السودان: حرب على أرض الجراح المفتوحة – بعين مستشرق
تاريخ النشر: 10th, November 2024 GMT
بقلم: الدكتور عزيز سليمان
منذ سنوات، والسودان يدور في دوامة لا تهدأ من الأزمات المتوالية التي تأتي على مقدراته وشعبه. بدا الأمر وكأن السودان يسير نحو مستقبل أكثر استقراراً بعد الإطاحة بنظام عمر البشير، حيث عانق السودانيون أملاً جديداً بمستقبل خالٍ من الديكتاتورية. لكن الأحداث الجارية على الأرض أظهرت أن هذا الأمل لم يكن إلا سراباً يبتعد مع كل أزمة جديدة تندلع.
جذور الأزمة... التاريخ يعيد نفسه
يبدو أن التاريخ في السودان لا ينتهي، بل يعيد نفسه بطرق أكثر تعقيدًا. السودان الذي حُكم لسنوات طويلة بأنظمة ديكتاتورية وجد نفسه محاصراً بصراعات قبلية وعسكرية بعد سقوط البشير. قوات الدعم السريع، تلك الميليشيات المدججة بالسلاح والعتاد، بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، تقف على رأس مشهد الصراع ضد الجيش النظامي بقيادة عبد الفتاح البرهان. وعلى الرغم من شعارات الحرية والعدالة التي رفعت خلال الثورة، فإن الأمر اليوم تحول إلى حرب نفوذ وصراع سلطة لا يرى فيه المواطن السوداني إلا مزيدًا من المعاناة.
ما وراء القوة والسلاح: من المستفيد؟
من يستفيد من هذه الحرب المدمرة؟ الإجابة تكمن في تفاصيل معقدة من مصالح القوى الإقليمية والدولية. فالسودان، بموارده الغنية وموقعه الاستراتيجي المطل على البحر الأحمر، يظل مطمعًا للدول التي تسعى لمد نفوذها في المنطقة. دول عديدة تتدخل هنا وهناك، بعضها يمد قوات الدعم السريع بالسلاح، والبعض الآخر يدعم الجيش، وأخرى تكتفي بالمراقبة وانتظار لحظة مناسبة للدخول كوسيط، لكن بجدول أعمالها الخاص.
مصالح إقليمية، مثل الطموح الإماراتي لمد نفوذ في شرق إفريقيا عبر حميدتي، والمصالح المصرية الأمنية التي ترى في البرهان شريكاً استراتيجياً، تجسد التعقيد الأكبر في هذا الصراع. وحتى الدول الغربية التي طالما انتقدت نظام البشير بلسان حقوق الإنسان لم تقدم دعماً حقيقياً للسودانيين في مواجهة مصيرهم اليوم.
الشعب السوداني. ضحية جديدة كل يوم
أما الشعب السوداني، فهو الخاسر الأكبر في هذه الحرب. ملايين من الناس في دارفور وكردفان والخرطوم وجدوا أنفسهم بين مطرقة القصف وسندان الجوع. لم تعد الحياة الكريمة حلمًا، بل أصبحت لقمة العيش وأبسط أشكال الأمان أمنيات شبه مستحيلة في ظل حصار الحرب والنزوح. أصبحت المعونات الإنسانية غير كافية، وأصبحت المدارس والمستشفيات هدفاً للقذائف. وحتى الطرقات أصبحت مقابر جماعية لأبرياء خرجوا بحثًا عن الأمان.
الرهان على الحل السياسي.. أمل يزداد بُعدًا
البعض يتحدث عن حلول سياسية، وآخرون يراهنون على حوار بين الأطراف، لكن ما لا يفهمه الجميع هو أن هذه الأطراف قد لا ترغب في الحل. القوى المتصارعة، التي اغتنت وتوسعت عبر الحرب، لا تجد في السلام مصلحةً، بل ترى في استمرار الصراع فرصة لتكديس المزيد من الأموال والنفوذ. الرهان على الحل السياسي يبدو بعيداً في ظل تزايد التحالفات المتناقضة ووجود أطراف لا تهتم إلا بتعزيز نفوذها على حساب الدم السوداني.
