لجريدة عمان:
2025-04-28@05:08:27 GMT

العلوم من أجل السلام والتنمية

تاريخ النشر: 9th, November 2024 GMT

يواجه العالم اليوم مجموعة من التحديات التقنية والاقتصادية والسياسية والبيئية، والتي تتغيَّر بشكل متسارع ومفاجئ فـي الكثير من الأحيان، ولهذا فإن الاهتمام بالإبداع والابتكار، والعلوم والتعليم القائم عليها، يعد من بين أهم المعطيات التي تؤسسها الدول، فالمعرفة العلمية والتقنية وتشجيع الابتكار من خلال تطوير السياسات والبيئات المناسبة لانتعاشها، لا ينعكس فقط على تقديم ابتكارات مساعدة للتغلب على تلك التحديات بل أيضا يجعل الدول أكثر قدرة على الصمود وإحداث تغييرات تنموية فـي المجتمع.

ولأن العلوم فـي تطوُّرها ونموها تقوم فـي الأصل على الأولويات الوطنية والإقليمية والدولية، كونها ترصد حاجات الإنسان ومتطلبات بقائه وأمنه وتطوره، فإن الأمر هنا لا يتعلَّق بأهمية العلوم فـي حياة المجتمعات وحسب، بل أيضا بكيفـية تسخير تلك العلوم والتكنولوجيا لتسريع تحقيق أهداف التنمية وأولويات المجتمع فـي كافة القطاعات، وكيفـية الاستفادة منها بما يخدم قدرة المجتمع على تخطي الكثير من التحديات.

يحتفل العالم اليوم باليوم العالمي للعلوم من أجل السلام والتنمية، الذي يصادف العاشر من نوفمبر من كل عام، والذي يهدف «حسب اليونسكو» إلى إبراز «الدور المهم الذي يؤديه العلم فـي المجتمع والحاجة إلى إشراك جمهور أوسع فـي المناقشات المتعلقة بالقضايا العلمية الجديدة»؛ إذ يركِّز على أهمية العلوم فـي حياة المجتمعات، وقدرتها على تعزيز الثقة فـي ما تنتجه العلوم من اختراعات وابتكارات تساعد فـي تحسين أنماط الحياة، ودعم رفاهية أفراد المجتمع.

إن الاحتفال بالعلوم باعتبارها أساسا يوجَّه إلى دعم أنماط السلام ومجالاته فـي العالم من ناحية، وإلى تنمية المجتمعات ونهضتها وتطوُّرها المستدام من ناحية أخرى، يمثِّل ركيزة مهمة من ركائز التنمية، فلا يمكن أن يتطوَّر المجتمع دونما إحداث نقلة نوعية فـي علومه الحديثة بشكل خاص، ولا يمكن أن تنعم الأمم بالسلام ما لم يتم توجيه الاختراعات والابتكارات من أجل التنمية لا من أجل الدمار والحروب والخراب، ولهذا فإن هناك جهودا علمية تسعى من أجل تأمين مستقبل مستدام للتنمية عن طريق دعم التوجهات الإيجابية للعلوم.

ولعل تلك الأهمية جعلت الدول تسعى على الدوام إلى توسعة آفاق التخصصات التي تفتحها أمام شبابها، بما فـي ذلك العلوم الأساسية والتطبيقية، والعلوم الاجتماعية والإنسانية؛ حيث تتَّجه إلى المساهمات التحويلية فـي التخصصات وإظهار المجالات الجديدة منها، والتي تتواكب مع المتغيرات العلمية والمعرفـية فـي العالم، وتتواءم مع متطلبات المجتمعات وتطلعاته المستقبلية، فالحرص على إيجاد مساحات واسعة للشباب لتعلُّم العلوم الجديدة يؤمِّن قدرة المجتمع على الصمود فـي وجه المتغيرات، وتخطي التحديات من خلال الابتكارات والبحث العلمي والمعرفـي.

