منهال الأمين
أظن أننا قطعنا في الأحداث الجسام التي عايشناها في أواخر ايلول المنصرم، مرحلة بلوغ القلوب الحناجر. ما سمعه المرء منا طيلة سني عمره عاشه الآن حقاً. ماذا أكثر من أن نفقد في أيام قليلة جزءًا وازنًا من قيادة المقاومة، وعلى رأسهم القائد نفسه. وقد سبق هذه الأحداث الجليلة مجزرتا البايجر والأجهزة اللاسكلية.
لا شك أن تقبل ما جرى وما زال يجري يحتاج إلى جسارة غير عادية، إلى شحذ كل أدوات الصبر والتحدي والصمود. ولكن أبناء مدرسة المقاومة ليسوا بحاجة إلا لأن يقفوا وجهًا لوجه أمام حقيقة تراثهم، وهذا التراث يجب أن يتجلى اليوم حقيقة واقعة لا مجرد شعائر وشعارات. من البديهي أن يستحضر الواحد منا في هذه اللحظات العصيبة مشهد الإمام الحسين (ع) في كربلاء. كان عداد جيش الإمام عليه السلام سبعين رجلاً أو ينوف قليلاً. أكتب الآن وقد بلغ عدد السعداء في بلدتي شقراء نحو سبعين، معظمهم واسوا شهداء كربلاء حيث إنهم إما تحت الردم أو في العراء، من دون غسل أو كفن أو تأبين أو صلاة أو عزاء، فأهلهم في أربع جهات الأرض نازحين قسراً. هناك في شقرا وبرعشيت ومجدل سلم وعيترون وميس الجبل وعيتا الشعب وكفر كلا وبليدا وعيترون وعيناثا وبنت جبيل والجميجمة والصوانة والضهيرة ورامية، وباقي شقائق النعمان العاملية، قضى الأب وابنه و الأب وابناه، والأخ وأخوه أو أخواه، والصهر وعمه والصهران والعديلان والصديقان والأصدقاء…
باتت البيوت التي تخلو من شهيدين أو ثلاثة قليلة. نموذج ٥ شهداء: عائلة الحاج جعفر قصير الذي بدأ بابنه أحمد أمير الاستشهاديين في العام ١٩٨٢، وظل قطار الشهادة يمر في منزله حتى هذه الحرب حيث قدم ابنيه في غضون بضعة أيام، وأحدهما هو صهر سماحة الأمين العام الشهيد. ومن الفتى ذي الـ ١٦ ربيعاً (مرتضى تميم مثالاً) إلى الشيخ الذي شارف على السبعين(السيد سهيل الحسيني/السيد أحمد).
بات كل منا يسأل نفسه: إلى أين سنعود وما حالنا والكل قد رحلوا؟!
عند كل مأساة وكل وجع وكل آه هناك من يأخذ بأيدينا، يهدئ من روعنا، يتلو علينا من كتاب الصبر والتحمل والثبات، فنركن إليه هادئين مطمئنين. فأينه اليوم؟!
قبل غروب ذلك اليوم العظيم، ٢٧ أيلول ٢٠٢٤، صمّت آذاننا تلك الانفجارات التي لن ننساها، وغطت أعيننا تلك السحب التي اتصلت بين الأرض والسماء. لم ندرك لبرهة ما حصل. ولكن تلك الأصوات وتلك السحب كانت تنبئ بعروج هذا السيد الجليل الذي سكن وعينا وقلوبنا وعقولنا طيلة عقود. إنه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله. هل حقاً استشهد السيد؟ ومَن مثل السيد كيف لا يستشهد؟! قولوا غير هذا الكلام يا جماعة! سيدنا وعدنا بأن يصلي في القدس، وهو وعدنا بأمور كثيرة، وهو صاحب الوعد الصادق…
نعم، وصاحب الوعد الصادق لا يخلف موعداً مع الشهادة. أكاد أجزم – ولا معلومات أملكها عن الأمر ولكنه اليقين بشخصه – أن سيدنا افتدانا بنفسه. هو علم أن الأرض تضيق بما رحبت، كما يعبر السيد ذو الفقار عن توقعه للحرب المقبلة، ومع هذا، فالسيد لم يغادر الضاحية. كثيرون يتلهون وينشغلون بأسئلة يظنون أنها بلا إجابة: لمَ لمْ ينتقل سيد شهداء الأمة إلى مكان آمن؟ يفترضون أنه خارج لبنان أو على الأقل خارج الضاحية. ربما داخل مدينة بيروت أو في أي منطقة من لبنان تعد أقل خطرًا، بسبب بعدها عن المناطق التي تنشط فيها المقاومة! ولكن، هل كنا نتوقع أن يتخذ سماحته (قده) مثل هذه الخطوة؟ وما الهدف؟ أينجو بنفسه؟ أيعرض أهلنا في تلك المناطق لخطر الاستهداف؟ أيبقى ونقتل؟ حاشا وكلا لهذا القائد المضحي أن يهرب أو يتهرب. لقد ساوى نفسه بآخر مجاهد في أبعد نقطة على جبهة الجنوب أو في البقاع أو في الضاحية أو حتى في أي منطقة من لبنان، حيث كان العدو يلاحق أي مجاهد، وكل مجاهد أصبح استشهادياً، فما بالكم بسيد المجاهدين، سيد المقاومة الذي قال في تأبين الأمين العام الرمز الأول، السيد عباس الموسوي (قده): هذا الطريق سنكمله ولو قتلنا جميعاً. وإن أمة يستشهد أمينها العام ستنتصر لا محالة. وحزب الله أمة المستضعفين، والأمة لا تموت. هكذا بدأ مسيرته ببضعة شبان لا يملكون من العتاد إلا القليل، فقاومت عيونهم كل المخارز التي زرعت في طريقهم. وشهادة سيدهم الرمز الأول السيد عباس الموسوي أطلقت فيهم طاقة وشعلة وهاجة تسنّم سيدهم الرمز الثاني، السيد حسن نصر الله، مسؤوليتها بكل همة وشجاعة وحكمة، فعبر بنا إلى شاطئ النصر والتحرير، واستحال الحزب قوة إقليمية. وهذا بفعل تضحيات كبيرة وقاسية، بدءاً من أبي حسن سلامة والقائد الجهادي الكبير، الحاج عماد مغنية، والسيد ذو الفقار وأبي محمد الإقليم وأبي محمد سلمان، وصولاً إلى الحاج أبي طالب والحاج أبي نعمة والسيد فؤاد شكر والحاج عبد القادر، وبين كل هذه الحقب وحتى اليوم قدمت المقاومة العشرات من القادة والشهداء من قوات النخبة وقوات التعبئة ومختلف التشكيلات. وكان درة تاج التضحيات، درة لبنان الساطعة، السيد حسن نصر الله(قده).
إلا أن كل هذا لم يفت من عضد المقاومة، وكل فرد فيها بدءاً من أمينها العام قد وطن نفسه على المضي لنيل إحدى الحسنيين، إما النصر وإما الشهادة. وطوبى لحزب يجمع الحسنيين والمجد من كل أطرافه. طوبى لحزب لم يقبل أن تباد غزة وشعبها الأبي المعطاء من دون أن يبذل الغالي والنفيس في سبيل دعمه والتضامن معه. مع كل ما قدمه أطراف المحور الذهبي من اليمن إلى العراق إلى سورية إلى الجمهورية الإسلامية، من دعم بكل ما أوتوا من قوة.
دم كدم السيد حسن نصر الله لا يذهب هدراً. هو من صنف الدماء التي تملك من المواصفات الروحية والعرفانية والطهارة ما يجعلها وقوداً يحيي كل الأمة من أقصاها إلى أقصاها.
أمس أحضر مواطن أحدهم ولده المولود حديثاً إلى المشفى حيث كنت أنتظر دوري عند الطبيب، وحين سمعت بكاء الطفل توجهت إلى الوالد بالتهنئة فقال لي: لقد ولد يوم تلقينا نبأ استشهاد السيد حسن نصر الله، فأسميته حسنًا. فكم من حسن سيولد في الأمة ينشد نصر الله إلى يوم كان وعده مفعولاً.
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: السید حسن نصر الله
إقرأ أيضاً:
كيف وصل مشروعُ الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي إلى العالمية؟
يمانيون../
يحيي اليمنيون هذه الأيّامَ الذكرى السنوية للشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي -رحمه الله- الذي أسّس مداميكَ المشروع القرآني.
وتأتي هذه الذكرى الأليمةُ والفاجعة الكبرى لاستشهاد حليف القرآن والمسيرةُ القرآنيةُ تشهدُ تطورًا كَبيرًا تجاوَزَ المنظورَ المحلي والإقليمي والدولي؛ ليصل إلى العالمية.
وفي إحدى ملازمه يؤكّـد الشهيد القائد أن “من أعظم نكبات الأُمَّــة الإسلامية أن تفقد عظماءَها وقادتها من أعلام الهدى”؛ وذلك لما يحملونه من فكر نيِّر، ومنهجٍ صحيحٍ يرقى بالأمة الإسلامية ويقودها إلى بر الأمان.
