاركتها وهيبأنّ الحرب على ألمانيا كانت باردة، بينما على غزة فهي ما تزال ساخنة جدًا، وبأنّ جدار برلين قد هُدم وتحولت أجزاء منه لمتاحف ومعارض، بينما جدار غزة ما يزال واقفًا عائقًا أمام شعبه، كأنه سجن دون سقف يرى الشمس، لكنّ الشمس لا تراه وأيضا أنّ جدار غزة الآن قد احتوى ثقوبًا صغيرة تشبه النجوم في ليلة داكنة لا ضوء للقمر فيها لكنه وفي يومٍ ما سيشهد على ثقبِ ولادة لجنين دمه مزيجٌ ممن رحلوا، عيناهُ بندقية، ويداهُ كوفية وقدماهُ قضية حافية ترفضُ انتعالَ حذاءِ الهزيمة.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

من هو كمال عدوان الذي سُمي مستشفى غزة باسمه؟

يتعرض مستشفى كمال عدوان منذ بدء الاحتلال الإسرائيلي اعتداءه على قطاع غزة، لقصف عنيف وكثيف وغير مسبوق، وكان آخر قصف للاحتلال أمس عندما شن الاحتلال غارات عنيفة وتسبب في سقوط الكثير من الشهداء والجرحى، فمن هو كمال عدوان الذي سُمي مستشفى غزة باسمه، بحسبما ذكرت شبكة «سكاي نيوز» البريطانية 

من هو كمال عدوان الذي سُمي مستشفى غزة باسمه؟

وفي التقرير التالي نكشف مَن هو كمال عدوان الذي سُمي مستشفى غزة باسمه، وأيضًا لماذا سُمي المستشفى الذي يخدم جزءا كبيرا من سكان القطاع باسمه؟

يحمل مستشفى كمال عدوان في شمال غزة هذا الاسم تخليدًا لذكرى الشهيد كمال عدوان، أحد قادة منظمة التحرير الفلسطينية البارزين، الذي استشهد عام 1973 وهو من أبناء المحافظة.

وُلد كمال عدوان، القيادي البارز في حركة فتح وعضو لجنتها المركزية، في قرية بربرة قرب عسقلان عام 1935، وعاشت عائلته النكبة عام 1948، ما أدى إلى انتقالها إلى قطاع غزة، وفقاً لما وثقته مؤسسة «خليل الوزير».

ويُشير مركز الناطور للدراسات والأبحاث الفلسطيني إلى أن والد كمال عدوان، وهو مقاول من وجهاء بربرة، هاجر مع عائلته إلى قطاع غزة إثر نكبة عام 1948، ومكثت العائلة في رفح لمدة ستة أشهر قبل الاستقرار في غزة، حيث توفي والد كمال عام 1952.

وبدأ كمال عدوان مسيرته التعليمية في مدرسة بربرة الابتدائية، بعد انتقال عائلته إلى غزة، التحق بمدرسة الرمال الإعدادية التابعة لوكالة الأونروا، ثم بمدرسة الإمام الشافعي الثانوية، وفي عام 1954، واصل تعليمه العالي في جامعة القاهرة، حيث درس الهندسة، تخصص بترول ومعادن.

وبعد مغادرته غزة عام 1955، سافر عدوان إلى مصر ثم إلى قطر، حيث عمل مدرسًا لمدة عام، وانتقل بعدها إلى السعودية عام 1958، ليعمل مهندسًا متدربًا في أرامكو بالدمام.

كمال عدوان لعب دورًا في تأسيس حركة فتح

ولعب كمال دورًا رائدًا في تأسيس حركة فتح، وشارك في المجلس الوطني الفلسطيني منذ دورته الأولى في القدس عام 1964، واستقال من عمله في قطر عام 1968 ليتفرغ للعمل في حركة فتح مسؤولًا عن الإعلام، مُقيمًا مقره في عمان، حيث أسس جهازًا إعلاميًا متطورًا.

وبعد أحداث أيلول الأسود، انتقل كمال عدوان إلى دمشق وبيروت حيث أعاد بناء جهاز إعلام حركة فتح، شارك في تأسيس وكالة الأنباء الفلسطينية «وفا»، وانتخب عضوًا في اللجنة المركزية لحركة فتح عام 1971، مُكلفًا بمسؤولية قطاع الأرض المحتلة (القطاع الغربي).

ويُصف مركز الدراسات والأبحاث الفلسطيني كمال عدوان بأنه مناضل كبير وواعٍ، استشهد عام 1973 في شقته بشارع فردان ببيروت، حيث قاوم مهاجميه حتى النهاية، مُصيبًا وقتلًا عدداً منهم قبل استشهاده.

مقالات مشابهة

  • من هو كمال عدوان الذي سُمي مستشفى غزة باسمه؟
  • فيلم شرق 12 يفتتح أسبوع نقاد مهرجان برلين
  • في عكّار.. ما الذي ضبطه الجيش؟
  • أضخم ثقب أسود في مجرة درب التبانة.. نقطة اللا عودة
  • أول صورة للمُجرم الذي دهس الدراج في بيروت.. شاهدوها
  • حصن السنيسلة بولاية صور .. عبقرية المبنى المستدام وذكاء البنّائين القدامى
  • الضوء .. فيلم افتتاح الدورة الـ 75 لمهرجان برلين السينمائى الدولي
  • عاجل.. السلطات الأوكرانية: أسقطنا 57 مسيرة روسية بينما فشلت 56 في بلوغ أهدافها
  • الاحتلال يسعى لبناء جدار على الحدود مع الأردن.. ما طوله وتكلفته؟
  • الاحتلال يسعى لبناء جدار على الحدود مع الأردن.. كم يبلغ طوله وتكلفته؟