حاتم الطائي
◄ ترامب سيواصل النهج الشعبوي وتنفيذ سياسات يمينية مُتطرفة وعنصرية
◄ أزمات محتملة في العلاقات الأمريكية الأوروبية.. وحرب أوكرانيا في القلب منها
◄ لا نرى آفاقًا إيجابية للقضية الفلسطينية رغم احتمالية إيقاف الحرب قريبًا
مُنذُ أن أعلن دونالد ترامب قبل أكثر من عام عزمه الترشح لانتخابات الرئاسة الأمريكية من أجل الفوز بولاية ثانية، بعد أن أطاح به الرئيس الحالي جو بايدن في انتخابات 2020، وكُل التوقعات تُرجِّح إمكانية عودة الرئيس الجمهوري مرة أخرى إلى البيت الأبيض، ليحكم العالم من مكتبه البيضاوي، وذلك على الرغم من لائحة الاتهامات الخطيرة التي وُجِّهت إليه، وإحالته إلى أحد السجون الفيدرالية في الولايات المُتحدة والتقاط الصورة الشهيرة التي يُكشر فيها بنظرة تحدٍ عنيفة، والآن وبعد أن اكتسح الرجل الانتخابات الأمريكية، يبدو أننا مقبلين على عالم بقواعد ترامبية، يتوافق تمامًا وشخصيته الحادة العنيفة، ذات البُعد الأدائي بصورة مُفرطة والكاريزما القائمة على إحراج الآخرين وإهانتهم!
وفاز ترامب الجمهوري بالانتخابات بحصوله على 301 صوت من أصوات المجمع الانتخابي (حتى الآن) بعدد 74.
الإجابة أنَّ دونالد ترامب ومنذ أن صعد نجمه في عالم السياسة، وهو ينتمي إلى الشعبوية، وهي توجه سياسي يستغل تعطش الجماهير إلى الحلول العاجلة والحادة جدًا لأي قضية تواجههم، بصرف النظر عن تداعياتها الخطيرة على المجتمع على المديين المتوسط أو البعيد، وهي سياسة- للأسف- تنجح في الكثير من المجتمعات التي تُعاني من مشكلات اجتماعية وسياسية واقتصادية، ويبلغ بهم الحال إلى الرغبة في الخلاص من هذه المشكلات بأي ثمن، دون دراسة التوابع والعقبات. وشعبوية ترامب تلعب على وتر العنصرية بادعاء أفضلية البيض على أي جنس آخر، وكراهية الأجانب بزعم أنهم مهاجرون غير شرعيين، أو أنهم يستغلون إجراءات الهجرة والإقامة للعيش في الولايات المتحدة ومن ثم يضغطون على الخدمات وغيرها ويؤثرون على النمو الاقتصادي، على الرغم من أن هذا النمو يتأثر بعدة عوامل أكثر أهمية من ذلك العامل.
يرتكز ترامب دائمًا على إضعاف الخصم من خلال الحط من قدره أو إهانته أو إطلاق الأكاذيب وترويجها، وهو يتعمد ذلك، والأمثلة عديدة لا مجال لحصرها، وفي كثير من الأحيان يُحالفه الحظ بسبب ضعف خصومه، مثلما حدث مع منافسه جو بايدن، الذي انسحب من السباق الرئاسي بسبب اعتلال صحته وفشله الذريع في مجاراة ترامب خلال المناظرة الرئاسية الوحيدة التي أجريت بينهما في هذه الانتخابات، واكتسحه ترامب بحضوره وقوة نقاشه، بينما عانى بايدن من ضعف شديد وعدم تركيز. حتى بعد أن أُعلن عن ترشح هاريس، لم تكن التوقعات تتجه نحو نائبة الرئيس؛ وفي أفضل الأحيان زعمت استطلاعات الرأي تساوي حظوظ كلا المرشحيْن ترامب وهاريس.
لكن ولكي نستوعب عقلية الرئيس الأمريكي المُنتخب ونستشرف شكل العالم خلال السنوات الأربعة المقبلة، يتعين علينا النظر في فترة رئاسته الأولى، التي هيمنت عليها فكرة رئيسية تمثلت في الانسحاب من المشهد العالمي والمنظمات الدولية، والتركيز على السياسات الاقتصادية اليمينية، حتى لو تطلب الأمر شن حرب تجارية على الصين. علاوة على أنَّه تمرّد على التحالفات التقليدية للولايات المتحدة، مثل تحالف أمريكا مع أوروبا، والذي تعرض لانتقادات شديدة من ترامب خلال رئاسته الأولى، وشجّع بريطانيا على الخروج من الاتحاد الأوروبي، وانتقد كثيرًا اعتماد أوروبا على الولايات المتحدة في تعزيز أمنها، كما صوّب سهام نقده إلى دول أوروبية مثل ألمانيا وفرنسا. كما أطلق ترامب تصريحات مُثيرة للجدل حول وجهة نظره في الحرب في أوكرانيا، في ظل علاقاته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والحديث الدائم عن "كيمياء مشتركة" تربط بينهما.
