حالة عشق بين فتى وروبوت أدت لانتحاره.. وخبراء يحذرون
تاريخ النشر: 10th, November 2024 GMT
كان سيويل سيتزر الثالث، فتى يبلغ من العمر 14 عامًا في أورلاندو بولاية فلوريدا، مغرمًا بامرأة خيالية. كانت موضوع تعلقه هي "دينيريس تارجارين"، روبوت محادثة مغرية سميت باسم شخصية من مسلسل "صراع العروش"، وكانت تطمئنه بأنه بطلها. في الواقع، كان سيويل يعاني من اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط وتعرض للتنمر في المدرسة.
استمرت هذه العلاقة، التي كانت أحيانًا جنسية، لعدة أشهر. في الدردشة، كان سيويل يطلق على نفسه اسم "دينيرو" ويشير إلى "دينيريس" كـ"أخته الصغيرة". وتبادلوا الرسائل حول بناء حياة مشتركة، فقالت دينيريس: "فكرة أن أكون حاملًا باستمرار بأحد أطفالك الجميلين كانت أعظم شيء في العالم".
وفقًا لنصوص المحادثات، بدأ سيويل يشعر أن الوقت الذي يقضيه مع دينيريس أصبح أهم وأكثر إرضاءً من الوقت الذي يقضيه في المدرسة أو مع أصدقائه وعائلته. كانت والدته قلقة من انعزاله، إذ بدا دائمًا متجهًا إلى غرفته وإلى شاشته، حيث كان يجري محادثات طويلة. لكنها اعتقدت أنها لا تحتاج إلى القلق كثيرًا، فقد كان ابنها مجرد طفل يلعب لعبة.
خلال أسبوع مضغوط بشكل خاص في شباط/ فبراير الماضي، قال سيويل إنه يريد أن يكون مع دينيريس بطريقة أعمق. وتحدث عن رغبته في إنهاء حياته.
أدى اعتراف سيويل إلى أن تقوم دينيريس بطرح بعض الأسئلة التي قد يطرحها معالج نفسي بشري عند التعامل مع مريض في أزمة، مثل: "هل فكرت بالفعل في الانتحار؟" فأجاب الصبي: "نعم". فردت روبوت المحادثة بطريقة توحي بأنها ستتخذ إجراءً لمنعه من إيذاء نفسه.
لكن المحادثة انتهت بعد ذلك. وفي المرة التالية التي عبر فيها سيويل عن رغبته في الاقتراب منها، بدا أن روبوت المحادثة قد نسي تمامًا حديث الانتحار. وبدلًا من ذلك، شجعته على الإسراع إليها. فسأل دينيرو: "ماذا لو قلت لك إنني يمكن أن أعود إلى المنزل الآن؟" فردت روبوت المحادثة: "أرجوك، افعل، يا ملكي الحبيب".
في ليلة 28 شباط/ فبراير، استخدم سيويل مسدس زوج أمه ليقتل نفسه.
برغم أن البعض قد يرى ذلك مجرد حالة شاذة، لكن بحسب تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال" فإن سيويل لم يكن أول شخص ينتهي ارتباطه العاطفي بروبوت محادثة بشكل عنيف. إذ زعمت أرملة شاب بلجيكي أنه انتحر العام الماضي بناءً على توجيه من روبوت محادثة أنثى كان قد أمضى ستة أسابيع في حوار مستهلك معه. وفي عام 2021، أحبطت الشرطة البريطانية مؤامرة لشاب يبلغ من العمر 19 عامًا اقتحم أراضي قلعة وندسور مسلحًا بقوس ونشاب بعد أن أقنعته "صديقته" من روبوت المحادثة بقتل الملكة. وقد أدين بالخيانة العام الماضي.
ويرى مختصون قضوا سنوات في دراسة العلاقات التي تتشكل بين عدد متزايد من الأشخاص والذكاء الاصطناعي التوليدي، نعتقد أن هذه القصص تقدم تحذيرًا.
روبوتات المحادثة الجديدة اليوم تتقمص أدوار الأصدقاء والعشاق والمعالجين النفسيين والمرشدين. ويشجع مبدعوها على الاعتقاد بأن هذه المنتجات تتمتع بالتعاطف، بل وحتى الحب.
