ما الذي يعنيه ترامب الطليق لأمريكا؟
تاريخ النشر: 10th, November 2024 GMT
ترجمة: أحمد شافعي -
سوف يؤدي الانتصار الساحق الذي حققه دونالد ترامب والحزب الجمهوري فـي ليلة الثلاثاء إلى تغيرات كبيرة فـي مجالات سياسية مهمة، من الهجرة وحتى أوكرانيا. لكن أهمية هذه الانتخابات تتجاوز ذلك كثيرا إذ تمتد إلى ما وراء هذه القضايا المحددة، وتمثل رفضا حاسما من الناخبين الأمريكيين لليبرالية وللفهم المعين لـ«المجتمع الحر» الذي تكوّن منذ ثمانينيات القرن العشرين.
عندما انتخب ترامب للمرة الأولى فـي عام 2016، كان من السهل الاعتقاد بأن هذا حدث شاذ. فقد جاء ترشيحه أمام خصم ضعيف لم يأخذه مأخذ الجد، وفـي كل الحالات لم يفز ترامب بالتصويت الشعبي. وحينما فاز بايدن بالبيت الأبيض قبل أربع سنوات، بدا أن الأمور عادت إلى نصابها الطبيعي بعد ولاية رئاسية واحدة كارثية.
ويبدو الآن بعد تصويت يوم الثلاثاء أن رئاسة بايدن هي التي كانت الشذوذ، وأن ترامب يستهل عصرا جديدا فـي السياسة الأمريكية وربما فـي العالم كله أيضا. لقد كان الأمريكيون يصوتون وهم على علم تام بماهية ترامب وبما يمثله. وهو لم يفز فقط بأغلبية الأصوات وليس متوقعا فقط أن يفوز بكل الولايات المتأرجحة، ولكن الجمهوريين استعادوا مجلس الشيوخ وحازوا ما يشبه قبضة على مجلس النواب. وفـي ضوء سيطرتهم الحالية على المحكمة العليا، فهم الآن متأهبون للقبض على جميع فروع الحكم الرئيسية.
تقوم عقيدة الليبرالية الكلاسيكية على احترام الكرامة المتساوية للأفراد من خلال سيادة القانون الحامي لحقوقهم، ومن خلال المراقبة الدستورية لقدرة الدولة على التدخل فـي هذه الحقوق. لكن على مدار نصف القرن الماضي تعرض ذلك الدافع الأساسي لتشوّهين كبيرين. تمثّل الأول فـي صعود «النيوليبرالية»، وهي عقيدة اقتصادية قدّست الأسواق وقلّصت قدرة الحكومات على حماية المتضررين من التغير الاقتصادي. ازداد ثراء العالم إجمالا لكن الطبقة العاملة خسرت الوظائف والفرص. وانتقلت السلطة من الأماكن التي استضافت الثورة الصناعية، مبتعدة إلى آسيا وأجزاء أخرى من العالم النامي.
وتمثّل التشوّه الثاني فـي صعود سياسات الهوية أو ما يمكن أن نسميه بـ«ليبرالية الصحوة» [woke liberalism]، حيث رأينا الاهتمام التقدمي بالطبقة العاملة ينزاح لتحل محله حمايات مستهدفة لمجموعة أضيق من الجماعات المهمشة: أي الأقليات العرقية والمهاجرين والأقليات الجنسية وأمثالها. وازداد استعمال سلطة الدولة لا فـي خدمة العدالة المتجردة، وإنما فـي تعزيز نتاجات اجتماعية محددة لهذه الفئات.
والسؤال الحقيقي فـي هذه المرحلة ليس عن مدى سوء نوايا ترامب وإنما عن قدرته على أن ينفذ فعلا ما يهدد به. وفـي الوقت نفسه، تحولت أسواق العمل إلى اقتصاد المعلومات. وفـي عالم يجلس فـيه أغلب العمال أمام شاشات كمبيوتر بدلا من أن يرفعوا الأثقال عن أرضيات المصانع، باتت للنساء أرضية أكثر مساواة. وأدى هذا إلى تحوّل فـي السلطة داخل الأسر وإلى احتفاء دائم بمنجزات النساء.
