ما الذي يجب معرفته عن كرة القدم الإسرائيلية بعد أحداث أمستردام؟
تاريخ النشر: 9th, November 2024 GMT
جاءت أحداث العاصمة الهولندية أمستردام وجماهير فريق مكابي تل أبيب التي بدأت الاستفزازات بإطلاقها هتافات عنصرية ضد العرب والفلسطينيين تحديدا قبل مواجهة فريق أياكس ضمن بطولة الدوري الأوروبي، لتعيد التذكير بالسبب الرئيسي الداعي لحظر الاتحاد الإسرائيلي وطرده من الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا".
وأقدم مشجعي مكابي تل أبيب على إنزال علم فلسطيني من مبنى، والاعتداء على سيارة أجرة، وإحراق علم فلسطيني في إحدى الساحات، ما أشعل أحداث شغب واشتباكات بين مشجعي الفريق، وعدد من مؤيدي القضية الفلسطينية.
ولم تقتصر صور الانحياز الغربي إلى الاحتلال الإسرائيلي بعد أحداث أمستردام على تصريحات السياسيين الغربيين، بل تجندت تغطيات العديد من وسائل الإعلام الكبرى في الغرب للأحداث، لتنحاز بشكل واضح إلى الرواية الإسرائيلية في ظل غياب شبه تام لرواية الجانب الآخر.
ويأتي هذا رغم تأكيد قائد شرطة أمستردام في هولندا، بيتر هولا، إن مشجعي فريق مكابي هم من بدؤوا الاستفزازات، هو ما ظهر في تغطية قناة "سكاي نيوز" العالمية لتشرح مراسلتها الحقيقة حول مشجعي كرة القدم الإسرائيليين الذين قاموا بأعمال شغب عنصرية في المدينة هذا الأسبوع.
"فيديو لن تشاهده على معظم وسائل الاعلام الغربيه بعد أن ضلوا بالأمس ساعات يتحدثون عن ما حدث اللاسرائيليين "
.
" رئيس شرطة امستردام Peter Holla يؤكد المشاهد المتداوله عن أن الاسرائيليين هم من افتعلوا أحداث الشغب
من خلال قيامهم بإزعاج السكان المحليين والاخلال بالنظام العام
ونزع… pic.twitter.com/B6hgHTlRdb — Dr.mehmet canbekli (@Mehmetcanbekli1) November 9, 2024
وبعد ذلك بساعات قامت القناة بحذف المقطع من منصاتها المختلفة، إلا أن العديد من الحسابات على أعادت نشره، معلقة أن هذه التصريحات "لا تهم كبرى وسائل الإعلام العالمية".
Breaking: @SkyNews just deleted this video by their Amsterdam correspondent @AlicePorterTV posted to Twitter, without public explanation. I saved a copy.
The video explains the truth about the Israeli football hooligans who went on a racist rampage in the city this week. Watch: pic.twitter.com/saVATm74FO — Asa Winstanley (@AsaWinstanley) November 9, 2024
تواطؤ "الفيفا"
منذ بدء حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة، أجّل "الفيفا" اتخاذ قرار بشأن الدعوة الفلسطينية لحظر الاتحاد الإسرائيلي من المشاركة في كرة القدم الدولية، في ظل حرب الإبادة المستمرة على قطاع غزة، قائلا؛ إنه لجنته التأديبية "ستراجع هذه الادعاءات".
وخلال الحرب التي خلفت أكثر من 146 ألف شهيد وجريح فلسطيني، معظمهم أطفال ونساء، أجل "الفيفا" التصويت على قرار حظر الاتحاد الإسرائيلي من المشاركة في كرة القدم الدولية ثلاث مرات.
وعندما تعلق الموضوع بجهة غير "إسرائيل" ومعادية للولايات المتحدة جرى اتخاذ عقوبات من قبل "الفيفا" والاتحاد الأوروبي لكرة القدم "يويفا" ضد روسيا بعد أربعة أيام فقط من الغزو لأوكرانيا في 24 شباط/ فبراير 2022.
