سودانايل:
2025-03-10@12:37:08 GMT

السودان: حرب على أرض الجراح المفتوحة – بعين مستشرق

تاريخ النشر: 10th, November 2024 GMT

بقلم: الدكتور عزيز سليمان

منذ سنوات، والسودان يدور في دوامة لا تهدأ من الأزمات المتوالية التي تأتي على مقدراته وشعبه. بدا الأمر وكأن السودان يسير نحو مستقبل أكثر استقراراً بعد الإطاحة بنظام عمر البشير، حيث عانق السودانيون أملاً جديداً بمستقبل خالٍ من الديكتاتورية. لكن الأحداث الجارية على الأرض أظهرت أن هذا الأمل لم يكن إلا سراباً يبتعد مع كل أزمة جديدة تندلع.

والمشهد في السودان اليوم يشبه إلى حد كبير لوحة مؤلمة من فوضى عارمة تملؤها الدماء، والانقسامات، والأزمات المتراكمة.

جذور الأزمة... التاريخ يعيد نفسه

يبدو أن التاريخ في السودان لا ينتهي، بل يعيد نفسه بطرق أكثر تعقيدًا. السودان الذي حُكم لسنوات طويلة بأنظمة ديكتاتورية وجد نفسه محاصراً بصراعات قبلية وعسكرية بعد سقوط البشير. قوات الدعم السريع، تلك الميليشيات المدججة بالسلاح والعتاد، بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، تقف على رأس مشهد الصراع ضد الجيش النظامي بقيادة عبد الفتاح البرهان. وعلى الرغم من شعارات الحرية والعدالة التي رفعت خلال الثورة، فإن الأمر اليوم تحول إلى حرب نفوذ وصراع سلطة لا يرى فيه المواطن السوداني إلا مزيدًا من المعاناة.

ما وراء القوة والسلاح: من المستفيد؟

من يستفيد من هذه الحرب المدمرة؟ الإجابة تكمن في تفاصيل معقدة من مصالح القوى الإقليمية والدولية. فالسودان، بموارده الغنية وموقعه الاستراتيجي المطل على البحر الأحمر، يظل مطمعًا للدول التي تسعى لمد نفوذها في المنطقة. دول عديدة تتدخل هنا وهناك، بعضها يمد قوات الدعم السريع بالسلاح، والبعض الآخر يدعم الجيش، وأخرى تكتفي بالمراقبة وانتظار لحظة مناسبة للدخول كوسيط، لكن بجدول أعمالها الخاص.

مصالح إقليمية، مثل الطموح الإماراتي لمد نفوذ في شرق إفريقيا عبر حميدتي، والمصالح المصرية الأمنية التي ترى في البرهان شريكاً استراتيجياً، تجسد التعقيد الأكبر في هذا الصراع. وحتى الدول الغربية التي طالما انتقدت نظام البشير بلسان حقوق الإنسان لم تقدم دعماً حقيقياً للسودانيين في مواجهة مصيرهم اليوم.

الشعب السوداني. ضحية جديدة كل يوم

أما الشعب السوداني، فهو الخاسر الأكبر في هذه الحرب. ملايين من الناس في دارفور وكردفان والخرطوم وجدوا أنفسهم بين مطرقة القصف وسندان الجوع. لم تعد الحياة الكريمة حلمًا، بل أصبحت لقمة العيش وأبسط أشكال الأمان أمنيات شبه مستحيلة في ظل حصار الحرب والنزوح. أصبحت المعونات الإنسانية غير كافية، وأصبحت المدارس والمستشفيات هدفاً للقذائف. وحتى الطرقات أصبحت مقابر جماعية لأبرياء خرجوا بحثًا عن الأمان.

الرهان على الحل السياسي.. أمل يزداد بُعدًا

البعض يتحدث عن حلول سياسية، وآخرون يراهنون على حوار بين الأطراف، لكن ما لا يفهمه الجميع هو أن هذه الأطراف قد لا ترغب في الحل. القوى المتصارعة، التي اغتنت وتوسعت عبر الحرب، لا تجد في السلام مصلحةً، بل ترى في استمرار الصراع فرصة لتكديس المزيد من الأموال والنفوذ. الرهان على الحل السياسي يبدو بعيداً في ظل تزايد التحالفات المتناقضة ووجود أطراف لا تهتم إلا بتعزيز نفوذها على حساب الدم السوداني.

مستقبل غامض.. ومسؤولية عربية ودولية

بينما يراقب المجتمع الدولي الوضع في السودان بقلق، يبقى صوت الشعوب العربية خافتًا. فالدول العربية التي تربطها علاقات تاريخية وأمنية وثيقة بالسودان لم تقم بجهود فعلية لوقف هذه الكارثة الإنسانية. وإذا كان هناك تحرك فهو تحرك بطيء ومحدود، فلا جهد عربي حقيقي لحل النزاع، ولا وساطة تُلبي تطلعات السودانيين.

