لجريدة عمان:
2025-07-03@03:45:49 GMT

مستقبل العلاقات الرقمية.. أي هويات نريد؟

تاريخ النشر: 9th, November 2024 GMT

منذ بداية ظهور الإنترنت وشروع المجتمعات فـي خلق شكل جديد من أشكال التواصل الافتراضي، حلت قضايا مثل طبيعة العلاقات الاجتماعية فـي عصر الأنترنت، وتأثير الأنترنت على الهويات الفردية والجماعية والاجتماعية محل بحث أصيل فـي سياق العلوم الإنسانية، وفـي نتائج البحوث هناك مشتركات أساسية بين المجتمعات الإنسانية فـي التأثير الذي خلقه التواصل الافتراضي على (طبيعة، اتجاه، عمق، معنى) العلاقات الاجتماعية، مع اختلاف فـي درجة التأثير بحسب قوة تلك العلاقات فـي أساس واقعها من عدمها، ولكل تظل مسائل فهم الهوية الافتراضية وتشكلها وتأثيرها على الهويات الواقعية سواء كانت هويات فردية أو جماعية أو اجتماعية من أعقد المسائل التي تتغير مع مرور الوقت، وتظهر فـيها عوامل عديدة مؤثرة مثل: طبيعة الجيل، تغير أشكال الخطاب عبر الوسائل الإلكترونية، ظهور واستهداف خطابات الاستقطاب، الفعل المنظم والشبكي لتوجيه الهويات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أشكال الرقابة والخطاب المضاد وغيرها من العوامل، والتي بدورها تجعل مسار تشكل وتغير الهويات الرقمية مسارًا متعرجًا يصعب القبض عليه.

السؤال المشروع فـي هذا الجانب: لماذا علينا أن نهتم بنوعية الهويات الرقمية وتغيراتها؟ والإجابة قد توجز فـي ثلاثة أبعاد أساسية؛ أولًا، لأنها تشخص لنا وضع وطبيعة الهوية الاجتماعية الحقيقية؛ فالأفراد إما يعكسون هوياتهم الحقيقية فـي تفاعلاتهم الافتراضية، أو أنهم يميلون إلى تعديل تلك الهويات بما يتناسب مع ما يتصورونه من وضع أسمى للهوية الفردية والجمعية المرادة، أو أنهم يهربون عبر الهويات المعدلة من ضغوطات اجتماعية تلاحقهم فتغدو معها الهوية الأخرى (الافتراضية) متنفسًا لممارسة الذات الاجتماعية المرادة. وفـي هذا البعد ناقشت إحدى الدراسات الصادرة عن جامعة ستانفورد مسألة الهويات الافتراضية وخلصت فـي إحدى النتائج إلى أن 54% من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي الذين شملتهم العينة - يقومون بتعديل أو تغيير جوانب من تشكيل هوياتهم على الإنترنت بهدف الظهور بشخصية مغايرة أو لجذب انتباه الآخرين. البعد الثاني فـي أهمية تتبع الهويات الرقمية ينبع من خطورة خطاب الاستقطاب والاستدراج على الأنترنت، والذي يلعب بشكل أساس على طبيعة الهويات الافتراضية المشكلة، كما يتماهى أيضًا مع طبيعة الشخصية الاجتماعية المراد تشكيلها على فضاءات الأنترنت، فـي دراستهما للعلاقة بين الاستقطاب عبر الإنترنت وسياسات الهوية يقول تومي كوتنين وعلي أونلو أنه «غالبًا ما تخلق هذه المنصات بيئات تُعرف باسم «فقاعات التصفـية» و«غرف الصدى»، حيث يتعرض المستخدمون فـي المقام الأول لمحتوى يتماشى مع آرائهم واهتماماتهم الحالية وتساهم الميزات الخوارزمية لهذه المنصات فـي التعرض الانتقائي وتشكيل غرف الصدى، مما يؤثر على مواقف وسلوكيات الأفراد. لا تعمل هذه الظاهرة على تعزيز تحيز التأكيد فحسب، بل تعمل أيضًا على توحيد المجموعات الداخلية، مما يزيد من تعميق الاستقطاب بين المجموعات المجتمعية المختلفة. البعد الثالث، فـي أهمية دراسة الهويات الرقمية هو انعكاس هذه الهويات فـي تشكيل الأدوار الاجتماعية الواقعية، وهو ما يمكن أن يكون تحديًا أمام دور العمليات والمؤسسات الاجتماعية فـي تشكيل عمليات التنشئة ورسم الأدوار الاجتماعية، ولتوضيح هذا البعد أجرينا مسبقًا دراسة فـي 2018 حول تشكل الهويات الرقمية وارتداداتها على دور المؤسسات الاجتماعية فـي خلق الأدوار الاجتماعية، ولعل من أبرز النتائج التي خلصت إليها دراستنا أن 63% من عينة الدراسة ممن هم فـي السن بين (18 - 24) عامًا يشعرون أن المجتمع فـي الواقع يدفعهم لتقديم شخصية محسنة لذواتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فـي حين عبر أكثر من 38% من ذات العينة فـي ذات المرحلة العمرية أن مواقع التواصل الاجتماعي تتيح لهم مساحة أفضل لممارسة ذواتهم الحقيقية.

