العالم يتغير.. ماذا ننتظر؟!
تاريخ النشر: 9th, November 2024 GMT
حققت الخطة الخمسية العاشرة، وهي الخطة التنفـيذية الأولى لرؤية «عُمان 2040»، إنجازات مفرحة فاقت التوقعات التي وُضعت عند انطلاقها فـي يناير 2021. فـي ذلك الوقت، كان العالم يواجه أسوأ مراحل جائحة كوفـيد-19، حيث عانت الاقتصادات العالمية من انعدام اليقين، وتعطلت خطوط الإمداد والتصنيع بشكل شبه كامل. ومع ذلك، تمكّنت سلطنة عُمان، بفضل الله، وبحكمة «القيادة»، وتعاون وصمود الشعب، من تخطي تلك التحديات غير المسبوقة والوصول بالبلاد إلى مسارات استقرار اقتصادية ومالية وصحية.
أبرز الإنجازات التي يمكن الإشارة لها هنا تتمثل فـي خفض الدين العام ليقترب من «الحدود الآمنة»، وإعادة التصنيف الائتماني للبلاد إلى مستوى «الجدارة الاستثمارية» وفق تقييم وكالة «ستاندرد آند بورز»، وهو أمر كان يبدو بعيد المنال فـي عام 2021. كما تولي الحكومة أولوية قصوى لحل مشكلة الباحثين عن عمل بطرق تضمن الاستدامة، ما يعكس اهتمامها باستقرار المواطن وبمستقبل الأجيال القادمة.
وتستحق هذه السنوات الأربع دراسة معمّقة تُحوّل إلى نماذج وآليات تمكننا عند فهمها من التعامل مع التحديات المستقبلية بفاعلية أكبر. لقد أكدت رؤية «عُمان 2040» على مرونتها وقدرتها على امتصاص الأزمات والتكيف مع الظروف غير المواتية خلال الأزمات، لكن السؤال المهم الآن: هل يُمكن الاطمئنان التام لهذه المرونة والتعويل عليها أمام التحولات الجذرية التي تحيط بنا والتي تعيد بناء ديناميكيات العالم؟!
البعض قد يرى أن رؤية تمكنت من تجاوز تحديات 2021 و2022، ستكون قادرة على تخطي صعوبات أكبر فـي المستقبل. إلا أن هذا التصور ليس دقيقًا؛ فالعالم والمنطقة المحيطة بعُمان شهدا تغييرات جذرية منذ لحظة بناء الرؤية فـي 2019، شملت القيم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافـية والعسكرية أيضا، ما يفرض علينا إعادة النظر فـي الآليات التنفـيذية للرؤية، خاصة عند صياغة الخطط الخمسية القادمة. يجب أن تتضمن هذه الخطط جوانب اقتصادية قوية، لكنها يجب أن تُعنى أيضًا بالتغيرات الاجتماعية والثقافـية التي باتت تمثل حجر الزاوية فـي المرحلة المقبلة.
وإذا كانت العديد من المؤسسات الحكومية تعمل حاليًا على وضع تفاصيل الخطة الخمسية الحادية عشرة، المقرر انطلاقها فـي يناير 2026 فإنه يتحتّم على واضعي السياسات أن يكونوا مدركين للمتغيرات الجذرية التي طرأت منذ عام 2020، خاصة التحولات العالمية الكبرى التي تسارعت فـي أعقاب أحداث 7 أكتوبر 2023 وما تلاها. إضافة إلى ذلك، يجب أن نأخذ فـي الاعتبار السيناريوهات السياسية المحتملة، مثل تأثير فوز الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بولاية جديدة.. وهذه المتغيرات تفرض نفسها كمؤثرات أساسية على مسارات المستقبل، ما يستدعي قراءة عميقة ومتأنية للأحداث وتأثيراتها على الوضع الداخلي فـي سلطنة عُمان على اعتبار أن عُمان لا تعيش فـي معزل عن العالم بل هي جزء منه تتأثر بأحداثه سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الثقافـي وتساهم الأحداث المحيطة بنا فـي بناء الوعي العام خاصة لدى أجيال الشباب الذين يديرون مسارات المستقبل.
والعالم كما هو واضح من الأحداث التي طرأت منذ 7 أكتوبر لم يعد كما كان أبدا، سواء على المستوى الجماعي أم الفردي.. تغيرت الكثير من الرؤى والكثير من الحقائق وبرزت الكثير من الخطابات التي ما زالت تسهم فـي بناء الوعي إيجابا/ وسلبا، وفـي تشكيل الانتماءات والهُويات الثقافـية والاجتماعية والأيديولوجية؛ وأصبح من الضروري أن تتضمن خططنا استراتيجيات تواكب هذه التحولات.. وأعني هنا استراتيجيات كبرى/ وطنية، قادرة على إحداث تغيرات جذرية تحمل صفة الديمومة وليس تغيرات مرحلية آنية.
