وكيل الأزهر يطالب الدعاة بحفظ وحدة الأمة وحماية الشُّعوب من التمزق والتنازع
تاريخ النشر: 10th, November 2024 GMT
قال الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر، إن اجتماعنا اليوم لوضع رؤية للأمة الإسلامية من خلال التمكين التكنولوجي والاجتماعي والاقتصادي هذا العنوان يأخذنا من واقعنا إلى زمان كانت فيه حواضر الأمَّةِ ومُدنها موارة بالعلم والفكر والفقه والنظر والترجمة والشعر والأدب والفلسفة والفلك والصناعات والمخترعات وغيرها من مجالات العلوم، وكانت راية الإسلام إيمانًا وأمنا وعلما ترفرف في آفاق الدُّنيا، فاستطاعت الأمة حينئذ أن تحقق شيئًا من خيريتها، وكانت كما أراد ربُّها خير أُمَّةٍ أُخرجت للناس.
وأضاف وكيل الأزهر خلال كلمته بمحاضرة" الاتحاد قوة.. رؤية للأمة الإسلامية من خلال التمكين التكنولوجي والاجتماعي والاقتصادي"، بحضور السيد أنور إبراهيم، رئيس وزراء ماليزيا، ولفيف من قيادات الأزهر، أن الميراث الفقهي والفكري والحضاري الكبير الذي قدمته الأمة للدنيا، والذي لم يترك لنا اختيارًا إلا أن نكون أمةً واحدةً، والذي بين لنا كيف يمكن أن نحقق هذه الوحدة المنشودة، التي تستطيع إذا فمهناها وعملنا بمقتضاها أن نقف أمام أي أمة تحاول أن تتداعي علينا.
وتابع الدكتور الضويني، أنَّ الواقع مر ومؤلم، ولكن الوحدة في مستوياتها المختلفة أحد الحلول الحقيقية لمعالجة ما يمر به عالمنا الإسلامي اليوم من أحداث مؤسفة، في وقت غض العالم الطَّرف فيه عما يحدث اليوم في غزة ولبنان من جرائم الصهاينة أعداء الإنسانية، والتي تستباح فيها دماء أطفال ونساء وشيوخ وعجائز ومرضى دون وخز من ضمير حي، وعلى مرأى ومسمع من دول الديموقراطية وحقوق الإنسان.
وأردف فضيلته أن عقيدة الأمة تدور حول الإيمان بالله الواحد، خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل، وهو وحده سبحانه وتعالى المستحق للعبودية بلا شريك ولا ند؛ وحول هذه العقيدة المرشدة يدور حراك حياة الأمة بمجتمعاتها وأفرادها دينيا واجتماعيا وثقافيا واقتصاديا وسياسيا، أو هكذا ينبغي أن يكون، ومن ثم فإنَّ غياب المنهج المتكامل في الدين وفي التربية وفي الاجتماع وغير ذلك، أو التحول عنه اختيارًا أو نتيجة ظروف؛ ينبه الغافلين إلى أنَّ الأمة يجب أن تخرج من طريق الاستضعاف، ويوجب على حكمائها وعقلائها أن يوقظوا القلوب والعقول للسعي نحو تكريس منهج العبادة والسيادة والريادة في حياة النَّاسِ في أمور الاجتماع والسياسة والاقتصاد، وفي جميع المعاملات بين النَّاسِ، وهنا يظهر تخوُّفُ أعداء الأمة من استيقاظها، كثيرًا ما صرح مفكر وهم بهذا !.
وأكد وكيل الأزهر أنَّ ما تشهده الأمة الإسلامية من محاولات تشويه متعمد واتهام مقصود مما لم تتعرض له أمةٌ ولا دين لا يخفى على كل ذي بصر، وحسبنا أنَّ الله ناصر دينه، فمع كل كيد لا يزداد الإسلام إلا انتشارًا وقبولا لدى النَّاسِ؛ لأنَّه الدِّينُ الَّذي فيه الحلول الناجعة لجميع مشكلات البشرية وعللها، قال الله تعالى: يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ»، وإن تداعي الأكلة لا يكون إلا على قصعة ممتلئة بالخير، وإنَّ الأمة غنية بما عندها : عقيدةً وقلوبًا، وموارد وعقولاً، وهي قادرة بما يُتاح لها من فرص أن تتبوأ مكانتها، وأن تقوم بواجبها، وأن تؤدي رسالتها التي أُخرجت بها للنَّاسِ.