يبقى سؤال الهوية الرقمية معقدًا وعصيًا على الجزم، وهذا الاستعصاء هو الذي تحدثت عنه نانسي بايم محورًا لكتابها «Personal Connections in the Digital Age» حيث تقول: «لا تتيح لنا التكنولوجيا فقط بناء علاقات مع الآخرين، بل تسمح لنا أيضًا بإعادة تشكيل هوياتنا بطرق لم تكن ممكنة من قبل، مما يخلق فضاء جديدًا لاكتشاف الذات وتقديمها». إذن هناك ثلاثة مخاطر يفرزها مستقبل علاقاتنا وتفاعلاتنا الرقمية ويطرح سؤال: أي هويات نريد؟ أولها، مسألة النزوع من ضيق السياق الاجتماعي الحقيقي إلى السياق الافتراضي للتعبير عن الذات، وثانيها، خلق هويات وشخصيات أكثر قابلة للاستدراج والاستخطاب والاستهداف بالخطابات المختلفة، وثالثها، إعادة إنتاج الأدوار الاجتماعية للأفراد والجماعات من خلال فواعل من غير نسيج المجتمع. هذه المخاطر الثلاثة تشكل فـي ذاتها مساحة لبروز المشكلات الاجتماعية المرتبطة والناشئة عن التواصل الافتراضي، فالشخصية التي تقود خطابًا ناقمًا ومهاجمًا وهدامًا عبر مواقع التواصل الاجتماعي على سبيل المثال دون أن يكون ذلك متوقعًا من ذات طبيعة الشخصية وتركيبتها فـي الواقع الحقيقي هي نتاج لأزمة الهوية الرقمية التي تحدثها المخاطر الثلاثة.

يبقى الرهان على أساليب المعالجة والمواجهة، وفـي تقديرنا فإن دور المؤسسات الاجتماعية فـي خلق فرص ومساحات أفضل للأفراد للتعبير عن ذواتهم الحقيقية، واحتواء أشكال التعبير مهما كانت غرابتها وحدتها فـي إطار اجتماعي متسق هو الرهان الأول لاحتواء تعقيد الهويات الرقمية، فمتى ما كانت مؤسسات التعليم والمؤسسات الثقافـية والإعلامية فـيها من المساحة الكافـية المقرونة بالتوجيه المناسب للأفراد ما يمنحهم مساحة أفضل لممارسة أفكارهم وتعديلها وتصويب معتقداتهم وتمكين ذواتهم متى ما كان الانفصال بين الهوية الواقعية والهوية الرقمية أقل وكان تأثيره على الأزمة الاجتماعية أقل كذلك. يبقى الحوار الاجتماعي بأشكاله المختلفة وبمفهومه المتسع هو الأداة الأمثل لتشكيل الهوية كما يريدها المجتمع، لا كما تريدها خطابات الاستقطاب والاستدراج.

مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع والتحولات المجتمعية فـي سلطنة عُمان

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: مواقع التواصل الاجتماعی الاجتماعیة فـی

إقرأ أيضاً:

التعليم توضح طبيعة أسئلة امتحان الثانوية العامة لطلبة غزة

أعلن الناطق باسم وزارة التربية والتعليم العالي صادق الخضور، اليوم الثلاثاء 1 يوليو 2025، طبيعة أسئلة امتحان الثانوية العامة 2023 الدورة الثالثة لطلبة المحافظات الجنوبية.

وبين الخضور، في تصريح صحفي، أن ورقة الاسئلة تتكون من (40) فقرة من نوع الاختيار من متعدد، ومن أربعة بدائل، ويكون بديل واحد فقط صحيحا، ومدة الامتحان ساعة واحدة لجميع المباحث عدا الرياضيات والفيزياء والكيمياء واللغة الانجليزية.

وأوضح أن مباحث الرياضيات لجميع الفروع عدا الفرع العلمي، والفيزياء والكيمياء واللغة الإنجليزية، تتكون ورقة الاسئلة من (40) فقرة، ومدة الامتحان ساعة ونصف.

وفيما يتعلق بمبحث الرياضيات للفرع العلمي، أشار الخضور إلى أن الامتحان سيعقد في جلسة واحدة بواقع (40) فقرة ومدة الامتحان ساعتان.

ولفت الخضور إلى أنه يمكن استخدام فقرات نصية وعليها عدة اسئلة (فقرات) في اللغة الانجليزية، إضافة الى ان المباحث التي تقدم في جلستين سيتم تقديمها في جلسة واحدة كما ان الامتحان سيعقد الكترونيا حينما توفر الانترنت للطالب.

المصدر : وكالة سوا اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد المزيد من تعليم التعليم: تحضيرات فعلية لعقد امتحان الثانوية العامة في غزة إلكترونياً على مراحل "التعليم العالي" تعلن عن منح للدراسات العليا في المغرب التعليم: تحضيرات وترتيبات لعقد الامتحانات في غزة بأقرب وقت ممكن الأكثر قراءة الأمم المتحدة تصف قتل إسرائيل للمجوعين في غزة بـ "المذبحة" صورة: الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل جندي بسقوط صاروخ إيراني في بئر السبع  رام الله: "الاقتصاد الوطني" تُحيل موزع غاز للنيابة العامة رفع جميع القيود المفروضة على الجبهة الداخلية في إسرائيل عاجل

جميع الحقوق محفوظة لوكالة سوا الإخبارية @ 2025

مقالات مشابهة

  • الأمن الكوردستاني يوضح طبيعة انفجار السليمانية
  • نائبة وزيرة التضامن الاجتماعي تترأس وفد مصر في الاجتماع العربي التحضيري لقمة التنمية الاجتماعية بتونس
  • السفارات الأمريكية تبدأ تدقيق حسابات التواصل الاجتماعي لطالبي التأشيرة
  • التعليم توضح طبيعة أسئلة امتحان الثانوية العامة لطلبة غزة
  • “أكيد”: 92 إشاعة في حزيران.. ووسائل التواصل الاجتماعي تتصدر المصادر
  • كيف يساعدك الذكاء الاصطناعي في إدارة حساباتك الاجتماعية؟
  • هام جدًا .. السفارة الأميركية تطلب فتح الخصوصية بوسائل التواصل الاجتماعي
  • كيف سيؤثر إلغاء الضريبة الرقمية على مستقبل التجارة بين الولايات المتحدة وكندا؟
  • مستقبل وطن: 30 يونيو أعادت الهوية الوطنية ومهدت الطريق لدولة عصرية
  • الصحة العالمية تحذر من تداعيات استخدام التكنولوجيا الرقمية على حياة الأفراد