مستقبل غامض.. ومسؤولية عربية ودولية
بينما يراقب المجتمع الدولي الوضع في السودان بقلق، يبقى صوت الشعوب العربية خافتًا. فالدول العربية التي تربطها علاقات تاريخية وأمنية وثيقة بالسودان لم تقم بجهود فعلية لوقف هذه الكارثة الإنسانية. وإذا كان هناك تحرك فهو تحرك بطيء ومحدود، فلا جهد عربي حقيقي لحل النزاع، ولا وساطة تُلبي تطلعات السودانيين.
ومع مرور كل يوم، يزداد السؤال إلحاحاً: هل يمكن أن نجد نهاية لهذا الصراع؟ أم أن السودان سيظل ساحة مفتوحة لصراع المصالح والمطامع؟ الأيام ستجيب، ولكن من المؤكد أن الشعب السوداني يحتاج إلى أصوات داعمة تتجاوز شعارات النوايا الطيبة وتقدم مبادرات حقيقية.
وطن يهزمه ابناءه
السودان، وطن يسكن ضمائر أهله ويفيض بكنوز الأرض وأسرارها، لكنه وطنٌ أرهقته خيانات أبنائه المتوالية. بلدٌ طواه جرح التاريخ طويلاً، فظل متماسكاً كالنخيل، شامخاً على ضفاف النيل العظيم، لكنه لم يسلم من أيدي العابثين الذين لطخوا ترابه بمآربهم وأحلامهم الصغيرة. وطنٌ ينادي أبناءه ليبنوا، فيرد عليه بعضهم بآلة الحرب والعنف، متناسين قدسية الأرض التي أنجبتهم.
أبناء السودان، الذين كان يُنتظر منهم أن يكونوا حراس ترابه وناشري الأمل فيه، أصبح بعضهم أدوات لصراعات عبثية، تُسقط هيبة الأرض وتفرّق الصفوف. وكيف لا يخيب الأمل حين يبيع البعض قيم الوفاء لصالح مطامع زائلة، تاركين خلفهم شعباً متألماً بين الحصار والفقر والنزوح؟ السودان، رغم كثرة الجراح، يبقى وفياً لأبنائه، ينتظر منهم العودة إلى حضنه، لعل يوماً يشرق فيه السلام على واديه الخصيب وأهله الطيبين.
quincysjones@hotmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
الكرملين ينفي «ادعاءات كييف» بجر بكين إلى الصراع الأوكراني
عواصم «وكالات»: نفى الكرملين اليوم الخميس ما صرح به الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بشأن تورط الصين فـي الصراع الأوكراني مشيرا إلى أن بكين تحافظ على «موقف متوازن».
وقال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، ردا على سؤال حول تصريحات زيلينسكي، إن موسكو لا تدفع بكين إلى الصراع.
وأضاف بيسكوف: «هذا غير صحيح، الصين تتبنى موقفا متوازنا، الصين شريكنا الاستراتيجي وصديقنا ورفـيقنا، زيلينسكي على خطأ».
وأعلنت روسيا والصين عن شراكة استراتيجية «بلا حدود» قبل أيام من إصدار الرئيس فلاديمير بوتين أمرا بإرسال عشرات الآلاف من الجنود إلى أوكرانيا فـي فبراير2022.
ووجهت الصين تحذيرا لأوكرانيا من الإدلاء بتصريحات «غير مسؤولة» بعد أن أعلن زيلينسكي أن المخابرات الأوكرانية كشفت عن مشاركة ما لا يقل عن 155 مواطنا صينيا فـي القتال إلى جانب روسيا فـي أوكرانيا.
وقال زيلينسكي إن روسيا تقوم بتجنيد مواطنين صينيين عبر وسائل التواصل الاجتماعي وإن المسؤولين الصينيين على دراية بذلك.
تأتي الاتهامات الأوكرانية والنفـي الصيني فـي وقت تسعى فـيه الولايات المتحدة لتأمين وقف لإطلاق النار فـي الحرب المستمرة منذ أكثر من 3 سنوات.
