يقولون ما لا يفعلون
تاريخ النشر: 9th, November 2024 GMT
نوفمبر 9, 2024آخر تحديث: نوفمبر 9, 2024
ابراهيم الخليفة
حظى البيان الصادر عن مكتب المرجع الأعلى السيد علي السيستاني في أعقاب لقاءه ممثل الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس بعثة (يونامي) الجديد في العراق العماني محمد الحساني والوفد المرافق له في مدينة النجف الأشرف يوم الاثنين الماضي 4 نوفمبر باهتمام بالغ ،تحليل ، استنتاج ، وقراءة ما بين الكلمات من قبل الأوساط السياسية والإعلامية من مقدمي البرامج والمحللين السياسيين وكتاب الأعمدة ، لاستكشاف الرسائل التي تهدف المرجعية إيصالها للجهات المستهدفة ، لأهمية ما ورد فيه على المستوى الدولي ،الإقليمي والمحلي ،نظرا لضبابية الأوضاع التي تمر بها البلاد بصورة خاصة والمنطقة بصورة عامة في هذا التوقيت.
وفيما يتعلق بالشأن الداخلي، وهو من الملفات الأكثر أهمية كونه على تماس مباشر بحياة المواطنين ومستقبل العملية السياسية بصورة عامة والعلاقة، بينها وبين الجمهور، وادراكها أن هذه العلاقة ليس كما ينبغي أن تكون، ونص ما ورد في البيان” التأكيد على مبدأ الكفاءة والنزاهة في تسنّم مواقع المسؤولية، ومنع التدخلات الخارجية بمختلف وجوهها، وتحكيم سلطة القانون، وحصر السلاح بيد الدولة، ومكافحة الفساد على جميع المستويات”، إذن هذه الرسالة الأهم التي ارتأت المرجعية ايصالها للسلطات السياسية المتحكمة في شؤون البلد، ومن خلالها للشعب، وتأكيد بأنها غير راضية ومستاءة من الكيفية التي تدار بها اوضاع ،وعلى كافة الأصعدة أو الأطر ،وهذه اعترافات صريحة وواضحة من جانب مقام المرجعية، إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار أن كل ما يصدر عنها يعد بمثابة فتاوي، و ينم عن إخفاق العملية السياسية والقائمين عليها ،وبالتحديد الجهات التنفيذية، في تحقيق التقدم والرقي ومكافحة الفساد المستشري في مفاصل ادارة الدولة وتحكيم سلطة القانون، وتحقيق الوعود التي طالما امطر بها السياسيون الجمهور، لترتقي بالبلد وشعبه لمصاف الدول المتقدمة والمستقرة، وهذا ما يقر به كافة السياسيين أنفسهم ،كونها مبنية على المحاصصة السياسية الطائفية، والتوافقات المصلحية، وتفضيل المصالح الحزبية والفئوية الخاصة على مصلحة المواطنين، تحت مبدا العراق بلد مكونات . هذا مؤشر وتأكيد لا لبس فيه، أن كل توجيهات المرجعية على مدار العقدين الماضيين من العملية السياسية التي جاء بها الاحتلال 2003 لخدمة مصالحه، حول رؤيتها الرشيدة لإدارة شؤون البلد من جانب النخب السياسية، لم يتم العمل بها، إلا وفق منظور ضيق أو رؤية حزبية او فئوية طائفية، أو بقدر ماهي تخدم مصالحهم، اي بمعنى آخر ان هذه الكتل. تعمل وفق مصالحها لإدارة الوضع السياسي.
