سودانايل:
2024-12-22@05:30:07 GMT

حرب السودان إلى أين؟ (٣)

تاريخ النشر: 10th, November 2024 GMT

أبان مخاطبة رئيس الوزراء السابق د. عبد الله حمدوك جموع السودانيين في شتم هاوس بلندن مؤخرا وفي اطار جهود تنسيقية تقدم الحميدة وسعيها الحثيث لوقف الحرب وادخال المساعدات الإنسانية إلي المتضررين من الحرب في السودان ، كان قد استعار في إحدى ردوده مقولة د. منصور خالد الشهيرة "النخبة السودانية وإدمان للفشل".

رغم انني ،وربما العديد من الناس غيري، قد فهموا ضيق السيد حمدوك بانقسامات المتعلمين السودانيين وعدم توحدهم في مواجهة الحرب في السودان بكل شرورها المستطيرة، إلا انني انزعجت من التعبير اذ بدأ لي وكأنه يستخدم أدوات شعبوية popularism هي الاقرب لافكار مجتمعات الهوية والنخبة التي إرتبطت بها من اخوان مسلمين وشيوعيين ممن ظلوا يسخرون بإستمرار من النخب والصفوة تزلفا إلي القطيع.
فشل الحداثة الاولي التي دخلت السودان علي شكل يسار شمولي ماركسي وقومي عروبي كانت تقوم علي فلسفة الهوية لكنها لم تتمكن من مجاراة الإسلام السياسي الذي إتضح انه كان الحصان الرابح في هذا المضمار ليس في السودان وحده، بل في كل المنطقة،
وإرتباط فلسفات الهوية بالحداثة كانت قد بدأت بظهورها وكانها هي النموذج أو البارادايم paradigm السائد بعد أن استفادت جدا من انجازات العلم الطبيعي وصيرورته وصعوده مما جعله النموذج الكاسح والمثال الذي يجب الاقتداء به في المعرفة الإنسانية. لم تتردد الماركسية مثلا في التشبه بالعلم الطبيعي وإعتلاء صهوته والاختباء داخل قلعته بعد أن اصبحت محصنة باليقين. ولذلك فإن فلسفات الهوية تقوم علي ظاهرة سيطرة العلم الطبيعي علي موضوعه وعلي دقته المتناهية وعلي إنجازاته كذلك . ولفرنسيس بيكون مقولة شهيرة في هذا الشأن مفادها انه لابد من معرفة الطبيعة تمهيدا للسيطرة عليها. وهو ما استلفته الماركسية منه لاحقا بقولها ان "الحرية هي معرفة الضرورة". مفهوم الحرية اذن في الماركسية مفهوم فوق انه غير دقيق، فهو كذلك يعد مفهوم " غير أصيل" اذ كان قد صكه رائد العلم الطبيعي فرنسيس بيكون في بدايات تطور العلم في القرن السابع عشر.
واذا كان للإسلام السياسي ادعاءات اخلاقية كبيرة بزعم انه يمثل ما أجمعت عليه "المدونة الإسلامية"، فكذلك للشيوعيين ادعاءاتهم ، بيد إنها إدعاءات علمية تشبها بالعلوم الطبيعية. وربما يكون ذلك هو ما اغراها بسرقة انجازات العلوم الطبيعية وما كان قد نسبه فرنسيس بيكون للعلم الطبيعي ، بأن تنسبه الي نظريتها في المعرفة. وهذا ببساطة أرجو أن تكون غير مخلة، يشير بوضوح إلى المشروعية التي تحاول الفلسفة الماركسية أن تستمدها من العلم في تبريرها لمحاولات سيطرتها علي العالم وحشد الناس والطبيعة والمعرفة لانجاز اهداف التاريخ المزعومة.، إذ يبدو انها مشروعية زائفة كما نري.