وكان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أعلن الثلاثاء أن الجيش الأوكراني أسر صينيين يقاتلان إلى جانب الجيش الروسي على الأراضي الأوكرانية، وهي المرة الأولى التي تقدم فـيها أوكرانيا مثل هذا الادعاء بشأن مقاتلين صينيين فـي الحرب.
وأعرب زيلينسكي أمس عن استعداده لتبادل الأسيرين مع جنود أوكرانيين أسرى لدى روسيا. وقال، من دون تقديم أدلة، إن المسؤولين فـي بكين على علم بحملة التجنيد الروسية التي تستهدف مرتزقة صينيين، لكنه لم يذهب إلى حد القول بأن الحكومة الصينية وافقت على مشاركتهم فـي الحرب.
وأضاف زيلينسكي أن أوكرانيا تملك أسماء عائلات وبيانات جوازات سفر لـ155 مواطنا صينيا يقاتلون فـي صفوف الجيش الروسي، وأنه «من المرجح أن يكون هناك عدد أكبر منهم». كما شارك مع صحفـيين وثائق تتضمن أسماء وأرقام جوازات السفر وتفاصيل شخصية للمجندين الصينيين المزعومين، بما فـي ذلك تواريخ وصولهم إلى روسيا للتدريب العسكري ومغادرتهم إلى ساحة القتال،
من جهتها، جددت الصين اليوم الخميس تنديدها بـ«تصريحات غير مسؤولة» للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بعدما أكد أن بكين تعلم أن روسيا تجند مواطنين صينيين للقتال إلى جانب قواتها فـي أوكرانيا موضحا بأن بكين قد تكون طرفا جديد فـي الحرب التي تدور رحاها منذ نحو 3 أعوام.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية لين جيان إن بكين «داعم قوي ومروج نشط للتسوية السلمية للأزمة» وأضاف أن الصين تسعى دائما إلى ردع مواطنيها عن المشاركة فـي صراعات خارجية.
وسئل المتحدث باسم الخارجية الصينية لين جيان عن هذا التصريح، فرد بأن بكين «طالبت دوما بأن يبقى مواطنوها فـي منأى من مناطق النزاع المسلح»، مضيفا «ننصح الأطراف المعنيين بعدم الإدلاء بتصريحات غير مسؤولة». وتقدّم الصين نفسها كطرف محايد فـي الحرب المستمرة منذ 3 سنوات رغم اعتبار الحكومات الغربية أن علاقاتها الوثيقة مع روسيا منحت موسكو دعما اقتصاديا ودبلوماسيا حاسما.
وصرّح لين جيان «الصين ليست مسببا للأزمة الأوكرانية ولا طرفا فـيها. نحن من مؤيدي الحل السلمي والمدافعين عنه».
وعلى الأرض، أعلنت روسيا السيطرة على بلدة فـي منطقة سومي الحدودية الأوكرانية الخميس، فـي تقدم نادر لها فـي هذا الجزء من شمال شرق أوكرانيا الذي أُجبرت قواتها على الانسحاب منه فـي ربيع عام 2022.
وقالت وزارة الدفاع الروسية فـي بيان إن الجيش الروسي سيطر على قرية جورافكا الواقعة على الحدود.
وكانت روسيا قد أعلنت فـي وقت سابق الاستيلاء على بلدة صغيرة فـي المنطقة، لكن حرس الحدود الأوكرانيين اتهموها لاحقا بـ«التضليل».
وفـي صيف عام 2024، شن الجيش الأوكراني هجوما فـي منطقة كورسك، ففاجأ القوات الروسية وسيطر على أكثر من ألف كيلومتر مربع.
وتمكنت القوات الروسية من استعادة مساحات كبيرة من المنطقة خلال مارس، ولا سيما بلدة سودجا التي كان الأوكرانيون يعتمدونها قاعدة رئيسية لعملياتهم فـي المنطقة.
وهدف الأوكرانيون إلى استخدام الأراضي التي سيطروا عليها فـي روسيا كورقة مساومة فـي أي مفاوضات سلام، كما أملوا من خلالها حماية بلادهم بشكل أفضل.