وتضمنت العقوبات استبعاد "الفيفا" لروسيا من كأس العالم، مع إعلان إيقاف كل المنتخبات الروسية الوطنية وأنديتها "حتى إشعار آخر"، وذلك في بيان مشترك مع "الويفا".
ودعم "الفيفا" واتحاداته مظاهر التضامن العالمي مع أوكرانيا في ملاعب كرة القدم، التي شهدت رفع الأعلام الأوكرانية، ونشر مناشدات وقف الحرب على الشاشات ودخول اللاعبين للملاعب بالعلم الأوكراني، وإهداء الأهداف واحتفالات الفوز لـ "أوكرانيا".
وجاء ذلك مع التضييق على التضامن مع القضية الفلسطينية، أو رفع أعلام أو عبارات تضامنية، باعتبار أنها سياسية وخارج نطاق الرياضة.
وخالف إنفانتينو ذريعة: "خلط السياسة بكرة القدم" حينما بادر لترويج التطبيع العربي مع "إسرائيل"، ودعوته لتنظيم نسخة مشتركة من كأس العالم بين الإمارات و"إسرائيل".
Welcome to Israel, President of FIFA, Gianni Infantino!⚽️
It was a pleasure meeting you and hearing your idea about Israel hosting the @FIFAWorldCup in 2030, together with our Arab neighbors.
That’s a goal we can all work towards! ???? pic.twitter.com/CXi9TIgcFn — Prime Minister of Israel (@IsraeliPM) October 12, 2021
“الغسيل الرياضي"
قالت حركة مقاطعة "إسرائيل" وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها "BDS" إن "إسرائيل" تسمح لفرق كرة القدم وكرة السلة المتمركزة في المستوطنات غير القانونية المبنية على أراض فلسطينية مسروقة باللعب في دورياتها الرسمية.
وأضافت في بيان سابق لها إن الاتحاد الدولي لكرة القدم والاتحاد الدولي لكرة السلة واللجنة الأولمبية الدولية فشلوا في اتخاذ أي إجراء ضد "إسرائيل" بسبب إدراجها لهذه الفرق غير القانونية في دورياتها الرسمية وهجماتها على الرياضة الفلسطينية.
وأكدت أنه "من خلال الفشل في التصرف، تسمح هذه الهيئات الرياضية لإسرائيل بتبييض صورتها وممارسة الغسيل الرياضي تجاه التهجير القسري للفلسطينيين ونظام الفصل العنصري وهجماتها العسكرية الإبادة الجماعية على الفلسطينيين".
والغسيل الرياضي هو مصطلح يطلق على ممارسة يستخدمها فرد أو جماعة أو شركة أو دولة قومية للرياضة لتحسين سمعتهم السيئة، من خلال استضافة حدث رياضي أو شراء أو رعاية فرق رياضية أو من خلال المشاركة في الرياضة نفسها.
بيتار القدس
خلال أحداث أمستردام جرى تداول اسم فريق مكابي تل أبيب بشكل كبير، وأقدمت جماهيره على ترديد عبارات مسيئة كان أبرزها: "دع جيش الدفاع الإسرائيلي يفوز من أجل … العرب"، إلا أن هذا لا يعد سواء القليل مما تتفاخر به الجماهير الإسرائيلية داخل الأراضي المحتلة.
"لا فاميليا"، وهي رابطة مشجعي نادي بيتار القدس، أكثر نادي عنصريّ على مستوى العالم، تتكون من عناصر متطرّفة دائما ما تردد في مباريات كرة القدم هتافات مثل "الموت للعرب"، و"محمد مات"، و"لتحترق القرية".
ويشترك أعضاء النادي في العديد من عمليات اقتحام المسجد الأقصى، وكذلك في اعتداءات على الفلسطينيين ومنازلهم ومساجدهم في مدينة اللد بمساعدة من منظمة "شومريم علهبايت" الاستيطانيّة المتطرفة.
كما أن هذا التنظيم هو نفسه الذي ردد في مسيرات داخل مدن الساحل الفلسطينيّ المحتلّة صرخات "الموت للعرب"، وعمل على حرق وتدمير واجهات المحلات العربيّة في "بات يام" المتاخمة لمدينة يافا.
وانضمّ لأعضاء ألتراس "لا فميليا" مجموعات من مؤيدي "كاهانا" الاستيطانية الإرهابيّة من أجل الانتقام والاعتداء على العرب في يافا، وهم يسيرون في جماعات.
ومن أبرز داعمي فريق بيتار إسرائيلي اسمه موشيه نيسيم، ولقبه "دوبي"، وأحد جنود الاحتياط في وحدة الجرافات الذين تم تجنيدهم خلال اجتياح جنين عام 2002، نشرت "يديعوت أحرونوت" مقابلة معه تحت عنوان "انتقام الجرافة".
למי שרוצה ללמוד איך מכניעים מחנה טרור - ומה צריך לעשות במחנות הפליטים ג׳בליה ושבורה - ככה צה״ל הכריע את מחנה הפליטים בג׳נין בזמן מבצע חומת מגן. 22 שנה וכבר שכחנו איך לטפל במחנות פליטים
דובי כורדי, מחריב קן הטרור ובירת המתאבדים מחנה הפליטים ג׳נין - האיש שהרג את מחמוד טואלבה… pic.twitter.com/59pLlAtxxw — אור פיאלקוב (@orfialkov) May 25, 2024
وقال "دوبي" في ذلك الوقت: "وضعت راية بيتار القدس على الجرافة العملاقة وقلت لعائلتي عندما تشاهدونها في التلفاز ستعرفوني، ولو كنت صاحب القرار، لرفعت الراية على المسجد بالمخيم.. هل تعلم كيف صمدت لمدة 75 ساعة لم أترجل بها عن الجرافة؟ كنت أشرب الويسكي طوال الوقت حتى لا أشعر بالتعب".
حراك دولي مستمر
في آب/ أغسطس 2018، تم الإعلان أنّ شركة "أديداس - Adidas" لم تعد الراعي التجاري لاتحاد كرة القدم الإسرائيلي، وذلك بعد أن دعا أكثر من 130 نادي كرة قدم فلسطيني الشركة لإنهاء رعايتها للاتحاد الضالع في اضطهاد الشعب الفلسطيني.
Alert: 30th Mar 2018 - Protest Adidas support of Israeli war crimes - Demand Adidas ends apartheid sponsorship #AdidasPlayFair #BDS #Palestine https://t.co/MnLtO2f5qZ pic.twitter.com/1ejq2ZZNbq — Inminds Human Rights Group (@InmindsCom) March 30, 2018
وجاءت خطوة "أديداس" بعد حملة عالمية صاخبة، دعا من خلالها نشطاء المقاطعة ومدافعون عن حقوق الإنسان الشركة لإنهاء رعايتها للمباريات المقامة على أراضٍ فلسطينية منهوبة، وخلالها تسلمت عريضة دولية تحمل 16 ألف توقيع.
وحينها صرّحت الشركة بشكل صريح أنها أثارت موضوع أندية المستوطنات الإسرائيلية مع "الفيفا"، مشيرة إلى الحاجة لأن يقوم الجسم الحاكم في عالم الكرة "بالفصل في مسألة فرق المستوطنات الإسرائيلية من خلال اتباع مبادئ القانون الدولي وسياسة حقوق الإنسان لديهم".
ويذكر أن الاتحاد الإسرائيلي يضمّ ستة أندية كرة قدم موجودة في مستوطنات إسرائيلية غير شرعية تنهب أراضي الفلسطينيين ومواردهم في الضفة الغربية المحتلة.
وفي نفس الوقت بدأت حملة أخرى تمثّلت في البداية بالضغط على "بوما" لإنهاء التعاقد مع "إسرائيل"، ثم تطورت لتشمل المقاطعة الاقتصادية للشركة والعمل ضدها، باعتبار أن رعاية "بوما" للاتحاد الإسرائيلية تعود إلى تسعينيات القرن الماضي.
