الحزب الشيوعي السوداني بين زمنين
تاريخ النشر: 10th, November 2024 GMT
دكتور هشام عثمان
الحزب الشيوعي السوداني بين زمنين: من رفض الاستقلال الصوري إلى رفض الحلول السياسية الناقصة.. ثبات النظرة و تغير السياق..
منذ نشأته، ارتبط الحزب الشيوعي السوداني بفكر نقدي عميق ورؤية سياسية ثاقبة لم تقتصر على القضايا الأيديولوجية التقليدية، بل امتدت لتشمل تحليل الواقع السياسي والاجتماعي السوداني في سياقه المحلي والعالمي.
الاستقلال الصوري: موقف الحزب من اتفاقية الحكم الذاتي
رفض الحزب الشيوعي السوداني اتفاقية الحكم الذاتي في خمسينيات القرن الماضي كان بناءً على قراءة واعية لطبيعة الاستعمار الجديد الذي كان يسعى إلى نقل السلطة إلى نخب محلية متعاونة مع الاستعمار البريطاني. هذه النخب، التي تربت في كنف السلطة الاستعمارية، لم تكن تحمل مشروعاً وطنياً يعكس طموحات الشعب السوداني في التحرر الحقيقي. بدلاً من ذلك، كانت هذه الاتفاقية تهدف إلى تحقيق استقلال شكلي، حيث يتم الحفاظ على الهياكل الاقتصادية والسياسية التي تخدم مصالح الاستعمار وإن كان بواجهة محلية.
الحزب الشيوعي السوداني، برؤيته الاستشرافية، أدرك أن هذا النوع من الاستقلال لن يحقق العدالة الاجتماعية ولا التنمية الاقتصادية التي يتطلع إليها الشعب السوداني. رفض الحزب الحكم الذاتي كان رفضاً لاستمرار التبعية الاستعمارية بصيغ جديدة، حيث كان يعتقد أن التحرر الحقيقي لا يتحقق بتغيير الوجوه في السلطة فقط، بل بتحقيق تحرر اقتصادي وسياسي كامل يقطع مع كل أشكال الهيمنة الأجنبية.
بعد نظر الحزب الشيوعي في رفض الحلول السياسية الناقصة
هذا الفهم العميق لمفهوم الاستقلال الحقيقي أصبح مبدءاً جوهرياً في توجهات الحزب الشيوعي السوداني، وظهر ذلك جلياً في موقفه من الحلول السياسية التي أعقبت ثورة ديسمبر 2018. بعد الإطاحة بحكم عمر البشير، دخل السودان في مرحلة انتقالية شابتها الكثير من التحديات السياسية والأمنية. ظهرت عدة محاولات للتوصل إلى حلول سياسية بين قوى الثورة والمجلس العسكري الذي تولى السلطة بعد سقوط البشير، ومنها الاتفاقات الإطارية التي كانت تسعى لتأسيس مرحلة انتقالية هشة تتقاسم فيها السلطة بين المدنيين والعسكريين.
الحزب الشيوعي كان واضحاً في رفضه لهذه الحلول السياسية التي وصفها بأنها ناقصة وغير قادرة على تحقيق أهداف الثورة. رأى الحزب أن هذه الحلول تهدف إلى احتواء الثورة وإعادة إنتاج النخب القديمة في شكل جديد. كما أن هذه الاتفاقات أبقت على دور المؤسسة العسكرية في السياسة، وهو ما يتعارض مع رؤية الحزب لحكومة مدنية ديمقراطية تقوم على إرادة الشعب.
تأسيس نظري وسياسي لرفض الحلول الناقصة
رفض الحزب الشيوعي للحلول السياسية الناقصة يستند إلى مجموعة من المبادئ النظرية والسياسية التي تؤكد على:
1. استقلال القرار الوطني:
كما رفض الحزب في خمسينيات القرن الماضي الوصاية الاستعمارية على استقلال السودان، فإنه يرفض اليوم كل الحلول التي تضع البلاد تحت تأثير القوى الخارجية أو تضمن استمرار تدخل العسكريين في السياسة. الحزب يؤمن بأن السيادة الوطنية لا تتحقق إلا بتأسيس سلطة مدنية ديمقراطية مستقلة تماماً عن أي ضغوط أو إملاءات خارجية.
