المستقبل اللوجستي وفق "عُمان 2040" (5)
تاريخ النشر: 9th, November 2024 GMT
منصور القاسمي **
تكملة للحلقة الرابعة من سلسلة هذه المقالات، ولمعرفة المزيد من التفاصيل من خلال الأطروحة حول الوضع اللوجستي العام بسلطنة عُمان، أتطرقُ في هذا المقال إلى مسألة تطوير الرأس المال البشري الوطني في القطاع اللوجستي والتحديات التي تواجهه والتوصيات المهمة.
يعتمد توسع قطاع اللوجستيات بشكل كبير على التوزيع الاستراتيجي للموارد نحو تطوير رأس المال البشري الوطني، علماً بأن الاستثمار في تدريب وتطوير مهارات القوى العاملة الوطنية لتلبية متطلبات قطاع اللوجستيات سيُسهم في تعزيز كفاءة القطاع اللوجستي وتحسين أدائه واستمراره.
فمن خلال طرح أسئلة الأطروحة المباشرة على المختصين والمسؤولين في سوق العمل اللوجستي في السلطنة، أظهر تحليل المقابلات والاستبيانات قائمة من الموضوعات التي تم تحديدها وكشفت لنا آراء إحدى عينات الدراسة عن أهم الأسباب التي تؤثر على قدرة السلطنة في تتبع الشحنات ومساراتها، والتي تتجلى في البنية التحتية التكنولوجية، وعدم تكامل الأنظمة، وارتفاع التكاليف، ونقص البايانات الدقيقة باستخدام أنظمة التتبع والاعتماد على بيانات غير دقيقة أو قديمة مما يؤثر بشكل كبير على دقة التتبع وضعف التدريب والتأهيل للرأس المال البشري. وهذا يتجلى وضوحا حسب معلومات البنك الدولي بأن أداء السلطنة اللوجستي العالمي في هذا المؤشر لم يكن مبشرا، حيث حصدت السلطنة عام 2023 على مؤشر أداء60 من أصل 140 دولة على قدرتها في تتبع الشحنات ومساراتها، مما يستوجب علينا الوقوف على هذا الجانب باهتمام بالغ.
تقدم بعض المؤسسات الأكاديمية والتعليمية (الكليات والجامعات) بسلطنة عُمان الكثير من البرامج التعليمية والتدريبية المتخصصة في إدارة علوم اللوجستيات وسلسلة التوريد لتطوير الرأس المال البشري وذلك لتعزيز المعرفة للقطاع اللوجستي وقدرته على الابتكار وتبني التكنولوجيا ولكن للأسف تعاني هذه المؤسسات الأكاديمية من عاملين أساسيين أولهما صعوبة إيجاد مواقع التدريب المتخصصة والمختلفة بسوق العمل العُماني، وبالتالي يتخرج الخريج في المؤسسة الأكاديمية بشهادة علمية لوجستية بدون خبرة تدريبية، وثانيهما ضعف علاقة المؤسسة الأكاديمية بسوق العمل، ليصطدم بعدها الخريج الذي يفتقر الى التدريب والتأهيل بطابورالانتظار الطويل كباحث على عمل أمام المنافسة الشرسة من العمالة الوافدة التي تتحكم بمفاتيح وأركان القطاع اللوجستي بمختلف التخصصات بالسلطنة، علماً بأنَّ هناك مؤسسات متخصصة في القطاع اللوجستي يتوفر لديها عمالة وافدة تمتنع أو تتهرب من تدريب الرأس المال البشري الوطني في مقر عملياتها خوفًا من فقدان وظائفهم بشكل مباشر وتتعمد هذه العمالة الوافدة التأثير على أصحاب الأعمال بحجّة أن الرأس المال البشري الوطني غير جاد ولا يتحمل مسؤولية العمل في بعض المواقع اللوجستية المختلفة، ويشكل هذا تحدياً سافرًا أمام إمكانيات القوى الوطنية التي ترغب بالتدريب والتأهيل والعمل الجاد في كل المجالات والمواقع وتتحمل كل الصعوبات من أجل رفعة شأن هذا الوطن العزيز. ومن تقديرنا لهذه التصرفات السلبية من قبل العمالة الوافدة وعزوفها بتدريب القوى الوطنية تكون إحدى العوامل السلبية على تدني مؤشر الأداء اللوجستي بالسلطنة في هذا الجانب.
يستوجب على المسؤولين والقيادات اللوجستية في إدارة القطاع اللوجستي بالسلطنة كمركز عُمان للوجستيات والجمعية العُمانية اللوجستية وغيرها من الجهات تحمل مسؤولية هذا القطاع ببالغ الأهمية وأن تأخذ في الحسبان أهمية هذا القطاع الحيوي المهم ودروه الفعال في تنمية الرأس المال البشري وذلك من خلال تبني المؤسسات الأكاديمية والتعليمية والتعاون المستمر مع القطاع الخاص والعام في استحداث الفرص التدريبية والتأهيلية لسد فجوة المهارات المطلوبة ورفع معايير القطاع وتطبيقها واستحداث آليات لتشغيل القوى الوطنية، ومن هناك سوف نرى تطورا ملحوظا لمؤشر الأداء وبالتالي رفد الناتج المحلي. فمن خلال التوصيات ولتسهيل عملية التدريب والتأهيل وتطوير الرأس المال البشري الوطني لتشغيله في الأماكن الصحيحة، أصبح لزامًا علينا أن نعد البرامج الوطنية المناسبة لتنفيذها بشكل عاجل من خلال تصنيف قائمة الأشغال اللوجستية التي تقتصرعلى العمالة الوطنية ورفع نسب التعمين فيها إلى 100% وخصوصا وظائف الإدارة اللوجستية العليا، والأشغال اللوجستية الوسطى، وكل الوظائف التي تختص بالتنفيذ والدعم الميداني، والوظائف التي تعتمد على الأتمتة والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي وغيرها وكل هذا لن يتأتى إلا بالوقوف الجاد أمام هذه التحديات والتعاون مع الجهات ذات الاختصاص كوزارة العمل، ووحدة متابعة تنفيذ رؤية عُمان 2040 لمستقبل أفضل لهذا القطاع الحيوي.