وامتدت الحملة على مدار سنوات وحصلت على دعم عربي عالمي، وذلك حتى إعلان الشركة الألمانية في كانون الأول/ ديسمبر 2023 عدم تجديد عقدها مع اتحاد كرة القدم الإسرائيلي حين ينتهي في منتصف 2024، إلا أن تطبيق ذلك لم يحدث بعد.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية أمستردام الإسرائيلي الفيفا الاتحاد الإسرائيلي إسرائيل الفيفا أمستردام الاتحاد الإسرائيلي المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة کرة القدم الإسرائیلی الاتحاد الإسرائیلی pic twitter com من خلال
إقرأ أيضاً:
تعرّف على الرئيس الذي ساهم بقطع علاقات 20 دولة أفريقية مع إسرائيل
شكلت مواقف موريتانيا في تاريخها الحديث تجاه القضية الفلسطينية محورا أساسيا في سياستها الخارجية، وخاصة خلال فترة حكم الرئيس المختار ولد داداه، أول رئيس للبلاد والذي قادها منذ استقلالها سنة 1960 وحتى الإطاحة به في انقلاب عسكري عام 1978.
كانت مواقف داداه محورية في توجيه علاقات البلاد الدولية، مسلطا الضوء على دعمه الثابت للشعب الفلسطيني ونضاله من أجل التحرر.
وقبل أن نستعرض ما قام بها أول رئيس لموريتانيا من جهود كبيرة للوقوف في وجه التغلغل الإسرائيلي في أفريقيا، سنمر على مواقف الرجل عموما من القضية الفلسطينية وكيف كانت محددا رئيسا لبوصلة علاقات موريتانيا الخارجية في عهده، وكيف ساهم داداه في تقديم القضية للعالم، إضافة إلى ذكر نماذج من الدعم الذي قدمته موريتانيا للفلسطينيين خلال فترة حكمه.
حضور القضيةيقول أستاذ التاريخ المعاصر في جامعة نواكشوط الدكتور محمد المختار سيدي محمد الهادي في حديثه للجزيرة نت إن القضية الفلسطينية كانت حاضرة بقوة في تفكير النخبة الموريتانية حتى قبل حصول البلاد على استقلالها سنة 1960، فقد عارض ممثل مستعمرة موريتانيا أحمد ولد ببانه قرار التقسيم وصوت ضده في البرلمان الفرنسي صيف عام 1948.
إعلانغير أن مواقف الرئيس المؤسس المختار ولد داداه الداعمة للقضية الفلسطينية كانت أكثر تأثيرا وأبلغ تعبيرا، فموريتانيا حينها كانت دولة ناشئة تتقاذفها أمواج الاستقطاب الإقليمي وإكراهات الاعتراف الدولي، مما يضفي بعدا قيميا ودلالة خاصة على مواقفها من قضايا الاستقلال والتحرر، ولا سيما القضية الفلسطينية.
ولعل هذا، بحسب محمد المختار، ما حدا برئيسة وزراء إسرائيل غولدا مائير للعب على هذا الوتر الحساس، حيث سعت عبر عدد من الوسطاء إلى التواصل مع الرئيس الموريتاني، لكن ولد داده رفض ذلك.
غولدا مائير تقف بجانب الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون (غيتي)ويشير وزير الإعلام الموريتاني السابق محمد محمود ولد ودادي في حديث للجزيرة نت إلى أنه في الخمسينيات ومع بداية انتشار الوعي السياسي في موريتانيا، كان هناك تطلع إلى معرفة أوضاع العالم العربي وبدأ الناس يتداولون ما يصلهم من أخبار عن شعب فلسطين وتشريده.
ومباشرة بعد الاستقلال أعلن الرئيس المختار ولد داداه أن موريتانيا تقف إلى جانب الشعب الفلسطيني، منددا بتقسيم فلسطين ورافضا أي اعتراف بإسرائيل.