ومن محاسن الأمور وملامح اللطف الإلهي أن منَّ الله على الشعب اليمني بقائد حكيم، شقيق للشهيد القائد، ومرادف له في العظمة، والحنكة، والثقة المطلقة بالله رغم أنه من المعروف تاريخيًّا أن كُـلّ أُمَّـة تفرِّط بعلم من أعلام الهدى تعيش فترة تيه لسنين من الزمن، غير أن الإرادَة الإلهية قضت بتهيئة السيد القائد عبدِالملك ليقودَ المشروع القرآني الذي بدأه أخوه الشهيد حسين بدر الدين الحوثي -رضوان الله عليه-.
وبتأييد إلهي كبير ورعاية ربانية استمر المشروع القرآني في التوسع والنهوض بالرغم من مواجهته العديد من الصعاب والعراقيل التي وُضعت أمامه؛ بهَدفِ القضاء عليه، بدءًا بالسلطة الظالمة، مُرورًا بأصحاب الأفكار الطائفية والمذهبية، ثم التكالُب العالمي ضد اليمن بقيادة السعوديّة والإمارات، والتي استمرت في حرب ظالمة ضد اليمن لعشرة أعوام متتالية، وُصُـولًا إلى التورُّط الأمريكي المباشر في العدوان على اليمن، حَيثُ سعى أعداءُ المشروع القرآني للقضاء عليه بمختلف الوسائل والطرق، غير أن الإرادَة الإلهية كانت وما زالت حاضرة بقوة مع المشروع القرآني ليمثل معجزةَ العصر المجدِّدةَ للقرآن الكريم.
نقلة نوعية لليمن
وللتأكيد على حيوية هذا المشروع يؤكّـد النائب الأول لرئيس الوزراء، العلامة محمد مفتاح أن الشهيد القائد -رضوان الله عليه- أسّس مشروعًا تحرّريًّا قرآنيًّا أسهم بشكل فاعل في إحداث نقلة نوعية لليمن على المستوى العالمي.
ويوضح أن الشهيد القائد “صنع نموذجًا قويًّا ومشرِّفًا للأُمَّـة الإسلامية في مقارعة الباطل”، مؤكّـدًا أن “المسيرة القرآنية لا سِـيَّـما بعد طوفان الأقصى وصل صداها للعالم أجمع”، موضحًا أنه “لم يعد أي شخص في الكرة الأرضية لم يعرف المشروعَ القرآني ولا المؤسّس له”.
ويبيّن أن “الشهيدَ القائدَ ومشروعَه القرآني أصبح الرقمَ الأولَ عالميًّا في مواجهة الهيمنة الأمريكية وغطرستها، مُشيرًا إلى أن اليمن أصبح بعد معركة طوفان الأقصى العظيمة منارًا للعالم، كما أنه أصبح ملاذًا للمستضعفين، وصوتًا للمكلومين من مختلف بلدان العالم”.
ويلفت إلى أن اليمنيين حملوا الراية في مواجهة قوى الشر العالمي أمريكا و”إسرائيل” وحلفائهم، وهذه نعمة كبرى منَّ بها الله على الشعب اليمني، موضحًا أن الذكرى السنوية للشهيد القائد -رضوان الله عليه- تمثل محطة لاستلهام الدروس، والعبر من تضحياته.
وقال: “لقد أوجد المشروع القرآني للأُمَّـة الإسلامية مستقبلًا عظيمًا بعد أن فقدت بريقها، وأصبحت خانعة ذليلة لا تجرؤ على مواجهة الباطل، ليأتي المشروع القرآني كمنقذ للمسلمين، ومخلِّصٍ لهم من جور الطغيان الأمريكي وضلاله المبين”.
وفي هذه الجزئية يؤكّـد العلامة مفتاح أن مستقبل المشروع القرآني واعد بالنصر الإلهي المؤزر والغلبة على أعداء الدين والعقيدة من اليهود وحلفائهم.
“ويستلهم اليمنيون خلال الذكرى السنوية للشهيد القائد من خطابات السيد القائد العَلَمِ عبدِالملك بدر الدين الحوثي -يحفظه الله- التوعويّة الدروسَ والعبر من، التي تمثل برنامجًا عمليًّا للأُمَّـة الإسلامية يفلحُ كُـلّ من يسير عليه، ويخيب كُـلّ من يتخلف عنه”.
وتتزامن الذكرى الأليمة مع الذروة التي ترافق المشروع القرآني، والذي أصبح عالميًّا بعالمية المشروع وعالمية المسيرة القرآنية.
