حرّاس التراث.. أيادٍ عمانية تعتني بأشجار اللبان لصون إرث الأجداد في وادي دوكة
تاريخ النشر: 9th, November 2024 GMT
الرؤية- عبدالله الشافعي
على بعد حوالي خمسين كيلومترا من مطار صلالة بمحافظة ظفار وباتجاه الشمال، تقع محمية وادي دوكة التي تضم الآلاف من أشجار اللبان. وفي الطريق إلى هذه المحمية الطبيعية التي أصبحت ضمن مواقع التراث العالمي لمنظمة اليونسكو، تتجلى الجغرافية والطبيعة العمانية الخلابة، ما بين المساحات الواسعة التي تكتسي باللون الأخضر في فصل الخريف، والجبال الشاهقة التي تعد جزءا من الهوية العمانية.
يستغرق الطريق من مطار صلالة إلى وادي دوكة ما يقارب من خمسين دقيقة، لكن هذه الدقائق تمر سريعة وسط مظاهر الطبيعية الخلابة وصولا إلى الوادي المنشود الذي يضم أكثر من 4000 شجرة لبان على مساحة 3,500 فدان.
واللبان هي كلمة من أصل عربي تشير إلى هذا المكوّن العطري القيّم الذي يخرج من أشجار بوسويليا ساكرا التي تعد المصدر الأساسي للبان في العالم، والتي تنمو وتزدهر في ظفار وأيضا في اليمن والصومال.
تقف أشجار اللبان في هذا الوادي شاهدة على التاريخ، تاريخ الحضارة العمانية وتاريخ العمانيين الذي اهتموا بهذه الشجرة على مدار السنين، وورّثوا أبناءهم حب هذه الأشجار وطرق العناية بها، وهو ما ساعد على استدامتها وبقائها.
يقف عبدالله محمد علي- في العقد السابع من عمره- بلحيته البيضاء وزيّه العماني التقليدي، يتأمل في هذه الأشجار قائلا: "هذه الأشجار باتت جزءا منا، فهي كانت ولا تزال مصدر رزقنا ورزق أبنائنا، وهي بمثابة العائلة التي نحتضنها وتحتضننا، نعتني بها فتجود علينا بالحصاد الوفير".
ومنذ أكثر من 20 عاما، يعمل عبدالله محمد في مهنة الاعتناء بأشجار اللبان وجمع نتاجها: "بنيجي نضرب الشجرة برفق ونزيل جزء بسيط من القشرة، وهذا نسميه التوقيع، وننتظر 15 يوما أو 21 يوما ونضرب تاني وهذا نسميه السعف، وبعدين ييجي الحصاد". يكرر هذا الأمر خلال موسم الحصاد الذي يبدأ من شهر سبتمبر وينتهي في شهر يونيو، مؤكدا أن طبيعة الطقس تؤثر على مواعيد التوقيع "تقشير الشجرة" إذ إنهم يتجنبون الأوقات الذي تهطل فيها الأمطار.
ويضيف: "هذا العمل ورثناه من آبنائنا وأجدادنا، وهذه شغلتنا وشغلة أهالينا، كنا الأول نسترزق منها نيجي نضرب ونبيع، وحاليا شركة أمواج تشرف على المشروع وتعتني به، والحمد لله الخير كثير".
ولقد حرصت "أمواج" على تطوير جميع الجوانب اللوجستية في هذا الوادي، وتزويد الموظفين بالظروف المواتية والمناسبة للعمل وتقديم الدعم الشامل لهم، بهدف إيجاد أنشطة بيئية وثقافية وتعليمية حول وادي دوكة للتعرف على هذا الإرث الحضاري، وتعزيز السياحية الأخلاقية والمستدامة التي ستعود بالنفع على الشعب العماني بشكل عام، وذلك بموجب اتفاقية مع وزارة التراث والسياحة.
أما مسلم بن سعيد جداد- شاب يعمل في الوادي- فيتنقّل بين أشجار اللبان، يختار إحداها ويدور حولها، يضع يده على أعرافها وكأنه يحاول التواصل معها، ينظر ونقل بصره بين الأعراف، ثم يختار المكان الذي سيضرب فيه.
"بنختار المكان بعناية، وما نضرب في الفرع الضعيف.. الفروع مثل لحمنا لازم الضربة تكون خفيفة والتقسير يكون بسيط وما نوصل لحم الشجرة حتى لا نأذيها"، هكذا يقول الشاب الذي ورث هذه المهنة من أبيه، وهذا هو مبدأه في التعامل مع الأشجار التراثية.
ويوضح: "في البرد الشجرة ما تطلع إنتاج ويأثر عليها الجو البرد والأمطار، لأن الأمطار تأخر الحصاد، وطوال فترة الحصاد يكون متوسط إنتاج الشجرة الواحدة 45 كيلوجراما".
ويتولى العناية بهذه الأشجار وحصد إنتاجها فريق يقوده محمد اسطنبولي- في العقد السابع من عمره- وهو من سكان صلالة، إذ إنه يشرف على جميع أنشطة الزراعة في موقع وادي دوكة ويتولى رعاية أشجار اللبان وحصاد الراتنج وتدريب فريق العمل هناك.
