عربي21:
2024-11-13@03:59:22 GMT

من دنشواي إلى غزة.. مائة عام من المشانق

تاريخ النشر: 10th, November 2024 GMT

حين كنت طالبا في جامعة القاهرة، زار العاصمة المصرية صحفي فرنسي وأجرى لقاءات صحفية مع عدد من طلاب الجامعة وكنت واحدا من هؤلاء؛ حول الأنشطة الجامعية والأوضاع العامة في البلاد. وبعد انتهاء المقابلة سألته عما إذا كان سيعود لفرنسا بعد انتهاء رحلته أم سيزور دولا أخرى؟ فقال إنه سيذهب إلى إسرائيل. فطلبت منه أن يعطيني رأيه من دون مجاملات في مسألة القضية الفلسطينية وكيف نشأ وتربى حول هذه القضية.

فقال: بصراحة نحن نشأنا أن فلسطين ومعظم دول الشرق الأوسط هم أناس فلاحون غير متحضرين، تحاول إسرائيل أن تعلمهم الحضارة والتقدم ولديهم ممانعة شديدة في ذلك.

هذا المنطق الذي لخصه الصحفي الفرنسي هو ذاته مضمون مرافعة إبراهيم الهلباوي، ممثل النيابة عام 1906، في محاكمة ظالمة أقيمت في قرية دنشواي التابعة لمركز الشهداء بمحافظة المنوفية والتي حوكم فيها مصريون وأعدموا وسُجنوا على يد الاحتلال الإنجليزي. إذ ركز في مرافعته على أفضال الاحتلال الإنجليزي على البلاد والعباد، وهو ذات المنطق الذي يستخدمه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في خطابة للغرب تبريرا لوحشيته في غزة، زاعما دفاعه عن الحضارة والتقدم.

نموذج المشانق الذي يقع في ساحة متحف قرية دنشواي الآن على الأرض ذاتها التي شهدت هذه الحادثة الشهيرة يذكر بالإرث الاستعماري الثقيل عام 1906 للاستعمار البريطاني؛ الذي نفذ مذبحة وحشية بمحاكمة صورية لفلاحين أبرياء وصل صداها لأروقة الإمبراطورية البريطانية وكانت كفيلة بإقالة المعتمد البريطاني آنذاك اللورد كرومر. وهو نموذج صغير جدا لما يحدث في غزة حاليا بعد أكثر من مائة عام، وإن لم تتغير الأدوات والقواسم المشتركة.

دنشواي كانت ولا تزال قرية صغيرة وسط الدلتا أوائل القرن الماضي، في وقت لم تكن هناك وسائل إعلام بالشكل الذي نعرفه اليوم. ولكن وحشية الاحتلال الإنجليزي وغطرسته جعلت من القرية وقتئذ أيقونة ومثالا استفز الضمير العالمي وخاصة في بريطانيا، وهي إمبراطورية مترامية الأطراف، كما حفز الكتّاب والمفكرين الإنجليز على التنديد بها. ولم تكن هناك جاليات عربية ومسلمة في الغرب تشارك في فضح وحشية الاحتلال، غير أن جهود شخصيات وطنية شابة مثل الزعيم مصطفى كامل كانت ذات تأثير كبير، حيث سافر وكان يكتب في الصحف ويقيم الندوات يعرض فيها لتفاصيل وحشية الاستعمار في التعامل مع أبناء القرية.

إن غرور المحتل وغطرسته لم تتغير منذ 1906 وحتى عام 2024، وكذلك النظرة الدونية للآخر الواقع تحت الاحتلال، كما لم تتغير فكرة العدالة الانتقائية والصورية لتبرير الجرائم وخير دليل عليها موقف إسرائيل من محكمة الجنايات الدولية، وكذا التبريرات ذات المسوح الوطنية لجريمة الاحتلال التي جسّدها قاضي المحكمة بطرس باشا غالي وممثل النيابة إبراهيم الهلباوي؛ اللذين كانا أدوات الاستعمار في تنفيذ المذبحة.

منطق الأمور كان يفيد بأن ما يحدث في بقعة صغيرة في العالم يبقى داخل هذه البقعة، ناهيك عن أن تكون هذه البقعة قرية صغيرة وسط الدلتا بعيدة عن وسائل الإعلام أو في قطاع محاصر منذ سبعة عشر عاما وسط تواطؤ إقليمي وتآمر دولي، غير أن الوحشية كانت كفيلة بأن تعبر بها الحدود لتوقظ الضمير العالمي.

