التواصل الاجتماعي ووعي الشباب
تاريخ النشر: 9th, November 2024 GMT
بدر البلوشي
في عصرنا الراهن، باتت وسائل التواصل الاجتماعي من الأدوات المحورية التي تشكل الوعي الثقافي والفكري للشباب، وتصبح جزءًا لا يتجزأ من حياتهم اليومية، وقد أثرت هذه الوسائل في مسارات الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية بطرق غير مسبوقة، وأصبحت تعبيرًا صريحًا عن الهوية الشخصية والاجتماعية. ولكن، هل يمكننا القول إن هذه الوسائل ساهمت في إيقاظ الوعي لدى الشباب؟ وهل تساهم في تشكيل ثقافتهم بشكل إيجابي؟ الإجابة تتطلب تفحصًا عميقًا لهذا الدور المزدوج الذي تلعبه هذه الوسائل.
في البداية، لا بُد من الإشارة إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي قد أضحت ساحةً حيوية لتبادل الأفكار والمعلومات، ومَسرَحًا لتشكيل الرأي العام. فوفقًا لدراسة أصدرتها "جمعية الإنترنت العالمية" في عام 2023، فإنَّ ما يقارب 80% من الشباب في الفئة العمرية بين 18 و34 سنة يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي بشكل يومي، وهو ما يعكس مستوى التفاعل العالي لهذه الفئة مع هذه المنصات. بل إن بعض الدراسات تشير إلى أن الاستخدام المفرط لوسائل التواصل يمكن أن يؤدي إلى حدوث تحول كبير في مفاهيمهم وهوياتهم الثقافية، خصوصًا عندما يتعرضون لمحتوى يمتاز بالتنوع الفكري والوجداني.
ومن أبرز وظائف وسائل التواصل الاجتماعي في إيقاظ وعي الشباب هو أنها توفر لهم منبرًا للتعبير عن آرائهم ومواقفهم في قضايا حياتية ذات أبعاد اجتماعية أو سياسية، مما يُعزز قدرتهم على النقد والتحليل. وقد أظهرت دراسة قام بها "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" عام 2022 أن الشباب الذين يشاركون في النقاشات السياسية عبر الإنترنت يظهرون مستوى عاليًا من الوعي والإلمام بالقضايا الوطنية والعالمية مقارنة بنظرائهم الذين لا يشاركون في هذه النقاشات. ففي عالم يزخر بالأحداث السياسية والاقتصادية، تصبح وسائل التواصل الاجتماعي بيئة خصبة لصياغة الرأي العام الشبابي وتحفيزهم على التفكير النقدي.
ومن جهة أخرى، يتعين علينا أن نضع في الاعتبار الأثر السلبي لهذه الوسائل على الثقافة الشبابية. فالانفتاح الكبير على المعلومات من مختلف أنحاء العالم قد يؤدي إلى تآكل الهوية الثقافية المحلية للشباب إذا ما غاب الوعي الكافي بالتمسك بالقيم الثقافية الأصيلة. فوسائل التواصل الاجتماعي، وإن كانت تتيح فرصة للاطلاع على الثقافات المختلفة، فإنها قد تؤدي أيضًا إلى تشويش الفهم الثقافي وتكوين مفاهيم مغلوطة عن الهوية الوطنية، خصوصًا إذا ما ساد المحتوى العالمي الترفيهي على حساب المحتوى الثقافي المحلي.
ومن أبرز التحديات التي تُواكب تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على الشباب هو الاختلال في التوازن بين المحتوى المُفيد والمحتوى المُضلِّل. فقد أصبح المحتوى الرقمي في العصر الحالي غير محكوم بالرقابة المناسبة، ما يؤدي إلى انتشار معلومات غير دقيقة وأحيانًا مضللة. في تقرير صادر عن "مؤسسة أبحاث الإنترنت" عام 2024، تم الإشارة إلى أن 48% من المستخدمين الشباب وقعوا ضحية للمحتوى المغلوط، ما يساهم في تشويش الوعي وإضعاف قدرة الشباب على التمييز بين المعلومات الحقيقية والمزيفة. لذا، فإنَّ التحدي الأكبر يكمن في كيفية تمكين الشباب من الأدوات والمهارات اللازمة لتحليل المحتوى الرقمي والتمييز بين المعلومات الصحيحة والمغلوطة، وهذا يتطلب استراتيجيات تعليمية شاملة.
