لجريدة عمان:
2025-04-07@14:19:33 GMT

العلوم من أجل السلام والتنمية

تاريخ النشر: 9th, November 2024 GMT

يواجه العالم اليوم مجموعة من التحديات التقنية والاقتصادية والسياسية والبيئية، والتي تتغيَّر بشكل متسارع ومفاجئ فـي الكثير من الأحيان، ولهذا فإن الاهتمام بالإبداع والابتكار، والعلوم والتعليم القائم عليها، يعد من بين أهم المعطيات التي تؤسسها الدول، فالمعرفة العلمية والتقنية وتشجيع الابتكار من خلال تطوير السياسات والبيئات المناسبة لانتعاشها، لا ينعكس فقط على تقديم ابتكارات مساعدة للتغلب على تلك التحديات بل أيضا يجعل الدول أكثر قدرة على الصمود وإحداث تغييرات تنموية فـي المجتمع.

ولأن العلوم فـي تطوُّرها ونموها تقوم فـي الأصل على الأولويات الوطنية والإقليمية والدولية، كونها ترصد حاجات الإنسان ومتطلبات بقائه وأمنه وتطوره، فإن الأمر هنا لا يتعلَّق بأهمية العلوم فـي حياة المجتمعات وحسب، بل أيضا بكيفـية تسخير تلك العلوم والتكنولوجيا لتسريع تحقيق أهداف التنمية وأولويات المجتمع فـي كافة القطاعات، وكيفـية الاستفادة منها بما يخدم قدرة المجتمع على تخطي الكثير من التحديات.

يحتفل العالم اليوم باليوم العالمي للعلوم من أجل السلام والتنمية، الذي يصادف العاشر من نوفمبر من كل عام، والذي يهدف «حسب اليونسكو» إلى إبراز «الدور المهم الذي يؤديه العلم فـي المجتمع والحاجة إلى إشراك جمهور أوسع فـي المناقشات المتعلقة بالقضايا العلمية الجديدة»؛ إذ يركِّز على أهمية العلوم فـي حياة المجتمعات، وقدرتها على تعزيز الثقة فـي ما تنتجه العلوم من اختراعات وابتكارات تساعد فـي تحسين أنماط الحياة، ودعم رفاهية أفراد المجتمع.

إن الاحتفال بالعلوم باعتبارها أساسا يوجَّه إلى دعم أنماط السلام ومجالاته فـي العالم من ناحية، وإلى تنمية المجتمعات ونهضتها وتطوُّرها المستدام من ناحية أخرى، يمثِّل ركيزة مهمة من ركائز التنمية، فلا يمكن أن يتطوَّر المجتمع دونما إحداث نقلة نوعية فـي علومه الحديثة بشكل خاص، ولا يمكن أن تنعم الأمم بالسلام ما لم يتم توجيه الاختراعات والابتكارات من أجل التنمية لا من أجل الدمار والحروب والخراب، ولهذا فإن هناك جهودا علمية تسعى من أجل تأمين مستقبل مستدام للتنمية عن طريق دعم التوجهات الإيجابية للعلوم.

ولعل تلك الأهمية جعلت الدول تسعى على الدوام إلى توسعة آفاق التخصصات التي تفتحها أمام شبابها، بما فـي ذلك العلوم الأساسية والتطبيقية، والعلوم الاجتماعية والإنسانية؛ حيث تتَّجه إلى المساهمات التحويلية فـي التخصصات وإظهار المجالات الجديدة منها، والتي تتواكب مع المتغيرات العلمية والمعرفـية فـي العالم، وتتواءم مع متطلبات المجتمعات وتطلعاته المستقبلية، فالحرص على إيجاد مساحات واسعة للشباب لتعلُّم العلوم الجديدة يؤمِّن قدرة المجتمع على الصمود فـي وجه المتغيرات، وتخطي التحديات من خلال الابتكارات والبحث العلمي والمعرفـي.

يأتي الاحتفال باليوم العالمي للعلوم من أجل السلام والتنمية وعُمان تحتفل بمهرجان عمان للعلوم 2024 فـي نسخته الرابعة تحت شعار (مواردنا المستدامة)؛ الذي شاركت فـيها أكثر من (140) مؤسسة من داخل عُمان وخارجها، وتضم (520) فعالية علمية متنوعة حسب ما ورد فـي الصُحف المحلية، وهو مهرجان يكشف فـي تنوِّعه والإقبال المتزايد على زيارته والتعرُّف على ما يقدمه، والمشاركة فـي فعالياته، أهمية العلوم والابتكارات فـي حياة المجتمع العماني، والإيمان بالإمكانات التي تقدمها لازدهار الحياة.

