سودانايل:
2025-03-04@16:03:05 GMT

حرب السودان إلى أين؟ (٣)

تاريخ النشر: 10th, November 2024 GMT

أبان مخاطبة رئيس الوزراء السابق د. عبد الله حمدوك جموع السودانيين في شتم هاوس بلندن مؤخرا وفي اطار جهود تنسيقية تقدم الحميدة وسعيها الحثيث لوقف الحرب وادخال المساعدات الإنسانية إلي المتضررين من الحرب في السودان ، كان قد استعار في إحدى ردوده مقولة د. منصور خالد الشهيرة "النخبة السودانية وإدمان للفشل".

رغم انني ،وربما العديد من الناس غيري، قد فهموا ضيق السيد حمدوك بانقسامات المتعلمين السودانيين وعدم توحدهم في مواجهة الحرب في السودان بكل شرورها المستطيرة، إلا انني انزعجت من التعبير اذ بدأ لي وكأنه يستخدم أدوات شعبوية popularism هي الاقرب لافكار مجتمعات الهوية والنخبة التي إرتبطت بها من اخوان مسلمين وشيوعيين ممن ظلوا يسخرون بإستمرار من النخب والصفوة تزلفا إلي القطيع.
فشل الحداثة الاولي التي دخلت السودان علي شكل يسار شمولي ماركسي وقومي عروبي كانت تقوم علي فلسفة الهوية لكنها لم تتمكن من مجاراة الإسلام السياسي الذي إتضح انه كان الحصان الرابح في هذا المضمار ليس في السودان وحده، بل في كل المنطقة،
وإرتباط فلسفات الهوية بالحداثة كانت قد بدأت بظهورها وكانها هي النموذج أو البارادايم paradigm السائد بعد أن استفادت جدا من انجازات العلم الطبيعي وصيرورته وصعوده مما جعله النموذج الكاسح والمثال الذي يجب الاقتداء به في المعرفة الإنسانية. لم تتردد الماركسية مثلا في التشبه بالعلم الطبيعي وإعتلاء صهوته والاختباء داخل قلعته بعد أن اصبحت محصنة باليقين. ولذلك فإن فلسفات الهوية تقوم علي ظاهرة سيطرة العلم الطبيعي علي موضوعه وعلي دقته المتناهية وعلي إنجازاته كذلك . ولفرنسيس بيكون مقولة شهيرة في هذا الشأن مفادها انه لابد من معرفة الطبيعة تمهيدا للسيطرة عليها. وهو ما استلفته الماركسية منه لاحقا بقولها ان "الحرية هي معرفة الضرورة". مفهوم الحرية اذن في الماركسية مفهوم فوق انه غير دقيق، فهو كذلك يعد مفهوم " غير أصيل" اذ كان قد صكه رائد العلم الطبيعي فرنسيس بيكون في بدايات تطور العلم في القرن السابع عشر.
واذا كان للإسلام السياسي ادعاءات اخلاقية كبيرة بزعم انه يمثل ما أجمعت عليه "المدونة الإسلامية"، فكذلك للشيوعيين ادعاءاتهم ، بيد إنها إدعاءات علمية تشبها بالعلوم الطبيعية. وربما يكون ذلك هو ما اغراها بسرقة انجازات العلوم الطبيعية وما كان قد نسبه فرنسيس بيكون للعلم الطبيعي ، بأن تنسبه الي نظريتها في المعرفة. وهذا ببساطة أرجو أن تكون غير مخلة، يشير بوضوح إلى المشروعية التي تحاول الفلسفة الماركسية أن تستمدها من العلم في تبريرها لمحاولات سيطرتها علي العالم وحشد الناس والطبيعة والمعرفة لانجاز اهداف التاريخ المزعومة.، إذ يبدو انها مشروعية زائفة كما نري.

