هاشم صديق.. شـقـشـقـات خـارج الـقـفـص
تاريخ النشر: 10th, November 2024 GMT
هاشم صديق.. شـقـشـقـات خـارج الـقـفـص
طلال دفع الله
“هذا الذي نحن فيه رأي لا نجبر أحداً عليه، ولا نقول يجب على أحد قبوله بكراهية”
(أبو حنيفة، الانتقاء)
ثمة، في مجموعة الأستاذ هاشم صديق الشعرية الموسومة بـ (انتظرى)، ثمة عدة أمور لابد وأن تلفت عنق العقل والوجدان والتأمل وأحداقها، وهي ستشكل بذلك محطات لا بد من التوقف عندها بكل هذه الحواس والأحاسيس المستثارة.
الأمر الأول، هو جغرافيا الزمان والأمر الثاني جغرافيا المكان والأمر الثالث اللونية الشعرية، وأخيراً المقدمة التي كتبها الشاعر نفسه.
جغرافيا الزمان والمكان:
تاتي المجموعة فى زمان تتهيأ فيه البلاد للاحتفال بمهرجان ثقافى يُعنى (بحسب التسمية) بثقافة جزء مقدر من أهل السودان وتغييب ثقافات أجزاء أخرى من شعب الوطن.. وهو احتفال، شاء المرء أم أبى، يسمه أول ما يسمه السياسي بأدواته الاعلامية.. التنفيذية والامنية المراهنة على سيادة تيارها الثقافي السياسي والتيارات الأخرى الموالية لها أو المتعايشة معها أو الساكتة عنها، مستصحباً – السياسي- كل ادواته المتاحة ومستغلاً لها فى صورة تشي بأحاديته، واعتقاده الواهم بتمتلاك الساحة الثقافية ومن عليها، أو على اقله تغييبه لمن يرى أنه يسبح عكس تيار نهره الخاص.
إذن، وفي مثل هذا الظرف الزماني/ المكاني وتحت وطأته القامعة بقوانينها السارية أو المجمدة وقتياً، بينما هي على أهبة التحريك متى ما رأى السياسي ذلك، فى هذا الظرف الزماني/ المكاني تحديداً، تخرج المجموعة للناس بالذي احتوى من تضاد فلسفي فكري مبدئي وسياسي.. ومن شاعر جرَّب وخبـِر السياسي وأدواته بمختلف اشكالها، ولهذا، وبكامل وعيه وعلمه بالمغبات التي ستنتج، ألقى، وبكل ما أوتي من استنارة ووعي، بكلمته التى تـُعد ـ وبكل المقاييس ـ مناوئة لمشروع قائم ومدجج بكامل أدواته القمعية، بل وفى أدق فتراته وأشدها حرجاً، وترْكِ نظامِه لباب المعتقل موارباً. فى مثل هذا المناخ الزماني/ المكاني المتقلب بين اقصى درجات اللهب وأدنى درجات الزمهرير، تكون اكثر الظواهر سيادةً هى تساقط كثير من الأوراق من على أغصان شجرة الوطن الإبداعية النضالية المصادمة، التى كتب عليها قدرها أن تقاوم، وفي بسالة نادرة، كل أشكال الرياح والأعاصير بمختلف تسمياتها القهرية، الاستعمارية الأجنبية والوطنية، التي قدرها، أيضاً، أن تظل ظليلة ومثمرة لشعبها، من لدن خليل فرح وما قبله، وصولاً إلى الدوش وهاشم صديق ومحجوب شريف ومحمد الحسن سالم حميد ومحمد طه القدال وكمال الجزولي والكثير من الحاضرين، الذين تجذروا فى الوطن فتجذر فيهم الوطن، كما والكثير من الآتين. فالذى جعل عطر خليل فرح والدوش نافذاً عبر الأزمنة، هو نفسه الذى يعطي الخلود لعطر الآخرين فى حواس شعبهم، طالما ظل نقياً وغير ملوث.
اللونية الشعرية:
أطول من السور القلمتعظيم سلام
للكلمة.. الما بتسبح للمكوك
ولي كل والى أكان ظلم.
أعظم من الوطن.. الوطن.
(من القصيدة الاولى للمجموعة “برولوج”)
هذا هو الرهان الذى سار عليه – وإلى الراهن- الشاعر خلال مسيرته الإبداعية الفكرية بمختلف تنوعاتها، وفى مد متصاعد، لم يسجل خط بيانه نكوصاً أو مهادنة، لا مع الذات ولا مع الآخر.
*انتظري
ورد الدم فى الشارع فتح
اليأس اتضارى
ودنقر راسو فى وش الغاره
والفجر الرابع
زاحف فارع.. بي غبنو ملفح.
