الشارقة - الرؤية
أكد عدد من الشعراء والأدباء العرب والأجانب أن وسائل التواصل الاجتماعي ساهمت في خلق تفاعل فوري ومباشر بين الشاعر وجمهوره، مما أدى إلى تغيير واضح في وظيفة الشعر، فلم يعد الشعر وسيلة للتأريخ أو الخطابة التقليدية، بل أصبح أقرب إلى تفاصيل الحياة اليومية، مشيرين إلى أن هذه الوسائل أصبحت أداة قوية للشباب للتعبير عن مشاكلهم وإيصال أصواتهم وهمومهم إلى الجمهور، كما تعكس المواضيع التي يتناولها الشباب واقعهم وتحدياتهم، حيث توفر لهم هذه المنصات مساحة للتعبير عن آرائهم بحرية.

جاء ذلك في جلسة حوارية بعنوان: "كيف يعيد الشباب تعريف الشعر"، ضمن فعاليات الدورة الـ43 من معرض الشارقة الدولي للكتاب، الذي يقام من 6-17 نوفمبر الجاري في مركز إكسبو الشارقة، تحت شعار "هكذا نبدأ"، وتحدث خلالها كل الأديبة الباكستانية هينا ميان، والكاتبة والطبيبة الجنوب أفريقية سمية إينيغي، والروائي والشاعر اليمني أحمد السلامي، وأدراتها الكاتبة علياء المنصوري.

 

"التواصل" خلقت تفاعلاً حياً مع الشاعر

وفي حديثه حول الشعر في زمن الإنترنت، أوضح الكاتب والروائي أحمد السلامي أن وجود المنصات الافتراضية أحدث انزياحاً في لحظة الكتابة، حيث يكتب الشاعر قصيدته بارتباط فردي مع الحاسوب أو الهاتف، وينشره مباشرة أمام جمهور واسع من القراء، ما خلق بدوره نوعاً جديداً من التواصل، وكأن الشاعر يكتب قصيدته أمام جمهور حي مباشرة.

وأضاف السلامي أن هناك فرقاً بين شكل القصيدة وموضوعها، حيث يمكن للشكل التقليدي أن يحمل محتوى معاصراً يعكس القضايا الحالية، لافتاً إلى أن الأدب، سواء كان شعراً أو رواية، يتأثر بالتحولات الاجتماعية والسياسية، مما يجعل الأديب يستجيب للتغيرات حوله.

كما أوضح أن وظيفة الشعر تغيرت، فلم يعد وسيلة للتأريخ أو الخطابة، بل أصبح أقرب إلى تفاصيل الحياة اليومية، حيث تعبر القصيدة عن تساؤلات فردية. ومع تقلص الوظيفة النضالية للشعر، رأى السلامي أن وسائل الإعلام الحديثة باتت هي التي تتولى التعبير عن القضايا الكبرى.

 

الإنترنت فضاء حر للشعراء

بدورها، أوضحت هينا ميان أن وسائل التواصل الاجتماعي أحدثت تغيرات جوهرية مقارنة بالماضي. وقالت: "قبل ظهور هذه الوسائل، لم يكن لكثير من الأصوات فرصة التعبير بحرية، خاصة لأولئك الذين نشأوا في بيئات تفتقر إلى المساحات المفتوحة للكتابة والتعبير".

وأضافت هينا أن وسائل التواصل أصبحت أداة قوية للشباب للتعبير عن مشاكلهم وإيصال أصواتهم وهمومهم إلى الجمهور؛ فالناس يتابعون هذه الأصوات الشابة لأنها تتحدث بجرأة وبدون قيود، مما يخلق فضاء واسعاً يكسر الصمت ويمنح الحرية لمن كانوا مهمشين أو مقيدين.

وأوضحت هينا أن الشعر المعاصر يتماشى مع ظروف الإنسان اليوم لأنه أصبح وسيلة لنقل الأفكار والتعبير عن تجارب الحياة المعاصرة. أما في السابق فكان أداة لتوثيق الأحداث والتاريخ، وديواناً عالمياً يعبر عن مختلف الثقافات والتجارب الإنسانية.

 

بصمة رقمية للشعراء الشباب

من ناحيتها، أوضحت الشاعرة والطبيبة سمية إينيغي أن المواضيع التي يهتم بها الشباب في بلادها جنوب إفريقيا على وسائل التواصل تعكس بشكل مباشر ما يحدث في واقعهم، خاصةً قضايا العنصرية، وحقوق النساء ذات البشرة الداكنة، والعلاقات الاجتماعية في إفريقيا. وبيّنت أن هذه الوسائل أصبحت تسمح للشاعر بترك بصمته الرقمية بشكل أكبر من ذي قبل.

