سودانايل:
2025-04-27@23:08:02 GMT

حرب السودان إلى أين؟ (٣)

تاريخ النشر: 10th, November 2024 GMT

أبان مخاطبة رئيس الوزراء السابق د. عبد الله حمدوك جموع السودانيين في شتم هاوس بلندن مؤخرا وفي اطار جهود تنسيقية تقدم الحميدة وسعيها الحثيث لوقف الحرب وادخال المساعدات الإنسانية إلي المتضررين من الحرب في السودان ، كان قد استعار في إحدى ردوده مقولة د. منصور خالد الشهيرة "النخبة السودانية وإدمان للفشل".

رغم انني ،وربما العديد من الناس غيري، قد فهموا ضيق السيد حمدوك بانقسامات المتعلمين السودانيين وعدم توحدهم في مواجهة الحرب في السودان بكل شرورها المستطيرة، إلا انني انزعجت من التعبير اذ بدأ لي وكأنه يستخدم أدوات شعبوية popularism هي الاقرب لافكار مجتمعات الهوية والنخبة التي إرتبطت بها من اخوان مسلمين وشيوعيين ممن ظلوا يسخرون بإستمرار من النخب والصفوة تزلفا إلي القطيع.
فشل الحداثة الاولي التي دخلت السودان علي شكل يسار شمولي ماركسي وقومي عروبي كانت تقوم علي فلسفة الهوية لكنها لم تتمكن من مجاراة الإسلام السياسي الذي إتضح انه كان الحصان الرابح في هذا المضمار ليس في السودان وحده، بل في كل المنطقة،
وإرتباط فلسفات الهوية بالحداثة كانت قد بدأت بظهورها وكانها هي النموذج أو البارادايم paradigm السائد بعد أن استفادت جدا من انجازات العلم الطبيعي وصيرورته وصعوده مما جعله النموذج الكاسح والمثال الذي يجب الاقتداء به في المعرفة الإنسانية. لم تتردد الماركسية مثلا في التشبه بالعلم الطبيعي وإعتلاء صهوته والاختباء داخل قلعته بعد أن اصبحت محصنة باليقين. ولذلك فإن فلسفات الهوية تقوم علي ظاهرة سيطرة العلم الطبيعي علي موضوعه وعلي دقته المتناهية وعلي إنجازاته كذلك . ولفرنسيس بيكون مقولة شهيرة في هذا الشأن مفادها انه لابد من معرفة الطبيعة تمهيدا للسيطرة عليها. وهو ما استلفته الماركسية منه لاحقا بقولها ان "الحرية هي معرفة الضرورة". مفهوم الحرية اذن في الماركسية مفهوم فوق انه غير دقيق، فهو كذلك يعد مفهوم " غير أصيل" اذ كان قد صكه رائد العلم الطبيعي فرنسيس بيكون في بدايات تطور العلم في القرن السابع عشر.
واذا كان للإسلام السياسي ادعاءات اخلاقية كبيرة بزعم انه يمثل ما أجمعت عليه "المدونة الإسلامية"، فكذلك للشيوعيين ادعاءاتهم ، بيد إنها إدعاءات علمية تشبها بالعلوم الطبيعية. وربما يكون ذلك هو ما اغراها بسرقة انجازات العلوم الطبيعية وما كان قد نسبه فرنسيس بيكون للعلم الطبيعي ، بأن تنسبه الي نظريتها في المعرفة. وهذا ببساطة أرجو أن تكون غير مخلة، يشير بوضوح إلى المشروعية التي تحاول الفلسفة الماركسية أن تستمدها من العلم في تبريرها لمحاولات سيطرتها علي العالم وحشد الناس والطبيعة والمعرفة لانجاز اهداف التاريخ المزعومة.، إذ يبدو انها مشروعية زائفة كما نري.

للمفكر ثيودور ادورنو مساهمة قيمة حول " ديالكتيك الانوار " كان قد حاول فيها الإجابة علي التساؤل المهم: لماذا وصل جدل التنوير إلي طريق مسدود ؟
مدرسة فرانكفورت ميزتها إنها اشتغلت علي الجانب الهيجيلي من الماركسية بعد أن أدركت مدى خطورة فلسفات الهوية ومجتمعاتها، ومن المفارقات إن هذه الفلسفة لا تتردد في التضحية بالانسان من أجل الإنسان ! ولنا امثلة حية فيما حدث في عالمنا المعاصر علي أيام الثورة الثقافية في الصين وفي تجربة الخمير الحمر في كمبوديا وفي ملايين الضحايا داخل ما كان يعرف بالاتحاد السوفيتي، اضافة طبعا لما شهدناه في السودان من مجازر وتدمير تعاظمت وتائرها منذ استيلاء الجبهة القومية علي السلطة وحتي اليوم. ولقد كانت لجرائم النازية في المانيا ابلغ الأثر علي رواد مدرسة فرانكفورت لان اغلبهم كان من الطائفة اليهودية. وقد كان الالمانى يورغن هابرماس آخر فلاسفة هذه المدرسة، هو من بدأ يتجه باليسار إلي رحاب الديمقراطية بمعالجة أخطاء هيجيل وفلسفته التوليتارية وكان كتابه الشهير الذي صدر في ستينات القرن الماضي
The Structural Transformation of the Public Sphere
كان يمثل بدايته في السير في الإتجاه الصحيح ، وهو عبارة عن دراسة نقدية حول كيفية تشكل الرأي العام حيث حصر الدياكتيك أو الجدل في حيزه " الكانطي " المتواضع حتي لايتم تخريب المعرفة كما فعل معها جورج هيجيل بادعاءت " معرفة الشئ في ذاته" أو بعبارة أخري ادعاءات أن ما بالاذهان يقابل لما في الاعيان. واستفاد هابرماس في رحلته الفكرية من الانعطاف اللغوي linguistic turn
الذي بدأ تقريبا مع دي سوسير ثم جورج هربرت ميد بدايات القرن العشرين. بعد ان استطاع الأول ان يوضح في كتابه الشهير " علم اللغة العام" أن اللفظ أو الكلمة او الدال ليس له ارتباط مباشر بالمدلول بل إن له ابعاد أخري نفسية لاشعورية قوية مؤكدا بذلك استقلال الثقافة عن بناءات كارل ماركس الذي كان قد جعل الثقافة مجرد بناء فوقي تابع للبناء التحتي المرتبط بقوي الانتاج وعلاقات الإنتاج.
إن أهم ما حدث من تطور في الفكر الإنساني المعاصر هو تأكيد ضرورة صيانة الحريات العامة المنصوص عليها في المواثيق الدولية لأن المعرفة تتأسس علي العلاقة بين الناس وليس بين الذات وموضوعها في العالم المحيط بها، وعلى والحوار والمحاججة مع أجل التوصل إلي اجماع هو الاقرب إلي معرفة " الموضوع " المراد معرفته سواء اكان ذلك في العلوم الطبيعية أو الإنسانية، وذلك بدلا عن زعم ان ما بالاذهان يقابل ما بالأعيان، لأنها مسلمات بالية لا تقود إلي معرفة او الي تتطور والى تفتح ونمو.

