مغاربة العالم.. عملة صعبة وإقصاء من المشاركة السياسية
تاريخ النشر: 9th, November 2024 GMT
أعلن الملك المغربي محمد السادس مؤخرا عن إعادة هيكلة الإطار الخاص بالمؤسسات التي تعنى بالجالية المغربية المقيمة بالخارج، وسط ترقب حول مدى قدرة هذه الخطوة على حماية مصالح هذه الفئة التي باتت تحويلاتها تفوق سنويا 10 ملايير دولار.
وقال الملك، في خطاب ألقاه يوم 6 نوفمبر الذكرى الـ49 للمسيرة الخضراء، "قررنا إحداث تحول جديد، في مجال تدبير شؤون الجالية المغربية بالخارج.
وتابع "وجهنا الحكومة للعمل على هيكلة هذا الإطار المؤسساتي، على أساس هيأتين رئيسيتين، الأولى، هي مجلس الجالية المغربية بالخارج (...) وبهذا الخصوص، ندعو إلى تسريع إخراج القانون الجديد للمجلس، في أفق تنصيبه في أقرب الآجال وأما الثانية، فهي إحداث هيئة خاصة تسمى +المؤسسة المحمدية للمغاربة المقيمين بالخارج+، والتي ستشكل الذراع التنفيذي، للسياسة العمومية في هذا المجال".
وأشار العاهل المغربي إلى أن المؤسسة الجديدة ستتولى مهمة تجميع الصلاحيات المتفرقة حاليا بين عدد من المؤسسات والفاعلين الحكوميين، إلى جانب مواكبة الجالية وتسهيل الإجراءات أمامها للاستثمار بالمغرب، إذ لا تتعدى، وفقه، 10 في المائة من مجموع الاستثمارات الوطنية الخاصة.
وسبق للملك محمد السادس أن أشاد في خطاب ألقاه عام 2022 بالجالية المغربية المقيمة بالخارج ودعا حينها إلى تمكينها من حقوقها من خلال تأهيل الإطار المؤسساتي الخاص "بهذه الفئة العزيزة من المواطنين".
وقال في ذلك الخطاب إن "المغرب والحمد لله، يملك جالية تقدر بحوالي خمسة ملايين، إضافة إلى مئات الآلاف من اليهود المغاربة بالخارج، في كل أنحاء العالم" وتابع "لابد أن نتساءل باستمرار: ماذا وفرنا لهم لتوطيد هذا الارتباط بالوطن؟ وهل الإطار التشريعي، والسياسات العمومية، تأخذ بعين الاعتبار خصوصياتهم ؟ وهل المساطر الإدارية تتناسب مع ظروفهم ؟ وهل وفرنا لهم التأطير الديني والتربوي اللازم؟.
وأضاف "صحيح أن الدولة تقوم بمجهودات كبيرة، لضمان حسن استقبال مغاربة العالم. ولكن ذلك لا يكفي. لأن العديد منهم، مع الأسف، ما زالوا يواجهون العديد من العراقيل والصعوبات، لقضاء أغراضهم الإدارية، أو إطلاق مشاريعهم. وهو ما يتعين معالجته".
مؤسسات متفرقةويتولى إدارة شؤون "مغاربة العالم"، كما يطلق عليهم بالمغرب، "مجلس الجالية المغربية بالخارج"، وهو مؤسسة دستورية استشارية مستقلة تأسست عام 2007 بهدف "ضمان المتابعة والتقييم للسياسات العمومية للمملكة تجاه مواطنيها المهاجرين وتحسينها بهدف ضمان حقوقهم وتكثيف مشاركتهم في التنمية السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية للبلاد"، وفق ما جاء في موقعها الالكتروني.
وقبل هذه المؤسسة، أنشأ المغرب "مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج" عام 1990 وهي مؤسسة استشارية أيضا ترأسها شقيقة الملك، الأميرة مريم، ومن أهدافها ضمان استمرار العلاقات التي تربط "مغاربة العالم" بوطنهم الأم، كما تهدف إلى مساعدتهم على "تذليل الصعوبات التي تعترضهم بسبب اغترابهم".
وفي الشق العملياتي، تشرف "مؤسسة محمد الخامس للتضامن" منذ عام 2001 على عملية "مرحبا"، التي أطلقتها السلطات لاستقبال المغاربة المقيمين بالخارج الراغبين بقضاء عطلة الصيف بوطنهم.
