بعد رحيله.. من هو الشاعر السوداني هاشم صديق؟
تاريخ النشر: 10th, November 2024 GMT
غيب الموت، الشاعر السوداني هاشم صديق عن عمر ناهز 67 عامًا بعد صراع طويل مع المرض.
وأكدت مصادر عائلية مقربة أن صديق كان قد واجه مشاكل صحية أثرت على حالته العامة خلال الأشهر الماضية، مما أدى إلى تدهور وضعه الصحي. وقد رحل تاركًا خلفه إرثًا ثقافيًا وأدبيًا كبيرًا، يُعد جزءًا أساسيًا من الهوية الأدبية السودانية.
وُلد هاشم صديق في مدينة أم درمان عام 1957، حيث نشأ في بيئة ثقافية أثرت على تطوره الأدبي. بدأ حياته المهنية كشاعر وكاتب مسرحي، وقد اشتهر بتقديمه لعدد من الأعمال الأدبية التي تفاعل معها الجمهور السوداني والعربي بشكل كبير. تميز صديق بإبداعه في مجالات الشعر والمسرح والدراما التلفزيونية والإذاعية، ما جعله أحد أبرز الأسماء في الأدب السوداني المعاصر.
أبرز إسهاماته الأدبيةقدّم هاشم صديق أعمالًا خالدة لا تزال تُذكر حتى اليوم، ومن أبرزها أوبريت "ملحمة قصة ثورة"، الذي يُعد أحد أكبر الأعمال الغنائية التي تُخلد ثورة الشعب السوداني وتطلعاته. تميز الأوبريت بأسلوبه العاطفي وقدرته على تجسيد الروح الثورية للسودانيين، ليصبح رمزًا للتغيير الاجتماعي والسياسي. كما قدّم مسرحيات هامة مثل "أحلام الزمان" و*"نبتة حبيبتي"*، اللتين تعكسان قضايا المجتمع السوداني وتعرضان نقدًا اجتماعيًا قويًا عبر المسرح.
دوره في الإعلام السوداني وتأثيره الثقافيلم تقتصر إسهامات صديق على الشعر والمسرح، بل امتدت لتشمل البرامج الإذاعية والتلفزيونية، حيث عمل كاتبًا ومبدعًا في تقديم مواد ثقافية تعكس واقع المجتمع السوداني. من بين أشهر برامجه الإذاعية "قطار الهم" و"الحواجز"، التي لاقت صدى واسعًا بفضل تناولها للقضايا الإنسانية والاجتماعية بشكل واقعي يعبر عن هموم الناس.
إرثه وتأثيره على الأجيال القادمةشكّل رحيل هاشم صديق خسارة فادحة للمشهد الثقافي السوداني، إذ كان يُعد رمزًا ثقافيًا وأدبيًا تأثرت به أجيال متعددة من الأدباء والشعراء. عبر مسيرته الأدبية، استطاع أن يربط بين الإبداع الفني وقضايا الوطن، مما جعله صوتًا أدبيًا يعبر عن نبض السودانيين. ستظل أعماله إرثًا مهمًا للأجيال القادمة، التي ستستلهم من شعره ومسرحه وكتاباته الإذاعية التلفزيونية.
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: الشاعر السوداني هاشم صديق وفاة الشاعر السوداني هاشم صديق هاشم صديق السودان هاشم صدیق
إقرأ أيضاً:
حسن المطروشي ... معلّقة عمانيّة
تعود معرفتي بالصديق الشاعر حسن المطروشي الذي توّج فائزًا بالمركز الأول في برنامج «المعلّقة» في الشعر الفصيح، إلى قبل أكثر من ربع قرن، عندما استمعت إلى شعره في أمسية أقيمت بنادي (سداب) وأبهرتني ألفاظه التي يبرع في انتقائها، ورسم صور فنية مدهشة، مستدعيًا رموزًا من التاريخ العام والشخصي، ليصبّها في قالب تعبيري جديد، وبعد انتهاء الأمسية، أحببتُ أن أحيي الشاعر، الذي وجدت نفسي مشدودا إلى فضائه الشعري، فانتظرته، عند باب النادي، ولم يطل انتظاري، فقد جاء بصحبة الصديق الشاعر محمد البريكي الذي كان من بين المشاركين، وقد لفت نظري نصّه أيضا، فصافحتهما، وعلى الفور اتفقنا على لقاء قريب، وفيه طلبت الاطلاع على المزيد من شعره، فأهداني نسخة من ديوانه (قَسَم)، وهو الثاني له بعد ديوانه الأول (فاطمة)، وحين قرأت (قَسَم) وجدتُ أن طاقته الشعريّة أكبر منه، فالموضوعات لم تخرج عن السائد، إلّا في التعبير، والبناء المحكم، والانضباط العروضي، وكنتُ حريصًا على توضيح ذلك في لقائنا الجديد، ولكنني لم أكن أعرف كيف ستكون ردّة فعله، وحين التقينا، ودار حديث حول الديوان، قلت له رأيي بصراحة، وفوجئت بردّة فعله، فقد ضحك طويلا، وشاركني الرأي، وعلمت أن المناخ الشعري التقليدي السائد يملي، أحيانًا، على الشاعر مسايرته، فارتحت كثيرا لردّة