وهكذا يرى الوزير ودادي أن القضية الفلسطينية هي قضية موريتانيا الوحيدة التي يدافع عنها كل الموريتانيين من دون استثناء، ولم يكن غيرُها مطروحا إلا حماية استقلال موريتانيا نفسها.
ويقول الرئيس الراحل المختار ولد داداه في مذكراته التي صدرت عام 2006 تحت عنوان "موريتانيا على درب التحديات": "خلال حرب 1967 قطعنا علاقاتنا مع أميركا وطردنا الأميركيين من بلادنا بمن فيهم أعضاء هيئة السلام التي كانت تقدم مساعدات فنية لبلادنا، وذلك احتجاجا على دعم الولايات المتحدة بكل الوسائل للعدوان الإسرائيلي على الشعوب العربية الشقيقة، وكنا حينها لم ننضم للجامعة العربية".
ويضيف الرئيس "لقد دامت قطيعتنا مع أميركا عامين ونصف العام وانتهت في ديسمبر/كانون الأول 1969 إثر وساطة دول صديقة وبعد تشاور مع الجزائر ومصر.. ليستقبلني بعدها بود الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون في العام 1971 وكنت حينها رئيسا لمنظمة الوحدة الأفريقية".
إعلانوفي ذات السياق، يقول ولد داداه: "في خضم حرب 1973 أرسل إلي نيكسون رسالة يلتمس فيها مساندتي لجهوده في حل الصراع في الشرق الأوسط، وجاء في الرسالة:" "إنني لا أزال أتذكر لقاءنا في سبتمبر (أيلول) 1971 وما جرى بيننا من تبادل صريح للآراء، وكل ثقة بأنكم ستساندون جهودي الرامية إلى إيجاد تسوية نهائية للنزاع تصون حقوق كل شعوب الشرق الأوسط".
ولد داداه: رفضت عرض السادات بإرسال جيش مصري لمساعدة موريتانيا إذ إن على مصر أن تكرس كل قدراتها للحرب مع إسرائيل (الصحافة المصرية)وعلى ذكر حرب 73، يورد ولد داداه أن الرئيس المصري أنور السادات كان على اتصال مستمر معه بخصوص ملف الشرق الأوسط كما كان سلفه عبد الناصر، وكانا يهنئانه دائما على الدور الذي يقوم به على المستوى الأفريقي لصالح القضية الفلسطينية.
ويشير إلى أن السادات كشف له في سرية تامة في مايو/أيار 1973 عن نيته مهاجمة إسرائيل أي قبل شهور من الهجوم، وأكد له ذلك مرة أخرى خلال لقائهما في مؤتمر دول عدم الانحياز المنعقد بالجزائر في سبتمبر/أيلول الموالي.
"وبالطبع لم أبح بهذا السر قبل الآن"، يقول ولد داداه إن السادات أرسل إليه بعد ذلك مساعده الجنرال حسني مبارك وعرض عليه إرسال قوات من الجيش المصري لمساعدة موريتانيا في حربها ضد جبهة البوليساريو، لكن الرئيس الموريتاني رفض، واعتبر أن على مصر أن تكرس كل قدراتها العسكرية للحرب مع إسرائيل.
ولد داداه كان من القادة الفاعلين في منظمة دول عدم الانحياز (الفرنسية) إسماع صوت فلسطينيوضح الباحث المختص في الشؤون الأفريقية إسماعيل الشيخ سيديا للجزيرة نت أن ما مكن المختار داداه من الدفاع عن القضية الفلسطينية أنه كان محاميا بارعا وأفريقيا تحرريا؛ وله صداقة قوية وعلاقات شخصية مع الزعماء الأفارقة الأوائل.
كما استطاع التحاور مع العواصم الغربية والشرقية الكبرى، وتمكن خلال رئاسته لمنظمة الوحدة الأفريقية (المنظمة الأم للاتحاد الأفريقي الحالي) من جمع مجلس الأمن الدولي لأول مرة في مقر المنظمة بأديس أبابا.
