قالت دار الإفتاء المصرية، إن الصدقة في اللغة تعني ما يعطى للفقراء على وجه القربة إلى الله تعالى، واصطلاحًا: تطلق الصدقة حقيقة على إعطاء المال ونحوه -دون عوض- بقصد ثواب الآخرة.

لمن لا يستطيع إخراج الصدقة.. علي جمعة يكشف عن 4 أمور تُجزئ عنها هل الصدقة تطهر المال الحرام ؟.. علي جمعة يجيب

واستشهدت دار الإفتاء في إجابتها على سؤال (ما الفرق بين الوقف والصدقة الجارية؟ بقول الراغب الأصفهاني في "المفردات" (1/ 480، ط.

دار القلم): [الصدقة: ما يخرجه الإنسان من ماله على وجه القربة كالزكاة، لكن الصدقة في الأصل تقال للمتطوع به، والزكاة للواجب، وقد يُسمَّى الواجب صدقة إذا تحرى صاحبها الصدق في فعله] اهـ.

وتابعت: وهذا بعمومه يشمل صدقة التطوع وصدقة الفرض التي هي الزكاة، لكن عند الإطلاق يراد بها في اصطلاح الفقهاء صدقة التطوع. انظر: "مغني المحتاج" (4/ 194، ط. دار الكتب العلمية).

وأوضحت أنه لم يختلف الفقهاء في جواز إعطاء صدقة التطوع لغير المحتاج مع كونه خلاف الأولى غير أن هذا الإعطاء لا يعتبر صدقة إلا إذا طلب به ثواب الآخرة؛ يقول الإمام النووي في "المجموع" (6/ 236): [تحل صدقة التطوع للأغنياء بلا خلاف، فيجوز دفعها إليهم ويثاب دافعها عليها، ولكن المحتاج أفضل] اهـ.
وقال الخطيب الشربيني في "مغني المحتاج" (3/ 559): [الصدقة على الغني جائزة ويثاب عليها إذا قصد القربة، فخرج بذلك ما لو ملَّك غنيًّا من غير قصد ثواب الآخرة] اهـ.

وذكرت دار الإفتاء أن الصدقة تطلق مجازًا على سائر أعمال البرِّ كما في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ» متفق عليه، يقول الإمام النووي في "المجموع" (6/ 246): [اعلم أن حقيقة الصدقة إعطاء المال ونحوه بقصد ثواب الآخرة وقد يطلق على غير ذلك] اهـ.

وتنقسم صدقة التطوع إلى: (صدقة منقضية) بتمليك العين ومنافعها للمتصدق عليه، أو بإباحة انتفاعه بها إلى وقت محدد، أو إلى حدث معين منتظر حصوله تنتهي عنده الصدقة؛ (وصدقة جارية) يجري ثوابها لصاحبها في حياته وبعد موته، إذ يتم فيها إبقاء العين ومنع التصرف فيها بالبيع أو الهبة ونحو ذلك مع إباحة الانتفاع بها، أو تمليك ما تبقى من ريعها للمتصدَّق عليه -سواء كان شخصًا معينًا أم جهة- مدة بقاء العين بعد البدء أولًا بعمارتها من الريع وإصلاح ما يكون به نموها وعدم انقطاع ريعها؛ سواء بدأت هذه الصدقة في حياة المتصدِّق صاحب العين كما في (الوقف)، أو بعد مماته كما في (الوصية بالمنافع على التأبيد).

وأشارت إلى أن الأصل في مشروعية الصدقة الجارية ما رواه البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن عمر بن الخطاب أصاب أرضًا بخيبر، فأتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يستأمره فيها، فقال: يا رسول الله، إني أصبت أرضًا بخيبر لم أصب مالًا قط أنفس عندي منه، فما تأمر به؟ قال: «إِنْ شِئْتَ حَبَسْتَ أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْتَ بِهَا»، قال: فتصدق بها عمر، أنه لا يباع ولا يوهب ولا يورث، وتصدق بها في الفقراء، وفي القربى وفي الرقاب، وفي سبيل الله، وابن السبيل، والضيف لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف، ويطعم غير متمول». وقال ابن سيرين: غير متأثلٍ مالًا.

وكذلك ما رواه البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن عمر تصدق بمال له على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكان يقال له ثمغ وكان نخلًا، فقال عمر: يا رسول الله، إني استفدت مالًا وهو عندي نفيس، فأردت أن أتصدق به، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «تَصَدَّقْ بِأَصْلِهِ، لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُورَثُ، وَلَكِنْ يُنْفَقُ ثَمَرُهُ»، فتصدق به عمر، فصدقته تلك في سبيل الله وفي الرقاب والمساكين والضيف وابن السبيل ولذي القربى، ولا جناح على من وليه أن يأكل منه بالمعروف، أو يوكل صديقه، غير متمول به.

