"رجل الصفقات".. رئيسًا لأمريكا للمرة الثانية
تاريخ النشر: 9th, November 2024 GMT
جمال بن ماجد الكندي
دونالد ترامب أصبح الرئيس السابع والأربعين للولايات المتحدة الأمريكية بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية في 5 نوفمبر 2024؛ حيث لعب على كسب الولايات المتأرجحة، مستفيدًا من تغير المعطيات السياسية والأجندات الانتخابية. استغل ترامب استياء بعض الفئات، بما في ذلك العرب والمسلمون، من سياسات الحزب الديمقراطي في غزة ولبنان، وقدم وعودًا بإنهاء الحرب في المنطقة، مما جعل الأصوات تتجه لصالحه وحتى أصوات الجمهوريين وحزب الخضر.
ترامب، صاحب كتاب "فن الصفقة" الذي نشره عام 1987 مع الصحفي توني شوارتز، يتميز بعقلية تجارية معروفة؛ حيث يقدم الكتاب نظرة في استراتيجياته في التفاوض، مركزًا على أهمية المعرفة بالسوق واستخدام النفوذ وتحمل المخاطر المحسوبة. ومن خلال عقليته، يسعى ترامب لتجنب الاستنزاف المالي الناجم عن الحروب المستمرة، ما ينعكس على وعوده الانتخابية بإنهاء الصراعات، مثل الحرب الروسية الأوكرانية، التي قال إنه قادر على إنهائها خلال أيام عبر صفقة تراعي المصالح المشتركة، بدلًا من تصعيد الصراع مع روسيا.
في جوهر هذه العقلية التجارية، يرى ترامب أن الولايات المتحدة يجب أن تركز على الداخل وتقليل الإنفاق العسكري الخارجي الذي يعتبره استنزافًا غير مجدٍ. فعلى عكس سلفه، ينظر ترامب إلى الصين كمنافس اقتصادي يجب مجابهته بدلًا من الانشغال بحروب خارجية، إذ يرى أن التورط في أزمات أوروبا والشرق الأوسط يقوّي منافسة الصين في السوق الاقتصادي العالمي. لذلك، ربما يسعى ترامب لصفقات تضمن مصالح أمريكا أولًا وتدعم عودتها إلى الداخل.
ويرى ترامب أن استمرار الحرب في أوكرانيا، يمثل ضغطًا اقتصاديًا على الولايات المتحدة وأوروبا؛ حيث أدت الحرب إلى أزمات اقتصادية في أوروبا نتيجة اعتمادها على الطاقة الروسية، وتراجع تأثير العقوبات في عزل روسيا دوليًا، بينما يتكبد الجيش الأوكراني خسائر متزايدة. وهذه المعطيات تعزز ميل ترامب لإيجاد حل سياسي ينهي هذا النزاع، خصوصًا وأنه أعلن أنه قادر على إنهاء الحرب في وقت قصير حال انتخابه، معتبرًا أن زيلينسكي يتحمل جزءًا من المسؤولية في اندلاعها.
واستمرت الحرب في غزة لأكثر من عام ثم امتدت إلى لبنان، وأسفرت عن خسائر للجانبين الفلسطيني واللبناني، وأثقلت كاهل الاقتصاد الإسرائيلي أيضًا. تنتظر إسرائيل تولي ترامب الرئاسة لدعمها في القضاء على المقاومة في غزة ولبنان وحتى مواجهة إيران، لكن السؤال هنا هو ما الجديد الذي سيقدمه ترامب عن إدارة بايدن التي وفرت الدعم الكامل لإسرائيل؟
ربما لن يقدم ترامب على إرسال جنود أمريكيين للقتال نيابة عن الجيش الإسرائيلي، حيث يعارض ذلك بقوة ويراه عبئًا غير مبرر، خاصة أنه وعد الناخبين الأمريكيين بالانسحاب من الحروب الخارجية. بدلًا من ذلك، قد يسعى ترامب للتوصل إلى اتفاق سلام ينهي هذا النزاع، بغض النظر عن توافق ذلك مع طموحات رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو.
ولطالما كانت المواجهة مع إيران تحتل مكانة بارزة في السياسة الأمريكية، بدءًا من ملفها النووي. انسحب ترامب من الاتفاق النووي (5 +1) خلال رئاسته الأولى، لكن من غير المتوقع أن يقدم على حرب مباشرة مع إيران رغم دعمه لإسرائيل. فقد سبق أن امتنع عن الرد عسكريًا في حادثة إسقاط طائرة تجسس أمريكية من قبل إيران، معتبرًا أن تبعات الحرب مع إيران ستكون مكلفة وغير ضرورية.