ومع مرور كل يوم، يزداد السؤال إلحاحاً: هل يمكن أن نجد نهاية لهذا الصراع؟ أم أن السودان سيظل ساحة مفتوحة لصراع المصالح والمطامع؟ الأيام ستجيب، ولكن من المؤكد أن الشعب السوداني يحتاج إلى أصوات داعمة تتجاوز شعارات النوايا الطيبة وتقدم مبادرات حقيقية.

وطن يهزمه ابناءه

السودان، وطن يسكن ضمائر أهله ويفيض بكنوز الأرض وأسرارها، لكنه وطنٌ أرهقته خيانات أبنائه المتوالية. بلدٌ طواه جرح التاريخ طويلاً، فظل متماسكاً كالنخيل، شامخاً على ضفاف النيل العظيم، لكنه لم يسلم من أيدي العابثين الذين لطخوا ترابه بمآربهم وأحلامهم الصغيرة. وطنٌ ينادي أبناءه ليبنوا، فيرد عليه بعضهم بآلة الحرب والعنف، متناسين قدسية الأرض التي أنجبتهم.
أبناء السودان، الذين كان يُنتظر منهم أن يكونوا حراس ترابه وناشري الأمل فيه، أصبح بعضهم أدوات لصراعات عبثية، تُسقط هيبة الأرض وتفرّق الصفوف. وكيف لا يخيب الأمل حين يبيع البعض قيم الوفاء لصالح مطامع زائلة، تاركين خلفهم شعباً متألماً بين الحصار والفقر والنزوح؟ السودان، رغم كثرة الجراح، يبقى وفياً لأبنائه، ينتظر منهم العودة إلى حضنه، لعل يوماً يشرق فيه السلام على واديه الخصيب وأهله الطيبين.

 

quincysjones@hotmail.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

 مقتل 9 مدنيين في قصف مدينة استعادها الجيش السوداني  

 

 

الخرطوم - قتل 9 مدنيين وجرح 21 آخرون في قصف قوات الدعم السريع لمدينة الأبيض الاستراتيجية في جنوب السودان الاحد9مارس2025، بعدما تمكن الجيش من فك حصار طويل عنها الشهر الماضي، بحسب ما أفاد مصدر طبي. 

وقال المصدر في مستشفى الأبيض الرئيسي في المدينة وشهود عيان إن الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان، تعرضت لهجوم من قوات الدعم السريع التي تخوض حربا مع الجيش السوداني منذ نيسان/أبريل 2023.

وأضاف المصدر الطبي الذي تحدث لوكالة فرانس برس طالبا عدم الكشف عن هويته إن القصف أسفر عن إصابة 23 شخصا بجروح جميعهم مدنيون وتوفي اثنان منهم لاحقا متأثرين بجروحهما، ما رفع حصيلة القتلى السابقة من سبعة إلى تسعة.

وأورد شهود أن قوات الدعم السريع شنّت قصفا مكثفا الأحد على مدينة الأبيض، لافتين الى سقوط قذيفة على حافلة للمواصلات الداخلية تقل ركابا.

وأكد أحد سكان المدينة أن "القصف تكرر لليوم الثالث على التوالي من الاتجاه الشمالي والغربي".

والشهر الماضي، كسر الجيش حصار قوات الدعم السريع للمدينة الواقعة عند مفترق طرق استراتيجي يربط العاصمة الخرطوم بإقليم دارفور في غرب البلاد، بعدما استمر نحو عامين. 

وأحدثت الحرب انقساما في البلاد بحيث بات الجيش يسيطر على الشمال والشرق واستعاد مؤخرا مساحات كبيرة من الخرطوم ووسط السودان، بينما تسيطر قوات الدعم على معظم إقليم دارفور (غرب) وأجزاء من الجنوب.

ويدور نزاع منذ نيسان/أبريل 2023 في السودان بين قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو.

وأسفرت الحرب عن سقوط عشرات آلاف القتلى ودفعت أكثر من 12 مليون شخص للنزوح وأدت إلى أكبر أزمة جوع ونزوح في العالم.

 

Your browser does not support the video tag.

مقالات مشابهة

  • رمضان يخفف من قساوة التحديات التي يواجهها رواد الأعمال السودانيون
  • معالم في طريق استقرار الحكم في السودان (6 – 10)
  • واشنطن بوست: شركة تركية متورطة في تزويد الجيش السوداني بطائرات مسيّرة وشحنة أسلحة سرية
  •  مقتل 9 مدنيين في قصف مدينة استعادها الجيش السوداني  
  • على طريقِ الانعتاقِ من الهيمنةِ المصرية (5 – 20)
  • رحمة الله على أستاذنا دكتور جعفر بن عوف سليمان – بروفيسور طب الأطفال في السودان
  • شركة أسلحة تركية ساعدت في تأجيج الحرب الأهلية الوحشية في السودان، قامت بتهريب الأسلحة سرًا إلى الجيش السوداني وفقًا للسجلات
  • أحمد ياسر يكتب: دراما الحرب بالوكالة في أوكرانيا
  • على طريقِ الانعتاقِ من الهيمنةِ المصرية (4 – 20)
  • على طريقِ الانعتاقِ من الهيمنةِ المصرية (3 – 20)