هل لا يزال هناك حاجة لبقاء “الأمم المتحدة”؟
تاريخ النشر: 9th, November 2024 GMT
يمانيون – متابعات
في خطابه الخميس الماضي، أشار السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي إلى أن اعتراف الأمم المتحدة بـ “إسرائيل” يمثّل شاهداً حقيقاً على غياب العدل الدولي، وأنها لا تقوم على أساس من العدل في ظل الهيمنة الغربية، وأن تلك الهيمنة غيبت العدل على كثير من الشعوب بما فيها الشعب الفلسطيني. بل إننا نرى أن الدور الشكلي الذي أنيط بالأمم المتحدة غاب كلياً.
فشل الأمم المتحدة في مواجهة الأزمات الإنسانية
على الرغم من الدور الذي من المفترض أن تلعبه الأمم المتحدة في حفظ السلم الدولي، فإن الأزمات المستمرة حول العالم تُظهر عجزًا واضحًا في تطبيق هذا الدور. مثال ذلك العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، والذي أسفر عن استشهاد آلاف المدنيين وتدمير البنية التحتية للقطاع، من دون أن تتخذ الأمم المتحدة خطوات حاسمة لوقف هذا التصعيد. رغم مرور عشرات السنوات على تأسيسها، لم تتمكن المنظمة من تحجيم الممارسات العدوانية في مناطق عديدة حول العالم، ومنها الاحتلال والعدوان والاستباحة الإسرائيلية لفلسطين والفلسطينيين منذ قرابة ٧٦ عاماً. في عام 2023م، على سبيل المثال، ارتكبت “إسرائيل” العديد من الانتهاكات في قطاع غزة، بما في ذلك جرائم إبادة جماعية، وتهجير وتطهير عرقي، وتدمير شامل طال حتى مدارس تابعة للأمم المتحدة، وقتل موظفين يعملون مع وكالة “الأونروا”، التي تُعنى بمساعدة اللاجئين الفلسطينيين. وفي هذا السياق، يعكس غياب الفاعلية في معالجة هذه الانتهاكات عجزًا هيكليًا في منظومة الأمم المتحدة، خاصة في ظل غياب آليات الضغط الفعّالة على الدول الأعضاء.
الأزمة الفلسطينية ليست إلا مثالًا واحدًا على هذا الفشل المتكرر. في حروب عدة مثل الحروب في سوريا واليمن وليبيا، فشل مجلس الأمن في إيجاد حلول سلمية تنهي المعاناة الإنسانية، بل إن بعض القرارات في تلك الأزمات تم تعطيلها من قبل الدول الكبرى التي تملك حق النقض. هذا الواقع يضعف مصداقية الأمم المتحدة ويطرح تساؤلات حول قدرة هيئاتها على اتخاذ قرارات تتسم بالعدالة والاستقلالية.
لا تقتصر معوقات الأمم المتحدة على عجزها في اتخاذ إجراءات فاعلة، بل تتعدى ذلك إلى تدخلات الدول الكبرى، وبالأخص الولايات المتحدة. فعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تعد حليفًا أساسيًا لإسرائيل، فإن تدخلاتها العسكرية في منطقتنا “الشرق الأوسط”، بما في ذلك الحشد العسكري في البحر الأحمر وباب المندب وغيره، أدت إلى تصعيد الأوضاع في مناطق عدة، بما في ذلك بلادنا اليمن. الولايات المتحدة لا تقتصر في هذا السياق على تقديم الدعم العسكري لإسرائيل، بل توسعت أيضًا في شن غارات ضد دول أخرى في المنطقة تحت مبرر مكافحة النفوذ الإيراني. هذا التوسع العسكري الأمريكي يعكس، بدوره، التأثير الكبير الذي تمارسه القوى الكبرى على السياسة العالمية، ويعزز من موقفها في تعطيل أية حلول سلمية قد تقترحها الأمم المتحدة، هذا إن ترك لها المجال لتقديم اقتراحات مستقلة، وأنا اعتقد أنها إن قدمت شيئا من هذا القبيل، يكون بصياغة وإشراف أمريكا وبريطانيا.
بالإضافة إلى ذلك، لا يمكن تجاهل المعوقات الهيكلية في النظام الأممي الحالي، مثل احتكار حق النقض من قبل الدول الكبرى في مجلس الأمن، مما يجعل القرارات العالمية غير متوازنة وتخدم مصالح دول معينة على حساب دول أخرى. وبالتالي، يبدو أن الأمم المتحدة باتت تواجه تحديًا حقيقيًا في الحفاظ على مصداقيتها كمنظمة دولية قادرة على الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين.
في ضوء هذه التحولات والتحديات، يبدو أن الأمم المتحدة في شكلها الحالي قد فقدت قدرتها على الوفاء بمسؤولياتها الأساسية. إن استمرار الهيمنة السياسية على هذه المنظمات الدولية يجعل من الصعب عليها تحقيق العدالة وحماية السلم والأمن الدوليين. لذلك، قد يكون من الضروري إعادة التفكير في دور الأمم المتحدة، وإعادة تشكيل المؤسسات الدولية لتصبح أكثر قدرة وفاعلية على مواجهة التحديات الحالية بعيدًا عن التأثيرات السياسية الضاغطة، مالم فليس لبقائها أي قيمة.
………………………
تحليل . علي ظافر
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: الأمم المتحدة بما فی
إقرأ أيضاً:
"الجارديان": تهديدات ترامب تقوض إصلاح النظام الضريبى الدولى.. تشكيل جبهة موحدة داخل الأمم المتحدة لصياغة نظام ضريبى عالمى أكثر عدالة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
سلّطت صحيفة "الجارديان" البريطانية الضوء على خطاب الرئيس الأمريكى المنتخب دونالد ترامب فى المكتب البيضاوى يوم الجمعة الماضي، والذى كشف عن نزوعه إلى مضايقة والتنمر على كل من يجرؤ على معارضته، حتى لو كانوا من حلفائه المفترضين، مثل أوكرانيا التى تخوض معركة من أجل بقائها.