وكذلك ما رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ».

وأضافت أن الوقف لغة: الحبس. واصطلاحًا: حبس مال يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه بقطع التصرف في رقبته على مصرف مباح.

أمَّا الوصية بالمنافع فالوصية لغة: مأخوذة من وصيت الشيء بالشيء أصيه أي وصلته، وأوصيت إليه بمال جعلته له، والمنافع جمع منفعة: وهي الفائدة التي تحصل باستعمال العين، كالمستحصلة من الدار بسكناها ومن الدابة بركوبها.

وقد ذهب جمهور العلماء إلى أن المراد بالصدقة الجارية في الحديث السابق الوقف دون غيره من أعمال البرِّ وإن شملها ظاهر لفظ الحديث بعمومه؛ فيكون من قبيل العام الذي أريد به الخاص، مع اتفاقهم بأن هناك أعمالًا أخرى يجري ثوابها بعد الموت كالوصية بالمنافع، لكن حملوا الصدقة الجارية على الوقف، واستبعدوا حملها على الوصية بالمنافع لندرتها.

وقال الخطيب الشربيني في "مغني المحتاج" (3/ 523): [والصدقة الجارية محمولة عند العلماء على الوقف كما قاله الرافعي، فإن غيره من الصدقات ليست جارية، بل يملك المتصدق عليه أعيانها ومنافعها ناجزًا، وأما الوصية بالمنافع وإن شملها الحديث فهي نادرة، فحمل الصدقة في الحديث على الوقف أولى] اهـ.

لكن المتأخرون من الشافعية لم يسلموا بذلك مطلقًا بل أحالوه للنظر ولم يقطعوا بأن ما دون الوقف لا يدخل في مُسمَّى الصدقة الجارية المذكورة في الحديث، مستندين إلى ما جاء في أحاديث أخرى؛ كالذي رواه ابن ماجه في "سننه" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ: عِلْمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ، وَوَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ، وَمُصْحَفًا وَرَّثَهُ، أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ، أَوْ بَيْتًا لِابْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ، أَوْ نَهْرًا أَجْرَاهُ، أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ، يَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ».

وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «سَبْعٌ يَجْرِي لِلْعَبْدِ أَجْرُهُنَّ وَهُوَ فِي قَبْرِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ: مَنْ عَلَّمَ عِلْمًا، أَوْ أَجْرَى نَهْرًا، أوْ حَفَرَ بِئْرًا، أوْ غَرَسَ نَخْلًا، أَوْ بَنَى مَسْجِدًا، أَوْ وَرَّثَ مُصْحَفًا، أَوْ تَرَكَ وَلَدًا يَسْتَغْفِرُ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ». رواه البزار وأبو نعيم في "الحلية".

ومما سبق: يتبين أن مفهوم الصدقة الجارية أعم من مفهوم الوقف؛ لأن الوصية بالمنافع يصدق عليها أنها صدقة جارية، ومفهومها مغاير لمفهوم الوقف، وتخصيص العلماء لمفهوم الصدقة الجارية في الحديث الشريف بالوقف لا يستلزم أن الصدقات غير الوقف لا تدخل في عموم الصدقة الجارية مطلقًا، وإنما قضيتهم أن هذا اللفظ العام في الحديث؛ هل أريد به العام، أم أريد به الخاص؟ فقالوا: أريد به الخاص.

واستشكل ذلك العلماء المتأخرون، والظاهر أن يقال: العبرة بعموم اللفظ، ولا مانع من حمل اللفظ على عمومه؛ حيث هو الأصل وحيث تشهد لذلك القرائن؛ فتكون الوصية بالمنافع مرادة أيضًا بلفظ الصدقة الجارية في الحديث؛ فإن من المتفق عليه بين العلماء أنها صدقة، وأن ثوابها يجري لصاحبها كجريان ثواب الوقف، وإن كان الوقف أفضل منها من حيث إن ثوابه يبدأ في حياة المتصدق ويستمر بعد موته، بينما يبدأ ثواب الوصية بالمنافع من بعد الموت.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: دار الإفتاء الصدقة المال الصدقة الجارية الوقف رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم الصدقة الجاریة رضی الله عنه دار الإفتاء صدقة التطوع فی الحدیث الصدقة فی ق علیه

إقرأ أيضاً:

النظافة و التقوى

النظافة و التقوى
رمضانيات (١)