من ناحية أخرى، لا يمكننا إغفال الدور الإيجابي الذي لعبته وسائل التواصل الاجتماعي في إيقاظ وعي الشباب وتحفيزهم على المشاركة في الحركات الاجتماعية والسياسية. فقد أصبحت هذه الوسائل ساحة رئيسية لتنظيم الحركات الشبابية المطالبة بالتغيير الاجتماعي والعدالة السياسية. وفي دراسة أكاديمية نشرتها "جامعة أكسفورد" في عام 2022، لوحظ أن 62% من الشباب في العالم العربي قد شاركوا في فعاليات سياسية أو اجتماعية عبر منصات التواصل، ما يعكس الدور الحيوي لهذه الوسائل في تعزيز المشاركة المجتمعية.
لقد أصبح الشباب اليوم لا يقتصر فقط على استهلاك المحتوى الثقافي، بل بات يشارك في خلق هذا المحتوى وتطويره. ومن خلال منصات مثل "إنستجرام" و"يوتيوب"، يقوم العديد من الشباب بإنتاج محتوى ثقافي وفني يعكس واقعهم وتطلعاتهم.
وفي الختام، يمكن القول إن وسائل التواصل الاجتماعي سلاح ذو حدين في تشكيل وعي الشباب وثقافتهم؛ إذ إنِّها أداة فعالة لإيقاظ الوعي الوطني والسياسي، وتعزيز الفكر النقدي، لكنها في المقابل تحتاج إلى رقابة وتأطير لتجنب الآثار السلبية التي قد تتسبب في تآكل الهوية الثقافية. لذا، ينبغي على الأجيال الشابة أن تكون أكثر وعيًا في كيفية استخدام هذه الأدوات، كما ينبغي على المؤسسات التعليمية والثقافية والمجتمعية أن تعمل على تطوير برامج توعوية تهدف إلى تحصين الشباب ضد التأثيرات السلبية لهذه الوسائل، مع تعزيز الوعي بأهمية الحفاظ على الهوية الثقافية والتفاعل مع العالم من خلال منظور نقدي وبنّاء.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
«وسائل التواصل الاجتماعي وأثرها على الأمن القومي ندوة توعوية بإعلام زفتى
نظم مركز إعلام زفتى ندوة إعلامية تحت عنوان "وسائل التواصل الاجتماعي وأثرها على الأمن القومي"، بقاعة المركز، استهدفت تعزيز الوعي حول المخاطر الأمنية التي تشكلها وسائل التواصل الاجتماعي.
تحدثت في الندوة الدكتورة هناء خليفة خبيرة الإعلام، وأعطت نبذة عن تطور وسائل التواصل الاجتماعي ودورها في تشكيل المجتمعات الحديثة.
و أضافت أن وسائل التواصل الاجتماعي والتي أصبحت سلاحًا ذو حدين، فمن جهة، تسهم في توعية الجمهور وتواصل الحكومات مع مواطنيها، ومن جهة أخرى تُستغل لنشر الشائعات، والأخبار الزائفة، والدعوات للتطرف.
و أوضحت كيف تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي كأداة لنشر الشائعات وتأجيج الصراعات ونشر معلومات مغلوطة أثرت سلبًا على استقرار المجتمعات، مشيرة الى دور الحكومات والتشريعات في حماية الأمن القومي وأن هناك العديد من الجهود الحكومية والتشريعات التي تهدف إلى تنظيم استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وركزت على أهمية وجود قوانين قوية لمراقبة المحتوى الرقمي ومنع انتشار المعلومات المغلوطة والتوعية المجتمعية بكيفية استخدام وسائل التواصل بمسؤولية وتجنب نشر أو تداول الشائعات.
ثم قامت بعرض مقترح لاستراتيجيات توعية يمكن للحكومات والمؤسسات استخدامها لتعزيز ثقافة الوعي الرقمي ومنها (تعزيز التشريعات الرقمية القوانين المتعلقة بتنظيم المحتوى على وسائل التواصل لضمان الحد من الأخبار الزائفة ومحتويات الكراهية، والتوعية العامة بإطلاق حملات توعية تشرح مخاطر الشائعات وأهمية التحقق من المصادر الرسمية، و التعاون الدولي و تعزيز التعاون بين الدول لمواجهة الجرائم الإلكترونية والتحديات الأمنية العالمية، وتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص و التعاون بين الحكومات والشركات المالكة لوسائل التواصل لضبط المحتوى ومنع الانتهاكات التي تهدد الأمن القومي و التدريب وبناء القدرات بتوجيه الأفراد والمجتمع نحو الاستخدام الواعي لوسائل التواصل من خلال برامج تعليمية وتدريبية).
حضر الندوة لفيف من موظفي الإدارات الحكومية، وأدارها السيد سعدالله الغرباوي أخصائي الإعلام بمجمع إعلام زفتى، تحت إشراف عبد الله الحصري مدير مجمع اعلام زفتى، وعزة سرور مدير عام إدارة اعلام وسط الدلتا، و الدكتور أحمد يحي وكيل أول الوزارة رئيس قطاع الاعلام الداخلي.