talaat1706@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: فی السودان کان قد

إقرأ أيضاً:

الأردن..تشريعات جديدة لتحويل وقود السيارات إلى الغاز الطبيعي

أفادت إذاعة "حسنى" نقلاً عن مدير شركة "جو بترول" الأردنية، خالد الزعبي عن إجراء مباحثات حول تشريعات جديدة يتم العمل عليها مع الحكومة والجهات المعنية من الدفاع المدني ووزارة الطاقة وهيئة تنظيم قطاع الطاقة لتركيب "كتات" خاصة على السيارات لتستوعب العمل على نظامي الغاز الطبيعي أو البنزين في الوقت نفسه.

ووفقاً للإذاعة، كشف الزعبي أن التحول سيكون نقلة اقتصادية نوعية على مستوى الوطن، وسيخفض كلفة نقل الحاويات مثلا من العقبة إلى عمان إلى النصف أي من نحو 400 دينار إلى 200 دينار.

وأوضح الزعبي أن  أن تحويل السيارات للعمل على نظام الغاز لن يتطلب تحويل ماتور السيارات أو تغييره، بل هي تقنية جديدة مكونة من شرائح "كتات" يتم دمجها ضمن نظام السيارة بحيث تصبح قادرة على العمل على نظامي الغاز أو البنزين في الوقت ذاته.

ولفت الزعبي أن جميع الشاحنات التابعة للشركة، والتي بدأت بعمليات نقل غاز الريشة من شرق الأردن نحو المصانع الأردنية في عمان وبما يقدر بمسافة 400 كيلو، أصبحت تعمل على نظام الغاز، الأمر الذي وفر من تكلفة عملية النقل إلى النصف.

المصدر: إذاعة "حسنى"


© 2000 - 2025 البوابة (www.albawaba.com)

سيف الزعبي

قانوني وكاتب حاصل على درجة البكالوريوس في الحقوق، وأحضر حالياً لدرجة الماجستير في القانون الجزائي، انضممت لأسرة البوابة عام 2023 حيث أعمل كمحرر مختص بتغطية الشؤون المحلية والإقليمية والدولية.

الأحدثترند الأردن..تشريعات جديدة لتحويل وقود السيارات إلى الغاز الطبيعي سلاح الجو الأمريكي يستهدف سفينة إسرائيلية أسهل 5 خطوات لتصبح مليونيراً في عام 2025 مشروبات صيفية لتنحيف الخصر في أسبوع القوات المسلحة اليمنية تجدد استهداف قاعدة "نيفاتيم" الإسرائيلية Loading content ... الاشتراك اشترك في النشرة الإخبارية للحصول على تحديثات حصرية ومحتوى محسّن إشترك الآن Arabic Footer Menu عن البوابة أعلن معنا اشترك معنا حل مشكلة فنية الشكاوى والتصحيحات تواصل معنا شروط الاستخدام تلقيمات (RSS) Social media links FB Linkedin Twitter YouTube

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا للحصول على تحديثات حصرية والمحتوى المحسن

اشترك الآن

© 2000 - 2025 البوابة (www.albawaba.com) Arabic social media links FB Linkedin Twitter

مقالات مشابهة

  • كيفية معرفة رقم جلوسك في الثانوية العامة 2025 بخطوات بسيطة
  • معرض أبو ظبي للكتاب ينطلق تحت شعار مجتمع المعرفة.. معرفة المجتمع
  • الأردن..تشريعات جديدة لتحويل وقود السيارات إلى الغاز الطبيعي
  • من أشعل الحرب في السودان؟ ما الذي حدث قبل 15 أبريل؟
  • اتفاق المنامة السوداني الذي يتجاهله الجميع
  • «أبوظبي الدولي للكتاب».. «مجتمع المعرفة.. معرفة المجتمع»
  • حسام موافي يحذر من استئصال الطحال حال تضخمه دون معرفة السبب
  • إمام الحرم: على المؤمن معرفة قيمته وعدم استصغار نفسه أمام الماديات
  • كلما انهزمت المليشيا وأضطرت إلى الإنسحاب نحو الثقب الذي أطلّت منه نحو السودان
  • حزنت جدا للمصيبة التي حلت بمتحف السودان القومي بسبب النهب الذي تعرض له بواسطة عصابات الدعم السريع