وأوضحت سمية أنها منذ دراستها الشعر في المدرسة الثانوية وتعرّفها على أشكاله المختلفة، أدركت أن الشعر يمثل صوت الجمهور، لذا فإنها لا تلتزم دائماً بالقافية، وقالت: "الفكرة الجميلة تفرض حضورها دون حاجة إلى قيود".

وحول أهمية انخراط الشعراء في مجتمعاتهم، قالت سمية: "الانضمام إلى المجموعات الشعرية المحلية ينبع من ارتباطنا بمجتمعاتنا، فرغم عولمة وسائل التواصل، يجب علينا كشعراء أن نبقى على صلة بواقعنا المحلي؛ فالعولمة مهمة، لكن لا ينبغي أن تكون على حساب الثقافة والانتماء المجتمعي، حيث إننا، كشعراء، نمثل أصوات مجتمعاتنا، وهذا هو الأساس الذي يجب ألا نبتعد عنه".

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

كلمات دلالية: وسائل التواصل أن وسائل

إقرأ أيضاً:

عن موت الشعراء في فلسطين

قبل ساعة عدت من جنازة الشاعر الصديق محمد دلة، غريبة هذه الأيام في فلسطين، لا افكر فقط في نزف شهداء غزة المدوي، أفكر في موت الشعراء والكتّاب المتعاقب: محمد دلة، وضاح زقطان، أحمد يعقوب، زهير زقطان، عزت غزاوي، علي الخليلي، أحمد حرب، وآخرين، أهي مجرد صدفة أن يموت الشعراء في فلسطين بصورة ملتفتة،؟ أم أن قلب الشاعر الفلسطيني لا يستطيع تحمل ما يجري في غزة فيختار التوقف على النبض المتعب تفاديا من حرج العجز عن الكتابة الصافية صفاء الشهيد؟؟ يذهب الشعراء الفلسطينيون الى نهاياتهم تاركين القصيدة خلفهم كشهيدة او شاهدة، ليس موتا عاديا هذا الذي يغطي فلسطين كلحاف شتوي، ليس غيابا مفهوما لكنه سؤالا مكثقا على سؤال: من سيكتب موت البلاد أيها الشعراء حين تختارون الموت تباعا؟، أتذكر تجربة الشاعر الأب والملهم علي الخليلي، الذي مات قبل سنوات، أتذكره حزينا يمشي في شوارع يستطيع جندي صهيوني عمره 19 عشر عاما أن يقفلها، أتذكره وهو يهرب مع الهاربين تتساقط منه أغراضه، في حمى عتمة منع تجوال فرضه الاحتلال فجأة على رام الله، سمعت صوته وهو يهرب: القصيدة تهرب معي يا زياد هل تراها،؟ ها هي معي، وأشار الى ظله. مقهورا توقف قلب علي الخليلي، لكن قصائده ظلت وما زالت تركض داخلنا، محدثة فضاء من الحب ومصدرا للالهام ودافعا للمقاومة.

أين ذهب شارب علي الخليلي المميز ؟ كنت أنتظره بفضول حزين في التاسعة صباحاً بالضبط، يومياً من نافذة أحد طوابق عمارة الحرباوي، في الرام، في أول تسعينيات القرن الماضي، حيث مقر جريدة الصدى، كنت أعمل هناك في وظيفتين: محررا لغوياً ومراقباً لشارب علي الخليلي شديد الترتيب، كنت أتقاضى مقابل الأولى أجراً مالياً، أما الثانية فقد كنت أتقاضى مقابلها أجراً حلمياً، دفعات من الأحلام والتأملات، كانت بداياتي في التحرش بلهب الإبداع من هناك، في حريق تلك المرحلة الملتبسة وطنياً وإنسانياً، التي تفجرت من رحمها أجنة الكتابة الجديدة، كانت الكتابة الفلسطينية آنذاك، على مفترق طرق فني، إما أن تستمر في الرقصة الجماعية المكررة والدوران الفارغ حول ثيمات فقدت معناها وضرورتها، وإما أن تفتح لها درباً جمالياً جديداً تلاؤماً مع معطيات وجودية وسياسية وإنسانية فرضت نفسها.

ولدت فنياً عند ذلك المفترق ووجدت نفسي أختار مع زملائي جمال القواسمة وإيمان البصير وغيرهم، درباً مغايراً، عنيف الانعطاف. قصاصين خجولين كنا، نحاول أن نكتب منطلقين من ذواتنا المستعبدة والمستبعدة، بعد أن أشبع أدباء الانتفاضة المكرسون ذاتهم بعداً عن ذاتهم وفرديتهم المضطهدة؛ لسبب واهٍ وغير مقنع هو أن فلسطين أكبر منا جميعاً أو أنها هي ذاتنا الكبرى التي لا مجال لظهور ذوات صغيرة أمامها. كانت الذات في ذهننا غير المطحون بعد بِرَحَى التجارب الحياتية والقراءات هي أن نكتب عما يلامس حواسنا ويستفز رغباتنا، فيما بعد، بعد مرحلة نضوج كانت كافية لأن ننظر بفخر إلى نتاجاتنا، عثرنا على طريقنا وعرفنا أن الذات الصغيرة هي سطح القمر الذي من فوق أرضه نطير إلى العالم هموماً وألغازاً وأفكاراً، وأنها ليست العالم أبداً.