وأشارت الصحيفة إلى أن الدول الساعية إلى إصلاح النظام الضريبى العالمى تحت مظلة الأمم المتحدة ستتابع كيف تفرض الولايات المتحدة إرادتها على الآخرين علانية. فتهديد ترامب فى أول أيامه بمعاقبة الدول التى تفرض ضرائب على الشركات الأمريكية يشكل هجوماً مباشراً على أسس التعاون المالى الدولي. وإذا كان نظام التعددية الضريبية العالمى يواجه تحديات بالفعل، فإن عودة ترامب قد تعنى القضاء عليه نهائيًا.
وفى هذا السياق، تجرى مناقشات حول اتفاقية ضريبية جديدة للأمم المتحدة تهدف إلى السماح للدول بفرض ضرائب على النشاط الاقتصادى فى مكان حدوثه الفعلي، بدلًا من السماح للشركات متعددة الجنسيات بتحويل أرباحها إلى ملاذات ضريبية. ووفقًا لتقرير صادر عن "شبكة العدالة الضريبية" العام الماضي، تخسر الدول سنويًا نحو ٤٩٢ مليار دولار بسبب التهرب الضريبى من قبل الشركات، حيث يتحمل الجنوب العالمى أكبر الخسائر، ما يؤثر على الخدمات العامة الأساسية كالصحة والتعليم.
وأكدت الصحيفة أن إقرار الاتفاقية الجديدة سيؤدى إلى وضع إطار قانونى ملزم يجبر الشركات متعددة الجنسيات على دفع الضرائب فى الدول التى توظف فيها عمالتها وتزاول أعمالًا حقيقية، بدلًا من تحويل أرباحها إلى دول ذات معدلات ضرائب منخفضة. وسيُستبدل بذلك مبدأ "طول الذراع" التقليدى بنظام ضرائب موحد يضمن التوزيع العادل للأرباح، ما سيضع حدًا لاستغلال شركات مثل أمازون وجوجل وآبل للثغرات الضريبية عبر تحويل المليارات إلى دول توفر معدلات ضرائب متدنية، بينما تحقق أرباحها الفعلية من أسواق ذات ضرائب مرتفعة.
قبل انتخاب ترامب، كانت الدول الثمانى المعارضة لاتفاقية الأمم المتحدة الضريبية - وهى أستراليا وكندا وإسرائيل واليابان ونيوزيلندا وكوريا الجنوبية والمملكة المتحدة والولايات المتحدة - مسئولة عن نصف الخسائر الضريبية العالمية. إلا أن أنماط المعارضة تختلف، فهناك معارضة بناءة وأخرى هدامة. فعندما بدأت مفاوضات اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية للتعاون الضريبى الدولى الشهر الماضي، التزم جميع المشاركين بالمبادئ التوجيهية باستثناء ممثل ترامب، الذى انسحب متحديًا داعيًا الآخرين إلى السير على خطاه، لكن لم يستجب أحد، تاركًا واشنطن فى عزلة. وهكذا تحوّل شعار ترامب من "أمريكا أولًا" إلى "أمريكا وحدها".
ورغم العزلة، تظل الولايات المتحدة تتمتع بنفوذ هائل. وكما يشير تقرير شبكة العدالة الضريبية حول تداعيات سياسات ترامب الضريبية، فإن المحادثات بين أكثر من ١٢٠ دولة بشأن فرض ضرائب على الخدمات الرقمية عبر الحدود -بقيادة منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية (OECD) التى تخضع لنفوذ واشنطن - تتجه نحو مواجهة حتمية. وقد استخدم ترامب تهديداته بفرض رسوم جمركية ضد كندا والاتحاد الأوروبى كطلقات تحذيرية، مستهدفًا الدول التى تجرؤ على زيادة الضرائب على الشركات متعددة الجنسيات، وخصوصًا الأمريكية. وأوضحت "الجارديان" أن هذه المعركة لا تتعلق فقط بالضرائب، بل تمتد إلى السيادة الوطنية، حيث تحاول إدارة ترامب فرض نظام يحمى أرباح الشركات من الضرائب العادلة، إلا أن العالم بدأ فى المقاومة.
لطالما مارست الولايات المتحدة حق النقض غير الرسمى على القوانين الضريبية العالمية، مستخدمة نفوذها لتوجيه -ثم عرقلة- أى مقترحات تقودها منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية. غير أن هذا النهج أصبح غير مستدام. إذ تُظهر التحالفات المتزايدة الداعمة لاتفاقية الأمم المتحدة الضريبية أن العديد من الحكومات باتت تفضل رسم مسارها الخاص بعيدًا عن إملاءات واشنطن. وتضع عودة ترامب العالم أمام خيار واضح: إما الإبقاء على نظام مختل يُسهّل التهرب الضريبي، أو المضى قدمًا نحو إصلاح ضريبى عالمى من دون الولايات المتحدة.
واختتمت "الجارديان" تقريرها بالتأكيد على أن تشكيل جبهة موحدة داخل الأمم المتحدة يعد أمرًا ضروريًا لصياغة نظام ضريبى عالمى أكثر عدالة، بعيدًا عن نفوذ واشنطن. فكما نجحت اتفاقية حظر الذخائر العنقودية دون مشاركة الولايات المتحدة، يمكن للنظام الضريبى العالمى أن يتغير أيضًا دون الحاجة إلى موافقة واشنطن، بل يحتاج فقط إلى إرادة دولية للمضى قدمًا بشكل جماعي.