2. العدالة الاجتماعية والاقتصادية:
منذ تأسيسه، ركز الحزب الشيوعي السوداني على تحقيق العدالة الاجتماعية كجزء من مفهومه للاستقلال الحقيقي. في مواقفه الحديثة، استمر الحزب في التأكيد على أن أي حل سياسي يجب أن يكون مرتبطاً بتوزيع عادل للثروة وتحقيق التنمية المتوازنة. الحلول السياسية الناقصة، التي تركز فقط على تقسيم السلطة دون معالجة جذور الفقر والتهميش، تعد في نظر الحزب غير كافية لتحقيق التغيير المطلوب.
3. استبعاد المؤسسة العسكرية من الحكم:
كما كان الحزب الشيوعي يرفض في الماضي محاولات النظام الاستعماري تمكين النخب المتعاونة معه، يرفض اليوم محاولات المجلس العسكري الاستمرار في السيطرة على مفاصل الدولة. الحزب يرى أن أي دور للمؤسسة العسكرية في السياسة يقوض التحول الديمقراطي الحقيقي ويعيد إنتاج الاستبداد.
4. استقلالية الحركة الجماهيرية:
الحزب الشيوعي السوداني كان وما زال يؤمن بأن التغيير الحقيقي يأتي من حركة جماهيرية مستقلة عن النخب الحاكمة. في موقفه من الحلول السياسية بعد ثورة ديسمبر، شدد الحزب على ضرورة أن تستمر قوى الثورة في الضغط من أجل تحقيق كامل مطالبها وعدم الانخداع بالحلول الوسط التي تقدمها الأطراف المسيطرة على السلطة.
من الحكم الذاتي إلى الاتفاق الإطاري: استمرارية الموقف
إذا كان رفض الحزب الشيوعي لاتفاقية الحكم الذاتي في خمسينيات القرن الماضي نابعاً من رفضه لاستقلال صوري يبقي السودان في دائرة التبعية، فإن رفضه للاتفاق الإطاري في الزمن الحاضر يأتي من نفس المبدأ، حيث يرى أن هذه الحلول السياسية لا تلبي تطلعات الشعب السوداني في حكم مدني ديمقراطي كامل. الحلول السياسية الناقصة تعيد إنتاج نفس أنماط السلطة التي قامت الثورة ضدها، سواء من خلال شراكة مع العسكريين أو من خلال تقديم تنازلات للنخب الاقتصادية والسياسية القديمة.
يستمر الحزب الشيوعي السوداني في تقديم رؤية نقدية مستمرة وثابتة تجاه قضايا الحكم والسياسة، سواء في الماضي أو الحاضر. من رفضه للاستقلال الصوري في حقبة ما بعد الاستعمار إلى رفضه للحلول السياسية الناقصة في أعقاب ثورة ديسمبر، يظهر الحزب الشيوعي كمؤسسة سياسية مبدئية تسعى لتحقيق الاستقلال الحقيقي والعدالة الاجتماعية، رافضةً كل الحلول الوسط التي لا تحقق هذا الهدف. الزمن أثبت صحة تحليلات الحزب الشيوعي، سواء في الماضي أو الحاضر، في أن التنازلات السياسية التي لا تستند إلى تغيير جذري لن تؤدي إلا إلى إعادة إنتاج نفس الأزمات.
hishamosman315@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الحزب الشیوعی السودانی السیاسیة التی الحکم الذاتی ثورة دیسمبر السودانی فی رفض الحزب
إقرأ أيضاً:
كوليبالي: الحكم «عدواني» مع الهلال!
أورلاندو (أ ف ب)
أخبار ذات صلة
هاجم السنغالي كاليدو كوليبالي مدافع الهلال السعودي، حكم مباراة فريقه وفلوميننسي البرازيلي، بعد الخسارة 1-2، في ربع نهائي مونديال الأندية لكرة القدم، معتبراً أنه «لم يقم بواجبه».
وقال كوليبالي الذي طالب بركلتي جزاء خلال المباراة: «في نهاية المباراة، أعتقد أن كل الناس حول العالم شاهدوها (الحالة)، لا أعرف لماذا لم يعد الحكم (الرئيسي) إلى حكم الفيديو المساعد (الفار) لا أفهم الأمر».
وأضاف «نريد أن نقبل كل شيء، لكن حين تخسر بهذه الطريقة، أعتقد أنه أمر مؤسف».
وتابع مدافع نابولي الإيطالي السابق «كانت هذه فرصة حياتنا، وأعتقد أن الحكم لم يقم بواجبه، ثم جاء إلينا وتكلم معنا بطريقة سيئة جداً، لا أفهم لمَ كان عدوانياً مع الهلال».
واستطرد: «حين تتكلم معنا بهذه الطريقة، فإن الأمر ليس طبيعياً، أعتقد أنه كان هناك ركلتي جزاء (للهلال)، حكم (الفار) رآها، الكل رآها، لكنني نعود إلى المنزل، أنا حزين، وإذا لم تكن هذه ركلة جزاء، فلا أعرف ما هي ركلة الجزاء».
وبدا على الفريق البرازيلي التنظيم طوال المباراة، خاصة من الناحية الدفاعية بقيادة قلب الدفاع المخضرم تياجو سيلفا.
قال كوليبالي: «حاولنا أن نقدّم أفضل ما لدينا في الشوط الأول، لكن الأمر كان صعباً جداً، سجلوا هدفاً، لكننا كنا نؤمن بقدرتنا على العودة في المباراة ونجحنا بذلك مع بداية الشوط الثاني».
وأضاف: «أعتقد أننا فعلنا كل شيء من أجل الفوز بالمباراة، لكنهم سجلوا مرة أخرى في آخر كرة، وهذا مؤسف، مع ذلك، أظن أننا قدّمنا مباراة جيدة، أردنا أن نفوز، وربما كنا نستحق أكثر».
وتطرق السنغالي إلى الحالة النفسية لزميليه البرتغاليين جواو كانسيلو وروبن نيفيز بعد وفاة زميلهما الدولي جوتا مع شقيقه أندريه سيلفا في حادث سير.
قال: «كان الأمر صعباً جداً على روبن وجواو، روبن كان الصديق المقرّب لديوجو جوتا، ويعرف أيضاً شقيقه، لذلك كانت لحظة صعبة للغاية».
وتابع: «الفريق بأكمله كان حزيناً من أجله، لأنه عندما ترى أحد لاعبينا، أحد إخوتنا، يمرّ بحالة حزن مثل هذه، من الصعب أن تكون سعيداً، لكننا حاولنا أن نُسعده، وأن نجعله يلعب هذه المباراة أيضاً من أجله».
وأردف المدافع الدولي: «أعتقد أن الفريق لعب من أجله (نيفيز)، أردنا أن نُظهر له أننا جميعاً خلفه ونُسانده بكل قوتنا، وبالنسبة لعائلة ديوجو، فأنا آسف جداً، أُقدّم خالص التعازي، وأتمنى أن يتحلوا بالقوة في هذا الوقت العصيب جداً».
ووصف كوليبالي، خصمه في المباراة تياجو سيلفا وزميله السابق في تشيلسي الإنجليزي بـ «الأسطورة»، مضيفاً: «لدي احترام كبير لتياجو، أعرفه منذ فترة تواجده في تشيلسي، بل حتى من قبل ذلك، إنه لاعب رائع، وأُعتبره أسطورة بالنسبة لي، لعبنا معا لعام واحد في تشيلسي، لذلك أنا أعرفه جيداً».
وأردف: «شخص طيب وزميل رائع، أعتقد أنه يُقدّم الكثير من النصائح لفريقه، وهو من يتحكم بإيقاع الفريق، رأينا ذلك، ورأيناه أيضاً خلال هذه المسابقة، لذلك هو يستحق أن يكون هنا».