إعلانوكان الرئيس المختار ولد داداه من القادة الفاعلين في منظمة دول عدم الانحياز، وفي هذا الصدد يورد في مذكراته أنه "بفضل الجمهورية الإسلامية الموريتانية أسمعت المقاومة الفلسطينية صوتها لأول مرة في قمة لدول عدم الانحياز عام 1970 في لوزاكا حيث انتخبت نائبا للرئيس وأتاحت لي رئاستي للجلسة الختامية أن أعطي الكلمة لممثل فلسطين رغم المعارضة الشديدة من عدد من أعضاء المنظمة".
يذكر الوزير ودادي أنه في عام 1969 وصل موريتانيا أول مبعوث رسمي لمنظمة التحرير الفلسطينية هو سعيد العباسي (أبو فهد) ففتح مكتبا للمنظمة في نواكشوط، بعد أن أمّنت له الحكومة مكتبا ومنزلا وسيارة، ومبلغا ماليا سنويا، ثم أصبح المكتب سفارة دولة فلسطين في نواكشوط.
وانطلق من إذاعة موريتانيا صوت الثورة الفلسطينية بالعربية والفرنسية، ليُسمع في أجزاء واسعة من القارة، حيث شكل هذا المكتب -حسب ودادي- مركز انطلاق النشاط الفلسطيني إلى أفريقيا جنوب الصحراء، وكان أبا لجميع المكاتب التي أنشئت بعد ذلك في عواصم القارة.
ويؤكد الشيخ سيديا أن الرئيس ولد داداه قام بعدة حملات شعبية كبرى للتبرع لصالح الفلسطينيين؛ وألغى عنهم تأشيرة دخول موريتانيا وسهل لهم الولوج للجنسية الموريتانية مع نيلهم حقوق المواطنين الموريتانيين بمجرد الوصول.
وبدوره، يؤكد الكاتب الصحفي رياض أحمد الهادي للجزيرة نت أن موريتانيا قدمت في عهد ولد داداه الدعم السياسي والاقتصادي للفلسطينيين، كما قام بتنظيم ورعاية مؤتمرات وندوات في موريتانيا ودول أفريقية لتسليط الضوء على معاناة الشعب الفلسطيني وتعزيز التضامن الأفريقي مع القضية الفلسطينية.
ولد داداه كتب في مذكراته أن بلاده لعبت دورا أدى إلى قطع غالبية الدول الأفريقية علاقاتها مع إسرائيل (الفرنسية) مناهضة التطبيع في أفريقيايتحدث الرئيس الموريتاني عن الدور الذي لعبه في انحسار التغلغل الإسرائيلي في أفريقيا، إذ يقول في مذكراته: "لعبت الجمهورية الإسلامية الموريتانية عام 1973 دورا في المسار الذي أدى إلى قطع غالبية الدول الأفريقية لعلاقاتها مع إسرائيل".
إعلانويكمل ولد داداه: "لقد عملت بلا كلل طيلة 20 سنة لشرح القضية الفلسطينية لنظرائي الأفارقة وخصوصا الناطقين بالفرنسية وهي مهمة لم تكن سهلة مطلقا نظرا لقوة الدعاية الإسرائيلية، بيد أنهم جميعا قد تفهموا مع طول الوقت القضية الفلسطينية وقبلوا معطياتها المتمثلة في الظلم السافر المثير للسخط الذي يعاني منه الفلسطينيون الرازحون تحت نير احتلال لا يرحم".
ويعتبر الدكتور محمد المختار أن الرئيس ولد داده حشد التأييد للقضية الفلسطينية في القارة الأفريقية من خلال الدفاع المستميت عنها في كل المحافل والمؤتمرات الأفريقية.
ويوضح أن جهود الرئيس تلك كانت الدافع الرئيسي وراء قطع 20 دولة أفريقية علاقاتها مع إسرائيل، وهي: غينيا، تشاد، مالي، النيجر، الكونغو برازافيل، بوروندي، زائير، توغو، نيجيريا، الكاميرون، ساحل العاج، السنغال، أنغولا، موزمبيق، إثيوبيا، بنين، كينيا، رواندا، بوتسوانا، الرأس الأخضر. ولم يبقَ لإسرائيل يومها تمثيل دبلوماسي في أفريقيا إلا في 5 دول هي: جنوب أفريقيا التي يحكمها نظام التمييز العنصري، ودول صغيرة هي ليسوتو، مالاوي، سوازيلاند، وموريشيوس".