وبلغ مجموع العائدين المغاربة الذين زاروا المغرب الصيف الماضي 3 ملايين و761 ألفا و589 مغربيا، بزيادة "غير مسبوقة" بنسبة 18.84% مقارنة بعام 2023، وفق معطيات نشرتها المؤسسة.
معطيات وأرقام رسميةبلغ مجموع المهاجرين المغاربة المسجلين لدى شبكة قنصليات المملكة عبر العالم 5.1 مليون شخص إلى حدود شهر أبريل من عام 2021، ما يمثل نحو 15 في المائة من مجموع ساكنة البلاد، بحسب تقرير للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي المغربي (مؤسسة رسمية).
ونوه المجلس في التقرير الذي أصدره عام 2023، إلى أن هذا العدد يمكن أن يصل إلى 6 ملايين ونصف، إذا ما أخذ بعين الاعتبار عدد المهاجرين غير المسجلين لدى المصالح القنصلية.
وتستقطب الدول الأوروبية نحو 89 في المائة من مجموع المهاجرين المغاربة المقيميين بالخارج، على الرغم من أن هذه الجالية تستقر في أكثر من 100 بلد حول العالم.
وتضم فرنسا لوحدها أكثر من مليون مهاجر مغربي تليها إسبانيا بنحو مليون شخص، ثم إيطاليا بنحو 500 ألف مهاجر مغربي.
على صعيد آخر، أفاد تقرير صادر عن المندوبية السامية للتخطيط (مؤسسة احصاء رسمية)، بأن 78 في المائة من "مغاربة العالم" غادوا المغرب خلال الفترة الممتدة بين 2000 و2018، لافتا إلى أن 24 في المائة منهم أقدموا على خطوة الهجرة منذ عام 2015.
وبشكل عام تتسم الجالية المغربية المقيمة بالخارج بكونها جالية شابة، حيث قدر بحث المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أن 60 في المائة منهم تتراوح أعمارهم بين 15 و39 عاما، كما تتسم هذه الجالية بكون أن أكثر من ثلثها تتوفر على مستوى تعليمي عال، وفق المؤسسة نفسها.
"اقصاء" من رسم سياسة بلادهمنص الدستور المغربي لعام 2011 في الفصل الـ16على أن المملكة المغربية تعمل على "حماية الحقوق والمصالح المشروعة للمواطنين والمواطنات المغاربة المقيمين في الخارج، في إطار احترام القانون الدولي، والقوانين الجاري بها العمل في بلدان الاستقبال".
وجاء في الفصل الـ17 أنه "يتمتع المغاربة المقيمون في الخارج بحقوق المواطنة كاملة، بما فيها حق التصويت والترشيح في الانتخابات. ويمكنهم تقديم ترشيحاتهم للانتخابات على مستوى اللوائح والدوائر الانتخابية، المحلية والجهوية والوطنية".
ومع ذلك، ظلت مشاركة "مغاربة العالم" في الاستحقاقات الانتخابية في بلادهم معلقة إلى اليوم، رغم دسترة هذا الحق، حيث لم ينص الدستور على إحداث دوائر انتخابية خارج المغرب، مما يعرقل مشاركة هذه الفئة في الانتخابات المنظمة في بلادهم.
وتفاعلا مع سؤال كتابي بمجلس المستشارين (الغرفة الثانية بالبرلمان)، قال وزير الداخلية المغربي، عبد الوافي لفتيت، في سبتمبر الماضي، إن القوانين الانتخابية المغربية تتيح للجالية المشاركة في الانتخابات "إما بشكل مباشر في مكاتب التصويت بالمغرب أو عن طريق الوكالة".
وأشار إلأى أن الحكومة اتخذت إجراءات لتعزيز تمثيلية هذه الفئة منها "إلزام الأحزاب السياسية بوضع مترشحة مقيمة بالخارج على رأس لائحة ترشيح جهوية واحدة على الأقل، وذلك بهدف تشجيع الأحزاب على إدماج المرأة المغربية المقيمة بالخارج في الحياة السياسية".