ترامب يدرك أهمية استقرار المنطقة في تأمين مصادر الطاقة، خاصة وأن أي تصعيد ضد إيران قد يعرض تدفقات النفط للخطر. لذلك، قد يسعى للتوصل إلى صفقة مع إيران تكفل عدم امتلاكها للسلاح النووي، في مقابل التهدئة في المنطقة، بما يتيح لأمريكا التفرغ لأولوياتها الاقتصادية.
ترامب، في فترة ولايته الثانية، قد يكون أكثر تحررًا من قيود الوعود الانتخابية، مما يعزز تركيزه على تعزيز الاقتصاد الأمريكي ومعالجة قضايا الداخل. شعاره "الأمركة الأمريكية" يعكس توجهًا ينادي بتقليل الانخراط في الصراعات الخارجية، ويعيد الأولوية إلى القضايا الداخلية والاقتصادية، بدلًا من دور "الشرطي العالمي".
أما الصين فإن ترامب ينظر إليها كعدو اقتصادي يجب التركيز عليه، مفضلًا عدم الانشغال بحروب خارجية قد تقوّي من نفوذ الصين في السوق العالمي. وهذا التوجه الاقتصادي التجاري يميز ترامب عن أسلافه الجمهوريين والديمقراطيين، ويضعه في موقف مختلف في التعامل مع التحديات الخارجية.
وأخيرًا.. نعتقد أن ترامب، بعقليته التجارية، سيسعى لإنهاء أزمات الشرق الأوسط وأوكرانيا عبر صفقات تصب في صالح أمريكا أولًا، دون الاستنزاف في حروب طويلة ومكلفة. الأيام والشهور المقبلة كفيلة بكشف مدى نجاح هذا النهج، لكن في النهاية، يعكس ترامب وجهًا مختلفًا للاستراتيجية الأمريكية المعتادة، بحيث تظل الاستراتيجية الكبرى ثابتة في دعم حلفاء أمريكا الرئيسيين كإسرائيل، لكن مع تباين في أسلوب التنفيذ وتكتيكاته.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
هل يستطيع ترامب أن يفرق بين الصين وروسيا؟
ترجمة: نهى مصطفى -
في مقابلة في أكتوبر الماضي تفاخر دونالد ترامب قائلا: «الشيء الوحيد الذي لا تريد حدوثه أبدًا هو أن تتحد روسيا والصين. سأضطر إلى فك وحدتهما، وأعتقد أنني أستطيع أن أفعل ذلك». خلال حملته الانتخابية، قال الرئيس المنتخب إنه سيوقف الحرب في أوكرانيا «في غضون 24 ساعة» وأنه سيكون أكثر صرامة من الرئيس بايدن مع الصين.
لم يوضح ترامب قط خطته بالضبط لـ«تفكيك» هاتين الدولتين، وبناءً على تاريخه، وقد يضطر لابتكار خطة فورية. لكن المؤشرات المبكرة تشير إلى أن الإدارة المقبلة قد تسعى إلى الإضرار بالشراكة الصينية الروسية من خلال الحد من التوترات (وحتى تحسين العلاقات) مع موسكو من أجل الضغط على بكين ــ وهو عكس ما خطط له وزير الخارجية هنري كيسنجر منذ أكثر من خمسين عاما، عندما سعت الولايات المتحدة إلى تحقيق الوفاق مع الصين لاستغلال الانقسام الصيني السوفييتي.
يبدو أن هذه المدرسة الفكرية تحظى بشعبية كبيرة في عالم ترامب، بما في ذلك أولئك الذين تم ترشيحهم لفريق الأمن القومي الخاص به.على سبيل المثال، دعا مايكل والتز، عضو الكونجرس الذي اختاره ترامب ليشغل منصب مستشاره للأمن القومي، إلى مساعدة الولايات المتحدة في إنهاء الحرب في أوكرانيا في أقرب وقت ممكن ثم تحويل الموارد إلى «مواجهة التهديد الأكبر من الحزب الشيوعي الصيني».