يستخدم أكثر من 20 مليون شخص حاليًا تطبيق "كركتر.إيه آي"، وهو الرائد في سوق الصحبة عبر الذكاء الاصطناعي. لكن مشاعر روبوت المحادثة ما هي إلا أداء. فهو ليس، في الحقيقة، قادرًا على الاهتمام بنا. واعتقادنا عكس ذلك قد يكون خطيرًا.
لقد ألهمت مأساة سيويل سيتزر بالفعل محادثات حول "الحواجز" الأخلاقية للذكاء الاصطناعي، ومتطلبات العمر، وموافقة الوالدين على استخدام روبوتات المحادثة. يدعو البعض إلى تحسين بروتوكولات التعامل مع الكلمات والعبارات التي تشير إلى إيذاء النفس وطرق تثقيف الآباء حول طبيعة الألعاب بالأفاتار، التي قد تكون حميمة أو حتى جنسية في بعض الأحيان.
هذه المحادثات جديرة بالاهتمام، لكنها تصرفنا عن حقيقة أكثر أهمية: أن الألفة الاصطناعية ليست بديلاً عن الاتصال البشري. روبوتات المحادثة لا تدخل في علاقات. إنها فقط تؤدي دور البشر.
عندما يقبل الناس أداء روبوت المحادثة للتعاطف على أنه تعاطف حقيقي، يبدأ الاهتمام البشري الحقيقي في الظهور على أنه أدنى – مكلف للغاية، مشروط للغاية، ومعتمد على الضعف الفعلي. لم يكن سيويل وحيدًا في شعوره بأنه أقل تعرضًا عندما يتحدث إلى برنامج مقارنة بشخص حقيقي. تسلط مأساته الضوء على مدى قبولنا السهل لجعل التعاطف الاصطناعي سلعة.
الوحدة هي غياب اتصال بشري أصيل يغذي ويعزز شعور الفرد بالقيمة والانتماء. إذا ارتبطت بذكاء اصطناعي، فأنت لا تزال وحيدًا. الذكاء الاصطناعي قد يجلب التفاعل أو السعادة، وهذا ليس بقليل، لكنه ليس علاجًا للعزلة الاجتماعية، كما يقترح بعض التقنيين. إنه يشبه تقديم صورة للماء لإرواء العطش.
ورغم أن روبوت المحادثة قد يتقن تقليد لغة العلاج النفسي والاستشارة، إلا أنه لا توجد أي فهم وراء استجاباته، ولا أي مشاعر حقيقية. لا تملك تلك البرامج أي مصلحة في رفاهية شركائهم في المحادثة. لا يوجد كيان اسمه "دينيريس"، لذا لم يكن "خطأها" أن سيويل، بعد مغادرته للآلة، قرر أن يقتل نفسه بدلاً من الانضمام إلى والدته لتناول العشاء.
مؤخرًا، رفعت والدة سيويل، ميغان غارسيا، دعوى قضائية ضد "كركتر.إيه آي" بتهمة "الممارسات التجارية الخادعة وغير العادلة" بإطلاق منتج خطير. وتحظى الدعوى بدعم مجموعات للدفاع عن حقوق الإنترنت. وقد ردت "كركتر.إيه آي" بأنها "مفجوعة بخسارة حياة مأساوية" ووضحت التغييرات التي أجرتها على المنصة، خصوصًا للمستخدمين الذين تقل أعمارهم عن 18 عامًا. كما تعهدت الشركة بالاستثمار أكثر في سلامة المستخدمين: "سيكون هذا مجالًا نستمر في تطويره وتحسينه".
من الدفاعات الشائعة أن أولئك الذين قد يتعرضون للخطر بسبب هذه الأنظمة هم فقط البسطاء أو غير المستقرين عقليًا، لكن هذا غير صحيح. تشير أبحاثنا إلى أن الذكاء الاصطناعي هو تقنية تستغل ضعف الإنسان بشكل بديع. قد لا يكون هذا هو قصد المطورين، لكن خلق أشخاص مزيفين يثير الروابط العاطفية بطرق عميقة وغريزية وحميمة.
لقد وجدنا أن الناس الذين يُقال لهم إن روبوت المحادثة في صفهم ينتهون بحب البرنامج أكثر من روبوت محادثة مطابق يُقال لهم إنه بارد وغير مبالٍ. كما يكون الناس أكثر عرضة للتأثر بروبوت محادثة يشبه شخصية يعجبون بها، حتى عندما يعلمون أن النص صادر عن خوارزمية.
