سودانايل:
2025-11-03@16:46:55 GMT

الحزب الشيوعي السوداني بين زمنين

تاريخ النشر: 10th, November 2024 GMT

دكتور هشام عثمان

الحزب الشيوعي السوداني بين زمنين: من رفض الاستقلال الصوري إلى رفض الحلول السياسية الناقصة.. ثبات النظرة و تغير السياق..

منذ نشأته، ارتبط الحزب الشيوعي السوداني بفكر نقدي عميق ورؤية سياسية ثاقبة لم تقتصر على القضايا الأيديولوجية التقليدية، بل امتدت لتشمل تحليل الواقع السياسي والاجتماعي السوداني في سياقه المحلي والعالمي.

في خمسينيات القرن الماضي، كان موقف الحزب من اتفاقية الحكم الذاتي التي اقترحتها الإدارة الاستعمارية البريطانية يعكس رفضاً جذرياً لفكرة الاستقلال الصوري. هذه الرؤية الاستشرافية لم تقف عند حدود تلك الفترة، بل تمتد لتشكل أساساً لتحليل الحزب لمختلف القضايا السياسية في السودان، وصولاً إلى موقفه من الاتفاق الإطاري ومختلف الحلول السياسية التي أعقبت ثورة ديسمبر 2018.

الاستقلال الصوري: موقف الحزب من اتفاقية الحكم الذاتي

رفض الحزب الشيوعي السوداني اتفاقية الحكم الذاتي في خمسينيات القرن الماضي كان بناءً على قراءة واعية لطبيعة الاستعمار الجديد الذي كان يسعى إلى نقل السلطة إلى نخب محلية متعاونة مع الاستعمار البريطاني. هذه النخب، التي تربت في كنف السلطة الاستعمارية، لم تكن تحمل مشروعاً وطنياً يعكس طموحات الشعب السوداني في التحرر الحقيقي. بدلاً من ذلك، كانت هذه الاتفاقية تهدف إلى تحقيق استقلال شكلي، حيث يتم الحفاظ على الهياكل الاقتصادية والسياسية التي تخدم مصالح الاستعمار وإن كان بواجهة محلية.

الحزب الشيوعي السوداني، برؤيته الاستشرافية، أدرك أن هذا النوع من الاستقلال لن يحقق العدالة الاجتماعية ولا التنمية الاقتصادية التي يتطلع إليها الشعب السوداني. رفض الحزب الحكم الذاتي كان رفضاً لاستمرار التبعية الاستعمارية بصيغ جديدة، حيث كان يعتقد أن التحرر الحقيقي لا يتحقق بتغيير الوجوه في السلطة فقط، بل بتحقيق تحرر اقتصادي وسياسي كامل يقطع مع كل أشكال الهيمنة الأجنبية.

بعد نظر الحزب الشيوعي في رفض الحلول السياسية الناقصة

هذا الفهم العميق لمفهوم الاستقلال الحقيقي أصبح مبدءاً جوهرياً في توجهات الحزب الشيوعي السوداني، وظهر ذلك جلياً في موقفه من الحلول السياسية التي أعقبت ثورة ديسمبر 2018. بعد الإطاحة بحكم عمر البشير، دخل السودان في مرحلة انتقالية شابتها الكثير من التحديات السياسية والأمنية. ظهرت عدة محاولات للتوصل إلى حلول سياسية بين قوى الثورة والمجلس العسكري الذي تولى السلطة بعد سقوط البشير، ومنها الاتفاقات الإطارية التي كانت تسعى لتأسيس مرحلة انتقالية هشة تتقاسم فيها السلطة بين المدنيين والعسكريين.

الحزب الشيوعي كان واضحاً في رفضه لهذه الحلول السياسية التي وصفها بأنها ناقصة وغير قادرة على تحقيق أهداف الثورة. رأى الحزب أن هذه الحلول تهدف إلى احتواء الثورة وإعادة إنتاج النخب القديمة في شكل جديد. كما أن هذه الاتفاقات أبقت على دور المؤسسة العسكرية في السياسة، وهو ما يتعارض مع رؤية الحزب لحكومة مدنية ديمقراطية تقوم على إرادة الشعب.

