تحديات وفرص للعالميْن العربي والإسلامي
تاريخ النشر: 10th, November 2024 GMT
محمد بن علي العريمي
mahaluraimi@gmail.com
شهد العالم العربي والإسلامي خلال العقدين الأخيرين تحولًا جذريًا في ميزان القوى العالمية؛ إذ لم تعد الهيمنة الأمريكية المطلقة هي السمة الوحيدة للنظام الدولي كما كانت خلال العقود الثلاثة الماضية، وعلى العكس من ذلك، برزت قوى أخرى، مثل روسيا والصين، لتلعب أدوارًا محورية في إعادة تشكيل النظام العالمي نحو نظام متعدد الأقطاب.
ومع نهاية الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفييتي، استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية الحفاظ على موقعها كقوة عظمى مهيمنة على المشهد العالمي. وقد اعتمدت في ذلك على قوتها العسكرية، والاقتصادية، والتكنولوجية، والأمنية لفرض هيمنتها على مختلف المجالات. ومع ذلك، وخلال العقد الأخير، بدأت تواجه تحديات متزايدة نتيجة صعود قوى جديدة مثل الصين، إضافة إلى عودة روسيا بقوة إلى الساحة الدولية بقيادة فلاديمير بوتين. هذه التطورات دفعت البيت الأبيض إلى تعزيز تحالفاته التقليدية في أوروبا وآسيا، وتركيزه على تطوير تكنولوجيا الدفاع المتقدمة، في محاولة مستمرة لاحتواء الصعود الصيني والروسي. ورغم ذلك، أدى الاستنزاف الناتج عن التدخلات العسكرية في الشرق الأوسط ومناطق أخرى، والانقسامات الداخلية، إلى إضعاف قدرة الولايات المتحدة على التأثير في الملفات الخارجية، مما أتاح مجالًا أكبر لبروز قوى جديدة.
ومنذ وصول بوتين إلى السلطة في عام 2000، ركزت روسيا على استعادة مكانتها كقوة كبرى في النظام الدولي من خلال استخدام القوة العسكرية والدبلوماسية. وسعت روسيا، من خلال هذه الأدوات، إلى إعادة تشكيل النظام الدولي بما يقلل من النفوذ الأمريكي ويزيد من دورها كوسيط رئيسي في الصراعات الدولية، وهو ما شهدناه بشكل واضح في العديد من ملفات منطقة الشرق الأوسط.
وعلى الصعيد الاستراتيجي، كان ضم شبه جزيرة القرم، والتدخل في سوريا، والعملية العسكرية في أوكرانيا من أبرز العوامل التي أدت إلى تصاعد التوترات بين روسيا والغرب، خاصة منذ اشتداد النزاع في أوكرانيا عام 2022. وعلى الرغم من العقوبات الغربية، نجحت روسيا في بناء شراكات اقتصادية قوية مع الصين ودول آسيوية أخرى، كما عززت نفوذها داخل مجموعة "بريكس"، مما ساعدها على مقاومة الضغوط الغربية والصمود في وجه التحديات الاقتصادية.
أما الصين، فهي اللاعب الذي لا يمكن تجاهله عند الحديث عن تعدد الأقطاب. هذه القوة الصاعدة تشكل اليوم التهديد الأكبر لهيمنة الولايات المتحدة. فخلال العقود الأخيرة، حققت الصين نموًا اقتصاديًا مذهلًا، وأصبحت ثاني أكبر اقتصاد في العالم. ومع ذلك، لم يتوقف التحدي الصيني عند الاقتصاد فقط؛ بل زادت الصين من إنفاقها العسكري وطورت قدراتها التكنولوجية بشكل غير مسبوق، مما جعلها منافسًا قويًا في مجالات الدفاع، والابتكار، والتكنولوجيا. وتسعى الصين حاليًا إلى تعزيز نفوذها العالمي من خلال مبادرة "الحزام والطريق"، وهي استراتيجية اقتصادية تهدف إلى ربط الصين بالعالم عبر شبكة ضخمة من الطرق والموانئ والبنية التحتية، مما يجعلها لاعبًا محوريًا في التجارة العالمية. كما تستثمر الصين بشكل كبير في مجالات الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحيوية، مما يضعها في مقدمة السباق العالمي للتفوق التكنولوجي.
وفي ضوء هذه التطورات، فإن تعدد الأقطاب له تأثيرات كبيرة على النظام الدولي. فبدلاً من وجود قوة عظمى واحدة تتحكم في مجريات الأمور، أصبح هناك تنافس بين القوى الكبرى على مختلف المستويات. قد يؤدي هذا التنافس إلى زيادة الصراعات الإقليمية، خاصة في المناطق التي تتداخل فيها المصالح الأمريكية، الروسية، الصينية، والهندية، مثل الشرق الأوسط وآسيا الوسطى. بالإضافة إلى ذلك، فإن تعقيد الدبلوماسية الدولية بات واضحًا؛ حيث تسعى كل قوة عظمى إلى تشكيل تحالفات جديدة والتأثير على الدول لصالحها. وفي هذا السياق، نجد أن أحداث السابع من أكتوبر في فلسطين، قد أضافت بُعدًا جديدًا لهذا التنافس، مما يعزز من تعقيد العلاقات الدولية ويزيد من فرص التصادم بين القوى الكبرى.
