مقدِّمة لدراسة صورة الشيخ العربي في السِّينما الأمريكيَّة «2»
تاريخ النشر: 10th, November 2024 GMT
يوحِّد الشيخ أحمد، فـي السرد الذي أتناوله منذ الحلقة السابقة، فـي هندامه بين الزِّيين العربي والغربي المُحكَمين بصورة رشيقة. كما أنه يتحدث عدة لغات أجنبية بما فـي ذلك الألمانية، والإيطالية، والإنجليزية التي يحكيها خالية من الأخطاء النحوية واللفظية، وإن يكُ بصورة رسمية أكثر مما ينبغي، ومتقعرة ومتحذلقة.
ما حدث هو أنه بعد بضع مناورات لطيفة ظاهريا من «الضيافة العربية» الأصيلة، المُدَاوِرة والخبيثة التي انطوت، بالطبع، على عدة محاولات لئيمة وخسيسة لغواية المرأة الأمريكية والإيقاع بها جنسيا، فإن الشيخ العربي أحمد يُسفر عن وجهه الحقيقي البشع من دون رتوش أو أقنعة، ويفعل ما كان وقوعه مسألة وقت فقط فـي الانتظار؛ فهو يأخذ الغربيين الثلاثة سيئي الحظ رهائن لديه (بتسمية «ضيوف» بطبيعة الحال). وإذ يتصاعد السرد الذي يبدو للوهلة الأولى أنه «شخصي» إلى حد بعيد فإن الصراع يحتقن بصورة درامية و«جمعية» ليصبح «سياسيا» إلى الدرجة التي يعلن فـيها الطيار الأسير: «إن سياسة الحكومة الأمريكية هي عدم إجراء مقايضة مع رجال العصابات». ومن أجل إطلاق سراح الرهائن التعساء وإنهاء هذه القصة «الشيطانية» بكافة المقاييس والأعراف، فإن طائرات حربية أمريكية تلقي قنابلها على الموقع العربي «الشيطاني» بامتياز شديد، وتدك معقل الشيخ أحمد وقومه. أما الشيخ أحمد، وقد شهد وشاهد عظمة القوة والتفوق فـي القصف الجوي، فإنه يعلن لرهائنه الغربيين بطريقة مذلة ومُهانة كانوا يرغبون بكل تأكيد فـي الاستماع إليها تشنيفا للأذن ورؤيتها رأي العين من باب التوكيد الجازم، والثقة بالنفس، والشماتة: «إنني أنحني أمام قواتكم المتفوقة».
لم يحدث ذلك السرد السوريالي بصورة شيطانية فـي أي من «حروب الخليج» التي نعرفها، وكنا قد شاهدنا وقائعها الدموية على شاشات التلفاز، بما فـي ذلك حرب تدمير ونهب ما تبقَّى من العراق واحتلاله رسميا (1).
لقد كان ما أتيت عليه من سرد يمثِّل من ناحية «إمكانية، أو مصداقية، أو احتمالية الحدوث» (verisimilitude) «بروفة» مبكرة على كل تلك الحروب الشنيعة فـي الخليج؛ خلاصة حبكيَّة (من:«الحبكة») للفـيلم الذي، بصورة فـي غاية النبوئية، عنوانه «مغامرة فـي العراق» «Adventure in Iraq» (من إخراج ديفِد روس ليدرمن David Ross Lederman، الولايات المتحدة الأمريكية، 1943) بطريقة «التضمين الانعكاسي» (mise-en-abyme) (2).
حقا إن الخيط الواهي الذي يفصل بين «الحقيقة» و«الخيال» يضيع هنا، ويتعذر لمسه أو مشاهدته أكثر فأكثر؛ بل يصبح الأمر ـ فـي هذا العصر ما بعد الحداثي ـ بعيد الصلة بالموضوع، وذلك من حيث إن التاريخ والسينما يسردان قصصا بنوع من التبادل شبيه، على نحو يثير الحيرة بعض الشيء، لما يدعوه غرِغُري لوكو Gregory Lukow وستيفن رِتشي Steven Ricci، فـي سياق دراستهما للطريقة التي استوعب بها النوع السينمائي (film genre) ما هو نصي (textual)، وبيني النصية (intertextual)، وفوق نصي (extratextual):«تناوب --بين--نَصِّيٌّ» (intertextual relay) (3).