للمفكر ثيودور ادورنو مساهمة قيمة حول " ديالكتيك الانوار " كان قد حاول فيها الإجابة علي التساؤل المهم: لماذا وصل جدل التنوير إلي طريق مسدود ؟
مدرسة فرانكفورت ميزتها إنها اشتغلت علي الجانب الهيجيلي من الماركسية بعد أن أدركت مدى خطورة فلسفات الهوية ومجتمعاتها، ومن المفارقات إن هذه الفلسفة لا تتردد في التضحية بالانسان من أجل الإنسان ! ولنا امثلة حية فيما حدث في عالمنا المعاصر علي أيام الثورة الثقافية في الصين وفي تجربة الخمير الحمر في كمبوديا وفي ملايين الضحايا داخل ما كان يعرف بالاتحاد السوفيتي، اضافة طبعا لما شهدناه في السودان من مجازر وتدمير تعاظمت وتائرها منذ استيلاء الجبهة القومية علي السلطة وحتي اليوم. ولقد كانت لجرائم النازية في المانيا ابلغ الأثر علي رواد مدرسة فرانكفورت لان اغلبهم كان من الطائفة اليهودية. وقد كان الالمانى يورغن هابرماس آخر فلاسفة هذه المدرسة، هو من بدأ يتجه باليسار إلي رحاب الديمقراطية بمعالجة أخطاء هيجيل وفلسفته التوليتارية وكان كتابه الشهير الذي صدر في ستينات القرن الماضي
The Structural Transformation of the Public Sphere
كان يمثل بدايته في السير في الإتجاه الصحيح ، وهو عبارة عن دراسة نقدية حول كيفية تشكل الرأي العام حيث حصر الدياكتيك أو الجدل في حيزه " الكانطي " المتواضع حتي لايتم تخريب المعرفة كما فعل معها جورج هيجيل بادعاءت " معرفة الشئ في ذاته" أو بعبارة أخري ادعاءات أن ما بالاذهان يقابل لما في الاعيان. واستفاد هابرماس في رحلته الفكرية من الانعطاف اللغوي linguistic turn
الذي بدأ تقريبا مع دي سوسير ثم جورج هربرت ميد بدايات القرن العشرين. بعد ان استطاع الأول ان يوضح في كتابه الشهير " علم اللغة العام" أن اللفظ أو الكلمة او الدال ليس له ارتباط مباشر بالمدلول بل إن له ابعاد أخري نفسية لاشعورية قوية مؤكدا بذلك استقلال الثقافة عن بناءات كارل ماركس الذي كان قد جعل الثقافة مجرد بناء فوقي تابع للبناء التحتي المرتبط بقوي الانتاج وعلاقات الإنتاج.
إن أهم ما حدث من تطور في الفكر الإنساني المعاصر هو تأكيد ضرورة صيانة الحريات العامة المنصوص عليها في المواثيق الدولية لأن المعرفة تتأسس علي العلاقة بين الناس وليس بين الذات وموضوعها في العالم المحيط بها، وعلى والحوار والمحاججة مع أجل التوصل إلي اجماع هو الاقرب إلي معرفة " الموضوع " المراد معرفته سواء اكان ذلك في العلوم الطبيعية أو الإنسانية، وذلك بدلا عن زعم ان ما بالاذهان يقابل ما بالأعيان، لأنها مسلمات بالية لا تقود إلي معرفة او الي تتطور والى تفتح ونمو.

talaat1706@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: فی السودان کان قد

إقرأ أيضاً:

وزير الداخلية الكويتي: بلادنا كانت مختطفة.. واستعادة الهوية واجب وطني

في تصريحات جريئة وحاسمة، أكد النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية الشيخ فهد اليوسف أن الكويت كانت “مختطفة” بفعل التجنيس غير المشروع والتلاعب بالهوية الوطنية، مشددًا على أن الدولة لن تتهاون في تصحيح التركيبة السكانية، وإعادة الجنسية إلى أصحابها الحقيقيين.

وقال اليوسف خلال ظهوره في برنامج “مسرح الحياة” الذي يقدمه الزميل علي العلياني: “الكويت كانت مختطفة، ليس فقط بجنسيات مختلفة دخلت البلاد، ولكن بطباع غريبة عن المجتمع الكويتي، بلغات ولهجات لم تكن جزءًا منا، وباختلاط في الأنساب. هذا الأمر كان مستمرًا منذ 40 و50 عامًا، لكن هل نستمر عليه إلى ما شاء الله؟ لا وألف لا، نحن اليوم أمام مسؤولية تاريخية لإعادة الأمور إلى نصابها”.

وكشف وزير الداخلية عن حجم الفوضى التي عانى منها ملف الجنسية، مشيرًا إلى أن البعض حصل على الجنسية عن طريق التزوير، وآخرون عبر شراء الولاءات ودفع الأموال، مؤكدًا أن كل الملفات سيتم مراجعتها بدقة، ولن يُمنح شرف الجنسية إلا لمن يستحقها بحق.

ولم يكن حديث اليوسف مجرد تصريحات عابرة، بل جاء مدعومًا بوقائع وأدلة صادمة، حيث أكد أن الجنسية الكويتية تحولت إلى سلعة تُباع وتشترى، قائلًا: “هناك فئات حصلت على الجنسية مقابل مبالغ مالية، دفعتها لأشخاص – للأسف – كويتيين، ساعدوهم على التزوير. لقد زرت بعض المسجونين، واعترفوا لي أنهم دفعوا الأموال مقابل أن يتم تسجيلهم كأبناء لعائلات كويتية، وهكذا أصبحوا مواطنين!”.

وتابع:”لو لم نفتح هذا الملف، لاختلفت تركيبة الكويت بشكل جذري، ليس فقط من حيث الجنسية، ولكن حتى في الطبع الكويتي، في العادات، في التركيبة الاجتماعية، في كل شيء. ما كان يحدث هو سرقة ممنهجة لهوية الكويت، ونحن لن نسمح باستمرار هذا العبث”.