كان علي الخليلي يقطع الشارع تحت نظراتي قوي البنية بمشية رمحية وعيني صقر يعرف ماذا ينتظره في الأعالي، فيواصل التحليق أعلى فأعلى، كان شاربه مجازاً مناسباً لحلمي أن أصبح ابن الدرب الجديد في الكتابة، مرتباً وقوياً ومعتداً بذاته وشديد النظافة، ويحلق أعلى فأعلى، إلى أين كان يذهب؟ أظل أراقبه ماطاً رقبتي على وسعها من النافذة حتى أكاد أسقط، ستمضي الأيام بي وبتجربتي، لأجد فجأة أن علي الخليلي يقدم كتابي الأول: (موعد بذيء مع العاصفة)، قال عني كلاماً شعرياً وحميماً وحزيناً سوف أظل أزهو به حتى اللحظة، كنت ما أزال أنظر شاربه الذي وخطه قليل من الشيب وأذبله قليل من التعب، كتب علي الخليلي عشرات الكتب موزعة بين شعر وقص ونقد وتراث، وصل عددها مع آخر مجموعة شعرية صدرت قبل أسابيع عن اتحاد الكتاب الفلسطينيين (شرفات الكلام) إلى ثلاثة وأربعين كتاباً. ورئس تحرير مجلة (الفجر الأدبي) فترةً طويلةً مشجعاً فيها ومنتجاً عشرات الأسماء المبدعة التي ما زال بعضها يكتب حتى اللحظة.

ابن الفران (أبو سري) الذي خبز الشعر في فرن الحلم وقدمه لنا أرغفة شهية، ما زال وفياً لقصيدة التفعيلة، على الرغم من كل انفجارات وانتصارات النثر الشعري هنا وهناك من حوله، على الرغم من كل الجدل حول هذا الموضوع، فإنني أحترم خيار أبي سري الفني وأقدّر شعريته التي حفرت لها مكاناً خاصاً في حقل الكتابة الشعرية الفلسطينية..

في رام الله كنت ألتقي بالشاعر في الشارع أحياناً، أسلم عليه بحرارة مرتبكاً أمام شاربه الذي لم يعد أسود ومرتباً ومعتداً بذاته، أتذكر بداياتي الهشة والخجولة ورقبتي الملوية وهي تلحق بظله فيما هو يقطع الطريق إلى الرصيف الآخر ليوقف سيارةً ويذهب إلى حيث لا أدري، لماذا أكتب هذا النص؟ أهي رثاء متجدد لأجمل من كتب قصائد البلاد؟ أم هي مجرد تحية امتنان وحب وتكريم إلى رجل جميل أعطانا الكثير من المتعة والجمال على حساب صحته وعمره؟ أم هي اعتذار من رجل جميل لم نقم كما يجب بتكريمه بعد كل هذا العطاء الذي ما زال متواصلاً على الرغم من خبو بريق الشارب والخطوة والنظرة؟. أم كلاهما معا؟. لا أعرف حقاً.

يموت الشعراء الفلسطينيون بتوقف مفاجئ في القلب، ونحيا نحن القراء داخل حياة مستمرة، حياة تسمى قصائدهم، هل يموتون حقا ونصوصهم تشرق في دروبنا بل وتحولها؟؟ لا ينتهي الفلسطينيون ولن ينتهوا..

مقالات مشابهة

  • تحديات الصحة المنتشرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.. هل تجعلنا أكثر صحة أم تعاسة؟
  • التراث الشعري في مرايا المبدعين الشباب
  • GoDaddy  تطلق "Show in Bio" لدعم الشركات الصغيرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي
  • عندما تتحول مواقع التواصل إلى أداة بيد العدو الصهيو أمريكي
  • قصور الثقافة تحتفي بسيرة وإبداع الشاعر رفعت سلام بالقليوبية
  • مشادات المسئولين بمحافظة سوهاج تشعل وسائل التواصل الاجتماعي
  • كأنك العيد والباقون أيام.. الأعياد الإسلامية في الشعر العربي
  • عن موت الشعراء في فلسطين
  • وسائل التواصل توسّع الفجوة بين الأجيال .. وحماية القيم مسؤولية مشتركة
  • الولايات المتحدة تعلن مراقبة وسائل التواصل للمهاجرين وطالبي التأشيرات