في بكين وموسكو، يترقب القادة فترة الفراغ الرئاسي التي ستستمر بضعة أسابيع وبداية ولاية ترامب الجديدة. وتتمثل الأولوية القصوى للكرملين في اجتياز هذه الفترة بأمان وتجنب التصعيد مع الولايات المتحدة بشأن أوكرانيا قبل انتقال ترامب إلى البيت الأبيض. ويأمل الرئيس بوتن أن تؤدي ولاية ترامب الجديدة إلى خفض الدعم الغربي لكييف، إذا لعبت موسكو أوراقها بشكل جيد، حتى لو لم يتم التوصل إلى إنهاء رسمي للعدوان في أوكرانيا.
لكن مخاوف بكين عكس ذلك تمامًا. أشار اجتماع الرئيس الصيني شي جين بينج مع بايدن في نوفمبر خلال قمة التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ إلى أن الإدارة الديمقراطية لن تعطل بشكل كبير العلاقات الأمريكية مع الصين في طريقها إلى الخروج، أما بالنسبة للفريق الجمهوري القادم، فلدى بكين أسباب للقلق ــ سواء من خطاب حملته أو من مجموعة الشخصيات التي رشحها ترامب لشغل وظائف رئيسية في حكومته.
لا يوجد الكثير من التفاصيل حول «خطة السلام» التي يعتزم ترامب تنفيذها في أوكرانيا. لكن حتى قبل الدخول في محادثة رسمية مع ترامب، يتعين على الكرملين أن يتغلب على الأسابيع القليلة المقبلة، التي يراها واحدة من أخطر فترات حرب أوكرانيا.
بعد ما يقرب من عام من المداولات المؤلمة، منحت إدارة بايدن أخيرًا كييف الإذن باستخدام أسلحة بعيدة المدى تنتجها دول أعضاء في حلف شمال الأطلسي، بما في ذلك الصواريخ التكتيكية للجيش (ATACMS) المصنوعة في الولايات المتحدة وصواريخ Storm Shadow البريطانية، ضد أهداف عسكرية داخل الأراضي الروسية. في 19 نوفمبر، تعرض مستودع أسلحة روسي في منطقة بريانسك لقصف زعمت وزارة الدفاع الروسية أنه صاروخ ATACMS ، وبعد يومين تعرض مركز قيادة ورد أنه يضم جنرالات كوريين شماليين لقصف بصواريخ Storm Shadow في منطقة كورسك الروسية.
لن يكون لهذه النكسات، مهما كانت مؤلمة بالنسبة للروس، تأثير كبير على مسار القتال. فروسيا تكتسب تدريجيا المزيد من الأرض على الجبهة الشرقية. وما يقلق الكرملين هو تجاهل الغرب الواضح للخطوط الحمراء التي أعلنتها موسكو بوضوح والردع النووي. فقد قال بوتن في مناسبات عديدة إن أوكرانيا لا تستطيع استخدام أنظمة مثل ATACMS و Storm Shadow دون مساعدة فنية كبيرة من أفراد حلف شمال الأطلسي، وبالتالي، من وجهة نظر الكرملين، فإن استخدام الأوكرانيين لها يشبه إطلاق الناتو النار على روسيا. والاستهداف داخل الحدود الروسية مسألة مختلفة تماما؛ وفي رأي الكرملين، يجب وقف هذا الأمر عاجلاً وليس آجلاً.
في رد فعل على هذا العدوان الغربي الملحوظ، نشرت روسيا في التاسع عشر من نوفمبر عقيدة نووية جديدة تخفض بشكل كبير حدود استخدام الأسلحة النووية وتمهد الطريق لشن ضربات نووية ضد الدول غير النووية (مثل أوكرانيا) التي تشن هجمات بعيدة المدى بدعم من دولة نووية. ولتعزيز هذه التهديدات اللفظية، التي لم يول الغرب أهمية كبيرة لها، أطلقت روسيا في الحادي والعشرين من نوفمبر صاروخا قادرًا على حمل رؤوس نووية على مصنع عسكري في دنيبرو. من الانفجارات الطفيفة نسبيًا، فإن الصاروخ كان يحمل حمولة ضئيلة أو معدومة ــ وهذا يعني أن الإطلاق كان إشارة سياسية توضح قدرة الكرملين واستعداده للتصعيد.
من وجهة نظر موسكو، عادت الكرة الآن إلى ملعب واشنطن. فقد حذر بوتن صراحة زعماء الغرب من أنه سيرد على أي خطوات تصعيدية، مثل توجيه ضربات جديدة إلى روسيا أو إرسال قوات إلى أوكرانيا. وبذلك، يأمل في استقرار الوضع حتى يفتح تنصيب ترامب نافذة جديدة من الفرصة للتفاوض على إنهاء الصراع لصالح الكرملين.