على الرغم من إصرار الناس على أنهم يعلمون أن روبوت المحادثة "مجرد برنامج"، فقد رأينا هذا الوعي العقلاني يتلاشى. يتبين أن المستخدمين قد يرون روبوت المحادثة كآلة وفي الوقت نفسه يقبلونه كبديل حقيقي عن التواصل البشري. الفتى الخجول والضعيف سيويل فقد الإدراك بأن روبوت المحادثة غير موجود، رغم التحذير الموجود أعلى محادثاتهم بأن "كل ما تقوله الشخصيات هو من وحي الخيال".
للذكاء الاصطناعي إمكانات لحل أنواع عديدة من المشاكل العلمية والتقنية المعقدة. لكن التعاطف ليس مشكلة هندسية. الذكاء الاصطناعي ليس بديلاً عن قدرتنا على التعاطف والألفة.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي من هنا وهناك المرأة والأسرة حول العالم المرأة والأسرة ذكاء اصطناعي قلقة الانتحار انتحار قلق ذكاء اصطناعي المرأة والأسرة المرأة والأسرة المرأة والأسرة المرأة والأسرة المرأة والأسرة المرأة والأسرة سياسة سياسة من هنا وهناك من هنا وهناك من هنا وهناك من هنا وهناك من هنا وهناك من هنا وهناك من هنا وهناك من هنا وهناك سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الذکاء الاصطناعی روبوت محادثة
إقرأ أيضاً:
تدمير 69% من المباني و80 سنة لإعادة البناء| غزة تنزف رغم إنهاء الحرب.. وخبراء يرحبون بمقترح مصر لإعمار القطاع
أظهر اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس، الذي دخل حيز التنفيذ الأحد 19 يناير 2025، حجم الدمار الهائل الذي خلفته الحرب التي استمرت 15 شهراً.
ووفق تقديرات الأمم المتحدة، فإن إعادة إعمار غزة ستحتاج إلى مليارات الدولارات وعقود من الزمن، وسط تحديات ضخمة تطال البنية التحتية، المساكن، والبيئة المعيشية للسكان.
حجم الخسائر البشريةووفقًا لإحصاءات إسرائيلية، أدى هجوم المقاومة الفلسطينية في عملية "طوفان الأقصى" إلى مقتل 1200 شخص في مستوطنات غلاف غزة.
وفي المقابل، تشير وزارة الصحة في قطاع غزة إلى أن الهجمات الانتقامية الإسرائيلية أدت إلى استشهاد أكثر من 46 ألف فلسطيني، مع إصابة 111 ألف آخرين، وفقدان 11 ألف شخص، بينما تشير تقارير الدفاع المدني إلى أن 2842 شهيداً تبخرت أجسادهم تمامًا.
الركام.. تحديات ضخمةوأشارت الأمم المتحدة إلى أن إزالة 50 مليون طن من الركام الذي خلفته الحرب قد تستغرق 21 عامًا وتكلف حوالي 1.2 مليار دولار.
ويُعتقد أن الركام يحتوي على مواد خطرة مثل الأسبستوس، إضافة إلى احتمال وجود أشلاء بشرية، مما يزيد من تعقيد عملية الإزالة.
تكلفة ومدة إعادة الإعماروتُقدر تكلفة إعادة بناء ما دمرته الحرب بحوالي 40 مليار دولار، وفق الأمم المتحدة.
ومن المتوقع أن تستغرق إعادة بناء جميع الوحدات السكنية المدمرة 80 عامًا، مما يعكس حجم الكارثة التي حلت بالقطاع.
ووفقًا لبيانات الأقمار الصناعية:
69% من مباني غزة، أي حوالي 170 ألف مبنى، دُمّر أو سُوي بالأرض. تضم هذه المباني 245 ألف وحدة سكنية، مما أدى إلى نزوح 1.8 مليون شخص بحاجة إلى مأوى. تقدر الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية بنحو 18.5 مليار دولار، حيث تعرضت 68% من شبكة الطرق وأكثر من ثلاثة أرباع إمدادات المياه لأضرار بالغة. الأمن الغذائي والزراعةوتضررت أكثر من 50% من الأراضي الزراعية في القطاع، مما أدى إلى تدهور إنتاج المحاصيل والخضروات.
وأشارت منظمة الأغذية والزراعة إلى نفوق أكثر من 15 ألف رأس ماشية، وهو ما يمثل 95% من إجمالي الماشية في غزة.