أما فيما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط، فثمة قضيتان رئيسيتان، الأولى- بلا أدنى شك- قضية فلسطين وحرب الإبادة التي تدور رحاها في قطاع غزة من 400 يوم، وامتداد نيرانها إلى أقطار أخرى، في مُقدمتها لبنان وسوريا واليمن وإيران. أما القضية الثانية فهي مسألة العلاقات العربية الأمريكية، وفي القلب منها العلاقات الخليجية الأمريكية.
من المؤسف والمخزي في آنٍ واحدٍ، أن الإدارة الأمريكية بقيادة جو بايدن منحت دولة الاحتلال الإسرائيلي الضوء الأخضر بالكامل لتنفيذ مُخطط الإبادة الجماعية تحت دعوى محاربة "حماس"، وسمحت للسرطان الإسرائيلي بتدمير قطاع غزة بالكامل، كما امتدت يد الإجرام الصهيوني إلى الضفة الغربية والقدس المحتلتين. حرب غزة عرّت الوجه القبيح للسياسات الأمريكية التي تزعم حرصها على حقوق الإنسان، لكن في حقيقة الأمر هي في طليعة المُنتهكين لهذه الحقوق، وهنا لا نتحدث عن الديمقراطية والعدالة؛ بل عن الحق في الحياة بأمان، الحق في أن يعيش الإنسان دون أن يأتيه صاروخ أمريكي من السماء أطلقه طيّار صهيوني، فيسقط شهيدًا هو وعائلته وجيرانه وجميع سكان المربع السكني الذي يعيش فيه؛ بل في أنحاء المدينة التي يتكدس فيها 2.2 مليون إنسان، ارتقى منهم أكثر من 43 ألف شهيد على مدى 13 شهرًا، فضلًا عن 10 آلاف مفقود غير معلوم ما إذا كانوا أحياء أم غير ذلك، إلى جانب ما يزيد عن 100 ألف مُصاب، الكثير منهم يعانون من بترٍ في الأطراف، أو إصابات مُستديمة.
ورغم أنَّ ترامب تحدث عن سعيه لإيقاف الحرب في غزة، وهو أمر مُتوقَّع أن يحدث حتى ربما قبل توليه الحكم رسميًا في العشرين من يناير المقبل، لكن دون أن يكشف عن ثمن ذلك، خصوصًا وأنه يؤمن بنهج "الصفقات" التي تعني دفع الجميع لأثمان باهظة، فما الثمن الباهظ الذي سيمنحه لإسرائيل؟ في رئاسته الأولى منح ترامب دولة الاحتلال اعترافًا مجانيًا بالقدس عاصمة لهذا الكيان الغاصب، ونقل السفارة الأمريكية إليها، كما اعترف بسيطرة الاحتلال على الجولان السورية، وقاد عمليات التطبيع الإبراهيمية في المنطقة، إلى جانب خطته للسلام في الشرق الأسط التي تحمل اسم "صفقة القرن"، والتي تعني في أحسن صورها الإجهاز على مشروع الدولة الفلسطينية المُستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشريف.
ونتوقع أن يمارس اللوبي الصهيوني تأثيرًا كبيرًا للغاية على الرئيس الأمريكي الجديد-القديم، في العديد من الاتجاهات؛ أولها: فيما يتعلق بالحرب على غزة؛ إذ لا نستبعد أن تتقلص مساحة غزة إلى النصف لحساب إسرائيل، في مقابل وقف حرب الإبادة، وتهجير الفلسطينيين من شمال غزة إلى جنوبها، خاصةً بعد أن فشل الاحتلال في تهجير الشعب الفلسطيني خارج أراضيه إلى دول الجوار، وكذلك الحال في الضفة الغربية؛ حيث نتوقع أن يمنح ترامب إسرائيل اعترافًا بالمستوطنات غير القانونية التي التهمت آلاف الأفدنة في الضفة الغربية. أضف إلى ذلك مساعي اللوبي الصهيوني من أجل إتمام صفقات التطبيع المجانية مع عدد من الدول العربية.