لا تفارق الابتسامة وجه اسطنبولي، دائما ما يبتسم في وجه الزائرين الراغبين في التعرف على أسرار هذا الإرث الحضاري، يعرف كل كبيرة وصغيرة تتعلق بأشجار اللبان، تظهر عليه ملامح السعادة حين يسأله أحد عن الأشجار والعناية بها ليسرد قصة جهد وتعب تكللت بالنجاح في الحفاظ على هذه المحمية.
وبخبرته الطويلة وبلهجته الظفارية، يشرح محمد الاسطنبولي خطوات العمل: "نقوم بحصد اللبنان وفقا للخطوات التي ورثناها عن آبائنا، ونستخرج بعد ذلك عصارته ثم دمجه مع عطور أمواج".
ولأن استدامة هذه الأشجار مهمة بيئية، يقول إن كل شجرة يوجد عليها "كيو آر كود" بهدف إشراك العالم كله في العناية بهذه الأشجار عبر الإنترنت، وذلك من خلال اختيار الشجرة التي يريد الشخص الاعتناء بها ومتابعتها يوميا عبر الموقع الإلكتروني للوادي.
بدوره، يشير ماثيو رايت رئيس وادي دوكة وفي الوقت الحالي إلى أنه يجري العمل على تطوير المنطقة لتحويلها إلى مزار سياحي يستقطب السياح من كل العالم لتسليط الضوء على الثقافة العمانية، مبينا: "سوف نبني مركزا ثقافيا قريبا من المحمية لاستقطاب الزوار لكي يتعرفوا أكثر على اللبان وعن تاريخه وتراث عمان، كما أن شركة أمواج وقعت مع وزارة التراث والسياحة اتفاقية لرعاية الوادي وذلك ضمن مساعيها لتسليط الضوء على اللبان العُماني الذي يُعدّ عنصرًا أساسيًا في ابتكارات أمواج العطرية".
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
“كاوست” توظف الذكاء الاصطناعي لتحسين حصاد النخيل
البلاد ــ جدة
توصلت جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية” كاوست” عبر بحثٍ علمي ابتكاري لتطوير نظام روبوتي جديد باستخدام الذكاء الاصطناعي؛ يهدف إلى أتمتة عمليات حصاد نخيل التمر؛ ما يُحدث نقلة نوعية في قطاع الزراعة، ويعزز ريادة المملكة في مجال الابتكار الزراعي؛ حيث يركز على أتمتة العمليات الأساسية في زراعة التمور؛ كالحصاد والتلقيح وصيانة الأشجار، ما يسهم في زيادة إنتاج التمور ذات القيمة الغذائية العالية.
وأوضح قائد هذا البحث البروفيسور المساعد في” كاوست” شينكيو بارك، أن الابتكار يهدف إلى تطوير نظام” الروبوت المزارع” بحيث يمكنه التعامل مع التمور بمختلف أحجامها ودرجات صلابتها، مع تحقيق أعلى معدلات الحصاد؛ حيث ستعمل الروبوتات على تحسين إنتاجيتها عبر جمع البيانات وتحليلها؛ لتعزيز قدراتها في مختلف العمليات المرتبطة بزراعة التمور.
ولفت إلى أنه نظام” الروبوت المزارع”؛ يضمن استدامة الزراعة مع توظيف الذكاء الاصطناعي لزيادة الكفاءة؛ حيث تتمتع الأذرع الروبوتية للنظام بالقدرة على التحرك بسرعة تعادل سرعة المزارع البشري، مع انتقاء كل تمرة بدقة دون إلحاق الضرر بها، أو بالنظام نفسه؛ مشيرًا إلى أنه من خلال تزويد الروبوتات بأجهزة استشعار بصرية عالية الدقة، يمكنها التعرف على التمور والأزهار وهياكل الأشجار لأداء مهام زراعية متعددة مثل: الحصاد، والرش، والتقليم، ما يضمن صحة الأشجار وزيادة إنتاجيتها وطول عمرها، فضلًا عن الحد من مخاطر الإصابة بالآفات والأمراض.
ومن المقرر بدء التجارب الميدانية لهذا المشروع خلال موسم حصاد 2025؛ مع توقع الوصول إلى التشغيل الكامل للنظام في غضون ثلاث سنوات؛ وهو مثال واحد للتقنيات الروبوتية المتعددة، التي نطورها لدعم المصالح الوطنية، وحلول الأتمتة الاقتصادية لقطاع نخيل التمر؛ حيث يُعد المشروع واحدًا من عدة مبادرات بحثية في” كاوست” تهدف إلى تعزيز زراعة التمور وتحقيق الأمن الغذائي؛ فيما تتجاوز هذه المبادرة الحلول الهندسية؛ حيث تسهم في توفير فرص البحث والتطوير للمواهب المحلية، ما يعزز النمو التعليمي والاقتصادي المستدام في المملكة على المدى البعيد.
يذكر أن هذه المشاريع توفر للمملكة ميزة تنافسية ليس فقط في مجال التقنية الزراعية؛ بل في المعرفة الزراعية أيضًا، حيث تجذب المنطقة قادة الزراعة والروبوتات، ما يتيح للعمال المحليين فرصة أن يكونوا أول من يتفاعل مع التقنيات الحديثة التي يطورها بارك وزملاؤه.