يدرك الكرملين أن التحركات الأخيرة التي اتخذتها إدارة بايدن، بما في ذلك رفع القيود المفروضة على الأسلحة الموردة إلى أوكرانيا، تعمل على تعزيز نفوذ واشنطن في أي مناقشات مستقبلية. ولهذا السبب فإن موسكو تقاوم بشدة التصعيدات الأكثر خطورة، بينما لا ترد على تلك التي تعتبر أقل أهمية، مثل العقوبات الجديدة ضد النظام المالي الروسي التي كشفت عنها إدارة بايدن في 21 نوفمبر، أو قرار واشنطن بتزويد القوات المسلحة الأوكرانية بالألغام الأرضية.
لا شيء في هذه المرحلة يشير إلى أن بوتن مستعد للتراجع عن أهدافه الأصلية الأكثر تطرفًا - والتي، على حد تعبيره، هي «نزع السلاح وإزالة النازية من أوكرانيا»، وهو ما يعني في نهاية المطاف تغيير النظام في كييف وحق النقض الدائم لموسكو على السياسة الخارجية لأوكرانيا. سيصبح الكرملين سعيدًا بتحقيق هذه الأهداف على طاولة المفاوضات، ولكن إذا لم يتمكن من تأمين الشرط المسبق الأكثر أهمية - التراجع عن الدعم العسكري الغربي لأوكرانيا - فإن الزعيم الروسي سيستمر في القتال، على أمل أن يكون الوقت في صالح روسيا في حرب الاستنزاف، وأن مخزونات الأسلحة الغربية المستنفدة والإحجام عن التصعيد سوف يحد من قدرة ترامب على مساعدة أوكرانيا.
على النقيض من بوتين، لدى شي العديد من الأسباب لتوقع أن يكون الانتقال من بايدن إلى ترامب فترة من الهدوء النسبي في العلاقات بين الصين والولايات المتحدة. ومع ذلك، بمجرد تولي ترامب منصبه، قد يصبح الوضع بالنسبة لبكين محفوفًا بالمخاطر. في السنوات الأخيرة، عملت بكين وواشنطن بجد للحفاظ على الاستقرار والقدرة على التنبؤ في علاقتهما. باستخدام العديد من قنوات الاتصال، بما في ذلك الاتصالات المنتظمة بين مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان ووزير الخارجية الصيني وانج يي، نجحت بكين وواشنطن في الصمود في الانتخابات الرئاسية في يناير في تايوان، وتجنبتا في الغالب حروب التجارة والسيطرة على الصادرات المزعجة، وخفضتا درجة الحرارة في النقاط الساخنة المحتملة للمواجهة العسكرية، بما في ذلك مضيق تايوان وبحر الصين الجنوبي.
أكد آخر اجتماع عقده بايدن وشي في نوفمبر أنهما يعتزمان تمديد هذا النهج حتى 20 يناير. وقد ردت بكين على الفور على مجموعة تدابير الرقابة على الصادرات الجديدة التي فرضتها الإدارة المنتهية ولايتها والتي تستهدف قطاع صناعة الرقائق الصيني، والتي تم الكشف عنها في الثاني من ديسمبر، بحظر صادرات العديد من المعادن الحيوية إلى الولايات المتحدة بما في ذلك الجاليوم والجرمانيوم والانتيمون. لكن هذه التحركات تم إعدادها منذ فترة ولم تكن مفاجئة. وفي الوقت الحالي، لدى الجانبين سبب للحفاظ على الهدوء وممارسة ضبط النفس. يتعامل بايدن مع الحروب في أوكرانيا والشرق الأوسط، والصين ليست في مزاج يسمح لها بالسعي إلى مواجهة غير ضرورية وسط تدهور الظروف الاقتصادية.
في حين أن لدى بوتن أسبابًا للتفاؤل بشأن ترامب، فإن شي لديه الكثير مما يدعو للقلق. فخلال فترة ولاية ترامب الأولى، بدأ حربًا تجارية مع الصين، واستهدف شركة التكنولوجيا الصينية العملاقة هواوي بالعقوبات وحملة ضغط لإلغاء تثبيت معداتها من شبكات الحلفاء، وعزز الأصول والشراكات العسكرية الأمريكية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وأطلق العنان لحرب دعائية بشأن جائحة كوفيد-19. وقد يبدو الوضع أسوأ هذه المرة. ففي عام 2016، كان الاقتصاد الصيني على مسار نمو أقوى بكثير مما هو عليه الآن، وكان الاقتصاد الأمريكي ضعيفًا. واليوم، انقلبت الأمور، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى السياسات الاقتصادية التي انتهجها شي على مدى العقد الماضي.