للمفكر ثيودور ادورنو مساهمة قيمة حول " ديالكتيك الانوار " كان قد حاول فيها الإجابة علي التساؤل المهم: لماذا وصل جدل التنوير إلي طريق مسدود ؟
مدرسة فرانكفورت ميزتها إنها اشتغلت علي الجانب الهيجيلي من الماركسية بعد أن أدركت مدى خطورة فلسفات الهوية ومجتمعاتها، ومن المفارقات إن هذه الفلسفة لا تتردد في التضحية بالانسان من أجل الإنسان ! ولنا امثلة حية فيما حدث في عالمنا المعاصر علي أيام الثورة الثقافية في الصين وفي تجربة الخمير الحمر في كمبوديا وفي ملايين الضحايا داخل ما كان يعرف بالاتحاد السوفيتي، اضافة طبعا لما شهدناه في السودان من مجازر وتدمير تعاظمت وتائرها منذ استيلاء الجبهة القومية علي السلطة وحتي اليوم. ولقد كانت لجرائم النازية في المانيا ابلغ الأثر علي رواد مدرسة فرانكفورت لان اغلبهم كان من الطائفة اليهودية. وقد كان الالمانى يورغن هابرماس آخر فلاسفة هذه المدرسة، هو من بدأ يتجه باليسار إلي رحاب الديمقراطية بمعالجة أخطاء هيجيل وفلسفته التوليتارية وكان كتابه الشهير الذي صدر في ستينات القرن الماضي
The Structural Transformation of the Public Sphere
كان يمثل بدايته في السير في الإتجاه الصحيح ، وهو عبارة عن دراسة نقدية حول كيفية تشكل الرأي العام حيث حصر الدياكتيك أو الجدل في حيزه " الكانطي " المتواضع حتي لايتم تخريب المعرفة كما فعل معها جورج هيجيل بادعاءت " معرفة الشئ في ذاته" أو بعبارة أخري ادعاءات أن ما بالاذهان يقابل لما في الاعيان. واستفاد هابرماس في رحلته الفكرية من الانعطاف اللغوي linguistic turn
الذي بدأ تقريبا مع دي سوسير ثم جورج هربرت ميد بدايات القرن العشرين. بعد ان استطاع الأول ان يوضح في كتابه الشهير " علم اللغة العام" أن اللفظ أو الكلمة او الدال ليس له ارتباط مباشر بالمدلول بل إن له ابعاد أخري نفسية لاشعورية قوية مؤكدا بذلك استقلال الثقافة عن بناءات كارل ماركس الذي كان قد جعل الثقافة مجرد بناء فوقي تابع للبناء التحتي المرتبط بقوي الانتاج وعلاقات الإنتاج.
إن أهم ما حدث من تطور في الفكر الإنساني المعاصر هو تأكيد ضرورة صيانة الحريات العامة المنصوص عليها في المواثيق الدولية لأن المعرفة تتأسس علي العلاقة بين الناس وليس بين الذات وموضوعها في العالم المحيط بها، وعلى والحوار والمحاججة مع أجل التوصل إلي اجماع هو الاقرب إلي معرفة " الموضوع " المراد معرفته سواء اكان ذلك في العلوم الطبيعية أو الإنسانية، وذلك بدلا عن زعم ان ما بالاذهان يقابل ما بالأعيان، لأنها مسلمات بالية لا تقود إلي معرفة او الي تتطور والى تفتح ونمو.

talaat1706@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: فی السودان کان قد

إقرأ أيضاً:

هضبان يكرم المشاركين في دورة الاصابات الرياضية والعلاج الطبيعي بصنعاء

الثورة نت/..

كرم وكيل قطاع الرياضة بوزارة الشباب علي هضبان ٣٥ مشاركا في ختام الدورة التأهيلية الخاصة ب”الاصابات الرياضية والعلاج الطبيعي” للمرافق الطبي لأندية الأمانة والمحافظات، التي نظمها الاتحاد العام للطب الرياضي برعاية وزير الشباب الدكتور محمد المولد، ومولها صندوق رعاية النشء بمشاركة ١١ محافظة (الأمانة – صنعاء- تعز – عمران- ذمار- المحويت- البيضاء- صعدة – حجة – الحديدة- إب) استمرت خلال الفترة 16-19 ديسمبر الجاري.