إن الزائر لمهرجان عمان للعلوم يستطيع أن يرى بوضوح تلك الإمكانات الرائدة التي يتمتع بها الناشئة والشباب فـي كافة القطاعات، إضافة إلى إمكانات المؤسسات وتوجهها نحو تنمية العلوم والتقنيات والاستفادة منها فـي تحسين أنماط الأعمال، والمعارف، وتسهيل الكثير من الممارسات الخَدمية التي تقدمها لأفراد المجتمع، الأمر الذي يكشف الاهتمام المتزايد للدولة والتركيز على فتح آفاق التعليم والتدريب واتخاذ وسائل رائدة، وتهيئة البيئات المناسبة لتطوير تلك الآفاق.

فالإقبال المجتمعي والمؤسسي على مهرجان متخصِّص فـي العلوم، يكشف الإرادة الصادقة فـي التطوير والتغيير من أجل الأفضل؛ فهو مهرجان ليس للطلاب وحسب، بل أيضا لفئات المجتمع كلهم، من حيث قدرته على جذبهم جميعا ليكونوا شركاء فـي التفاعل والإنجاز، الأمر الذي يقدِّم فكر (مجتمع المعرفة) الذي تنشده الرؤية الوطنية «عمان 2040»، والذي يطمح دوما إلى المزيد من الإنجازات على المستوى العلمي والمعرفـي، فهو مجتمع يعمل من أجل التنمية والعطاء المتجدد.

ولعل فتح الفرص للأجيال الناشئة والشباب من أجل المشاركة الفاعلة فـي المهرجان، يدفعهم إلى مزيد من الاجتهاد فـي تقديم الابتكارات والمعارف العلمية المتنوعة، ويوسِّع مداركهم فـي التخصصات المختلفة، ويشوقهم إلى معرفة أحدث التطورات العالمية فـي مجالاتهم، بُغية مواكبة تلك التطورات والتغيرات المستقبلية، وتعزيز مهاراتهم لتنمية ابتكاراتهم ومعارفهم للمساهمة فـي تحقيق أهداف اقتصاد المعرفة، الذي تنشده الدولة ضمن متطلبات المرحلة التنموية الحديثة.

إن التنوُّع العلمي والمعرفـي الذي يستعرضه مهرجان عمان للعلوم 2024؛ سواء ذلك المتعلِّق بالتنوع البيئي والصحي، أو علوم الفضاء والسيبرانيات والطاقات الجديدة والذكاء الاصطناعي، أو الثروات الطبيعية والموارد البشرية والمالية، أو ابتكارات العلوم بشكل عام بمختلف تنوعاتها، يعكس الشغف المجتمعي بالعلوم والإيمان بقدرة تلك الابتكارات والتقنيات ونتائج البحوث على ولوج قطاعات الحياة الإنسانية كلها، وما تعكسه من أثر اقتصادي واجتماعي وبالتالي تنموي، قادر على تمكين الأفراد من إحداث تغييرات إيجابية فـي حياة مجتمعهم.

فتسخير الجهود والطاقات من أجل تنمية العلوم وتطويرها، وتهيئة البيئات المناسبة، سيُسهم فـي تمكين تلك الجهود، وتعظيم دورها فـي حياتنا اليومية، كما يحاول إيجاد حلول للتحديات الأكثر إلحاحا وأولوية، خاصة فـي ظل العديد من التطورات المتسارعة، والتحديات البيئية والاقتصادية بل وحتى الاجتماعية التي تشكِّل قلقا للمجتمعات ولاستدامة مستقبلها، ولهذا فإنه لا مناص من العلوم وتطويرها ودعم توجهات التنمية القائمة على التطورات العلمية والابتكارات؛ فهي التي تقدِّم نفسها باعتبارها جوهر التطوُّر وضمان الحياة المستدامة.