معظم فريق خبراء الأمن القومي والتجارة الذي يجمعه ترامب، الذين تم ترشيحهم حتى الآن، معروفون بآرائهم المتشددة بشأن الصين، وهم يدعون إلى زيادة الإنفاق الدفاعي لمواجهة بكين، فضلاً عن التعريفات العقابية، والمزيد من القيود على مراقبة الصادرات، ودعم تايوان. ولجعل الأمور أسوأ، فإن معظم كبار المسؤولين الجدد في إدارة ترامب إما غير معروفين تمامًا في الصين أو لم يزوروا البلاد منذ سنوات، ويقضون وقتًا في تايوان بدلاً من ذلك. وبالمثل، فإن فريق شي الحالي، وخاصة كبار مساعديه في الاقتصاد، ليسوا معروفين جيدًا في واشنطن. منذ عام 2022، أحاط شي نفسه بأشخاص - بما في ذلك رئيس أركانه، كاي تشي، ونائب رئيس الوزراء هي ليفينج – ليس لديهم مكانة دولية، ولا يتحدثون الإنجليزية، ومن الصعب التواصل معهم منذ ترقيتهم إلى المكتب السياسي.
في خضم حالة عدم اليقين التي قد يجلبها ترامب، فإن آخر ما يقلق بوتن وشي هو قدرة واشنطن على تحقيق انقسام حقيقي بين بلديهما، على الرغم من وعد ترامب بالقيام بذلك أثناء الحملة الانتخابية. أولا وقبل كل شيء، ما زال من غير الواضح ما إذا كان ترامب قادرًا على التفاوض على صفقة بشأن أوكرانيا ترضي بوتن. وإذا لم تتم معالجة المخاوف الأساسية للكرملين، فقد تستمر موسكو في القتال، وستكون الخطة بأكملها لتحسين العلاقات مع الكرملين على حساب بكين غير مؤكدة. وحتى إذا توصلت جميع الأطراف إلى اتفاق بشأن أوكرانيا وخفف ترامب العقوبات الأمريكية ضد روسيا، فإن السحابة السامة حول الاقتصاد الروسي لن تتبدد على الفور. تزويد موسكو بتدفقات نقدية إضافية سيتطلب موافقة أوروبية، وهو أمر غير مضمون بأي حال من الأحوال، لأن العديد من العواصم لا تزال متشككة في روسيا بوتن ولا تريد العودة إلى عصر ما قبل الحرب من الاعتماد الاقتصادي.
تعتمد روسيا بشكل كبير على الصين اقتصاديًا، حيث إن 40٪ من الواردات الروسية تأتي من الصين و30٪ من الصادرات الروسية تذهب إلى هناك على مدى العامين الماضيين. هذا الاعتماد يتعمق، ولا يمكن التراجع عنه بين عشية وضحاها. ووقف هذا الاعتماد يتطلب جهودًا منسقة من قبل الأمريكيين والأوروبيين لزيادة التجارة الثنائية مع روسيا، وهو أمر يصعب تصوره في ظل ترامب.
أخيرًا، يعرف بوتن وشي أن هذه ستكون فترة ولاية ترامب الأخيرة، وأنه يمكن بسهولة أن يتبعه رئيس من شأنه أن يعكس أي اتفاق تم التوصل إليه في عهد الرئيس الجمهوري. على النقيض من ذلك، يخطط كل من شي وبوتن للبقاء في السلطة بعد عام 2029، عندما تنتهي ولاية ترامب. وبصرف النظر عن العلاقة الشخصية بين بوتن وشي، فإن عدم ثقتهما المشتركة في واشنطن وآمالهما في أن يصبحا أكثر قوة في نظام متعدد الأقطاب - على حساب الولايات المتحدة - من المرجح أن يوفر أساسًا قويًا بما يكفي للحفاظ على الشراكة الصينية الروسية مستقرة ومتنامية.
ألكسندر جابويف مدير مركز كارنيجي روسيا وأوراسيا.
نشر المقال في Foreign Affairs