أدى صعود هذه الأنماط المشوهة فـي فهم الليبرالية إلى تحول كبير فـي القاعدة الاجتماعية للسلطة السياسية. إذ شعرت الطبقة العاملة بأن الأحزاب السياسية اليسارية لم تعد تدافع عن مصالحها، فبدأت التصويت لأحزاب اليمين. وهكذا خسر الديمقراطيون قاعدتهم فـي الطبقة العاملة وأصبحوا حزبا يسيطر عليه المهنيون الجامعيون من أبناء المدن. واختارت الطبقة العاملة التصويت للجمهوريين. وفـي أوروبا، انشق ناخبو الحزب الشيوعي فـي فرنسا وإيطاليا لينضموا إلى مارين لو بان وجورجيا ميلوني. لقد استاءت هذه الجماعات كلها من نظام التجارة الحرة الذي قضى على أسباب عيشها حتى وهو ينشئ طبقة جديدة من شديدي الثراء، واستاءت كذلك من الأحزاب التقدمية التي بدا أنها أكثر اهتماما بالأجانب والبيئة منها بأوضاعهم هم.
انعكست هذه التغيرات الاجتماعية الكبيرة فـي أنماط التصويت يوم الثلاثاء. فقد قام الانتصار الجمهوري على ناخبي الطبقة العاملة البيض، لكن ترامب نجح فـي استقطاب عدد من ناخبي الطبقة العاملة السود واللاتين أكبر مما استقطب منهم فـي انتخابات 2020. وصحَّ هذا بصفة خاصة على الناخبين الذكور فـي هذه الجماعات. إذ كانت الطبقة تعني بالنسبة لهم أكثر مما يعني العرق أو العنصر. وما من سبب معين لأن ينجذب أمريكي لاتيني من الطبقة العاملة على سبيل المثال إلى ليبرالية الصحوة التي تحابي المهاجرين الجدد غير حاملي الوثائق وتركز على تعزيز مصالح النساء. ومن الواضح أيضا أن الأغلبية الكبيرة من ناخبي الطبقة العاملة لم تبال بالخطر الذي يمثله ترامب تحديدا على النظام الليبرالي، سواء داخليا أو عالميا.
فرانسيس فوكوياما مفكر وفيلسوف وصاحب نظرية «نهاية التاريخ»
نشر المقال في موقع فيليدج فويس نيوز نقلا عن فايننشال تايمز البريطانية.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الطبقة العاملة
إقرأ أيضاً:
مفاجئ.. طوابير طويلة من النساء الحوامل لإجراء عملية ولادة قيصرية مبكرة بسبب هذا القرار الذي يدخل حيز التنفيذ 19 فيراير
مقالات مشابهة ترامب يجدد تهديده لمجموعة بريكس ويكشف ما سيفعل بشأن استبدال الدولار الأمريكي
29 دقيقة مضت
شاهد.. أين كانت تعيش عائلة القيادي في القسام محمد الضيف؟!ساعتين مضت
المحذوف من مقررات الصف التاسع والثالث الثانوي للعام الدراسي 2024/202510 ساعات مضت
تنزيل تطبيق “ديب سيك” الصيني.. طفرة في عالم التطبيقات الذكية المجانية 100% بميزات مذهلة هزت عالم الذكاء الإصطناعي13 ساعة مضت
“أوبن إيه آي” تتهم عملاق الذكاء الاصطناعي الصيني DeepSeek باستخدام نماذجها لتدريب نموذج منافس23 ساعة مضت
أحلامك قد تكشف عن خطر الإصابة بالخرف23 ساعة مضت
طوابير طويلة من النساء الحوامل لإجراء عملية ولادة قيصرية مبكرة بسبب هذا القرار الذي يدخل حيز التنفيذ 19 فيراير.