(من قصيدة “تنتظري “التي سميت بها المجموعة، وهى مهداة: إلى روح شهيدة كلية التربية – جامعة الخرطوم- الطالبة التاية).
هذان مثالان ابتدائيان من مجموعة (انتظري) الصادرة عن “دار عزة للنشر والتوزيع” والمحتوية على ثلاثة عشر قصيدة. اثنتا عشر منها بالعامية والأخيرة بالفصحى، والقصائد تختلف طولاً وقصراً وتتفق موضوعاً ورؤىً. وقد احتوت على قصائد من تلك التى اشعلت حرائقَ وجدلاً ابان نشرها أو حجبها ولاتزال، إذ استطاع الشاعر/الشعب من توصيلها بوسائل انتشار أخرى، كالانترنت والفاكس والنسخ اليدوى والتصوير والحفظ …الخ
مثل ذلك قصيدتي (صالح عام) و(قرنيته)، ما جعل الذاكرة تستدعي افادات الشاعر لصحيفة (ظلال) _الخميس 18 يونيو 1996 م _ التي جاء فيها :
“ان تؤمن السلطة بحق الفنان فى مساحة الحرية التى تعينه ليفجر طاقاته الفكرية والإبداعية لخدمة الحق والحقيقة، وأن يقدر الفنان مساحة الحرية التى يستخدمها بان يكون ضميراً لوطنه وأمته، وان يكون على قدر مسؤولية تلك الحرية .. ولكن بالطبع هذه المعادلة قابلة كثيراً “للخرق” خصوصا من جانب “السلطة ” لأن السلطة _أي سلطة _ لا تتحمل ان تسمع كلمة “لا” بصوت مرتفع .. و”لا” الفنان موجعة لأنها لو صدقت بصيرتها وأسبابها تكون “لا” الغالبية العظمى من الجماهير، لأن الفنان “الضمير” نافذ البصيرة، راجح العقل، لديه حاسة النبوءة بالزلازل والأعاصير، وهو طائر “البشارة” الذي يحب ان يشقشق خارج القفص”.. وهو يستطيع ان يرى ما لا تستطيع أن تراه “السلطة” وما لاتريد السلطة ان يرى. وبصراحة سوف تظل علاقة الفنان والسلطة علاقة تنافر وتضاد الى ان يرث الله الارض وما عليها.
الوسومرحيل هاشم صديق شاعر سوداني هاشك صديق
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: رحيل هاشم صديق شاعر سوداني
إقرأ أيضاً:
نجم الفرقد
لطالما كان للنجوم حضور قوي في الثقافة العربية، ولا تزال الكثير منها تحمل أسماء عربية حتى اليوم، وقد ورد ذكرها في القرآن الكريم، حيث قال الله تعالى في سورة الأنعام: «وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ»، وارتبط العرب بالنجوم بشكل وثيق، فأطلقوا عليها أسماء ووصفوها بدقة، ولم يقتصر تأثيرها على علم الفلك وحسب، بل امتد أيضًا إلى الشعر والأدب، حيث تغنّى بها الشعراء وحيكت حولها الأساطير، مستخدمين إياها لرسم صور خيالية تربط بين النجوم وتوضح مواقعها في السماء ضمن حكايات وقصص مشوقة.