دور القطاع الخاص ومساهمته الوطنية مع المؤسسات التعليمية والأكاديمية مهم في تعزيز مهارات العاملين في القطاع اللوجستي ويستوجب على القطاع الخاص توفير أرضية صلبة من التخصصات والخبرات والتكنولوجيا والاستثمارات اللازمة لتطوير الكوادر البشرية، ويجب على الجهات المختصة بالقطاع اللوجستي بالسلطنة ألا تترك خيارا لتلك المؤسسات أن تتهرب من مسؤولياتها الوطنية وأن تقوم هذه الجهات بتصنيف التخصصات اللوجستية وفقاً للمؤهلات الدراسية والمهارات والقدرات متضمناً مستويات تشغيلية وتدريبية وإشرافية وإدارية وحوكمة ومحاسبة، حتى نصل بعُمان أعلى مراتب لمؤشر الأداء اللوجستي مقارنة بدول العالم. علما بأنَّ ملف الباحثين عن العمل في السلطنة يحتل المرتبة الأولى ضمن سُلَّم الأولويات لدى الحكومة، فقد أكد جلالة السلطان هيثم بن طارق يحفظه الله ويرعاه، على دور القطاع الخاص في التشغيل وأن يتحمل المسؤولية جنباً إلى جنب مع الحكومة لتوفير فرص عمل للكوادر الوطنية وتدريبهم وتأهيلهم من خلال الاستفادة من الحوافز الاقتصادية والبرامج والمبادرات التي أطلقتها الحكومة لدعم القطاع الخاص، ومن هنا نؤكد أن تعزيز المؤسسات الأكاديمية والتعليمية في مجال البرامج اللوجستية في سلطنة عُمان سوف يفتح آفاقاً واسعة نحو تأهيل الخريجين المتخصصين في دراسات إدارة علوم اللوجستيات وسلسلة التوريد، ومنحهم الأولوية في فرص التدريب والتأهيل والتشغيل. فإذا أردنا أن نرتقي بمستويات ومراكز متقدمة على مؤشر الأداء اللوجستي بالسلطنة، فما علينا إلا أن نعتمد على الرأس المال البشري الوطني لأنه يتسم بجودة عالية من العمل المخلص والالتزام في الأداء والمسؤوليات وحرصه الدائم على تقدم وطنه لأعلى المراتب.
يأتي بعدها الدور المنشود للأكاديمية السلطانية للإدارة، التي تتميز ببرامجها وبما ينسجم مع متطلبات رؤية عُمان 2040 من خلال التركيز على بناء قدرات أكثر شمولاً ومعرفة وعلماً للكوادر العُمانية والقيادات الوسطى والعليا ولتأسيس إدارات عليا متجددة بكفاءات وعطاءات بمختلف التخصصات قادرة على صنع القرار لمستقبل أفضل للقطاع اللوجستي بالسلطنة بكفاءة عالية ونمو مستدام.
** باحث دكتوراه تخصص علم اللوجستيات
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
تفاصيل إطلاق الخطة الوطنية لمكافحة المخدرات والحد من مخاطر التعاطي والإدمان
كشف الدكتور عمرو عثمان، مدير صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي، تفاصيل إطلاق الخطة الوطنية لمكافحة المخدرات والحد من مخاطر التعاطي والإدمان 2024/2028، والتي تقام تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي.
تفاصيل إطلاق الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الإدمان.. تنسيق بين 12 وزارةوأوضح عثمان خلال لقائه مع الإعلامية فاتن عبد المعبود ببرنامج «صالة التحرير» المذاع على قناة صدى البلد، أن الاستراتيجية الوطنية لمكافحة المخدرات تتضمن الوقاية الأولية والتحول من الوعي للوقاية بالمؤسسات التعليمية والشبابية وتنفيذ برامج متنوعة موجهة للشباب والأسرة.
ولفت الدكتور عمرو عثمان، إلى أن الخطة تتضمن أيضا الاكتشاف المبكر للتعاطى والتدخلات الوقائية الثانوية من خلال حملات للتوعية بقانون 73 لسنة 2021 بشأن الكشف عن التعاطى للموظفين والسائقين والتواصل مع القطاع الخاص لتبصيره بالعلاقة بين تعاطى العامل وضعف الكفاءة الإنتاجية وتحفيز القطاع الخاص بإعلان مؤسسات خالية من التعاطى والتدريب وبناء القدرات وإعداد الكوادر العاملة.