وفيما يتعلق بالعلاقات الأمريكية مع كلٍ من روسيا والصين، فلا نستبعد إبرام صفقات خاصة مع روسيا بقيادة بوتين، ووقف كل الدعم المقدم لأوكرانيا ومنح روسيا الاعتراف بالمدن التي سيطرت عليها، وليس ذلك حبًا في روسيا، بل فيما يبدو نكايةً في أوروبا التي سيواصل ترامب الضغط عليها للتخلص من مسألة الحماية الأمريكية لأوروبا. بينما ستتواصل الحرب التجارية الأمريكية ضد الصين، والتي لن تُعاني منها سوى أمريكا، خاصة وأن فرض رسوم جمركية على الواردات الصينية سيتسبب في ارتفاع التضخم وتراجع القدرة الشرائية للمواطن الأمريكي من السلع والخدمات الصينية، التي يحصل عليها بسعر أرخص بكثير مقارنة بالمنتجات الأخرى، بما فيها الأمريكية.
الشاهد أننا أمام أربع سنوات ربما تتغير فيها الكثير من المعطيات حول العالم، وبلا أدنى شك سنتأثر بها نحن في المنطقة العربية، خاصة في ظل ضعف الموقف الرسمي العربي وغياب أي استراتيجية عربية موحدة في التعامل مع القضايا الكبرى، وفي مقدمتها قضية فلسطين؛ إذ ما زلنا نُردد ما يُقال منذ اتفاقيات أوسلو في تسعينيات القرن الماضي، والتشبث بقرارات الأمم المتحدة وما يُسمى بالشرعية الدولية التي ضربت بها إسرائيل عرض الحائط، بل إن مندوب الكيان الصهيوني مزّق ميثاق الأمم المتحدة، رغم أن هذه المنظمة هي التي منحت دولته الغاصبة المجرمة الحق غير الشرعي وغير القانوني في الوجود قبل أكثر من سبعين عامًا.
ويبقى القول.. إنَّ عودة دونالد ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة تحمل معها متغيرات نتوقع أن تكون حادة وعنيفة، لا سيما مع عقلية "تعبد المال"، وترى في كل قرار "صفقة" أو "مقايضة" دون الاستناد إلى مبادئ أو موجِّهات أخلاقية أو الاستماع لصوت الضمير والعقل، وهذا قد يعني مزيداً من الانحدار والتراجع للأمم المُستضعفة، وزيادة في حالات الكراهية والغضب والحروب، دون استقرار يلوح في الأفق أو تعايش وتكامل وشراكة بين الدول.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
مع انتخاب المرشح الجمهوري دونالد ترامب للرئاسة الأمريكية، أشارت مصادر مطلعة إلى العاصمة السياسية والتجارية وعاصمة المشاهير الجديدة المتوقعة في الولايات المتحدة. مع فوز ترامب.. ما هي العاصمة السياسية والتجارية وعاصمة المشاهير الجديدة في الولايات المتحدة؟ ا
روسيا – أعلن فنان الشعب السوفيتي يوري باشميت أن الذكاء الاصطناعي لن يحل محل المؤلفين الموسيقيين أو الفنانين أبدا، وذلك في ندوة “صناعة المستقبل” التي عقدت أمس في مركز “روسيا” الوطني بموسكو.
وقال:” هل يستطيع الروبوت أن يرسم صورة أفضل من فنان تشكيلي محترف، ناهيك عن الرسامين العباقرة؟ – لا. وهل بإمكانه تأليف الموسيقى أفضل من تشايكوفسكي؟ لا. عندما يحلون شيفرة الروح البشرية ويزرعونها في روبوت ربما قد يجد نفسه قادرا على تأليف شيء ما، لكن الحقيقة تكمن في أن هذه الشيفرة لن يتم حلها أبدا!”.
وأضاف باشميت أيضا أنه لا ينبغي إنكار فوائد الذكاء الاصطناعي. وأشار إلى أنه “يستطيع تلخيص الأفكار وتجميع بعض الإنجازات بشكل أسرع من العقل البشري، ويجب الانتباه إلى ذلك، ولكن الروبوت لا يزال خاليا من الروح ولن تتوفر لديه أبدا قدرات على تأليف حتى موسيقى أولية “.
يذكر أن يوري باشميت عازف كمان وقائد أوركسترا سوفيتي روسي، وبطل العمل في روسيا (2022)، وفنان الشعب في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية (1991).
ومنذ عام 2002 يتولى قيادة أوركسترا “روسيا” السيمفونية الحكومية الجديدة.
وفي عام 2008 حصلت الأوركسترا بقيادة يوري باشميت على جائزة “غرامي” الأمريكية للموسيقى.
وكان قائدا لأوركسترا برلين الفيلهارمونية، وأوركسترا برلين السيمفونية، وأوركسترا فيينا الفيلهارمونية، وأوركسترا الراديو السيمفوني البافاري، وأوركسترا نيويورك الفيلهارمونية، وأوركسترا سان فرانسيسكو السيمفونية، وأوركسترا شيكاغو السيمفونية، وأوركسترا لندن السيمفونية الفيلهارمونية، أوركسترا راديو فرنسا السيمفوني، أوركسترا باريس.
المصدر: نوفوستي