وحول ملف التجنيس عن طريق “الأعمال الجليلة”، الذي طالما كان بابًا خلفيًا لمنح الجنسية الكويتية؛ كشف وزير الداخلية أن هذا النظام كان يُستخدم بطريقة غير نزيهة، حيث تم منح الجنسية لأشخاص لم يقدموا شيئًا حقيقيًا للكويت، قائلًا: “ماكو عمل جليل.. كلها بفلوس وواسطة، هذا الملف لن يكون بعد اليوم بابًا لتجنيس غير المستحقين. الجنسية الكويتية لن تُمنح لأي شخص إلا وفق معايير دقيقة، ومن يعتقد أنه يستطيع أن يحصل عليها بالعلاقات والولاءات، فهو واهم”.

وأوضح أن الدولة بصدد مراجعة جميع ملفات الأعمال الجليلة، قائلًا: “هناك أشخاص تم تجنيسهم بموجب هذه الأعمال، ولكن بعد التدقيق تبين أنهم غير مستحقين. هناك من جاء في 2005 أو 2010، وعمل لفترة قصيرة، ثم حصل على الجنسية. هل هذا عمل جليل؟ هل قدم شيئًا للكويت يعادل شرف أن يحمل جنسيتها؟ بالتأكيد لا!”

أما فيما يتعلق بالحملة المستمرة لمكافحة الفساد، فقد أكد اليوسف أن الكويت لن تتهاون مع أي مسؤول تلطخت يده بالفساد، مشيرًا إلى أن الأيام الأخيرة شهدت إحالة وزراء، نواب، وقضاة سابقين إلى التحقيق، في قضايا تتعلق بالاختلاس وغسل الأموال، بقوله: “نحن نعيش اليوم في دولة القانون، ولا أحد فوق القانون. من سرق المال العام، ومن استغل نفوذه، ومن ظن أن الكويت غنيمة، سيحاسب.. ومكانه معروف”.

وأضاف: “لدينا ريتز أيضًا، نعم! ولكن بأسلوبنا الخاص. كل مسؤول متورط في الفساد، وكل شخصية استفادت من المال العام بطرق غير مشروعة، سيكون لها موعد مع القضاء. السجن الآن يضم أسماء كانت تتقلد أعلى المناصب، والدور قادم على البقية، فلا أحد محصن”.

وفي تطور جديد، أعلن وزير الداخلية عن إعادة فتح ملف مشاهير التواصل الاجتماعي، قائلًا: “هذا الملف لم يُغلق. نحن الآن نراجع مصادر ثرواتهم، كيف تحولوا بين ليلة وضحاها إلى أصحاب ملايين؟ كل من لا يستطيع إثبات مصدر ثروته، سيواجه المحاسبة”، مؤكدًا على أن وحدة التحريات المالية تتابع جميع التحويلات المشبوهة، مضيفًا: “من يظن أن بإمكانه التلاعب بالأموال تحت غطاء الشهرة، فهو مخطئ. سيتم استدعاؤهم واحدًا تلو الآخر، والمحاسبة قادمة”.

وكشف اليوسف أن الحملة الجارية لتصحيح ملف الجنسية سيكون لها تأثير سياسي مباشر، حيث سيتم حذف 35 ألف شخص من السجلات الانتخابية، مما سيغير التركيبة السياسية لمجلس الأمة: “من كان يصوت بغير حق، لن يصوت بعد اليوم. من كان يتحكم في مستقبل الكويت رغم أنه ليس جزءًا منها، سيخرج من المشهد. القادم سيكون مختلفًا تمامًا”، مؤكدًا على أنّ الانتخابات المقبلة ستعكس الإرادة الحقيقية للكويتيين، بعيدًا عن التأثيرات غير المشروعة التي كانت تلعب دورًا في توجيه النتائج”.

جريدة الرياض

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • معرفة المزاج من خلال الدجاجمزاج العراقي بين عهدين
  • معرفة المزاج من خلال الدجاج.. مزاج العراقي بين عهدين
  • بالفيديو .. إنزال وإحراق العلم الإسرائيلي بعد رفعه في السويداء بسوريا
  • نائب:الحظر البحري على العراق ما زال مستمراً بسبب ضعف وفشل حكومة السوداني
  • وزير الداخلية الكويتي: بلادنا كانت مختطفة.. واستعادة الهوية واجب وطني
  • اعتقال شخص رفع العلم الصدّامي فوق منزله وسط بغداد
  • محمد بن يزيد المبرّد
  • دستور عدالة المحاكم.. اعرف الاجراءات المطلوبة لتسوية التصالح فى إيصالات الأمانة
  • الهوية الثقافية في ظل المتغيرات
  • «الهوية وشؤون الأجانب بدبي» تُعلن مواعيد العمل في رمضان