تقارب اقتصادي واجتماعيوبيّن أنَّ ما يحمله العصر من عطاء تكنولوجي وفرص تقارب اقتصادي واجتماعي يمكن للأمة أن تحسن استثماره في ضوء تاريخها وتراثها، إذا أحسنت قراءة ماضيها، وهضم تراثها، ومعرفة خصائصها، وأحسنت مع ذلك الاستفادة من كل طرح معاصر، كما أنَّ المقارنة بين تاريخنا وواقعنا توجب العمل على نقل عقلية المسلم من دائرة التَّبعيَّةِ والتَّلقي إلى دائرة الريادة والتقدم والإضافة على مستوى القلب والعقل والعلم والاقتصاد والثقافة وغير ذلك من مجالات الحياة، ولن يتم هذا إلا عن طريق العلم الواعي، الذي يعرف تاريخه وثوابته ومكامن قوته، ويحسن قراءة الواقع والمستقبل.
وجدد الدكتور الضويني ذكر الوصايا الأزهرية التي يوصي بها دائما رجال الأزهر
وعلماؤه، بأن يفهم العلماء والدعاة والمفكرون أن الواجب الأكبر عليهم أن
يكون همهم الأول حفظ وحدة الأمة، وحماية الشُّعوب من التمزق والتنازع الذي يبدأ بالإقصاء والتهميش والازدراء، ويصل إلى التكفير والتبديع والتفسيق لأدنى خلاف، وأما الوصية الثانية فهي: أن يعيد العلماء قراءة التراث وتقديمه للنَّاسِ، واكتشاف ما فيه من قواعد حاكمة جعلته يستجيب للحاجات الحياتية المتجددة على مدى زمني طويل.
وأضاف وكيل الأزهر أن الوصية الثالثة هي أن تُبنى برامجنا التعليمية والتثقيفية على ما يؤكد وحدة الأمة ويدعمها، وأن تنحي من حياتنا التعليمية والتثقيفية كل ما يعبث بهذه الغاية المقدسة، وكل ما يجدر لفرقة بغيضة أو اختلاف ممرض، وأما الوصية الرابعة فهي: أن يُفوّت العلماء والمفكرون والعقلاء الفرصة على المتربصين بالأمَّةِ الَّذين ينتظرون أي فرصة للطعن في ثوابتها وأصولها،ويعملون على تشويه هويتها .
واختتم وكيل الأزهر كلمته بأنَّ الأمَّةَ أُخرجها ربُّ العالمين للنَّاسِ كل النَّاسِ، تأمرهم بالمعروف من أمن وسلام وأمان، وتنهى عن المنكر من ظلم وبغي وطغيان، وأن إقرار السَّلام يجب أن يكون توجها عاما تعمل عليه كل المؤسسات والمنظمات والحكومات، وخاصةً المؤسسات المسندة بما لديها من مناهج مستقرة، وبما فيها من رجال أمناء، وبمثل هذا يتحقق السَّلامُ في أرجاء الكون.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: وكيل الأزهر الأزهر وحدة الأمة الدكتور محمد الضويني محمد الضويني وکیل الأزهر
إقرأ أيضاً:
وكيل الأزهر: الإسلام أولى الأسرة اهتمامًا بالغًا فجعلها أساس بناء المجتمع
أكد الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر الشريف، أن الإسلام أولى الأسرة اهتمامًا بالغًا، فجعلها أساس بناء المجتمع، وأقامها على أسس راسخة تضمن استقرارها وحفظ حقوق أفرادها، ولم يكن عقدًا من العقود أعظم من عقد الزواج، إذ وصفه الله تعالى في كتابه الكريم بأنه «الميثاق الغليظ»، وهو تعبير يدل على عظم المسؤولية وسمو الغاية التي يقوم عليها هذا العقد، فالزواج ليس مجرد ارتباط بين رجل وامرأة، بل هو شراكة سامية تهدف إلى إقامة حياة مستقرة قوامها المودة والرحمة.