فعله، وتقبّله الملاحظات، وإن كانت قاسية، هذا التقبل يعني أنه يمتلك ذائقة شعرية ونقدية عالية، وقد لاحظت أنه حين جمع أعماله الشعرية عام 2022م رفع ديوانيه الأول (فاطمة) والثاني( قَسَم) منه، وفي ذلك اللقاء، أسمعني نصوصا جديدة لم يكن قد دفعها للنشر بعد، فعاد انبهاري الأول به، وكانت تلك النصوص عربون صداقة بقيت مستمرّة لليوم، وأذكر أنني كنت يومها مراسلًا لأكثر من مطبوع عربي من بينها: مجلّة (الصدى) الإماراتية، و(الفينيق) الأردنيّة، و(الزمان) اللندنيّة، فأخذت عددًا من تلك النصوص، وبعثتها لتلك المطبوعات، ونشرت، وحين أقيم مهرجان (المربد) الشعري عام 2000م كان اسمه في مقدّمة الأسماء التي رشّحتها للمشاركة، إلى جانب الصديق البريكي والشاعر الراحل يحيى الإزكي والشاعر السوري هاني نديم، وفي بغداد التي احتضنت فعاليات المهرجان، حقّق المطروشي مع زملائه الحضور الذي كان متوقّعا، وعاد من بغداد بدعوة جديدة لبيت الشعر في الأردن من الشاعر الراحل حبيب الزيّودي -رحمه الله- وكان الزيّودي من المشاركين في المهرجان، ووجد في صوت المطروشي الشعري ما يعزّز المهرجان، ثم شارك المطروشي، في مسابقة مجلة الصدى الإماراتية، ونال المركز الثاني، وفي (دبي) التقى بالفائزين الذين يشكّلون اليوم علامات واضحة في المشهد الشعري العربي، ومن بينهم: جاسم الصحيح وعارف الساعدي، وأحمد بخيت، وعماد جبار، وعامر عاصي، وتوالت مشاركاته خارج سلطنة عمان، ومن بينها مشاركته في ملتقى الشارقة الثالث للشعر العربي، الذي أقيم في الفترة ٦- ٨ أكتوبر ٢٠٠٣م، وأكّد تميّزه، ولم يتوقّف عند ذلك، فقد بذل جهودًا في القراءة، وخاض تجارب حياتية، وزاد احتكاكه بالتجارب الشعرية العربية المتحقّقة، فنضجت تجربته، وأصدر مجموعة من الدواوين من بينها: (وحيدًا .. كقبر أبي)، و(على السفح إيّاه)، و(لَدَيَّ ما أنسى)، و(مكتفيا بالليل)، و(ليس في غرفتي شبح)، و(أحدّق باتّجاه الريح)، وأنجزت عن شعره أطروحة ماجستير بعنوان (الصورة الفنية في شعر حسن المطروشي) للباحث راشد السمري، وأخرى بعنوان (التناص في مجموعة «وحيدا .. كقبر أبي») للباحثة فتحية السيابية، وترجمت أعماله الشعرية إلى عدّة لغات، منها النصوص التي ترجمها الشاعر الفلسطيني نزار سرطاوي إلى الإنجليزيّة، وترجمت مجموعته الشعرية (لديّ ما أنسى) إلى الفرنسية، حيث قامت بترجمتها الشاعرة المغربية عزيزة رحموني، وصدرت ترجمة إسبانية لمختارات من شعره بعنوان (أطلّ عليكم من هذه الكوة) عن وزارة الثقافة بكوستاريكا.
اللافت في شعر المطروشي أنه يستقي رؤاه ولغته ورموزه من التراث العربي كونه تسلّح بثقافة تراثية قبل أن يفتح تجربته على هواء الحداثة:
«ما ليلةُ القدرِ؟
كانَ حمامكِ يهدلُ في مدخلِ الغارِ
حتى دنا مطلعُ الفجرِ
ثم تساءلتُ:
هل بلغتْ هِـجرتي سدرةَ المُـنتهى؟
كانت ظباؤكِ مَـذعورةً .. يا لها !»
يقول الدكتور إبراهيم السعافين: «شعر حسن المطروشي يضرب بجذوره في تراث الشعر العربي، ولكنه لا يقلد ولا يحاكي، بل يهضم ويمثّل، ثم يبدع ويجدّد، ويَمْضي شوطًا بعيدًا في دروب الحداثة، في الرؤية وَفي اللغة، من حيث المعجم والصورة والإيقاع»، ويستعين بالسرد، والحوار، والسؤال موظّفا تقنيّات القصيدة الحديثة في رسم المشهد الشعري:
«بلا شجرٍ أو حَمائمْ
وحيدًا كقبرِ أبي
تتقاسمني الليلَ عينان ِ نضَّـاختان ِ
ويهتفُ بي ناسِـكُ الرمل ِ:
( يا حاديَ العيس ِعـِّرج ... )
ولكنني حائرٌ،
أين ألقي بهذي الهزائمْ ؟
وحتى الغموض الذي نجده في بعض نصوصه سرعان ما يكشف عن رؤى عميقة، وفي ذلك يقول الشاعر الراحل محمد علي شمس الدين: إن المطروشي يكتب «قصائده بضبابية موحية، والضبابية في الشعر تقدّم منطق الاحتمالات الخصب على منطق اليقين المحدد».
وقد جاء تتويجه بجائزة (المعلّقة) تعزيزا لرحلة مع الكتابة الشعرية التي سلكها سائرا على هذا الطريق الصعب والطويل.