الفارق الأبرز بين دنشواي 1906 وغزة 2024 أن حاكم مصر المحتلة آنذاك كان الخديوي عباس حلمي الثاني، الشخصية الوطنية التي لم يمنعها الاحتلال الذي ورثه من التصدي للمستعمر ودعم التيارات الوطنية والتحالف مع السلطان عبد الحميد الثاني ضد الإنجليز، حتى دفع ذلك ثمنا غاليا وهو خلع الإنجليز له عام 1914 وهو خارج البلاد، وظل في منفاه حتى توفي في سويسرا عام 1944.

x.com/HanyBeshr

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه المصرية دنشواي الاحتلال غزة الجرائم مصر غزة الاحتلال جرائم دنشواي مقالات مقالات مقالات رياضة سياسة سياسة تفاعلي سياسة مقالات رياضة صحافة صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

حزب الله: بعد 45 يوماً من القتال.. الاحتلال عاجز عن احتلال أي قرية لبنانية واحدة

الجديد برس|

أكد مسؤول العلاقات الإعلامية في حزب الله، محمد عفيف، أن الاحتلال الإسرائيلي فشل في احتلال أي قرية لبنانية على الرغم من مرور 45 يوماً منذ بدء هجومه البري.

جاء ذلك خلال مؤتمر صحفي عقده اليوم الإثنين، حيث أشار عفيف إلى أن المعارك الميدانية أثبتت عجز العدو عن تحقيق أهدافه، مستشهداً ببطولة المقاومين في ملحمة قلعة الخيام التي أصبحت رمزاً للصمود.

وفي خطابه، وجّه عفيف رسالة واضحة لكيان الاحتلال الصهيوني قائلاً: “لن تكسبوا حربكم بالتفوق الجوي والغارات وقتل المدنيين من النساء والأطفال”، مشدداً على أن المقاومة لا تزال تملك قدراتها الصاروخية رغم الادعاءات الإسرائيلية بنفاد مخزونها. وأضاف: “صواريخنا هي الرد على تلك التخرصات”.

وخاطب العفيف مجاهدي المقاومة قائلاً: أن “وقائع الميدان الفعلية في يدكم أنتم وحدكم أيها المجاهدون وستكون لها الكلمة الفصل في السياسة وربما مصير الشرق الأوسط”.

من جهة أخرى، اعترف رئيس موشاف مرجليوت، التابعة للاحتلال الإسرائيلي إيتان دافيدي، بعجز الاحتلال عن هزيمة حزب الله، حيث أبدى استغرابه من تصريحات وزير الحرب الإسرائيلي الجديد التي زعمت تحقيق انتصارات ضد المقاومة.

وقال دافيدي: “صحيح أن حزب الله تلقى ضربات، لكنه بعيد جداً عن الهزيمة”.

بدورها، نقلت قناة 12 العبرية عن أحد مستوطني افن مناحيم في الجليل الغربي قوله: “أوضح لنا جيش الاحتلال أن حزب الله بات على بعد 3 كيلومترات من الحدود، ولكن تبين أن هذا غير صحيح على الإطلاق، حيث أطلقوا صواريخ من نقطة قريبة جداً من الحدود قبل يومين”.

مقالات مشابهة

  • جيش الاحتلال الإسرائيلي ينذر سكان 14 قرية في جنوب لبنان بالإخلاء
  • جيش الاحتلال الإسرائيلي يطالب 20 قرية في جنوب لبنان بالإخلاء الفوري
  • حزب الله: بعد 45 يوماً من القتال.. الاحتلال عاجز عن احتلال أي قرية لبنانية واحدة
  • الاحتلال يطالب 20 قرية في جنوب لبنان بالإخلاء
  • رسالة من الأسير حسن سلامة لخطيبته تكشف وحشية الاحتلال بحقهم
  • الاحتلال يهدم قرية العراقيب للمرة 232
  • شؤون الأسرى الفلسطينية: الاحتلال يمارس انتهاكات وحشية بحق معتقلي قطاع غزة
  • "شئون الأسرى الفلسطينية": الاحتلال يمارس انتهاكات وحشية بحق معتقلي قطاع غزة
  • بين الخوف والأمل.. ما الذي تعنيه عودة ترامب لكل من الاحتلال الإسرائيلي والفلسطينيين؟