إلا أن الغريب في الأمر، ومحل تساؤل الشارع والمرجعية، عندما يصدر أمر أو بيان أو توجيه من المرجعية تخص أي مسألة مطروحة، نجد أن كل رؤساء الكتل السياسية وزعماء الأحزاب والشخصيات النافذة الأخرى تتسابق في إعلان تأييدها لهذا التوجيه أو البيان أو الملاحظات، وأنها ماضية في تبنيها ،واتخاذها منهاج عمل وخط شروع لترجمة خططها وبرامجها للمرحلة القادمة، ووفق توجيهات المرجعية ،وهنا نجد، تحاول هذه الأحزاب او الجهات السياسية الاستثمار في توجيهات المرجعية لتحقيق أكثر من مكسب لها، منها ضمان استمرار تأييد المرجعية أسلوبها في إدارة الملفات الساخنة ،هذا من جانب ، ومن جانب آخرى، كسب ود جمهورها أو الشارع ،و توحي للجميع عبر رسائل مباشرة أو غير مباشرة، بأن المرجعية تبارك لها فلسفتها أو رؤيتها حال قضية معينة .لكن في واقع الحال، ومن التجارب المعاشة، أنها لا تلتزم بتوجيهات المرجعية، إلا ووفق ما يخدم مصالحها الحزبية الشخصية ، الطائفية ، القومية ، ولا سوى غير ذلك ، طالما الموضوع مثار للنقاش أو ضمن دائرة الاهتمام ، وتنتهي بتسويف توجيهات المرجعية فيما يتعلق بخدمة الجمهور والمصالح العامة للبلد، فالكثير من الشواهد على توجيهات المرجعية المتعلقة بالحالات السلبية التي تؤطر النشاط اليومي السياسي ، الخدمي ، المعرفي أو الذي يتعلق بالحقوق والواجبات او مكافحة الفساد يتم التغاضي عنها أو ركنها جانبيا أو لا تكون على سلم الاولويات ، مثل العمل على القضاء على آفة المخدرات ، الدكات العشائرية تحكيم سلطة القانون ،حصر السلاح بيد الدولة، مكافحة الفساد، الاستجابة لمطالب مظاهرات تشرين أو أي ظاهرة سلبية أخرى، نجد لا أحد من السياسيين أو قادة الكتل أو الجهات التنفيذية الاخرى الالتزام بها … وهناك اكثر من مثال او برهان واضح على ذلك نستدل عليه، في قول المرجعية … بأن المجرب لا يجرب، وهذه إشارة لعدم انتخاب شخصية برلمانية أو تكليف شخص ما أوكلت له مهمة خدمة عامة فشل في إدارتها سابقا ، ومع هذا يتم إعادة انتخابهم او تكليفهم بمناصب مهمة وحيوية أخرى ربما تكون أفضل من الاولى ، كذلك تأكيد المرجعية على مبدأ” الكفاءة والنزاهة” في تسنّم مواقع المسؤولية، وهذه أحد الفواصل المهمة لتردي أو تعثر الخدمات العامة التي هي على تماس مباشر مع حياة المواطنين واحراز تقدم فيها ،هو الآخر لم يتم العمل به، فكثير من الشخصيات التي تفتقر للنزاهة والخبرة أو من يحمل شهادات مزوره، من سراق المال العام او متهم بقضايا جنائية، لم يبت القضاء بها، يجري تدويرهم من مكان إلى آخر وربما افضل من الموقع الأول الذي كانوا يشغلونه ، لكن ثبت فشله في أدارة هذا الموقع، هذه الوقائع الكل يقر بوجودها، لكن ليس من ثمة قرار شجاع لتجاوزها بفعل تنامي ثقافة الولاء للطائفة ، المذهب، او القومية على حساب ثقافة الوطن و المواطنة.، وتكافؤ الفرص، والكل متساوون أمام القانون.
أذن جاء بيان المرجعية، ضمن إطار دبلوماسية القوة الناعمة Soft power Diplomacy، لإحداث التغيير، إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار ما يصدر عنها يعد بمثابة الفتوى، يلزم العمل بها ،وتأكيد على استمرار الفشل في إدارة العملية السياسية وفي إصلاح ومعالجة المشاكل التي يمر بها البلد مثل الفساد المالي والاداري والعجز في تقديم الخدمات للجمهور، وتردي البنى التحتية، انتشار السلاح خارج إطار سيطرة الدولة، وملفات عديدة أخرى ، رغم أن الكل يتسابق جهرا في تأييده، لكن واقع الحال يثبت العكس، اقوال دون أفعال ،وتفضيل المصلحة الذاتية، سواء الشخصية الحزبية الطائفية على المصلحة العامة او المصلحة الوطنية ،وما تحقق من إنجازات لا يرتقي لمستوى الحد الأدنى من الطموح ومستوى التضحيات التي قدمها الشعب ، ما ورد في البيان يعد بمثابة أنذار لما ينتظر البلد والشعب من ايام عصيبة، من خلال رؤيتها الشاملة وتقيمها للتجربة السياسية على مدار أكثر من عشرين عاما، وقد يكون مقدمة لسحب المرجعية تأييدها للعملية السياسية التي أوجدها الاحتلال ،والتي تفتقد إلى برنامج وطني شامل، يتخطى الطائفية الدينية والمناطقية القومية عمادة المواطنة ،هدفه بناء الوطن على الأسس الديمقراطية الصحيحة تسوده العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص أمام الجميع . وحال لسان الشارع يقول، هل سنجد تحول جذري ايجابي في أدارة العملية السياسية مستقبلا بضوء المحتوى الذي تضمنه بيان المرجعية؟،ام نسمع اقوال دون أفعال من جانب قادة العملية السياسية، والآية الكريمة تقول “كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ” (الصف: 23).
المصدر: وكالة الصحافة المستقلة
كلمات دلالية: العملیة السیاسیة من جانب
إقرأ أيضاً: