سودانايل:
2025-04-23@04:19:30 GMT

أدركوا سواكن … النار ولعت !

تاريخ النشر: 10th, November 2024 GMT

بقلم : حسن أبو زينب عمر

(1)
يوجعني أن أسمع الأنباء في الصباح يوجعني أن أسمع النباح ما دخل اليهود من حدودنا وانما تسربوا كالنمل من عيوبنا نزار قباني لن أضيف جديدا اذا قلت ان سواكن بتأريخها العريق وحضارتها الضاربة في الجذور انكفأت على نفسها ردحا من الزمان وصارت كومة من الحجارة الصماء ينعق فوقها البوم بعد أن جار عليها الزمان واسدل عليها ستار النسيان وانقض التجاهل على ماضيها وهي ماض كان يمكن استثماره سياحيا لجنى العملات الصعبة كما يفعل الآخرون ولكنها ظلت حتى الآن خارج قائمة تراث اليونيسكو بعكس ضرتها جدة التي نالت العضوية بجهود مقدرة من وزارة السياحة السعودية فيما تنكرت لها وزارة السياحة والآثار السودانية وتركتها يتيمة ترقد جوهرة منسية يعلوها الغبار على الشاطئ الذي وطأته كل الحضارات منذ نبي الله سليمان الى رمسيس الثاني (فرعون مصر القديمة) وحتى الى الأتراك وحكم كيتشنر وكلها لم تشفع لها لدخول منظومة اليونيسكو .



(2)
لكن تشييد ميناء الأمير عثمان دقنه بث فيها الروح وهي رميم فاستطالت وتمددت بضواحيها وامتداداتها المتناثرة طولا وعرضا بعد ان تدفق نحوها وأتى اليها من كل فج عميق كل الباحثين عن فرص العمل من كل الأطياف الاثنية في السودان .. حبل صرة أسواقها وفنادقها ومطاعمها ومقاهيها بل كل أنشطتها الاقتصادية والاجتماعية مرتبط بشرايين الميناء كجوع كل دم الغريق الى الهواء كما يقول السياب ..اذا كانت مصر هبة النيل كما يقول المؤرخ (هيروديت) فان سواكن هبة ميناء عثمان دقنة كما يقول الواقع المعاش وأي هزة في الميناء هي هزة للمدينة التي تعيش وتعتمد عليها الاف الاسر.

(3)
لأن الظروف والامكانيات لا تساعد هذا الفئات لشراء كميات كبيرة من السلع من الأسواق السعودية فهي تلجأ عادة الى عمل شراكات ومساهمات لشراء كميات صغيرة من السلع تدخل ميناء سواكن محمولة فوق ظهر طبليات لبيعها والتكسب منها بعد تسديد كل الرسوم والضرائب المستحقة والمطلوبة من الجمارك على (دائر المليم) وهي رسوم تتزايد من حين لآخر وتضع مزيدا من الأعباء على كاهل هؤلاء المساكين بإصدار فرمانات ضاغطة جديدة.

(4)
مهنة مارسوها منذ عشرات السنين وأصبحت مصدر الرزق الوحيد لهم .. الآن وتحت مبرر تطوير الأداء وتنظيم المهنة فكرت إدارة الجمارك وقدرت وضربت أخماسا في أسداس واتجهت كالعادة الى الحيطة القصيرة وأصدرت القرار الأسهل تنفيذا والأكثر دمارا وهو تخصيص قضية التصدير والاستيراد لأجسام اعتبارية كبيرة مثل الشركات ورجال الأعمال بموجب رخص تصدير واستيراد وأن يكون التعامل عبر البنوك وهو قرار سيذهب بالمرض كما تعتقد إدارة الجمارك السودانية ولكنه قطع شك سيذهب أيضا بالمريض والمريض هنا المئات من العمالة التي تم قطع أرزاقها ودفعها الى هاوية البطالة والتشرد والضياع.

(5)
بالتجارب الكثيرة فقد بات واضحا ان إدارة الجمارك تتعامل مع هذه الطبقات المسحوقة التي تكافح سحابة يومها تحت الشمس اللاهبة والرطوبة الخانقة لتحقيق حد الكفاف من متطلبات ضرورية بقسوة مطلقة وعنجهية غير مبررة ..في الشهر الماضي حجزت داخل حظيرة الميناء حاجيات هذه العمالة في العراء وتحت تقلبات الطقس ولم تطلق سراحها الا بعد أن فسدت معظمها وبالذات المواد الغذائية مما أدى لخسائر فادحة لم يجدو لها تعويضا من أحد فالغلبة دائما لمن يستغل السلطة بصورة بشعة للتحكم في الناس .

(6)
القرار الظالم غير المدروس للتداعيات والآثار السالبة صدر تحت شعار تنظيم وتطوير المهنة ونقول هنا (كبرت كلمة تخرج من أفواههم ان يقولون الا كذبا) فالتنمية والتطوير دائما تأتي في العالم الذي يحترم إنسانية الانسان لصالح هذا الانسان ولا خير فيها ان لم تجير لصالح هذا الانسان الا في هذا البلد المنكوب بأبنائه ففي الوقت الذي يتصدر فيه هدف توفير فرص العمل للعطالى هدف علم الاقتصاد في العالم يكون المصير هنا هو التشريد والحرمان والبهدلة وتضييق الخناق. ولعل هذا سبب الجريمة التي انتشرت مؤخرا بصورة مخيفة .

(7)
لا أحد يطالب باستثناء هذه الفئات الضعيفة التي تعيش رزق اليوم باليوم من الضرائب والاتاوات والرسوم فهم جاهزون لتسديدها حسب القوانين ولوائح التي تراعي ظروفهم وامكانياتهم أما أن يكون الحكم هو شطب المهنة وقطع الأرزاق فلن يقبل به أحد سيما وان هناك تسريبات بأن ورائها جماعة دارفور الذين يخططون لاحتكار مجمل الحراك الاقتصادي ووضع اليد عليه بإحلال رجال أعمال تابعين لهذه الاثنية يتصدر نشاطهم وزير المالية جبريل وقد حاولوا تنفيذ نفس الهدف في هيئة الموانئ فوقفوا لهم بالمرصاد وبروح النمر الجريح وأفشلوا مخططهم .

(8)
السيد عمر بانفير ... القضية ربما تكون الأولى التي توضع أمامك وأنت تتولى قيادة الوزارة ولكنها قطع شك هي أكثرها سخونة لكونها تتعلق بأرزاق بشر يراد قطعها و كل هؤلاء الضحايا يعرفون تأريخك الناصع رفضا للتهميش ونصرا للمظلومين ويثقون في قدراتك لنصرة المستضعفين. نحن العباد والبلاد نعيش أزمة طاحنة غير مسبوقة يكون فيها السودان أو لا يكون ولا أحد يريد أن يفتح جبهة جديدة تنكأ مزيدا من الجراح المتقيحة.

(9)
أقولها صادقا أنى أرى تحت الرماد وميض نار فسجل هذه الفئات ومعظمها تعيش في الضواحي والأطراف المنسية من سواكن برئ من المخالفات ..لا يعملون في تجارة الذهب المحرم ولا يعرفون تهريب المخدرات بالكونتينرات .. يتجهون مع خيوط الفجر الى الميناء بأمل انتزاع حاجياتهم التي دفعوا لها الغالي والرخيص من أنياب جمارك .. يمدون حبال الصبر بأمل أن يفرجها الله ولكن أخشى ما أخشى والجوع والحرمان ينهش في الأجساد أن يلجأوا الى علاج الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري الذي قال ذات مرة (أعجب لمن لا يجد قوت يومه ولا يخرج الى الناس شاهرا سيفه).