وأوضح الدكتور محمد الضويني، خلال حديثه اليوم الأحد في الندوة التي نظمها جناح دار الإفتاء المصرية بمعرض القاهرة الدولي للكتاب، تحت عنوان «الزواج بين مفهوم الفصل ومفهوم الحقوق والواجبات»، أن وصف الزواج بالميثاق الغليظ يتطلب من الطرفين التزامًا بالحقوق والواجبات التي تكفل بناء أسرة متماسكة قادرة على مواجهة التحديات، مضيفًا أن الإسلام جعل للأسرة نظامًا متوازنًا يحفظ للرجل والمرأة كرامتهما ويضمن أداء كل طرف لدوره في تحقيق السكن النفسي والاجتماعي.
وتابع: الزواج مشروع ديني هدفه بناء أسرة متماسكة تُعنى بتربية الذرية على الخير والعدل، وتغرس فيهم القيم التي تجعلهم نافعين لدينهم ووطنهم. ومن أجل ذلك، دعا الإسلام الشباب إلى الزواج، باعتباره وسيلة لإعفاف النفس وحفظ الفطرة، وتحقيق السكن والمودة بين الزوجين، كما قال الله تعالى: «ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة».
وأضاف أن الزواج نعمة إلهية تتطلب الشكر والمحافظة عليها بأداء الحقوق والواجبات بين الزوجين، فهو ليس مجرد وسيلة لإنجاب الذرية، بل هو تآلف روحي وسكن نفسي، حيث تصبح المرأة ملكة في بيت زوجها بعهد شرعي مقدس، وتجد فيه من المودة والرحمة ما يفوق ما كانت تجده في بيت أبيها. وبذلك تتحقق الغاية السامية من الأسرة في الإسلام: السكينة والطمأنينة والمساهمة في بناء مجتمع آمن ومستقر.
وبيَّن أن المرأة الصالحة نعمة عظيمة تزيد من بركة بيت المؤمن، وهي خير ما يجده الرجل بعد تقوى الله سبحانه وتعالى، يقول رسول الكريم ﷺ: «إن أمرها أطاعت، وإن غاب عنها حفظته في نفسها وماله، وإن نظر إليها أسرّته». وهذا لا يتحقق إلا في أسرة مستقرة، قائمة على السكن النفسي والمودة والرحمة، حيث تكون النفوس مطمئنة والقلوب ملتقية على طاعة الله ورضوانه، بهذا التعاون، يُمكن للزوج والزوجة أن يأخذ كلٌّ منهما بيد الآخر إلى الجنة.
وأكد أهمية الإعداد المسبق والتربية الصالحة للشباب والفتيات المقبلين على الزواج، فيُربى الشاب على تحمّل المسؤولية وفهم أن الزواج ليس مجرد التزام اجتماعي، بل هو عهد ديني يتطلب منه الصبر والرعاية والقيام بحقوق زوجته التي تركت بيت أبيها بكل ما فيه من أُنسٍ وراحة، لتنتقل إلى بيته أملًا في الأمان والمودة، فعلى الزوج أن يُدرك أن الرجولة ليست فقط في إصدار الأوامر، بل في الصبر والتحمل وحسن المعاملة، وأن القوامة التي منحها الله له ليست للتسلط، بل مسؤولية مشروطة بالقيام بالحقوق والعدل.
وأشار إلى أنه من الناحية الأخرى يجب أن تُربّى الفتاة على تحمل المسؤولية في بيت زوجها، وأنها ستكون ملكة في هذا البيت، ليست مأسورة ولا ممتهنة، بل شريكة في بناء أسرة صالحة، وأن العزة الحقيقية للمرأة أن تكون في كنف زوجها، تعينه وتدعمه وتتحمله عند الشدة والغضب، ولا تُسرع إلى ترك بيت زوجها، فالزواج سكن وراحة نفسية بين الزوجين، والمرأة تترك بيت أبيها الذي نشأت فيه وتدللت فيه، لتنتقل إلى بيت زوجها بعهدٍ شرعي مقدس، فيصبح كل منهما سكنًا للآخر، لا يشعر بالراحة إلا حينما يخلد إليه.