يأتي الاحتفال باليوم العالمي للعلوم من أجل السلام والتنمية وعُمان تحتفل بمهرجان عمان للعلوم 2024 فـي نسخته الرابعة تحت شعار (مواردنا المستدامة)؛ الذي شاركت فـيها أكثر من (140) مؤسسة من داخل عُمان وخارجها، وتضم (520) فعالية علمية متنوعة حسب ما ورد فـي الصُحف المحلية، وهو مهرجان يكشف فـي تنوِّعه والإقبال المتزايد على زيارته والتعرُّف على ما يقدمه، والمشاركة فـي فعالياته، أهمية العلوم والابتكارات فـي حياة المجتمع العماني، والإيمان بالإمكانات التي تقدمها لازدهار الحياة.

إن الزائر لمهرجان عمان للعلوم يستطيع أن يرى بوضوح تلك الإمكانات الرائدة التي يتمتع بها الناشئة والشباب فـي كافة القطاعات، إضافة إلى إمكانات المؤسسات وتوجهها نحو تنمية العلوم والتقنيات والاستفادة منها فـي تحسين أنماط الأعمال، والمعارف، وتسهيل الكثير من الممارسات الخَدمية التي تقدمها لأفراد المجتمع، الأمر الذي يكشف الاهتمام المتزايد للدولة والتركيز على فتح آفاق التعليم والتدريب واتخاذ وسائل رائدة، وتهيئة البيئات المناسبة لتطوير تلك الآفاق.

فالإقبال المجتمعي والمؤسسي على مهرجان متخصِّص فـي العلوم، يكشف الإرادة الصادقة فـي التطوير والتغيير من أجل الأفضل؛ فهو مهرجان ليس للطلاب وحسب، بل أيضا لفئات المجتمع كلهم، من حيث قدرته على جذبهم جميعا ليكونوا شركاء فـي التفاعل والإنجاز، الأمر الذي يقدِّم فكر (مجتمع المعرفة) الذي تنشده الرؤية الوطنية «عمان 2040»، والذي يطمح دوما إلى المزيد من الإنجازات على المستوى العلمي والمعرفـي، فهو مجتمع يعمل من أجل التنمية والعطاء المتجدد.

ولعل فتح الفرص للأجيال الناشئة والشباب من أجل المشاركة الفاعلة فـي المهرجان، يدفعهم إلى مزيد من الاجتهاد فـي تقديم الابتكارات والمعارف العلمية المتنوعة، ويوسِّع مداركهم فـي التخصصات المختلفة، ويشوقهم إلى معرفة أحدث التطورات العالمية فـي مجالاتهم، بُغية مواكبة تلك التطورات والتغيرات المستقبلية، وتعزيز مهاراتهم لتنمية ابتكاراتهم ومعارفهم للمساهمة فـي تحقيق أهداف اقتصاد المعرفة، الذي تنشده الدولة ضمن متطلبات المرحلة التنموية الحديثة.

إن التنوُّع العلمي والمعرفـي الذي يستعرضه مهرجان عمان للعلوم 2024؛ سواء ذلك المتعلِّق بالتنوع البيئي والصحي، أو علوم الفضاء والسيبرانيات والطاقات الجديدة والذكاء الاصطناعي، أو الثروات الطبيعية والموارد البشرية والمالية، أو ابتكارات العلوم بشكل عام بمختلف تنوعاتها، يعكس الشغف المجتمعي بالعلوم والإيمان بقدرة تلك الابتكارات والتقنيات ونتائج البحوث على ولوج قطاعات الحياة الإنسانية كلها، وما تعكسه من أثر اقتصادي واجتماعي وبالتالي تنموي، قادر على تمكين الأفراد من إحداث تغييرات إيجابية فـي حياة مجتمعهم.

فتسخير الجهود والطاقات من أجل تنمية العلوم وتطويرها، وتهيئة البيئات المناسبة، سيُسهم فـي تمكين تلك الجهود، وتعظيم دورها فـي حياتنا اليومية، كما يحاول إيجاد حلول للتحديات الأكثر إلحاحا وأولوية، خاصة فـي ظل العديد من التطورات المتسارعة، والتحديات البيئية والاقتصادية بل وحتى الاجتماعية التي تشكِّل قلقا للمجتمعات ولاستدامة مستقبلها، ولهذا فإنه لا مناص من العلوم وتطويرها ودعم توجهات التنمية القائمة على التطورات العلمية والابتكارات؛ فهي التي تقدِّم نفسها باعتبارها جوهر التطوُّر وضمان الحياة المستدامة.