oabuzinap@gmail.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

تشييع الزبير… تشييع المكرمات

ذكرى_الرحيل
تشييع الزبير… تشييع المكرمات
رحم الله شيخ الزبير أحمد الحسن فقد كان حفنة من المكرمات. ونحسبه محسوبا في أهل الصدق فقد كان صادقا في قوله صادقا في مشاعره لا يتكلف لشيء حالا ،فيه دماثة خلق وتوطئة أكناف لا يطاهيه فيها أحد ممن عرفت من الناس. وفيه صبر كثير كثير وتجلد كبير كبير،كنت رفيق رحلته عندما نعيت إليه إبنته الأثيرة فكتم الأمر علينا بينما يرتب لرحلة عودته وإستمر معنا في برنامجنا المرسوم حتى أكمله ثم أخبرنا… يومذاك لم أصدق أن الغبراء التي تقلنا في زماننا هذا تحمل أمثاله ممن يحمل حمله. كنت رفيقه في السجن لسنتين ونحن في الجامعة وكان يصغرنا في السن ويكبرنا في الحال والمقام. كان أسرعنا حفظا للقرآن فأكمل حفظه في ثمانية أشهر وكان أكثرنا تعهدا له حتي من بعد أن أوقرت كاهله المسؤوليات الجسام ثم كنت رفيق محبسه مؤخرا لأسبوعين فكان كعهده الأول أكثر ما يشغله هو قرآنه وتفسيره فنعم الرجل من كان القرآن صفيه وأنيسه. كان الزبير ممن كتب له القبول عند البعيد والقريب فهو مثل الماء البارد السائغ لا يذمه أحد ولا يضجر منه أحد. وكان بخلاف ما يظن كثيرون تغرهم طيبة قلبه ودماثة خلقه ،كان قويا في الحق غير هياب ولكنه كان يؤثر الرفق واليسر تخلقا بخلق خير المخلوقين محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم. يعرف عنه من يعرفونه زهدا والدنيا مقبلة وعفة وصبرا والدنيا مدبرة فهو أعلم الناس بحالها بين إقبال وأدبار. واليوم يوم وداع الزبير ويوم تشييع الزبير يوم تشييع المكرمات لكننا أذ ندفن أخانا نقربه بأذن الله إلى الجنة ولا ندفن مكارمه ولا مناقبه ولا فكرته ولا دعوته فهي الرآية المرفوعة التي لا تنخفض لموت أحد ولو كانت تنتسى لموت أحد لأنتسيت لموت رسول الله صلي الله عليه وسلم… فشيعوا أخاكم كما تشيع المكرمات وتعزز ثم عودوا أعزاء برآيتكم وفكرتكم ودعواتكم فهي المثمون الذي دفع ثمنه كل الصلحاء والشهداء وليس أبن أبن الحسن بآخرهم… رحم الله أخي الزبير رحمة واسعة بقدر رحمة الله التي وسعت كل شيء وما نفدت ، وباعد بينه وبين خطاياه كما باعد ربنا بين المشرق والمغارب وطهره من الذنوب كما يطهر الثوب الأبيض من الدنس وغسله بالماء والثلج والبرد وسقاه في رمضان من كوثر الرضوان فمن علامة رضوانه أنه توفي أجله في جمعة مباركة في شهر مبارك. رحمه وجعل في رفقة السعداء من أهل الجنة من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا. ولا نقول إلا ما يرضي الله.
*رحم الله الزبير لو كان شهد معنا يوم إلتحام الصفوف أمس لقرت به عينه… و لعلها قرت
ولا حول ولا قوة إلا بالله.
أمين حسن عمر

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • كاردينال من جيل الألفية.. هل يكون البابا القادم؟
  • 127 عامًا من الصحافة الكردية… من صوت الشعب إلى أداة بيد السلطة
  • السيسي: تجديد الخطاب الديني لا يكون إلا على أيدي دعاة مستنيرين
  • إذاعة الجيش الإسرائيلي: مقتل قيادي بارز مرتبط بحماس والجماعة الإسلامية في الغارة التي استهدفت سيارة قرب الدامور جنوبي بيروت
  • السوداناوية… كديبة
  • ترامب: يجب خفض أسعار الفائدة أكثر.. والتضخم يكاد يكون منعدما
  • تشييع الزبير… تشييع المكرمات
  • ‏الأردن يرحب بالتوافق الذي توصّلت إليه واشنطن وطهران خلال الجولة الثانية من المباحثات التي عُقِدَت في العاصمة الإيطالية روما
  • المشي بين الوجبات: متى يكون أكثر فائدة لصحتك؟
  • زيلينسكي يتهم روسيا بانتهاك وقف إطلاق النار الذي أعلن عنه بوتين