تأسيس نظري وسياسي لرفض الحلول الناقصة

رفض الحزب الشيوعي للحلول السياسية الناقصة يستند إلى مجموعة من المبادئ النظرية والسياسية التي تؤكد على:

1. استقلال القرار الوطني:
كما رفض الحزب في خمسينيات القرن الماضي الوصاية الاستعمارية على استقلال السودان، فإنه يرفض اليوم كل الحلول التي تضع البلاد تحت تأثير القوى الخارجية أو تضمن استمرار تدخل العسكريين في السياسة. الحزب يؤمن بأن السيادة الوطنية لا تتحقق إلا بتأسيس سلطة مدنية ديمقراطية مستقلة تماماً عن أي ضغوط أو إملاءات خارجية.

2. العدالة الاجتماعية والاقتصادية:
منذ تأسيسه، ركز الحزب الشيوعي السوداني على تحقيق العدالة الاجتماعية كجزء من مفهومه للاستقلال الحقيقي. في مواقفه الحديثة، استمر الحزب في التأكيد على أن أي حل سياسي يجب أن يكون مرتبطاً بتوزيع عادل للثروة وتحقيق التنمية المتوازنة. الحلول السياسية الناقصة، التي تركز فقط على تقسيم السلطة دون معالجة جذور الفقر والتهميش، تعد في نظر الحزب غير كافية لتحقيق التغيير المطلوب.

3. استبعاد المؤسسة العسكرية من الحكم:
كما كان الحزب الشيوعي يرفض في الماضي محاولات النظام الاستعماري تمكين النخب المتعاونة معه، يرفض اليوم محاولات المجلس العسكري الاستمرار في السيطرة على مفاصل الدولة. الحزب يرى أن أي دور للمؤسسة العسكرية في السياسة يقوض التحول الديمقراطي الحقيقي ويعيد إنتاج الاستبداد.

4. استقلالية الحركة الجماهيرية:
الحزب الشيوعي السوداني كان وما زال يؤمن بأن التغيير الحقيقي يأتي من حركة جماهيرية مستقلة عن النخب الحاكمة. في موقفه من الحلول السياسية بعد ثورة ديسمبر، شدد الحزب على ضرورة أن تستمر قوى الثورة في الضغط من أجل تحقيق كامل مطالبها وعدم الانخداع بالحلول الوسط التي تقدمها الأطراف المسيطرة على السلطة.

من الحكم الذاتي إلى الاتفاق الإطاري: استمرارية الموقف

إذا كان رفض الحزب الشيوعي لاتفاقية الحكم الذاتي في خمسينيات القرن الماضي نابعاً من رفضه لاستقلال صوري يبقي السودان في دائرة التبعية، فإن رفضه للاتفاق الإطاري في الزمن الحاضر يأتي من نفس المبدأ، حيث يرى أن هذه الحلول السياسية لا تلبي تطلعات الشعب السوداني في حكم مدني ديمقراطي كامل. الحلول السياسية الناقصة تعيد إنتاج نفس أنماط السلطة التي قامت الثورة ضدها، سواء من خلال شراكة مع العسكريين أو من خلال تقديم تنازلات للنخب الاقتصادية والسياسية القديمة.

يستمر الحزب الشيوعي السوداني في تقديم رؤية نقدية مستمرة وثابتة تجاه قضايا الحكم والسياسة، سواء في الماضي أو الحاضر. من رفضه للاستقلال الصوري في حقبة ما بعد الاستعمار إلى رفضه للحلول السياسية الناقصة في أعقاب ثورة ديسمبر، يظهر الحزب الشيوعي كمؤسسة سياسية مبدئية تسعى لتحقيق الاستقلال الحقيقي والعدالة الاجتماعية، رافضةً كل الحلول الوسط التي لا تحقق هذا الهدف. الزمن أثبت صحة تحليلات الحزب الشيوعي، سواء في الماضي أو الحاضر، في أن التنازلات السياسية التي لا تستند إلى تغيير جذري لن تؤدي إلا إلى إعادة إنتاج نفس الأزمات.

hishamosman315@gmail.com

   

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الحزب الشیوعی السودانی السیاسیة التی الحکم الذاتی ثورة دیسمبر السودانی فی رفض الحزب

إقرأ أيضاً:

بودي سمير: إدارة الإسماعيلي ”سرقت” أموال النادي.. وأبو هشيمة أحد الحلول لإنقاذ الدراويش

أطلق عبد الرحمن سمير، الشهير بـ”بودي سمير” حارس مرمى نادي إنبي، تصريحات نارية حول الأوضاع المتدهورة داخل النادي الإسماعيلي، معتبرًا أن الأزمة الحقيقية التي يعيشها الفريق لا تتعلق باللاعبين أو الجماهير، بل بالإدارة التي – بحسب تعبيره – تسببت في ضياع أموال النادي خلال السنوات الأخيرة، مما وضع “الدراويش” في وضع كارثي داخل الدوري المصري.