ولد داداه (يسار) يرحب به موديبو كيتا رئيس مالي عام 1963 (الفرنسية) دور منظمة الوحدة الأفريقيةيرى الوزير ودادي أن تأسيسَ منظمة الوحدة الأفريقية عام 1963، التي كان الرئيس المختار أحد مؤسسيها، سهّل مهمته في حشد الدعم للقضية الفلسطينية، حيث صارت القمم والمؤتمرات الأفريقية منابر رسمية تُطرح فيها جميع القضايا، ومناسباتٍ يحضرها الصحفيون والمثقفون وصناع الرأي.
فطُرحت علنا القضية الفلسطينية بأبعادها السياسية وجذورها التاريخية وطبيعةِ إسرائيل العدوانية، مما ساهم في إنارة الرأي العام الأفريقي تجاه القضية.
وتؤكد حادثة يرويها ولد داداه في مذكراته إيمانه الكبير بمنظمة الوحدة الأفريقية، وأنه ربما كان أيضا أفريقيا أكثر من الأفريقيين، فقد رفض عام 1970 حضور حفل عشاء كبير نظمه الرئيس الأميركي نيكسون على شرف رؤساء الدول، ومُنح خلاله الرئيس الموريتاني مقعدا إلى جانب رئيس الولايات المتحدة. لكنه رفض الحضور احتجاجا على رفض نيكسون مقابلة الرئيس الدوري يومها لمنظمة الوحدة الأفريقية، رئيس زامبيا كينيث كاوندا.
إعلانويورد الرئيس المختار أنه كان الوحيد أيضا في هذا الموقف رغم الجهود التي بُذلت لثنيه، سواء من الوفد الموريتاني أو الوفود الأفريقية أو ممثلية الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، ويضيف: "قال لي بعضهم إن الجلوس إلى جانب الرئيس الأميركي قد ينال صاحبه وزنه من الدولارات، غير أني أعتبر أن الشرف والكرامة لا يُقدران بثمن".
ولد داداه يحضر قمة منظمة الوحدة الأفريقية في كمبالا في الثالث من أغسطس/آب 1975 (الفرنسية) تهاوي حجج إسرائيل في أفريقيايعتبر الوزير ودادي أن إسرائيل قدمت نفسها للدول الأفريقية في الستينيات، على أنها دولة صغيرة محاصرة من 100 مليون عربي، مما يجعلها جديرة بالعطف والتأييد، وفي الوقت نفسه دولة نموذجية للشجاعة والتنمية ينبغي لأفريقيا الاقتداء بها، خاصة في تقنياتها الزراعية واستخراج المعادن الثمينة، مع قدرتها على توفير الأمن للزعماء الأفارقة وامتلاكها أجهزة التجسس والتنصت المتطورة لحمايتهم.
لكن سنوات من الوجود الإسرائيلي المكثف -يضيف ودادي- أثبتت أن الخبراء الزراعيين الإسرائيليين في أفريقيا لم يفيدوا الزراع الأفارقة في شيء، بل تدهور الإنتاج في المناطق التي دخلوها، وتكشفت فضيحة سرقتهم للكثير من سلالات البذور الزراعية الأفريقية الشهيرة.
وحصل الأمر نفسه في مجال الثروة المعدنية، حيث تبين أنهم سرقوا الألماس وحولوه للصناعات الإسرائيلية التي أصبحت من أكثر مثيلاتها ازدهارا في العالم. أما الحراسات الشخصية فقد كانت غطاءً لإقامة شبكات تجسس، ولم تغنِ شيئا عن الانقلابات العسكرية، بل ساعدت في بعضها كما وقع في الكونغو وإثيوبيا وليبيريا".