شهدت الولايات المتحدة في الأيام الأخيرة طوابير طويلة من النساء الحوامل، غالبيتهن من أصول هندية ولاتينية، يتقدمن بطلبات مستعجلة لإجراء عمليات ولادة قيصرية مبكرة، وذلك قبيل دخول قرار الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، بمنع منح الجنسية بالولادة حيز التنفيذ في 19 فبراير المقبل.
وأظهرت مقاطع فيديو متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي نساء يقفن أمام المستشفيات والعيادات الطبية، في مشهد يعكس حالة من القلق المتزايد بين الحوامل الأجنبيات الراغبات في إنجاب أطفالهن قبل تطبيق القرار.
ووفقًا لتقرير نشرته صحيفة تايمز أوف إنديا، فإن حالة من “الذعر” انتشرت بين النساء الهنديات الحوامل في الولايات المتحدة، ما دفعهن إلى طلب تعجيل مواعيد ولادتهن القيصرية، حتى لو كان ذلك في الشهر السابع من الحمل، لضمان حصول أطفالهن على الجنسية الأميركية قبل تغيير القانون.
ونقلت الصحيفة عن الدكتورة سيرديفي راما، طبيبة أمراض النساء والتوليد في نيو جيرسي، قولها إنها تلقت خلال الأيام الأخيرة العديد من الطلبات لإجراء ولادات مبكرة، مشيرةً إلى أن هؤلاء النساء يفضلن التعرض لمخاطر الولادة القيصرية المبكرة بدلاً من فقدان فرصة منح جنسية الولادة لأطفالهن.
يُذكر أن قرار ترامب، الذي أثار جدلًا واسعًا، يهدف إلى إلغاء حق منح الجنسية تلقائيًا لأي طفل يولد على الأراضي الأميركية إذا لم يكن والداه من المقيمين الشرعيين، وهو ما دفع العديد من العائلات الأجنبية إلى البحث عن حلول سريعة قبل سريان القانون.
ذات صلة السابق ترامب يجدد تهديده لمجموعة بريكس ويكشف ما سيفعل بشأن استبدال الدولار الأمريكياترك تعليقاً إلغاء الرديجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.
آخر الأخبار مفاجئ.. طوابير طويلة من النساء الحوامل لإجراء عملية ولادة قيصرية مبكرة بسبب هذا القرار الذي يدخل حيز التنفيذ 19 فيراير 14 دقيقة مضت ترامب يجدد تهديده لمجموعة بريكس ويكشف ما سيفعل بشأن استبدال الدولار الأمريكي 29 دقيقة مضت شاهد.. أين كانت تعيش عائلة القيادي في القسام محمد الضيف؟! ساعتين مضت المحذوف من مقررات الصف التاسع والثالث الثانوي للعام الدراسي 2024/2025 10 ساعات مضت تنزيل تطبيق “ديب سيك” الصيني.. طفرة في عالم التطبيقات الذكية المجانية 100% بميزات مذهلة هزت عالم الذكاء الإصطناعي 13 ساعة مضت “أوبن إيه آي” تتهم عملاق الذكاء الاصطناعي الصيني DeepSeek باستخدام نماذجها لتدريب نموذج منافس 23 ساعة مضت أحلامك قد تكشف عن خطر الإصابة بالخرف 23 ساعة مضت واتساب تُصلح ثغرة أمنية خطِرة في ميزة “العرض لمرة واحدة” على آيفون 23 ساعة مضت جوجل تعزز قدرات Google Sheets بالذكاء الاصطناعي عبر Gemini 24 ساعة مضت ليس الكتاب وحده مفتاح النجاح.. دراسة كندية تكشف طرق التفوق الدراسي للأطفال 24 ساعة مضت فلكي سعودي يصعق الجميع ويكشف ما سيحدث خلال شهر شعبان يوم واحد مضت الصين تكشف عن اختراع مذهل وتبهر العالم وتهز عرش التكنولوجيا الأميركية وتسقط أسهم الذكاء الاصطناعي يومين مضت © حقوق النشر 2025، جميع الحقوق محفوظة | لموقع الميدان اليمني