وقال قائد الجيش الأوكراني أوليكساندر سيرسكي لوسيلة إعلام محلية إن الروس شنوا هجمات فـي منطقتي سومي وخاركيف فـي شمال شرق أوكرانيا، لإنشاء «مناطق عازلة» ومنع المزيد من التوغلات الأوكرانية.
وتنفذ أوكرانيا حاليا هجوما آخر عبر الحدود فـي منطقة بيلغورود الروسية.
وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي اليوم إن «الإجراءات» التي اتخذتها قواته فـي المنطقة تهدف إلى الدفاع عن منطقتي سومي وخاركيف.
وفـي منطقة دنيبروبيتروفسك فـي وسط أوكرانيا، أفادت السلطات المحلية اليوم الخميس بأن هجوما بمسيرة روسية «انتحارية» أدى إلى إصابة 12 شخصا بجروح، بينهم فتى يبلغ 16 عاما وهو فـي «حالة خطيرة»، بحسب حاكم المنطقة سيرغي ليساك.
وأصيب 10 أشخاص آخرين فـي منطقة ميكولايف الجنوبية «فـي هجوم ليلي شنته طائرة مسيّرة معادية»، بحسب ما ذكرت خدمات الاسعاف على تلغرام.
وفـي كييف، سمع مراسلو وكالة فرانس برس دوي صفارات إنذار من هجوم جوي وانفجارات فوق المدينة أثناء تعرضها لهجوم.
وأعلنت القوات الجوية الأوكرانية أن روسيا نفذت هجومها مستخدمة 145 مسيرة إيرانية التصميم، وأن وحدات الدفاع الجوي أسقطت 85 منها، بينها 16 فـي أجواء كييف.
وصعّدت موسكو وكييف ضرباتهما على الرغم من محاولات أميركية لجمع الطرفـين المتحاربين على طاولة محادثات بهدف إنهاء الحرب المستمرة منذ أكثر من 3 سنوات.
وأعلنت روسيا التي تشن هجوما على أوكرانيا منذ فبراير 2022، أنها أسقطت 42 مسيّرة أوكرانية فوق المناطق الغربية والجنوبية من البلاد.
وفـي سياق آخر، قال السفـير البولندي لدى روسيا كرزيستوف كرايفسكي إن مجموعة صغيرة من الروس حاولوا اليوم الخميس، إحياء الذكرى الـ15 لحادث تحطم الطائرة الذي أودى بحياة الرئيس البولندي ليخ كاتشينسكي و95 شخصا آخرين.
وقال كرايفسكي لإذاعة «آر.إم.إف إف.إم» إن المتظاهرين رفعوا لافتات ورددوا شعارات مناهضة لبولندا فـيما رأس كرايفسكي الفعالية التي أقيمت فـي سمولينسك بروسيا حيث تحطمت الطائرة فـي العاشر من أبريل 2010 وأضاف للمحطة الإذاعية الخاصة «لقد شككوا فـي كل شيء بما فـي ذلك الحرب الدائرة فـي أوكرانيا. لقد سمعت شعارات مألوفة بالفعل لي، أن بولندا ترعى الإرهاب وأننا زورنا التاريخ».
وفـي بولندا، أقيمت الفعاليات لإحياء ذكرى ما يعتبر على نطاق واسع أكبر مأساة فـي تاريخ البلاد ما بعد الحرب العالمية الثانية، فـي حادثة أدت إلى قدر كبير من عدم الثقة فـي روسيا وانقسامات عميقة داخل بولندا.
وبعد الحادث على الفور، أثارت الإيماءات من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الآمال من أجل تحسين العلاقات بين روسيا وبولندا. ولكن رفض روسيا لتسليم حطام الطائرة لبولندا أدى إلى زيادة عدم الثقة حيث زادت المخاوف من عدوان روسي فـي المنطقة.
ووقع حادث الطائرة عندما كان الوفد الرئاسي متجها إلى سمولينسك بروسيا لتأبين نحو 22 ألف ضابط بولندي قتلوا فـي مجزرة كاتين على يد الشرطة السرية السوفـييتية إبان الحرب العالمية الثانية.