والنجم الذي نتحدث عنه اليوم هو نجم الفرقد، ويسميه العرب أيضًا الفرقدان، وهو نجم يأتي متلازمًا مع نجم آخر، فـيظهران فـي السماء بالقرب من نجم القطب الشمالي، فـي كوكبة الدب الأصغر، وجاء فـي لسان العرب أن معنى كلمة الفرقد هو صغير البقر، كما أن العرب كانوا يشبهون هذين النجمين بالأخوين اللذين لا يفترقان أبدًا، ويقال فـي التراث العربي عنهما «لا ينام الفرقدان»، فـي إشارة إلى أن هذين النجمين يُشاهدان طوال الليل فـي السماء، ويعد نجم الفرقد من ضمن أكثر النجوم ورودًا فـي الشعر العربي، فهو يُضرب به المثل فـي الرفعة والعزة والمنعة والشرف، فأكثروا من ذكره فـي قصائدهم على مر العصور. وقد اعتمد البحارة العرب على نجم الفرقد فـي تحديد الاتجاهات أثناء رحلاتهم البحرية، خاصة فـي الليل، نظرًا لثبات موقعه النسبي فـي السماء الشمالية، كما أنه يُرى طوال العام ولا يغيب تحت الأفق، وقد ذكره البحار العماني الشهير أحمد بن ماجد فـي منظوماته الفلكية مبينًا موقعه وطرق الاستدلال به فـي السماء. وإذا أتينا إلى ما قاله العلم الحديث عن هذا النجم، فنجد أن الدراسات تقول إن هذا النجم العملاق الأبيض يُقدَّر بحوالي 9 أضعاف قطر الشمس، كما أن درجة حرارة سطحه تصل إلى 7100 درجة مئوية، وهذا يعني أنه أكثر حرارة من شمسنا، ولذلك، هو أكثر لمعانًا من شمسنا بحوالي 420 مرة على أقل تقدير، ويبعد عن الأرض بحوالي 97 سنة ضوئية. وأما عن حضوره فـي الثقافة العربية، فقد تحدثت عنه كثيرًا كتب التراث، وتناوله الشعراء بكثرة فـي قصائدهم، ولو أتينا إلى الشعر العماني لوجدنا أن أشهرهم ذكروه فـي قصائدهم، فهذا الشاعر العماني أبو مسلم البهلاني يذكره فـي إحدى قصائده الوعظية، ويقول إن الزوال سيصل حتى نجم الفرقدين، فقال:
سيعلو البلاء إلى الفرقدي
ن ينتهب الصحبة الخالدة
ويصدع فـي قبة الشمس من
غوائله صدعة صاعدة
أما الشاعر سليمان النبهاني فقد ذكر هذا النجم فـي قصيدة غزلية شبه فـيها نجمي الفرقدين بعيني حبيبته، فقال:
تَيَّمت قلبي بعينيْ فرقدٍ
مُفردٍ فاجأه الرعبُ لَهِقْ
وبخّدِ عَندمّيٍ واضح
بمياه الحُسن ريَّانَ شرِقْ
وفـي قصيدة غزل أخرى يقول:
كالفَرقدِ الأحوى الأغرّ إذا
لرْبرَبهِ تبدَّى
تفترُّ عن كالأقْحَوان
سقاهُ نوءُ النجم رَعدا
ونجد الشاعر ابن شيخان السالمي يورد هذا النجم فـي معرض مدحه لممدوحين ويقول إنهما ارتفعا عزًا وشرفًا على نجمي السها والفرقد، فقال:
لكن نجوتم بالهُمَامَيْنِ اللذي
ن انحطَّ دونهما السها والفرقدُ
والنصرُ أقبل فاتحًا أبوابه
لهما وقال لجوا ببابي واصْعدوا
ويقول فـي قصيدة أخرى:
ليلي وليلكم يؤرَّق
ذا وهذا يرقُدُ
لكم التنعم فارقدوا
ولي السها والفرقدُ
مالي وللدهر المُعَ
ادي دائمًا يتهدّدُ
ولو نظرنا إلى أشعار الستالي لوجدنا أنه أيضًا أورد هذا النجم وقرنه بنجم السها كما فعل ابن شيخان، وقد جاء ذكره فـي قصيدة مدح مخمسة، فهو يقول:
له الفخارُ كلُّه من الغمام ظِلّهُ
ووبّلهُ وطَلّهُ وفـي العُلى مَحّلهُ
حيثُ السهُّا والفَرقدُ
وأما الشاعر سعيد بن مسلم المجيزي المشهور بأبي الصوفـي، فنجد أنه ضمن هذا النجم فـي بعض قصائده فـي المدح، فهو يقول:
يومٌ تَضمَّخ بالفَخارِ أَديمُه
فغدا بسطح الفرقدين وراحا
فانْعَمْ نَعِمْت أبا سعيد إنما
بختانِ نجلِك قَدْ نعمتَ صباحا
ومن الشعراء الذين أوردوا ذكر الفرقد فـي قصائدهم الشاعر المشهور «ابن رزيق»، وهو حميد بن حمد بن رزيق، الذي يقول فـي إحدى قصائد المدح:
لا والذى للحُسنِ أودعَ وجْهَهُ
قمرًا وقلَّدَ نَحرَه بالفرقدِ
وجَلا ظلامَ البُؤْسِ عنّا والعَنا
بشباةِ صَمْصامِ الأمير محمدِ
ونجد كذلك فـي ديوان الشاعر هلال بن سعيد بن عرابة ذكرًا لهذا النجم فـي قصيدة مدح، يقول فـيها:
بسيفٍ يباري البرقَ يفري به العِدا
ولم يَبْقَ من أجسادِهم أبدًا جَزْلُ
وناديه فوقَ الفرقديْنِ محلُّه
وأعداؤه طُرًّا يَدُوْسهم النَّعْلُ