إن تمكين العلوم وتطوير مجالاتها فـي كافة القطاعات، وتوجيه الابتكارات العلمية والمعرفـية من أجل السلام والتنمية، سيعزِّزان التنمية الاجتماعية والاقتصادية لحياة المجتمعات فـي العالم، فالعلم طاقة وقوة تزدهر بها الأمم وتتقدَّم بها الابتكارات والتقنيات الداعمة لحماية الإنسانية والحفاظ على كرامتها ودعم تطلعاتها، وتحسين أنماط حياتها، ولهذا فإن تشجيع العلوم والنهوض بها وتعزيز التعاونات الإقليمية والدولية الداعمة لها، وإشراك أفراد المجتمع من المبدعين وأصحاب المواهب الخلاقة، سيوفِّر البيئة المناسبة للعلوم الهادفة نحو خدمة الإنسانية.

إننا نحتفل مع العالم باليوم العالمي للعلوم من أجل السلام والتنمية، ونذكِّر بأهمية تلك العلوم فـي خدمة المجتمعات، وقدرتها على التغيير الإيجابي ودعم التطلعات المستقبلية التي تسهم فـي بناء الوطن، ومهرجان عُمان للعلوم واحد من تلك الشواهد الكثيرة التي تكشف الاهتمام المتزايد للدولة والدعوة السامية فـي كافة المناسبات للاهتمام بالعلوم والتقنيات الحديثة وتطبيقاتها الذكية وأهمية الاستفادة منها فـي تطوير أنماط الحياة ودعم الاقتصاد الوطني.

عائشة الدرمكية باحثة متخصصة فـي مجال السيميائيات وعضوة مجلس الدولة

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: من أجل السلام والتنمیة حیاة المجتمع العلوم فـی فـی حیاة فـی کافة

إقرأ أيضاً:

رئيس جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا لـ «الاتحاد»: مناهج جديدة متطورة العام المقبل

دينا جوني (أبوظبي) 
تشهد جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا تحولاً أكاديمياً نوعياً يقوم على منظومة متكاملة في التعلّم التعاوني. ومن أهم سمات هذا التحوّل تغيير المناهج الأكاديمية وإدخال تعديلات جوهرية عليها، وإعادة تصميم آلية الاختبارات وتقييم الدارسين، بهدف تعزيز التعلم التعاوني وتزويد الطلبة بالمهارات التي تؤهلهم لقيادة مستقبل الابتكار وريادة الأعمال. 
وقال الدكتور إبراهيم سعيد الحجري، رئيس جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا، في حوار مع «الاتحاد»، إن هذه التحولات تأتي استجابة لمتطلبات العصر الحديث، حيث لم تعد الأساليب التقليدية في التعليم والتقييم كافية لإعداد طلبة قادرين على مواجهة تحديات المستقبل.

أخبار ذات صلة «الشؤون الإسلامية» تعزز التعاون مع «الإدارة الدينية لمسلمي روسيا» 7.6 مليون درهم مساعدات إنسانية لنزلاء المؤسسات الإصلاحية في دبي