د. نبيل الكوفحي


العبادات نتوجه فيها لله سبحانه المستحق للألوهية بالعبادة، وتحقيق غايات استقامة النفس وضبط السلوك. يقول تعالى في تشريع الصيام ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون)، فالمقصد من الصيام هو تحقيق التقوى، وكذا الأمر في حكمة الصلاة ( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر )، والأمر ذاته في الزكاة ( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها).
النظافة سلوك مطلوب من كل مسلم، على مستوى النظافة البدنية كان الوضوء والاستحمام وقص الشعر وما نحوه. وعلى مستوى البيت؛ فرسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: (إن اللهَ طيّبٌ يحبّ الطيبَ، نظيفٌ يحبُّ النظافةَ، كريمٌ يحبُ الكرمَ، جوادٌ يحب الجودَ؛ فنظفُوا أفنيتكُم؛ ولا تشبّهوا باليهودِ) ويؤخذ بالتحديث المختلف في قوتها في فضائل الأعمال. وعلى المستوى العام فقد جاء الحديث؛ قال رسول الله صلى الله علية وسلم: (الإيمان بضع وستون ـ أو سبعون ـ شعبة، أعلاها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان).

تقوم البلديات بجهد كبير في عمليات النظافة، وهي تستنزف من ربع إلى ثلث ميزانيات البلديات ومواردها البشرية، وتفوق المعدلات العالمية بذلك كثيرا، وجزء من هذه الكلفة الباهظة بسبب السلوكيات السلبية لكثير من الناس في النظافة العامة؛ فمن عدم اخراج النفايات في اوقات محددة، إلى عدم وضعها في الاماكن المعينة، ورمي النفايات في الشوارع العامة وصولا إلى عدم تقليل إنتاجها. يمكن التحسين في كل هذه المراحل، وبالتالي تقليل الكلف بما لا يقل عن الربع. وتسعى البلدية من خلال عدة ادوات إلى تطوير عمليات النظافة ومنها التوعية والعقوبة، لكن هذا الجهد لا يكفي دون تعاون المواطنين.

مقالات ذات صلة  في الصحّة النفسيّة 2025/03/03

الثقافة والرقابة المجتمعية ذات قيمة كبيرة في تحقيق ادارة فضلى للنظافة العامة، وهي احد اسباب نظافة المدن في الغرب والشرق. ان عملية ازالة القمامة والاذى فعل مأجور عليه، وفي المقابل التسبب به فعل محاسب عليه، هذا الفعل قام به اشرف الخلق محمد صلى الله عليه وسلم في قصة جاره اليهودي المعروفة الذي كان يضع القمامة عند بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ان تحقيق التقوى وإسقاطها على السلوك في زمن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام كانت واضحة؛ فقصة الفتاة وامها في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه جلية، اذ تامر الام ابنتها ان تغش الحليب، فتقول قومى إلى ذلك اللبن فامذقيه – أى اخلطيه – بالماء، فقالت الابنة: يا أُمَّاه، وما علمتِ ما كان من عَزْمَة أمير المؤمنين اليوم؟!، قالت الأم: وما كان من عزمته؟، قالت: إنه أمر مناديًا فنادى: لا يُشَابُ اللبن بالماء، فقالت الأم: يا بُنيّتى، قومى إلى اللبن فامْذقيه بالماء فإنك فى موضع لا يراك عمر، ولا منادى عمر، فقالت الصبيّة: واللَّه ما كنت لأطيعه فى الملأ وأعصيه فى الخلاء، إن كان عمر لا يرانا، فربّ أمير المؤمنين يرانا.

هكذا كانت التربية وكان احترام القانون وكانت التقوى، ان إسقاط التقوى على سلوك الناس العام أمر مهم ولا بد ان يقوم الائمة والخطباء والإعلاميون والمعلمون بذلك في ربط متين بين الأمرين. خاصة في هذا الشهر الفضيل الذي يصوم به الناس استجابة لامر الهي. وان نقوم بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيمن يخالف ذلك.
وتقبل الله منا ومنكم الصيام وصالح الاعمال.

مقالات مشابهة

  • زكاة الفطر لماذا نخرجها نقودا والنبي لم يفعل ذلك؟.. الإفتاء توضح
  • فلسطين: إعلان مقدار صدقة الفطر ونصاب زكاة المال للعام الجاري
  • النظافة و التقوى
  • عباس شومان: المسلم من يستغل أيام الطاعة.. والصدقة والإنفاق أفضل الأعمال
  • عبد الله بن بيه يحث أفراد المجتمع ومؤسساته على المساهمة في حملة «وقف الأب»
  • عبد الله بن بيه يدعو أفراد المجتمع ومؤسساته للمساهمة في حملة وقف الأب
  • عبد الله بن بيه يدعو للمساهمة في حملة "وقف الأب"
  • الطبق الذي كان يفضله الرسول عليه الصلاة والسلام
  • الظروف فرضت عليّ القبول .. عايدة رياض تكشف عن عمل فني ندمت عليه
  • أساس بناء الأمم.. مفتي الجمهورية: الحديث عن مكارم الأخلاق ضرورة