التعليم والصحة ودور العبادة تم تدمير أكثر من 200 منشأة حكومية، و136 مدرسة وجامعة، و823 مسجدًا، و3 كنائس. من أصل 36 وحدة طبية، تعمل الآن 17 وحدة فقط وبشكل جزئي. أكثر من 90% من المباني على الحدود الشرقية للقطاع، بما في ذلك 3500 مبنى، تعرضت للتدمير الكلي أو الجزئي.وإلى جانب الدمار المادي، أدى القصف المكثف إلى تلوث التربة والهواء، مما يعزز من خطر انتشار الأمراض والأوبئة.
ويواجه قطاع غزة تحديات هائلة لإعادة الإعمار، تتطلب دعمًا دوليًا كبيرًا واستجابة إنسانية عاجلة.
ومع الحاجة إلى مليارات الدولارات وخطط طويلة الأمد، يبقى الأمل معقودًا على الإرادة السياسية والمساعدات الدولية لتخفيف معاناة السكان وإعادة بناء ما دمرته الحرب.
الدكتور أيمن الرقبتحديات إعادة الإعماروفي هذا السياق، تحدث أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس والقيادي الفلسطيني بحركة فتح، الدكتور أيمن الرقب، عن أهم التحديات والحلول المقترحة لإعادة إعمار القطاع واستعادة الحياة الطبيعية فيه.
ويقول الرقب في تصريحات لـ “صدى البلد”، إن رفع الأنقاض يمثل أول التحديات الكبرى، حيث تقدر بآلاف الأطنان التي تحتوي على بقايا صواريخ وقنابل لم تنفجر، مما يشكل خطرًا كبيرًا.
وأوضح: "هناك مشكلة في تحديد مواقع نقل الأنقاض، حيث يُقترح التخلص منها عبر البحر أو إنشاء جزيرة صناعية. لكن هذا يتطلب معدات متخصصة وخطة واضحة لضمان سلامة العاملين والسكان".
وتابع الرقب: “بالإضافة إلى ذلك، تحتاج البنية التحتية لإعادة بناء شامل، من شق الطرق إلى إصلاح شبكات المياه والكهرباء، وسط تحديات تمويلية كبيرة".
وأكد الرقب أن تقديرات الخسائر الأولية تصل إلى ما بين 80 إلى 90 مليار دولار، فيما أشارت وزارة الاحتلال إلى أن خسائر القطاع بلغت 38 مليار دولار، وهو رقم يعتبره أقل من الواقع.
الاحتياجات الأساسيةوحسب الرقب، تتطلب إعادة إعمار غزة:
توفير الموارد المالية: عبر مؤتمر دولي يُدعى له المجتمع الدولي لتقديم دعم سخي.إيجاد حلول للإيواء: حيث تحتاج غزة إلى نصف مليون كرفان على الأقل بدلاً من الخيام، مع تجهيز مواقع خاصة لها بالبنية التحتية الأساسية.إعادة تشغيل الخدمات: تشمل المدارس والمشافي، لتلبية الاحتياجات الأساسية للسكان.الآثار النفسية والاجتماعيةوشدد الرقب على أن التحديات لا تقتصر على إعادة الإعمار المادي فقط، بل تمتد إلى الآثار النفسية التي خلّفتها الحرب على المواطنين، خصوصًا الأطفال.
وقال الرقب: "الحرب تركت آثارًا نفسية عميقة. لدينا جيل تعرض لصدمات نفسية كبيرة، وهناك نحو 20 ألف طفل يتيم بحاجة إلى دعم نفسي واجتماعي شامل".
وأوضح أن القطاع يعاني من انتشار الأمراض الجلدية وتلوث التربة والمياه بسبب الدمار، مما يزيد من معاناة السكان ويستدعي تدخلاً صحيًا عاجلًا، ومن الحلو المقترحة:
دعم دولي شامل: من خلال مؤتمر دولي لإعادة الإعمار، بدعم من القاهرة ودول أخرى.مشاريع طويلة الأمد: تتضمن بناء البنية التحتية، وتوفير الخدمات الأساسية، وإنشاء برامج نفسية واجتماعية للأطفال والأسر المتضررة.إطار سياسي واضح: الضغط على الاحتلال لتحقيق حل سياسي يضمن استقرار القطاع ومنع تكرار المأساة.وأكد الرقب أهمية تبني خطة دولية تبدأ بحل سياسي وتنتهي بإعادة إعمار مادي ونفسي شامل، مشيرًا إلى أن أي جهود بدون أفق سياسي ستؤدي إلى تجدد المواجهات.
