السنةُ الأكاديميةُ ٢٠١٩ - ٢٠٢٠م كانض سبقتها في كلية الجبيل الصناعية . فقد قمتُ خلالَها بتلميعِ وتنشيطِ غرفةِ الأرشيف اللُّغوي التعليمي/ التربوي pedagogical archive بعد رُكُود . ولذلك كان الانهماكُ في تدريسِ طلابِ السنةِ التحضيرية أكثرَ حَمِيَّةً واستعداداً . وكان لِتَغَيُّر هيئةِ التَّدريس بالكامل والتنسيقية الجديدة لشركة المدينة أثرٌ فعَّالٌ في ارتفاعِ الحماسِ وزيادةِ وتيرة التفاعل interaction مع المُحيطِ الطُّلابي والإداري .

لم يخلُ أداءُ شركة الخليج في السنة الأكاديمية السابِقة من أوْجُه القُصُور shortcomings خاصةً فيما يتعلقُ بالمُنَسِّق أو المسئولِ عن المواردِ البشرية HR الذي كان يتعاملُ معنا بِرُدودِ الأفعالِ و " شَخْصَنةِ " المواقف .
على أيةِ حال ، سارتْ الأمورُ سيراً حسناً والشُّهورُ حثيثاً حتى بلَغنَا الضَّفةَ الأُخرَى بسلامٍ ومهنيةٍ عاليةٍ تَمثّلتْ في نتائجِ الامتحاناتِ النهائيةِ بالنسبة لدوراتِ اللغة الانجليزية والتي كانتْ محلَ إشادةٍ من قِبَل إدارةِ المعهد وعلى رأسِها الدكتور أنور الزهراني .
كانتْ الإجازةُ الصيفيةُ تبعاً لذلك مُمتِعةً وعامِرةً مع الأهلِ والأحبابِ في مَقرنِ النيلين والجزيرةِ الخضراء ، امتدتْ لأشهُر ثلاثة من أول يونيو حتى نهاية أغسطس .
قبل انتهاءِ العُطلة الصيفية وصلتني رسالةٌ من الأستاذ محمد القضاة مُنسِّق شركة المدينة التعليمية فحواها : تُفيدكُم شركةُ المدينة التعليمية أنَّ عَقدَها مع الهيئةِ الملكيةِ بالجبيل وكلية الجبيل الصناعية قد انتهى وذلك لأنَّ الهيئةَ قد قررتْ تخفيضَ القَبول لطلابِ السَّنة التحضيرية للسنة الأكاديمية القادمة ٢٠٢٠ - ٢٠٢١م وسوف تكتفي بالمُعلِّمين الدائمين التابِعين للهيئة الملكية . ولذلك ترجو منكم الشركة إحدى خَيارين : إما طلب خروج نهائي أو نقل كفالة . نرجو منكم الرَّد قبل عودِتكم من الإجازة .
وهكذا تأتي الرياحُ بما لا تشتهي السُّفُن . وقد جاءتْ الرِّسالة في وقتٍ حَرِجٍ كنَّا نستَعدُّ فيه لإغلاقِ مِلف الإجازةِ وفتحِ ملف العودة . لكنْ لا بأسَ فقد تَعوَّدنا على هذه المُفارَقات . فقد كان ردِّي : دَعُونا نُنفِّذ العودةَ ثم بعد ذلك نبحثُ عن نقلِ الكفالة. عُدنا في بدايةِ سبتمبر ٢٠٢٠م إلى الجبيل بالمنطقة الشرقية ، وكان العَودُ ضَبابِيَّاً هذه المرَّة . ومع مُضَايَقةِ الشركة بضرورةِ الإسراعِ بنقلِ كفالتي ، شرعتُ في البحثِ والتَّقصّي عن جهةٍ أنتقلُ إليها دونما ضَرر . استغرقَ الأمرُ قُرابة الشَّهرين حتى اضْطُررتُ للتفكيرِ في عملٍ تجاري ليس بعيداُ عن التَّدريس . فكّرتُ في افتتاحِ مكتبةٍ قِرطاسيِّة يكونُ شأنُها بيعُ الأدواتِ المكتبيةِ ثم التصويرُ والتغليفُ والترجمةُ ، وبحثتُ عن شراكةٍ . قادَتني مُهاتفاتي المُتعدِّدة إلى أخٍ سوداني كنتُ قد تعَرَّفتُ عليه في حفرِ الباطن - التي تبعدُ عن الجبيل مسافة ٤٢٠ كم - عندما كنتُ أعملُ مُدرِّساً لِكتيبةٍ من الدّفاع الجَوي بمدينةِ الملك خالد العسكرية KKMC لمدة شهرٍ واحد . أقنَعني المدعو خالد أحمد موسى بأنَّ كفيلَه " أبو فيصل " قد وافقَ على الشَّراكة في مشروعِ الأعمالِ المكتبية مع الترجمة على أنْ تكونَ الشراكةُ مُناصفةً 50 - 50 بعد نقلِ الكفالة . ولما كان بَديهِيّاً أنْ يعودَ المرءُ من إجازةٍ طويلةٍ صِفرَ اليدين ، فقدَ لجأتُ إلى الدَّيْن واقترَضتُ من أحدِ أقاربي مبلغاً كبيراً على أساسِ أنَّ المشروعَ أرباحُه مَضمُونةٌ و " ما يخُرِّش المَيَّة".
جَلسْنا ثلاثَتُنا في خيمةٍ خارجَ البلدة : أبو فيصل وخالد موسى والعبدُ لله . ناقَشنا الإطارَ العام للشَّراكةِ وطبيعةِ النَّشاط التِّجاري ورأسِ المال . اتَّفَقنا على ٤٠ ألف ريال كَبِداية على أنْ يدفعَ كُلٌّ مِنّا ٢٠ ألف .
أبو فيصل : هل أنت جاهز يا أبا عمر ؟ ( يقصُد المبلغ ) .
قلت : نعم وقد اشتريتُ ماكينة تصوير حديثة ماركة Canon بمبلغ خمسة آلاف ريال . وسوف أدفعُ الباقي cash وأنا جاهز .
قال : زين . خلونا نَروح المكتب ونَخلِّص الموضوع ع الكمبيوتر .
ذهبنا لِمكتبِه داخلَ البلدة والمُتخَصِّص في خدماتِ الإقامةِ وتخليصِ المُعاملات ، وقامَ مُوظفُه أبو سلامة بِتكمِلة
إجراءاتِ نقلِ الكفالة والعقدِ الصُّوَري . وقد طلبَ مِني المبلغَ حتى تَتِمَّ إضافُته للنِصف الآخَر ويُفتَح به حسابٌ خاص . قدَّمتُ المبلغ ( ١٥ألف ) بِحُسنِ نِيّة وفرحٍ غامِر . ثم بدأتُ البحثَ عن مكانٍ مناسب من ناحيةِ الموقع والايجار ، فأصَرَّ أبو فيصل على أنْ نَستأجِرَ محلاً خالياً مُجاوراً لمكتبه . بالمُناسبة أبو فيصل عسكري يُسافرُ بين الفينة والأخرى إلى الحُدودِ الجَنوبية مع اليمن ليُداوم هناك أسبوعاً أو أسبوعين ثم يَعود . تركَ الأمرَ كُلَّه للمدعو " أبو سلامة " - وهو سوري الأصل - ليقومَ بِكلِّ ما يلزمُ المكتبةَ القرطاسية من أجهزةٍ ومُعدَاتٍ ولوازمَ ، وقبل هذا إعدادِ المحل بالواجِهة الزُّجاجيةِ والأرفُف وما يلزمُ لاستيعابِ الأدواتِ المكتبية لمُتطلباتِ المدارسِ والتلاميذ .
وبعد شهرين بالتَّمام والكَمال قضَيتُها جيئةً وذهاباً بين مكتب أبو سلامة وسكني والمُماطَلة وعدمِ ظهور " أبو فيصل " في الصورة ، تعبتُ من الجري وراء السَّراب وأيقنتُ أنَّ القومَ يمكُرون " ويَمكُرون ويَمكُر الله والله خيرُ الماكِرين " ؛ بعد هذه القناعةِ تَشبَثتُ بالمدعو خالد موسى الذي أدخلني في هذه الورطة ، وأصررتُ عليه أنْ يجمَعني بِكفِيله . وصفَ لي خيمةً يجتمعُ فيها هو وأصحابُه
يُدخِّنون الشِّيشة ويَتغَدون فيها وأفضلُ وقتٍ لوجودِه هو الساعة الواحدة بعد الظُّهر .
وفي اليومِ التَّالي - وكانَ الحَرُّ قائظاً - فاجأتُ أبا فيصل في الثانية ظهراً في الخيمةِ التي وصفَها لي خالد . بُهت الرجلُ عندما رآني وكادتْ عيناه تَخرُجان من مَحجَريهما . خُلاصةُ الأمر أنّني عبَّرتُ عن استيائي الشَّديد من الانتظار الذي ورَّطني فيه وعدمِ اهتمام " أبو سلامة " بما كلَّفه به بعد أنْ دفعتُ له المبلغ المطلوب . ذكرَ لي سبباً واهياً لعدمِ قيامِ المشروع وهو أنَّ وزارةَ الثَّقافة لم تمنَحه تصريحاً لأنَّ المكتباتِ والقرطاسيات في حفر الباطن مُتوفِرة أكثرَ من اللازم !!! وهذا هو العذرُ ال " أقبح من الذَّنْب " طيِّب لِمَ لَمْ تُخبِرني بذلك !!!؟ . قمتُ بِفَضِّ الشَّراكة في ذلك النَّهار وطلبتُ المبلغَ الذي دفَعتُه . أصَرَّ على خصمِ مبلغ ٧٠٠٠ ريال قيمة نقل الكفالة ورسوم مكتب العمل مع أنني قلتُ له لَمْ أستَفِدْ من كفالِتك شيئاً !!! وهذا مشهدٌ آخر مِن مسرحيةِ الكفيلِ الفرد. فَضَضتُ الشَّراكةَ المَزعُومة
واستلمتُ المبلغ المُتَبقي . حملتُ أحزاني وعُدتُ بها "مُتلفِّعاً بالليلِ والصَّمتِ " !!!
لَمْ أفكِّر بعدها في المشروعِ الذي رسمتُ نجاحَه في مُخَيِّلتي ووقعتُ في المكانِ الخطأ لتنفيذِه وشربتُ المزيدَ من مَقالِب الكُفلاء وأسألُ الله أنْ يُنَجِّي المُغتربين من شُرُورِهم ويفتحُ لهم أبوابَ الشركاتِ الكبيرةِ والمؤسساتِ الحُكُومية .
أخيراً وليس آخراً ، الشُّكرُ والتَّقدير لِكُلِّ من تابعَ مُذكِّراتي قراءةً وتأمُّلاً على صفحاتِ " سودانايل " الإلكترونية أو منقولةً على صفحاتِ الواتساب والشُّكر أجْزلُه للأستاذ طارق الجزولي المُِّحَرِّر والمُشرِف على مِنَصة سودانايل الغنية بالسياسةِ والثقافةِ والآدابِ شعراً ونثراً وعلماً وظُرفاً وطُرفة .
و ... أدْركَ شهرزاد الصَّباح فسكتتْ عن الكلامِ المُباح .
أستَودِعُكم اللهَ الذي لا تضيعُ ودائِعُه .

محمد عمر الشريف عبد الوهاب

m.omeralshrif114@gmail.com

   

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: أبو سلامة أبو فیصل

إقرأ أيضاً:

معرض فيصل الثالث عشر للكتاب يناقش الدروس والعبر من غزوة بدر

نظمت الهيئة المصرية العامة للكتاب تحت رعاية الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة، برئاسة الدكتور أحمد بهي الدين، ندوة ثقافية بعنوان «يوم بدر: دروس وعبر»، وذلك ضمن فعاليات معرض فيصل الثالث عشر للكتاب، وبالتعاون مع وزارة الأوقاف.
 

شارك في الندوة فضيلة الشيخ يوسف عثمان، وأدارتها سهام عبد الحميد، مدير إدارة المتابعة بالهيئة المصرية العامة للكتاب.
تناولت الندوة أهمية غزوة بدر الكبرى، التي وقعت في 17 رمضان من السنة الثانية للهجرة، باعتبارها أول مواجهة كبرى بين المسلمين بقيادة النبي محمد ﷺ وقريش. رغم قلة عدد المسلمين وضعف إمكانياتهم، فقد حققوا نصرًا عظيمًا بفضل الإيمان والتخطيط الجيد، مما جعلها محطة فارقة في التاريخ الإسلامي، تحمل الكثير من الدروس والعبر للأفراد والمجتمعات.
انطلق النبي ﷺ ومعه حوالي 313 صحابيًا لاعتراض قافلة تجارية لقريش، لكن المواجهة تحولت إلى معركة حاسمة ضد جيش قريش الذي بلغ عدده نحو 1000 مقاتل. رغم التفوق العددي للمشركين، حقق المسلمون انتصارًا ساحقًا، وقُتل عدد من كبار قادة قريش، من بينهم أبو جهل وأمية بن خلف، كما أُسر العديد من المشركين.

أبرز الدروس المستفادة من غزوة بدر، النصر لا يرتبط بالكثرة العددية، حيث أظهرت المعركة أن الإيمان والثقة بالله يمكن أن يكونا مفتاحًا للنجاح، حتى عند مواجهة خصم يفوق المسلمين في العدد والعدة.
وكذلك التخطيط الجيد والمشاورة، حيث اتخذ النبي ﷺ قرارات استراتيجية، منها اختيار موقع المعركة عند آبار بدر لحرمان العدو من الماء، كما استشار الصحابة، مما يعكس أهمية التخطيط والمشاركة في اتخاذ القرار، وأيضا التوازن بين التوكل على الله وبذل الجهد، فرغم دعاء النبي ﷺ المتواصل بالنصر، إلا أنه لم يكتفِ بالدعاء، بل أعد المسلمين جيدًا للمعركة، مما يؤكد ضرورة الجمع بين العمل والتوكل على الله، والقيادة الحكيمة في الأوقات الحرجة، حيث جسد النبي ﷺ نموذجًا للقائد الناجح الذي يجمع بين الحزم والرحمة، فكان قريبًا من جنوده وشاركهم المعركة، مما عزز روح الفريق بين المسلمين.

بالإضافة إلى الوحدة والانضباط قوة أساسية، والتزم الصحابة بالطاعة والانضباط تحت قيادة النبي ﷺ، مما جعلهم قوة متماسكة قادرة على مواجهة جيش قريش، والأخلاق والوفاء بالعهود في الحرب، فبعد النصر، تعامل النبي ﷺ برحمة مع الأسرى، حيث جعل فداء بعضهم تعليم المسلمين القراءة والكتابة، مما يعكس قيم الإسلام في التسامح حتى في أوقات الحرب.
أكدت الندوة أن غزوة بدر ليست مجرد معركة، بل مدرسة في الإيمان والتخطيط والتعاون والقيادة، وتبقى هذه المعركة مصدر إلهام لكل من يسعى لتحقيق النجاح، بأن الإصرار والعمل الجماعي يمكن أن يصنعا الفارق في مواجهة التحديات.
 

مقالات مشابهة

  • "أبوظبي للتقاعد" يتيح 3 طرق مرنة لسداد تكلفة ضم مدد الخدمة السابقة
  • أبوظبي للتقاعد 3 طرق مرنة لسداد تكلفة ضم مدد الخدمة السابقة
  • معرض فيصل الثالث عشر للكتاب يناقش الدروس والعبر من غزوة بدر
  • معرض فيصل الثالث عشر للكتاب يناقش أثر صلة الأرحام في الترابط المجتمعي
  • فاتورة إفطار بـ 560 ألف جنيه تثير الجدل.. ما القصة؟
  • إخماد حريق التهم محل ألبان في شارع فيصل
  • السجن لمحاسبة في وزارة الصحة بتهمة الاختلاس
  • معرض فيصل الثالث عشر للكتاب يناقش فضل الدعاء في رمضان.. صور
  • معرض فيصل للكتاب يناقش فضل الدعاء في رمضان
  • إقبال جماهيري على معرض فيصل الثالث عشر للكتاب