أوضح الحجري، أن جامعة خليفة تؤمن بأن التعليم يجب أن يكون ديناميكياً، يواكب التغيرات السريعة في سوق العمل والتطورات التقنية المتلاحقة. لذلك، أعادت الجامعة صياغة المناهج الدراسية، مستبدلة الحشو الزائد بمقررات تركز على مهارات البحث العلمي وريادة الأعمال، مما يعزز قدرة الطلبة على التعلم المستمر واكتساب أدوات التفكير النقدي والابتكار. 
المناهج المطورة 
وأشار إلى أن الجامعة أطلقت مبادرة لإعادة هيكلة المناهج، حيث يبدأ الطلبة الجدد في دراسة المناهج المطورة اعتباراً من العام الأكاديمي المقبل. كما أكد أن الجامعة تسعى إلى تحويل الأبحاث العلمية إلى مشاريع ذات تأثير مجتمعي ملموس، بدلاً من الاكتفاء بالنشر الأكاديمي.
وأضاف، أن الجامعة لم تكتفِ بإعادة هيكلة المناهج، بل أحدثت أيضاً نقلة نوعية في آلية التقييم، حيث تم استبدال الاختبارات التقليدية الفردية بأساليب تقييم جماعية، تماشياً مع مفهوم التعلم التعاوني. 
وأوضح قائلاً: «نريد أن نُخرج جيلاً قادراً على العمل بروح الفريق، والتفكير الجماعي، واتخاذ القرارات في بيئات عمل تنافسية. لذلك، أصبح الطالب مطالباً بمراجعة المادة العلمية قبل المحاضرة، حيث تعتمد الفصول الدراسية في الجامعة على النقاش التفاعلي بين الطلبة، الذين يعملون ضمن مجموعات لاستخلاص المفاهيم الأساسية وتطبيقها عملياً». ولفت إلى أن الاختبار لم يعد مجرد وسيلة لقياس التحصيل الفردي، بل أصبح تجربة تعاونية تعزز الفهم العميق للمادة العلمية.
«المعلم الذكي»
وأشار الحجري إلى أن الجامعة تبنت أيضاً تقنيات متقدمة لدعم العملية التعليمية، ومن أبرزها مشروع «المعلم الذكي»، الذي يتيح للطلبة التعلم في أي وقت وأي مكان، من دون التقيد بالمحاضرات التقليدية. وقال: «يمنح هذا النظام الطلبة مرونة غير مسبوقة في إدارة تعليمهم، كما يتيح لنا كإدارة أكاديمية متابعة تطورهم بشكل دقيق وتقديم الدعم المطلوب في الوقت المناسب. فبدلاً من الاعتماد على اختبارات فصلية قليلة لقياس الأداء، أصبح لدينا أدوات تكنولوجية قادرة على تقييم الطالب بشكل يومي، مما يمكننا من التدخل الفوري لمعالجة أي فجوات أو صعوبات تعليمية».
وفيما يتعلق برؤية الجامعة لمستقبل خريجيها، أكد دكتور الحجري، أن الهدف الأساسي هو إعداد طلبة قادرين على خلق فرص العمل، وليس فقط البحث عنها. وقال: «في الإمارات، هناك أكثر من 70 جامعة، ولا نريد أن يكون خريجونا مجرد أرقام في سوق العمل، بل نريدهم أن يكونوا رواد أعمال قادرين على إطلاق مشاريعهم الخاصة. لذلك، أطلقنا مبادرة داخلية لإعادة هيكلة المناهج، بحيث يتعلم الطالب كيفية تحويل أفكاره إلى مشاريع قابلة للتنفيذ».
وأضاف: «حرصنا على أن تكون مشاريع التخرج أكثر ارتباطاً بالواقع العملي. فبدلاً من تقديم تقرير أكاديمي تقليدي، أصبح على الطلبة إعداد عرض احترافي لإقناع المستثمرين بجدوى مشاريعهم. ولضمان استمرارية هذه المشاريع بعد التخرج، أسست الجامعة شركة مملوكة لها بالكامل، توفر دعماً استثمارياً أولياً للخريجين، لمساعدتهم في تطوير أفكارهم وتحويلها إلى شركات ناشئة».
تفاعلية
اعتبر  الحجري أن جامعة خليفة لا تهدف فقط إلى تقديم تعليم أكاديمي متميز، بل تعمل على بناء بيئة تعليمية تفاعلية تتيح للطلبة التفكير والإبداع والابتكار. 
وأشار إلى أن هذه التغييرات التي أجريت ليست مجرد تعديلات أكاديمية، بل هي جزء من رؤية أوسع تهدف إلى إعداد كوادر وطنية قادرة على قيادة مسيرة التنمية والابتكار في دولة الإمارات والعالم.

مقالات مشابهة

  • الإصلاح والتنمية: زيارة ماكرون لمصر تعزز التعاون الإقليمي وتدعم إقرار السلام
  • اللهم نصرك الذي وعدت ورحمتك التي بها اتصفت
  • الشيخ الهجري: هناك أهمية للدور الرقابي الذي يقوم به المجتمع إلى جانب المؤسسات، في سبيل بناء وطن قوي ومتوازن
  • رئيس جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا لـ «الاتحاد»: مناهج جديدة متطورة العام المقبل
  • ورشة حول دور المجتمع في السلام والأمن المجتمعي بمحافظة العباسية بجنوب كردفان
  • لمة سودانية جامعة بحدائق دار العلوم بالسيدة زينب
  • “الاتحاد لحقوق الإنسان”: الإمارات جعلت السلام جزءا أصيلا من المجتمع
  • الإمارات جعلت السلام جزءاً أصيلاً من المجتمع
  • «الاتحاد لحقوق الإنسان»: الإمارات جعلت السلام جزءاً أصيلاً من المجتمع
  • برلماني يطالب المجتمع الدولي والعربي بالتدخل الفوري لردع الانتهاكات الإسرائيلية