وفي السياق يؤكّـد رئيس الوزراء أحمد الرهوي أن “الشهيد القائد بنظرته الحكيمة والواعية للأمور وتشخيصه الدقيق للأحداث واستشرافه للمستقبل جعل المشروعَ القرآني مشروعًا كونيًّا بعد أن كان مشروعًا محصورًا في منطقة محدّدة”.
ويوضح أن “صدق النوايا التي حملها الشهيد القائد هو ورفقاؤه وثباتَهم على المبدأ القرآني شكّل عاملًا قويًّا وأَسَاسيًّا في نهضة المشروع القرآني وارتقائه للعالمية”.
ويبيّن أن “المشروعَ القرآنيَّ ترجم عمليًّا جدوى اتّباعه وأن من يتمسك به ويعمل بما فيه فَــإنَّ النصر حليفُه مهما كانت عدةُ وعتادُ العدوّ”، مستدلًا بمعركتنا التاريخية والمفصلية في مواجهة قوى الهيمنة الأمريكية والبريطانية وكيف تغلَّب عليهم.
سر النصر اليمني
في معركة البحر الأحمر اندهش العالم، وانصدم العدوُّ الصهيوني والأمريكي والبريطاني وحلفاؤهم بصمود الجيش اليمني وقدراته الفائقة في تحييد الترسانة الحربية الأمريكية والغربية وجعلها خردة بالية لا تقدر على فعل شيء في الميدان.
ملامح الدهشة لا تزال ظاهرة على محيا العالم عن النقلة العسكرية الكبرى للقوات اليمنية، غير مدركين أن ما وصل إليه الجيش اليمني هو نتاج طبيعي وثمرة من ثمار المشروع القرآني.
ونظرًا لما وصل إليه اليمن من مكانة مرموقة عالميًّا فَــإنَّ الشعب اليمني يحيي الذكرى الأليمة للشهيد القائد -رضوان الله عليه- مستوحيًا العظة والعبرة من تفاصيل حياته.
وحول هذا يؤكّـد نائب رئيس الوزراء لشؤون الأمن اللواء جلال الرويشان أن “الهدف من إحياء الذكرى يكمن في اللقاء نظرة على المشهد الكلي للمسيرة القرآنية منذ التأسيس وحتى اللحظة”.
ويوضح أن “المسيرة القرآنية تميزت بتمسكها القوي بالقرآن الكريم، وجعلته الدستور الذي تنطلق من خلاله”.
ويشير إلى أن “المراحل العملية التي رافقت المشروع القرآني أثبتت عظمته وقوته، وأنه المشروع الأنسب للأُمَّـة الإسلامية”، مبينًا أن “المشروع القرآني قاوم وانتصر على الطغيان المتكرّر بدءًا بالطغيان المحلي، وُصُـولًا للطغيان العالمي”.
ويرى الرويشان أن “المشروع القرآني جسّد للعالم أن من يثق بالله، ويتمسك بالقرآن لا يمكن هزيمته، وإن واجهه أعتى وأشرس دول العالم”، لافتًا إلى أن “اليمنيين تعلموا من مشروع الشهيد القائد الثقة المطلقة بالله، والتمسك به والركون عليه في كُـلّ أمور حياتنا”.
القرآن الكريمُ أَسَاسُ الرفعة والعزة
لقد تمكّن الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي من استنهاض الأُمَّــة الإسلامية، وجعلها تستشعر مسؤولياتها الدينية بعد أن خفتت وخملت، وأصبحت خانعة للأعداء، وهزيلة لا تقدر على عمل شيء.
وفي هذا السياق يؤكّـد نائب وزير الداخلية اللواء عبد المجيد المرتضى أن “المشروع القرآني نجح -بفضل الله تعالى- في إعادة الروح الإيمانية والجهادية لدى أبناء الأُمَّــة الإسلامية”.
ويقول : “إن الشهيد القائد -رضوان الله عليه- بعث في هذه الأُمَّــة روحَ الإيمان، وروحَ الثقة بالله سبحانه وتعالى، واستطاع أن ينهض من لا شيء؛ نتيجة اعتماده على الله، وارتباطه بالقرآن الكريم”.
ويضيف: “كانت المسيرة القرآنية في بدايتها ذات إمْكَانيات بسيطة جِـدًّا ولكن تمسكها بالقرآن الكريم جعلها أُمَّـة قوية عصية على الأعداء يُحسب لها ألفُ حساب”.
ويشيرُ إلى أن “الشواهدَ العمليةَ أثبتت أنه لا مجالَ للأُمَّـة الإسلامية، ولا فلاحَ لها ولا عزة ولا رفعة لها إلا بالتمسك بالقرآن الكريم، والسير عليه كمنهج عملي”.
محمد ناصر حتروش| المسيرة