 

وقال بودي سمير في تصريحات لبرنامج نجوم دوري نايل مع الإعلامي أحمد المصري عبر إذاعة أون سبورت إف إم:“مشكلة الإسماعيلي الحقيقية في الإدارة، مش في الجماهير ولا اللاعبين. في أموال دخلت للنادي من فترات، لما كان إيهاب جلال مدربًا للفريق وغيرُه من الشخصيات، محدش عارف راحت فين. الإدارة سرقت أموال النادي وتركت الإسماعيلي يواجه مصيره وحده، والنتيجة إن النادي دلوقتي في كارثة حقيقية”.


 

وأوضح حارس مرمى إنبي أن الأزمة الحالية لا يمكن حلها بمجرد تغيير مجلس الإدارة، بل تحتاج إلى تدخل مالي عاجل من رجال أعمال لديهم الرغبة في إنقاذ النادي من السقوط، مضيفًا:“رحيل المجلس الحالي مش هو الحل، الحل الحقيقي هو دخول رجل أعمال كبير يتكفل بسداد ديون النادي. بعدها ممكن نبدأ نفكر في مستقبل الإسماعيلي. أتمنى نشوف شخصيات زي كامل أبو علي أو أحمد أبو هشيمة يتدخلوا، لأن النادي محتاج إنقاذ سريع، ولو الإسماعيلي هبط فدي هتكون النهاية الحزينة لنادٍ كبير وتاريخي”.


 

وتحدث بودي سمير عن علاقته بجماهير الإسماعيلي بعد المباراة الأخيرة التي جمعت فريقه إنبي بالدراويش، مشيرًا إلى أنه يتفهم حزنهم وغضبهم، لكنه أكد أنه يؤدي عمله كمحترف داخل منظومة كرة القدم:“بصراحة، مقدرش أنزل الإسماعيلية حاليًا بسبب الأجواء الصعبة هناك. بعض الجماهير زعلانة مني بعد ما ساعدت إنبي في الفوز على الإسماعيلي، لكن في النهاية أنا لاعب محترف، وده شغلي وأكل عيشي. جمهور الإسماعيلي بيحب ناديه بشكل مرعب، وأنا مقدر ده جدًا”.


 

واختتم بودي سمير حديثه بكلمات مؤثرة عن علاقته بالنادي وجماهيره، مؤكدًا أن الإسماعيلي يمثل جزءًا كبيرًا من وجدانه وهويته الكروية:“الإسماعيلي يعني كل شيء لأهالي الإسماعيلية، وأنا واحد منهم. لما الإسماعيلي يفوز، الناس بتفرح، ولما يخسر، المدينة كلها بتزعل. الجماهير بتعشق النادي بجنون، واللاعبين مظلومين ومحتاجين دعم. لازم يكون فيه تدخل عاجل لحل الأزمة، لأن فكرة هبوط الإسماعيلي مرعبة ومؤلمة في نفس الوقت”.


 

مقالات مشابهة

  • مجموعة المسعود تستعرض حلولاً هندسية مبتكرة خلال «أديبك 2025»
  • الصين تطرد اثنين من كبار المسؤولين السابقين من الحزب الشيوعي
  • مخابز القاهرة تبحث مع التموين مشاكل المخالفات والتظلمات ومقترحات الحلول
  • مكافحة الفساد في الصين.. طرد اثنين من كبار المسؤولين السابقين من الحزب الشيوعي
  • اتفاقية بين «بروبتك» و«يونيكوم السعودية» و«يومابس UMaps» لتكامل الحلول الجيومكانية وإدارة الأصول العقارية
  • لقاء حواري حول دور المرأة في التنمية السياسية
  • نائب وزير الإسكان يلتقي تحالف المقاولون مع شركة عالمية لتحلية المياه
  • الاتصالات النيابية:السوداني متورط في عدم استحصال المستحقات المالية التي بذمة شركات الهاتف النقال
  • بودي سمير: إدارة الإسماعيلي ”سرقت” أموال النادي.. وأبو هشيمة أحد الحلول لإنقاذ الدراويش
  • حزب الإصلاح يدين حملة الاختطافات الحوثية التي طالت أكثر من 200 من أعضائه