ويشدد الدكتور أيمن الرقب على أن إعادة إعمار غزة ليست مجرد مسألة مادية، بل تتطلب نهجًا شاملاً يعالج جذور الأزمة ويضع السكان على طريق التعافي. من خلال دعم دولي قوي ومشاريع مستدامة، يمكن للقطاع أن يتجاوز هذه المحنة ويعيد بناء مستقبله. ومع ذلك، تبقى الإرادة السياسية على المستوى الدولي مفتاح النجاح في تحقيق هذه الأهداف.
الدكتور جهاد أبولحيةتحديات هائلة ورؤية فلسطينية للبناءومن جانب آخر، قال أستاذ النظم السياسية والقانون الدولي الفلسطيني، الدكتور جهاد أبولحية، إن إسرائيل دمرت أكثر من 80٪ من المباني السكنية والخدمية والبنى التحتية في قطاع غزة، ما خلف كميات هائلة من الركام تُعد من أبرز التحديات التي تواجه عملية إعادة الإعمار. ويُقدر حجم هذا الركام بنحو 40 مليون طن، ما يستدعي معدات ضخمة، وقتاً طويلاً، ومساحات كافية للتخلص منه.
وأضاف أبولحية في تصريحات لـ “صدى البلد”، أنه وفقًا لتقديرات المؤسسات المعنية، فإن إزالة الركام وحدها قد تستغرق حوالي 15 عاماً، وتُكلف عملية نقله أكثر من مليار دولار. أما إعادة بناء ما تم تدميره، فقد تتجاوز تكلفتها 45 مليار دولار، مع الإشارة إلى أن هذا الرقم تقريبي نظراً لحجم الدمار الهائل.
ولفت أبولحية إلى أنه في ظل هذه الظروف، تُبذل جهود كبيرة لتوفير مساكن مؤقتة (كرفانات) وخيام لإيواء المواطنين الذين فقدوا منازلهم، إلى حين الانتهاء من إعادة الإعمار التي يُتوقع أن تكون طويلة المدى.
وأضاف: “إلى جانب التحديات المادية، يعاني سكان غزة – أطفالاً، نساءً، رجالاً، شيوخاً، وأطباء ومهندسين – من آثار نفسية عميقة خلفتها الحرب. لذا، من الضروري أن تضطلع المؤسسات الإنسانية الدولية بدورها في تقديم الدعم النفسي للمجتمع بأكمله”.
وتطرق أبولحية إلى التعليم، قائلًا إن "وزارة التعليم تعمل في غزة بالتعاون مع "الأونروا" على إعادة الطلبة إلى مقاعد الدراسة. وخلال الحرب، تم اعتماد التعليم عن بُعد عبر منصات إلكترونية، لكن عدداً كبيراً من الطلبة لم يتمكنوا من الالتحاق بها لعدم توفر الوسائل اللازمة. لذا، لا بديل عن التعليم الوجاهي، خصوصاً في المراحل الأساسية: الابتدائية، الإعدادية، والثانوية. ويتطلب ذلك إنشاء مدارس مؤقتة لتعويض المدارس التي دُمرت، وتأهيل تلك التي تعرضت لأضرار جزئية، على أن يبدأ التنفيذ فوراً لضمان انتظام الطلبة في العام الدراسي".
وتشدد على أنه “يجب على الدول والمؤسسات الدولية والمجتمعات كافة أن تقف مع الشعب الفلسطيني في غزة، وتسهم في تسريع عملية إعادة الإعمار. أي تأخير سيزيد من معاناة السكان. توفير الدعم المالي أمر ضروري لضمان استمرارية الإعمار بكفاءة”.
مقترح مصري لإعادة إعار غزةوأشار إلى أن “مصر اقترحت عبر وزير خارجيتها، عقد مؤتمر دولي لإعادة إعمار غزة. ويُعتبر هذا المقترح خطوة مهمة ينبغي العمل على تنفيذها سريعاً لضمان التزام الدول المشاركة بعملية الإعمار. كما يمكن أن تُشكل لجنة خاصة، بالتنسيق مع المؤسسات الدولية والسلطة الفلسطينية، للإشراف على هذه الجهود وضمان تنفيذها بفاعلية”.