----------------------------------------
(1): لقد كان من العنصرية الصريحة أن وسائل إعلام الاتجاه السائد الغربية عموما والأمريكية خصوصا، بل وللأسف حتى بعض القنوات «البديلة» هناك، دأبت على تسمية حرب «عاصفة الصحراء» (حرب تحرير الكويت) التي وقعت فـي 1991 «حرب الخليج»، بينما أطلقت وصف «حرب الخليج الثانية» على عملية احتلال العراق التي ابتدأت فـي 2003. وبهذا فإن ذلك الإعلام يتناسى، ببساطة شديدة، أن العراق وإيران قد انخرطتا فـي حرب مدمرة أعقبت تأسيس الجمهورية الإسلامية فـي 1979، وهي حرب استمرت لمدة ثماني سنوات (من 1980 إلى 1988)، وأودت بحياة أكثر من مليون إنسان، ناهيك عن أعداد الجرحى وحجم والدمار المادي. غير أن تلك الحرب الضروس، وهي حقا حرب الخليج الأولى فـي التَّاريخ المعاصر، قد استثناها الإعلام الغربي فـي ترقيمه التَّرتيبي لـ«حروب الخليج»، وذلك فـي تكريس آخر لممارسات التأريخ الكولونيالي والإمبريالي الذي يقرن «حدوث التاريخ»، و«موثوقيته الموضوعية»، و«صدقه السردي» بوصول الغربيين إلى الموقع الذي يكون فـيه على التاريخ أن يصنعه الغرب ليُسرَد بعد ذلك على ذاكرة العالم؛ ذلك أن حرب الخليج الأولى قد دارت «بينهم» (الآخرون) وبينهم» (الآخرون)، وليس «بيننا» (نحن الذين يبدأ التاريخ بوصولنا) و«بينهم» (الذين كانوا يعيشون خارج التاريخ قبل مجيئنا إلى مسرح الحدث).
(2): «التضمين الانعكاسي» (mise-en-abyme): مفهوم وَفَدَ إلى السينما من نظريتي المسرح والأدب، وفـي نظرية السينما يعني المفهوم أشياء مختلفة. أستعملُ هذا المصطلح هنا بمعنى لعبة المرايا بين النص السينمائي والتاريخ، بين الأصل والصورة، والتوالد التكاثري بينهما. للوقوف على خلفـية المصطلح ومجالات ومستويات توظيفه، انظر: إسماعيل بهاء الدين سليمان، «موسوعة الشاشة الكبيرة» (بيروت: مكتبة لبنان ناشرون، 2012)، 900--1.
(3): Gregory Lukow and Steve Ricci, “The «Audience» Goes «public»: Intertextuality, Genre, and the Responsibilities of Film Literacy,” On Film, no. 12 (Spring 1984): 29
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الشیخ أحمد حرب الخلیج
إقرأ أيضاً:
أحمد العوضي يكشف عن أول صورة من كواليس مسلسل «فهد البطل»
كشف الفنان أحمد العوضي عن الصورة الأولى من كواليس مسلسله الرمضاني «فهد البطل»، والذي ينتمي إلى نوعية الدراما الشعبية.
أول صورة من كواليس مسلسل «فهد البطل»ونشر أحمد العوضي عبر حسابه على موقع تبادل الفيديوهات والصور «إنستجرام» صورة تجمعه بالفنانة ميرنا وليد ومخرج العمل، معلقًا «فهد وكناريا، أحلى واحدة في الحتة، فهد البطل مسلسل يليق بكل إخواتي، نجاح دباح إن شاء الله»
فهد البطل» لأحمد العوضييخوض الفنان أحمد العوضي السباق الرمضاني لعام 2025 من خلال مسلسل «فهد البطل»، والذي ينتمي إلى نوعية الدراما الشعبية.
المسلسل من بطولة أحمد العوضي، ميرنا نور الدين، أحمد عبد العزيز، كارولين عزمي، يارا السكري، لوسي، صفوة، محمود البزاوي، حجاج عبد العظيم، أحمد ماجد، عصام السقا، صفاء الطوخي، ومن تأليف محمود حمدان وإخراج محمد عبد السلام.
مسلسل «حق عرب»حقق الفنان أحمد العوضي نجاحًا كبيرًا في السباق الرمضاني الماضي من خلال مسلسل «حق عرب»، حيث قدم شخصية البطل الشعبي «عرب السويركي»، والتي حققت نجاحًا كبيرًا. شارك في البطولة عدد كبير من الفنانين منهم سلوى عثمان، وفاء عامر، رياض الخولي، دينا فؤاد، كارولين عزمي وآخرون، من إخراج إسماعيل فاروق وتأليف محمود حمدان.