وأردف الجواب الكتابي أنه "تم بالموازاة مع ذلك إقرار تحفيزات مالية مهمة لفائدة الأحزاب السياسية قصد تشجيعها على إدماج المترشحين ذكورا وإناثا، من أفراد الجالية المغربية المقيمة بالخارج في لوائح ترشيحها المحلية المقدمة برسم مجلس النواب".
ملايير الدولاراتويطالب مغاربة العالم بفتح المجال أمامهم للمشاركة في الانتخابات، خاصة بعد أن أصبحت تحويلاتهم السنوية تمثل 7 في المائة من الناتج الداخلي الاجمالي للبلاد منذ انتشار جائحة فيروس كورونا.
وأفاد التقرير السنوي لمكتب الصرف، الصادر في أغسطس الماضي بأن هذه التحويلات بلغت 56.72 مليار درهم (5 مليارات دولار) عند متم شهر يونيو الأخير، مقارنة بـ55.69 مليار درهم خلال الفترة نفسها من عام 2023.
وأضاف التقرير أن هذه التحويلات "سجلت مستوى قياسيا عام 2023"، موضحا أنها بلغت 115,3 مليار درهم (11 مليار دولار) مقابل 110 مليار درهم (11.1 مليار دولار) عام 2022، أي نسبة ارتفاع بلغت 4.1 في المائة.
"رسالة واضحة"تعليقا على ما جاء خطاب العاهل المغربي، قال مصطفى نضيف، الناشط في مجال الهجرة والمقيم بإيطاليا، إن توحيد المؤسسات المعنية بشؤون الجالية "بادرة جيدة" متمنيا أن تقطع الخطوة الجديدة مع "الاقصاء والتهميش" الذي تعاني منه الجالية.
وأوضح نضيف، في حديث مع موقع "الحرة"، أن الخطاب الملكي استجاب لتطلعات ومطالب رفعتها الجالية المغربية منذ سنوات، مفيدا بأن تعدد المؤسسات المعنية بشؤون هذه الفئة يعيق تدبير ملفهم.
وأشار إلى أن "الجالية المغربية أظهرت حبها ودعمها لوطنها في عدد من الأزمات، كجائحة كورونا وفي أزمة زلزال الحوز، ومع ذلك، تفاجأنا بعد تنصيب الحكومة الجديدة الاستغناء كليا عن الوزارة المخصصة لخدمة الجالية".
وتابع "جلالة الملك له رؤية استراتيجية وواع بهذه المشاكل، لذلك أمر بإعادة هيكلة مؤسسات الجالية، حيث تحدث الخطاب عن عدد من الصعوبات التي تواجهنا، بما فيها عوائق تواجه الراغبين منا بالاستثمار بالمغرب".
وتعليقا على مشاركة الجالية في رسم سياسات بلادهم، أضاف، نضيف "دون تمثيلية في البرلمان سيكون صوتنا ضعيفا، وننتظر تزيل الفصل الـ16 والـ17 من الدستور، ونطمح من خلال هذه الالتفاتة الملكية أن يكون بمقدورنا التصويت من بلدان إقامتنا".
وتابع "تعدد المؤسسات لا يخدم الجالية، كان لا بد من توحيد جهودها في مؤسسة واحدة لتواصل مع الجالية وتأطير أبنائها وتعزيز انتمائهم وحبهم لوطنهم الأم، لذلك خطاب جلالة الملك رسالة واضحة للحكومة للعمل على تجاوز هذا التقصير".
"بارقة أمل"بدورها، رحبت سعاد أمجاهدي، رئيسة مؤسسة "مني لكم" الخيرية بفلوريدا (جنوب شرق الولايات المتحدة) بتوحيد جهود المؤسسات المغربية الموجهة للخدمة الجالية، متمنية أن يساهم القرار الملكي في دفع الحكومة إلى التحرك.
واعتبرت أمجهادي، في تصريح لموقع "الحرة"، أن الجالية المغربية تعاني "تهميشا" منذ سنوات، قبل أن تستدرك "لدي أمل في الجهود التي يقودها جلالة الملك لأنه وحده المدافع عن حقوقنا".
وأوضحت "جمعني لقاء مؤخرا بالوزير السابق المكلف بالجالية بالولايات المتحدة، وقلت له كيف تطلب منا أن تستثمر بالمغرب ولا نتوفر على مكتب مكلف بالجالية بالمغرب، أنا شخصيا أنفق آلاف الدولارات بالمغرب كل سنة ومع ذلك لا أرى أي اعتبار للجالية".