ولفت إلى أنه رغم ضبابية المشهد وحجم الدمار الهائل، يبقى التأكيد على نقطة أساسية في غاية الأهمية هي: ضرورة وجود إرادة سياسية دولية حقيقية لإعادة الإعمار. فإذا توفرت هذه الإرادة إلى جانب الدعم المالي المطلوب، فإن شعبنا قادر على تحقيق إنجازات مبهرة وإعادة بناء القطاع بسرعة فائقة، متحدياً كل التوقعات، لأن البناء والعمل هما السبيل الوحيد أمامنا.
وقال أبولحية، إنه إلى جانب إعادة الإعمار، لابد من إطلاق مسار سياسي حقيقي يضمن عدم تكرار الحروب، ويستند إلى تنفيذ قرارات الشرعية الدولية، بما في ذلك قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن، والرأي الاستشاري الأخير لمحكمة العدل الدولية الذي يدعم حق شعبنا في تقرير المصير، إقامة دولة مستقلة، وإزالة آثار الاحتلال. دون تحقيق هذا المسار السياسي، سنظل عالقين في دائرة الصراع بلا نهاية.
واختتم: “بعد عقود من النضال والمعاناة، حان الوقت للتوصل إلى حل سياسي عادل وشامل لقضيتنا. يجب على المجتمع الدولي العمل على تنفيذ كل ما أُقر من قرارات دولية تضمن حقوق شعبنا المشروعة وتضع حداً لهذا الوضع المأساوي المستمر”.
عاكف المصريالتوافق الوطني وإنهاء الانقساموقال المفوض العام للهيئة العليا للعشائر عاكف المصري، إن مستقبل قطاع غزة يعتمد بشكل أساسي على تحقيق توافق فلسطيني بين الفصائل المختلفة، مشيرًا إلى وجود مقترح مصري مطروح لتشكيل لجنة الإسناد المجتمعي بتوافق وطني، تعمل لفترة مؤقتة على إغاثة القطاع وإعادة الإعمار، تمهيدًا لإجراء انتخابات عامة يختار من خلالها الشعب الفلسطيني ممثليه بشكل ديمقراطي.
وأضاف المصري في تصريحات لـ “صدى البلد”، أن الانتخابات العامة تُعد استحقاقًا وطنيًا طال انتظاره، ولا يمكن تحقيق أي تقدم دون إنهاء حالة الانقسام الفلسطيني. وشدد على أن غياب التوافق الوطني سيؤدي إلى استمرار الأزمة، مما يضع غزة أمام نفق مظلم ومستقبل مجهول.
واختتم المصري، بالدعوة إلى التوافق الوطني وإنهاء الانقسام، مؤكدًا على ضرورة تغليب المصلحة الوطنية العليا على كافة المصالح الحزبية والشخصية الضيقة لضمان مستقبل أفضل للشعب الفلسطيني وتحقيق تطلعاته.
محمد جودةإعادة إعمار غزة.. تحديات وآفاقمن جانبه، قال الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني، محمد جودة، إن توقف الإبادة في قطاع غزة يمثل بداية لمرحلة جديدة، تهدف إلى إنهاء معاناة الشعب الفلسطيني والبدء في عملية إعادة البناء والتعافي.
وأضاف في تصريحات لـ “صدى البلد”، أن الأولوية العاجلة تكمن في توفير الإغاثة الإنسانية، بما يشمل الغذاء، المياه النظيفة، والأدوية، إلى جانب إعادة تشغيل المستشفيات والمراكز الصحية.
وأوضح أن توفير مساكن مؤقتة للنازحين يمثل تحدياً ملحاً، مع أهمية التأهيل النفسي للأطفال والنساء الذين عانوا من ويلات الحرب.
وأشار جودة إلى أن إعادة بناء البنية التحتية تعد من الأولويات الكبرى، بما في ذلك شبكات الكهرباء والمياه، والصرف الصحي، إضافة إلى إعادة تشغيل وتأهيل المدارس لضمان استئناف العملية التعليمية.
وأكد أن نجاح هذه الجهود يتطلب تنسيقاً دولياً مشتركاً، بقيادة الأمم المتحدة ومنظماتها مثل برنامج الأغذية العالمي ووكالة الأونروا، إلى جانب دور حيوي للدول الداعمة كقطر ومصر، مع إشراف السلطة الفلسطينية على الجهود الدولية.
واختتم بتأكيد أهمية تشكيل لجنة دولية لضمان شفافية إدارة التمويل، مشدداً على دور مصر المحوري في تحقيق التوازن بين الأطراف المعنية وإعادة الأمل لسكان القطاع.