إن تمكين العلوم وتطوير مجالاتها فـي كافة القطاعات، وتوجيه الابتكارات العلمية والمعرفـية من أجل السلام والتنمية، سيعزِّزان التنمية الاجتماعية والاقتصادية لحياة المجتمعات فـي العالم، فالعلم طاقة وقوة تزدهر بها الأمم وتتقدَّم بها الابتكارات والتقنيات الداعمة لحماية الإنسانية والحفاظ على كرامتها ودعم تطلعاتها، وتحسين أنماط حياتها، ولهذا فإن تشجيع العلوم والنهوض بها وتعزيز التعاونات الإقليمية والدولية الداعمة لها، وإشراك أفراد المجتمع من المبدعين وأصحاب المواهب الخلاقة، سيوفِّر البيئة المناسبة للعلوم الهادفة نحو خدمة الإنسانية.

إننا نحتفل مع العالم باليوم العالمي للعلوم من أجل السلام والتنمية، ونذكِّر بأهمية تلك العلوم فـي خدمة المجتمعات، وقدرتها على التغيير الإيجابي ودعم التطلعات المستقبلية التي تسهم فـي بناء الوطن، ومهرجان عُمان للعلوم واحد من تلك الشواهد الكثيرة التي تكشف الاهتمام المتزايد للدولة والدعوة السامية فـي كافة المناسبات للاهتمام بالعلوم والتقنيات الحديثة وتطبيقاتها الذكية وأهمية الاستفادة منها فـي تطوير أنماط الحياة ودعم الاقتصاد الوطني.

عائشة الدرمكية باحثة متخصصة فـي مجال السيميائيات وعضوة مجلس الدولة

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: من أجل السلام والتنمیة حیاة المجتمع العلوم فـی فـی حیاة فـی کافة

إقرأ أيضاً:

الصاوي: فكرة المعيد انتقلت من الأزهر إلى جامعات الدنيا

قال الدكتور رمضان عبدالله الصاوي، نائب رئيس جامعة الأزهر للوجه البحري، إن الأزهر الشريف منذ نشأته كان جامعًا وجامعةً، مع أن البداية فيه كانت لتدريس المذهب الشيعي، إلا أنه سبحانه إذا أراد أمرًا فإنما يقول له كن فيكون، فقد أراد الله للأزهر منذ نشأته أن يكون منارة الدنيا في شتى العلوم.

رئيس جامعة الأزهر يستقبل فريق هيئة ضمان الجودة والاعتماد لمراجعة برنامجين بكلية اللغات.. صورالأزهر يُدين «قتـ.ل» مصلٍّ مسلم بخمسين طعنة في هجوم إرهابي على مسجد بفرنسا

وأضاف الصاوي، في كلمته خلال انعقاد المؤتمر الدولي الثاني لكلية أصول الدين بالمنصورة، أن الأزهر حفظ تراث الأمة بتدريس المذاهب الأربعة، مع أن البداية في الأزهر كانت بتدريس الفقه الشيعي، إلا أنه مع بداية العصر الأيوبي كان لكل مذهب شيخ له الإشراف الكامل على الطلاب التابعين لمذهبه، كما دَرس بالأزهر المؤرخ العراقي عبد اللطيف البغدادي ، والشاعر الصوفي عمر بن الفارض بحلقاته الروحية، والمؤرخ شمس الدين بن خلكان، وممن درس بالأزهر الطب الطبيب والفيلسوف اليهودي موسى بن ميمون.

وأشار إلى أن الأزهر كان قبلة علماء الأرض بعد سقوط الخلافة العباسية، فبعد اجتياح المغول للشرق الإسلامي أدى ذلك لهجرة كثير من العلماء لمصر، فاستقبلهم الأزهر الشريف الذي أصبح مجمعًا علميًا يضم أبرز العلماء من كل مكان.