وتابعت "صحيح أن المعاملات القنصلية والإدارية تحسنت بشكل كبير في السنوات الأخيرة ولكننا نطالب إلى جانب ذلك، بالمشاركة في الانتخابات المحلية في بلدان إقامتنا كما نطالب بتسهيلات في الضرائب".
وترى الفاعلة الحقوقية والجمعوية أن الإجراءات الجديدة "بارقة أمل" جديدة للجالية، منوهة إلى أن العاهل المغربي "عمل منذ توليه الحكم على معالجة سنوات من الاهمال لشؤون الجالية وعمل على مدار السنوات الأخيرة لتجاوزها".
"نقطة تحول حقيقة"وتفاعلا من الخطاب نفسه، قال عبد الله بوصوف، الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج، إن توحيد مؤسسات هذه الفئة "تحول مهم في مقاربة إشكاليات الجالية".
وأوضح في تدوينة له على فيسبوك "التحول الجديد والمهم في مقاربة تدبير إشكاليات الجالية سيتم من خلال مؤسستين أولهما مجلس الجالية المغربية المقيمة بالخارج وضرورة الإسراع بإخراج القانون التنظيمي حسب المادة 163 من الدستور وثانيهما خلق +المؤسسة المحمدية للمغاربة المقيمين بالخارج " باختصاصات مهمة".
وتابع أن المؤسسة "المحمدية" ستعطي "دفعة قوية في مجال التأطير اللغوي والثقافي والديني وتبسيط ورقمنة المساطر الإدارية والقضائية التي تهم المغاربة المقيمين بالخارج".
من جانبه، قال إدريس اليزمي، رئيس مجلس الجالية المغربية بالخارج، في تصريح لموقع محلي، إن الدعوة الملكية "تثمل نقطة تحول حقيقية" بالنظر إلى التحولات التي طالبت الجالية في السنوات الأخيرة.
وأضاف "أعتقد أنه من المهم اليوم أن ندرك أن الجالية المغربية المقيمة بالخارج لم تعد تقتصر على فرنسا فقط، بل أصبحت جالية دولية لذلك يجب أخذ تنوع هذه الجالية بعين الاعتبار من حيث التواصل والمعلومات حول جميع إمكانيات الاستثمار بالمغرب".
المصدر: الحرة
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: المقیمین بالخارج مغاربة العالم فی الانتخابات فی المائة من ملیار درهم هذه الفئة من خلال إلى أن عام 2023 مع ذلک
إقرأ أيضاً:
فرض 70 درهماً لدخول باحة مسجد الحسن الثاني
زنقة 20 ا الدارالبيضاء
أثار قرار صادر عن إدارة مؤسسة مسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء يقضي بفرض مبلغ 70 درهما لدخول ساحة المسجد، (أثار) غضب الزوار والساكنة بعد حرمانهم من الدخول لباحة المسجد الذي بناها الراحل الملك الحسن الثاني في عملية تضامن واسعة بين المغاربة في تسعينات القرن الماضي.
وعبر العديد من الزوار المغاربة الأجانب والسكان خاصة عن استيائهم من قرار إدارة المسجد التي فرضت رسوم دخول على ساحة مسجد الحسن الثاني، حيث فوجئوا نهايةو الأسبوع الماضي بفرض مبلغ 70 درهم للوصول ساحة المسجد الشهيرة.
واعتبر نشطاء على مواقع التواصل أن أن فرض الرسوم على المغاربة يتنافى مع الذاكرة الجماعية التي تربط الشعب المغربي بهذا المعلم الذي يمثل جزءاً أساسياً من هوية المغرب الثقافية والدينية، واعتبروا أن المسجد، الذي تم بناؤه بجهود وتبرعات المواطنين، يجب أن يظل مفتوحاً دون فرض أعباء مالية على الزوار المغاربة، ومواصلة فرض الرسوم هو ضرب لمزية الملحمة التي قادها جلالة الملك الراحل الحسن الثاني والشعب المغربي في بناء المسجد.
وطالب نشطاء بتدخل والي جهة الدار البيضاء محمد امهيدية لوقف هذه “الإتاوة” التي فرضت على زوار أكبر مسجد في المملكة.