وفي حفل التكريم الذي بدء بالقرآن الكريم ثم النشيد الوطني، أكد وكيل القطاع علي هضبان على سعي وزارة الشباب الجاد لتطوير الرياضة اليمنية، وتأهيل كوادر طبية متخصصة في الاصابات الرياضية.
وأشار هضبان في كلمته إلى اعتزامهم في الوزارة والقطاع التنسيق مع وزارة الصحة والهلال الأحمر اليمني، لدعم الاتحاد في الدورات القادمة، إضافة إلى مناقشة التوصيات التي خرجت بها الدورة الحالية، لتوسيع مراكز الطب الرياضي في مختلف المحافظات، واعدا بدعم المراكز الفاعلة بالأدوات الطبية.
كلمة رئيس الاتحاد الدكتور هادي هبه أوضح فيها أنهم سيعملون على تنفيذ دورات تأهيلية أكثر تفصيلا حول الاصابات الرياضية، بدعم قيادة الوزارة والصندوق، لافتا إلى أنهم يسعون لربط اتحاد الطب الرياضي اليمني بالاتحادين الآسيوي والعالمي، لتطوير قدرات الكوادر اليمنية في هذا المجال وتوسيع مداركهم الطبية على أعلى مستوى وفق أحدث أنظمة العلاج الطبيعي والتشخيصي للرياضيين.
وكان للمشاركين كلمة القاها المتدرب عامر علي تطرق فيها إلى استفادتهم الكثير من المهارات الطبية، عبر محاضرات الدورة، وبرامجها على مدى ٤ أيام، وطالب ضمن توصياتهم باعتماد المشاركين مندوبين للمحافظات، متمنيا دعم المراكز بالأجهزة الطبية حسب الامكانيات لتطبيق ما تلقوه في الدورة عمليا في مختلف الملاعب والصالات.
عقب ذلك قام الإخوة وكيل قطاع الرياضة علي هضبان ورئيس اتحاد الطب الرياضي الدكتور هادي هبة ومستشار الاتحاد الدكتور محمد حجر والأمين العام الدكتور محمد السريحي، بتكريم المشاركين بشهادات المشاركة.

حضر حفل التكريم الإخوة الأمين العام المساعد لاتحاد الطب الرياضي هاني الشرجبي، والمسؤول المالي رضوان أبو طالب، ومسؤول العلاقات بالاتحاد أديب بشر، ومشرف الدورة عن وزارة الشباب محمد الأنسي، وعبدالله التركي عن صندوق النشء، ومدير إدارة التوثيق بقطاع الرياضة حمود السنيدار.

مقالات مشابهة

  • تعليق طريف لكيليان مبابي بعد معرفة عدد ألقاب مودريتش مع الريال
  • العلاج الطبيعي وإعادة التأهيل.. خدمات نوعية في أبوظبي
  • أستاذ طب شرعي: نستطيع معرفة سبب الوفاة حتى بعد دفن الجثة بمدة طويلة
  • نوع خضار مفاجأة يعالجالقلب والسكرويمنع التكوين البشري غير الطبيعي للجنين
  • قطعة قماش في يد أسد!
  • اليوم نرفع راية استقلالنا (1)
  • استخدموا مواردكم لتخفيف معاناة السودان وليس تعميقها.. بلينكن يعلن هذا الإجراء الذي ستتخذه الولايات المتحدة حيال الأمر
  • أخر موعد لسداد فاتورة الغاز الطبيعي قبل نهاية العام
  • هضبان يكرم المشاركين في دورة الاصابات الرياضية والعلاج الطبيعي بصنعاء
  • «البوندستاج» يتجه لإلغاء رسوم نقل الغاز الطبيعي للدول المجاورة