وتابع: ومما ساعد الأزهر على ازدهار الحياة العلمية به، الاستقرار السياسي والأمن والأمان وارتفاع مكانة مصر السياسية والعالمية بعد إحياء الخلافة العباسية في القاهرة، وقد عبر ابن خلدون عن ذلك فقال : " إن العلم والتعليم إنما هو بالقاهرة من بلاد مصر؛ لأن عمرانها مستبحر وحضارتها مستحكمة منذ آلاف السنين، فاستحكمت بها الصنائع وتفننت، ومن جملتها تعليم العلم وأن معاهدها العلمية تدفقت بها سوق العلوم وذخرت بحارها.

كما سلط الصاوي، الضوء على العلماء الذين درسوا بالأزهر من المصريين والوافدين عليها،  ومنهم: سلطان العلماء العز بن عبد السلام ، وشهاب الدين القرافي المالكي، وهو أحد من وقف فن الجمع بين العلوم الطبيعية والشرعية، فقد كان له في صناعة الآلات الدقيقة عجائب، وابن دقيق العيد الذي يراه كثير من العلماء مجدد عصره، ومنهم قاضي القضاة تقي الدين السبكي، وتاج الدين السبكي صاحب طبقات الشافعية، والشيخ خليل المالكي صاحب المختصر، وابن خلدون، والقلقشندي، وتقي الدين الفاسي، وشمس الدين الأصبهاني، وشرف الدين الزواوي المالكي الليبي، والإمام الزيلعي من زيلع قرب الحبشة، ومحمد بن يوسف بن حيان الغرناطي، وابن هشام النحوي، وابن عقيل، وبدر العيني - وإليه ينسب القصر العيني طب القاهرة الآن، والمقريزي، وجلال الدين السيوطي، وشيخ الإسلام زكريا الأنصاري، والشيخ محمد الخرشي، والشيخ علي الصعيدي، والشيخ أحمد الدردير المالكي، والجبرتي، ومرتضى الزبيدي.

كما أكد على أن الأزهر صاحب فكرة المعيد، ومنه انتقلت إلى جامعات الدنيا، فقد كان كل شيخ في الأزهر له طريقته الإبداعية في إيصال المعلومة إلى طلابه، ويتنوع أسلوب كل واحد منهم في الوصول إلى تقريب علمه لتلاميذه، ومن وسائل التقريب كان الشيخ يختار أفضل طلابه ليعيد الدرس على الطلاب بعد انتهاء الشيخ منه، وهو المعيد، وقد انتقل هذا التقليد من الأزهر إلى جامعات الدنيا.

طباعة شارك جامعة الأزهر كلية أصول الدين بالمنصورة كلية أصول الدين الأزهر الأزهر الشريف

مقالات مشابهة

  • الصاوي: فكرة المعيد انتقلت من الأزهر إلى جامعات الدنيا
  • افتتاح نادي محضة للعلوم والابتكار
  • عمان الأهلية توقّع مذكرتي تفاهم مع جامعتي “الدولية للعلوم والتكنولوجيا” الكويتية و”الجنان” اللبنانية
  • تعاون بين جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية و«المحظرة» الموريتانية
  • تراكم أخطاء إتفاقيات السلام … وثمارها المرة الحرب الحالية .. 2023 – 2025م .. وفي الحروب التي ستأتي !
  • انطلاق اجتماعات المجلس التنفيذي للأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري في دورته الـ49 بالعلمين الجديدة
  • انعقاد المؤتمر الدولي التاسع للعلوم الاجتماعية في مكتبة الإسكندرية
  • جامعة جازان تُدشن المجلة السعودية للعلوم التطبيقية والتقنية
  • السيسي: السلام العادل الخيار الذي ينبغي أن يسعى إليه الجميع
  • الطريق إلى السلام في اليمن.. العدالة الانتقالية ضرورة وليست خياراً