ورغم هذا التنافس الشديد، فإن الوضع الراهن يتيح فرصًا مهمة للدول العربية والإسلامية. فقد يُمكِّنها استقطاب استثمارات أكبر وتكنولوجيا متقدمة؛ سواءً في مجالات الطاقة، أو البنية التحتية، أو التعليم. ومن الأمثلة البارزة على ذلك، إندونيسيا، وهي أكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكان، وتمتلك عاشر أكبر اقتصاد في العالم من حيث تعادل القوة الشرائية. وقد نجحت في تقليص معدل الفقر إلى النصف بين عامي 1999 و2019، وفقًا لتقارير البنك الدولي، مما يبرز قدرتها على الاستفادة من التحولات الاقتصادية العالمية.
على الجانب الآخر، قد يُوفِّر النظام العالمي الجديد فرصًا للدول الصغيرة والمتوسطة للاستفادة من التنافس بين القوى الكبرى. هذه الدول قد تحصل على دعم اقتصادي وعسكري يُمكنها من تحقيق التنمية لشعوبها. فعلى سبيل المثال، مشروع الهيدروجين الأخضر في المناطق الاقتصادية والصناعية في الدقم وصحار يضع سلطنة عُمان في مقدمة دول الشرق الأوسط في هذا المجال. ومن المتوقع أن تصبح سادس أكبر مصدر للهيدروجين في العالم بحلول عام 2030، بإنتاج يصل إلى 1.38 مليون طن سنويًا، مما يعزز من مكانتها الاقتصادية على الساحة الدولية.
بناءً على ما تم ذكره، ومع التحولات الجيوسياسية الحالية وزيادة الحديث عن نظام عالمي متعدد الأقطاب، تُتاح للعالمين العربي والإسلامي فرصٌ مُتعددة لتعزيز مصالحهما وزيادة تأثيرهما على الساحة الدولية. وتنبع هذه الفرص من تغيُّر ميزان القوى العالمي والتحولات الاقتصادية والسياسية التي قد تعيد تشكيل العلاقات بين الدول الكبرى؛ مما يتيح مساحة أكبر للدول العربية والإسلامية لتعزيز استقلالها وتنويع شراكاتها الاستراتيجية، في عالم يتجه نحو تعدد الأقطاب والمصالح المتشابكة.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
مؤرخة أمريكية: نتنياهو يستقوى بدعم اليمين العالمي في مواجهة الضغوط الدولية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
خطاب الأوساط الترامبية يسعى لخلق معركة مصطنعة بين العالم اليهودي المسيحي والإسلام ويستخدم صراع الشرق الأوسط لخدمة أهداف داخلية
"رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يستقوى بدعم قوي ضمن ائتلاف غير رسمي يربط بين زعماء اليمين فى العالم".. هكذا تحدثت الفيلسوفة والمؤرخة الأمريكية سوزان شنايدر، نائبة مدير معهد بروكلين للبحوث الاجتماعية فى نيويورك والباحثة الزائرة في جامعة أكسفورد بالمملكة المتحدة، والمتخصصة في شئون الشرق الأوسط.
تعليقًا على إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق بنيامين نتنياهو، قالت سوزان شنايدر، فى حديث لصحيفة "لوموند" الفرنسية: إن رئيس الوزراء الإسرائيلي، على وجه الخصوص، يحظى بالدعم الكامل من الزعماء المحافظين على مستوى العالم. وتابعت، لشرح رؤيتها، قائلة: لنلاحظ أولًا أن الرئيس الأمريكى جو بايدن، المنتهية ولايته، اعتبر قرار المحكمة الجنائية الدولية "فاضحًا". ومع ذلك، فإن ازدراء المحكمة الجنائية الدولية سوف يزداد عندما يحتل الرئيس المنتخب، الجمهوري دونالد ترامب، البيت الأبيض، خاصةً أنه في جميع أنحاء العالم، من المجر إلى الأرجنتين مرورًا بالهند، هناك العديد من القادة على رأس الدول الذين يزدرون هذا القرار. إنهم ينتمون إلى ائتلاف ناشئ يشكل يمينًا عالميًا، ومن أبرز شخصياته دونالد ترامب، وبنيامين نتنياهو، ورئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، والرئيس الأرجنتيني خافيير مايلي، ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي.
مؤتمر سنوى
وللحق مكون أيضًا من مفكرين وإعلاميين يعتبرون عند البعض مؤثرين جدًا، أبرزهم بشكل خاص الإسرائيلى يورام هازوني الذي كان قريبًا من نتنياهو، ولكنه قبل كل شيء مؤسس المؤتمر الوطني المحافظ، الذي يعقد كل عام منذ عام 2019 في أوروبا أو الولايات المتحدة. ويجمع هذا الحدث بعض الشخصيات الأكثر تأثيرًا داخل اليمين المتطرف، مثل نائب رئيس الولايات المتحدة المستقبلي، جي دي فانس، ومقدم البرامج التليفزيونية تاكر كارلسون، وفيكتور أوربان، والملياردير بيتر ثيل.