وأمام هذه التحولات فـي المنطقة فإننا فـي عُمان فـي حاجة ماسة أن نجعل سنة 2025 سنة مراجعة «رؤية عُمان» ليس على مستوى مرتكزاتها، رغم أن مثل هذه المراجعة ممكنة جدا، ولكن على مستوى آلياتها التنفـيذية على أقل تقدير.. وكذلك إعادة قراءة الطرق الأكثر فعالية لتعزيز الشعور بالانتماء للوطن قبل أي انتماء أيديولوجي آخر، وبناء الهُوية الوطنية وحفظها من تأثيرات مد العولمة الذي سيستميت خلال المرحلة القادمة للحفاظ على مكتسباته الكبيرة فـي ظل التغيرات التي حدثت منذ جائحة كورونا وكذلك منذ السقوط العملي لنظرية «نهاية التاريخ» منذ لحظة بدء الحرب الروسية على أوكرانيا.
إن أهم ما يمكن العمل عليه خلال المرحلة القادمة هو بناء الاستقرار الاقتصادي على مستوى الدولة وعلى مستوى الفرد، وهذا أمر مترابط جدا، فالاقتصاد العماني يحتاج أن يكون اقتصادا قادرا على توليد فرص عمل تستوعب عشرات الآلاف من الباحثين عن عمل وبرواتب ومميزات مقنعة تشعرهم بالاستقرار الاقتصادي والقدرة على بناء الذات؛ لأن هذا الشعور هو الطريق الذي يمكن أن يجعل الجميع ينخرط فـي البناء الوطني. إننا نعيش مرحلة تتآكل فـيها القيم المجتمعية والروابط الاجتماعية وقيم الجماعة لصالح القيم الفردية وهذا يزيد من خطر التأثيرات الاقتصادية على الأفراد وخاصة عندما يتولد شعور جماعي أن قيمة الفرد لا تتحقق من خلال مجتمعه/ دولته ولكنها تتحقق، فقط، من خلال ذاته ولا شيء آخر؛ وهذا يقوض قيم الانتماء الوطني وحتى الأيديولوجي نفسه.. لكن الأيديولوجية الفردية تؤسس لها الفهم وتدفع به بكل وسائلها المؤثرة على وعي الشباب وتحمل فـي سبيل ذلك معطيات قادرة على الإقناع فـي ظل تراجع وسائل الإقناع الأخرى.
المرحلة القادمة مرحلة شديدة الخطورة؛ ولذلك نحتاج إلى عمل وطني مكثف وعلى كل المستويات، ولكنه عمل لا بد أن ينطلق بناء على فهم حقيقي لما يحدث فـي العالم أجمع.. ومسار التحولات الذاهب لها العالم والمنطقة المحيطة بنا، وكذلك الفلسفات النشطة فـي العالم التي تبشر بها وسائل التواصل الاجتماعي والأفلام السينمائية، والأنماط الحياتية والاستهلاكية المصاحبة لها.
لا يمكن أن نبني خططا تنفـيذية لخمس سنوات قادمة فـي معزل عن فهم كل هذه المتغيرات ولا يمكن أن نحقق نجاحات فـي برامجنا الوطنية إذا أهملنا قراءة كل ذلك.. وعُمان قادرة على مثل هذا العمل لأسباب كثيرة تتعلق بالسياقات التاريخية وبالسياقات الوطنية وبالقيادات السياسية التي لها تجارب طويلة.. فقط تكون هناك الإرادة والعمل المنظم الحقيقي الذي لا ينشد إلا بناء مستقبل عُمان ومستقبل شعبها.. وسنجد أنفسنا بعد خمس سنوات أخرى نشيد بقدرة البلاد على تجاوز لحظات تاريخية عصيبة غيرت وجه الأرض والتاريخ.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: قادرة على على مستوى
إقرأ أيضاً:
وسط تحديات مناخية جسيمة.. ماذا ينتظر العالم من قمة كوب 29؟
لا يمكن التعامل مع السنوات القليلة الماضية بشكل عابر فيما يخص التغيرات المناخية التي عصفت بالعالم خلالها، إذ تشهد الفترة الراهنة تحديات جسيمة تتعلق بأزمة المناخ وتغيراته، التي تحمل في طياته انعكاسات لا نهائية ولا محدودة أيضًأ، على كل أشكال الحياة، وعلى جميع الأصعدة سياسيًا واجتماعيًا أيضًا، حسبما ذكرت قناة «القاهرة الإخبارية» في تقرير لها.
أزمات المناخ تتطلب تكاتف دوليهذه التحديات المناخية عمقت من أهمية قمة المناخ «كوب 29» التي انطلقت اليوم الاثنين 11 نوفمبر، وتستمر حتى الـ 22 من الشهر نفسه بالعاصمة الأذربيجانية «باكو»، باعتبارها قابلة لأن تأتي كاستكمال لأهداف ومخرجات قمتي «كوب 27» و«كوب 28» فضلًا عن بحث سبل الدول للتحول من استخدام الوقود الأحفوري.
ووفقا لقناة «القاهرة الإخبارية»، فإن الكوارث الطبيعية من زلازل وفيضانات وارتفاع غير مسبوق في درجات الحرارة على مستوى العالم، خلال السنوات الأخيرة فرضت نفسها كأزمات تطلب تكاتف دوليًا، للتوصل إلى حلول فاعلة وجذرية بشأنها، خصوصًا في ظل الحديث عن ضرورة تنفيذ الوعود السابقة بشأن تمويل الدول الأكثر تضررًا من تغير المناخ، فهل تستطيع قمة المناخ «كوب 29» تحقيق أهدافها؟