إن حجم هذه الشبكات يبين لنا أننا وصلنا إلى وضع متناقض حيث أصبح القوميون المتطرفون، اليوم أكثر أممية من اليسار. ويجد نتنياهو تأييدًا واسعًا بينهم لتشويه سمعة المحكمة الجنائية الدولية وتصويرها على أنها هيئة دولية لا يحق لها التدخل في شئون دولة ذات سيادة.
وبالفعل، يعد الجمهوريون في مجلس الشيوخ الأمريكي مقترحات لمعاقبة القضاة المشاركين في إصدار هذا القرار. كما هدد السيناتور ليندسي جراهام بفرض عقوبات على أي دولة تنفذ قرار المحكمة الجنائية الدولية، التي ليست الولايات المتحدة عضوًا فيها. ومن المؤكد أن نتنياهو سيزور أمريكا بعد وقت قصير من تولي ترامب منصبه في يناير 2025 لتسليط الضوء على قوة تحالفهما وتجاهلهما للقانون الدولي.
حلفاء مقربون
وأضافت المؤرخة الأمريكية: كان نتنياهو حريصًا بشكل خاص، لسنوات عديدة، على تعزيز هذه العلاقات المميزة مع الزعماء القوميين، ليس فقط في الولايات المتحدة، بل في جميع أنحاء أوروبا. والمجر هي الحليف الأقرب لإسرائيل داخل الاتحاد الأوروبي. وقد رأينا مثالًا على ذلك في شهر فبراير الماضى، عندما حاولت المجر منع تبني قرار أوروبي يدعو إلى وقف إطلاق النار في الشرق الأوسط. وهذه العلاقة قديمة، حيث أصبح أوربان ونتنياهو أقرب بعد لقائهما الأول في عام 2005، عندما كانا في المعارضة. ثم في عام 2015، تم إرسال أحد أعضاء الليكود إلى المجر لتنسيق العلاقات بشكل أفضل مع حزب فيدس بزعامة أوربان. وفي عام 2017، استعان رئيس الوزراء المجري أيضًا بخدمات مستشار سياسي أمريكي، أوصى به نظيره الإسرائيلي، من أجل إطلاق حملة ذات إيحاءات معادية للسامية ضد جورج سوروس، ذلك أن هذا الملياردير والمحسن هو عدو هذين الزعيمين لأن مؤسسات المجتمع المفتوح التابعة له تدعم جمعيات حقوق الإنسان.
وفي عام 2019، ساعد نتنياهو أوربان على الاقتراب من اليمين الأمريكي. وتوسط بالفعل نيابة عنه للسماح له بلقاء دونالد ترامب. واليوم يدفع فيكتور أوربان له الثمن، ويدعم بشكل كامل العمليات التي تنفذها إسرائيل في غزة. وردًا على مذكرة الاعتقال الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية، دعا أيضًا نتنياهو لزيارة المجر، على الرغم من أن بلاده من الدول الموقعة على نظام روما الأساسي الذي أنشأ المحكمة الجنائية الدولية.
ولذلك فإن هذا التجاهل للقانون الدولي، باسم السيادة الوطنية، سوف يستمر، حتى أن دولًا مثل فرنسا تبدي بعض التردد في تنفيذ مذكرة الاعتقال التي تستهدف رئيس الوزراء الإسرائيلي.
معركة وجودية
إن الخطاب الذي نسمعه في الأوساط الترامبية، وحتى بين بعض الديمقراطيين، يجعل من إسرائيل قاعدة أمام الحضارة الغربية، حسبما تقول سوزان شنايدر. ومن وجهة النظر هذه، فإن معركة وجودية مصطنعة يمكن أن تدور رحاها بين العالم اليهودي المسيحي والإسلام. وكما فعلت الولايات المتحدة بعد الحادي عشر من سبتمبر، فإن هذا الاتجاه يرى أن إسرائيل محقة في الاعتماد على القوة، والتصرف من جانب واحد، واحتقار الأمم المتحدة.
يُستخدم يوم 7 أكتوبر بشكل عام من قبل اليمين العالمي لخدمة خطاب معادٍ للإسلام. ومن شأن هذه الهجمات أن تثبت أن التعايش مع المسلمين مستحيل، وهو أمر يمثل خطرًا على العالم. وارتفعت مقولة شاذة تزعم أنه "سوف يتم تدمير الغرب إذا استقبل "هؤلاء الناس"، وتحولت الأمور إلى "هم" أو "نحن".
تعمل دوائر المحافظين بنشاط على ربط معارضة حركة الحرب بحركة الووكيسم التي تنشط بشكل كبير في الجامعات، والتى تحولت إلى حركة تسعى لخلق الانشقاق ووضع أفراد المجتمع في صراع ضد بعضهم البعض، كما لو كانت عصابة تعمل على تقويض الولايات المتحدة. وبهذه الطريقة، يتم استخدام الصراع في الشرق الأوسط لخدمة أهداف داخلية.
سوزان شنايدر