جريدة الرؤية العمانية:
2024-12-22@05:46:56 GMT

التواصل الاجتماعي ووعي الشباب

تاريخ النشر: 9th, November 2024 GMT

التواصل الاجتماعي ووعي الشباب

 

بدر البلوشي

في عصرنا الراهن، باتت وسائل التواصل الاجتماعي من الأدوات المحورية التي تشكل الوعي الثقافي والفكري للشباب، وتصبح جزءًا لا يتجزأ من حياتهم اليومية، وقد أثرت هذه الوسائل في مسارات الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية بطرق غير مسبوقة، وأصبحت تعبيرًا صريحًا عن الهوية الشخصية والاجتماعية. ولكن، هل يمكننا القول إن هذه الوسائل ساهمت في إيقاظ الوعي لدى الشباب؟ وهل تساهم في تشكيل ثقافتهم بشكل إيجابي؟ الإجابة تتطلب تفحصًا عميقًا لهذا الدور المزدوج الذي تلعبه هذه الوسائل.

في البداية، لا بُد من الإشارة إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي قد أضحت ساحةً حيوية لتبادل الأفكار والمعلومات، ومَسرَحًا لتشكيل الرأي العام. فوفقًا لدراسة أصدرتها "جمعية الإنترنت العالمية" في عام 2023، فإنَّ ما يقارب 80% من الشباب في الفئة العمرية بين 18 و34 سنة يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي بشكل يومي، وهو ما يعكس مستوى التفاعل العالي لهذه الفئة مع هذه المنصات. بل إن بعض الدراسات تشير إلى أن الاستخدام المفرط لوسائل التواصل يمكن أن يؤدي إلى حدوث تحول كبير في مفاهيمهم وهوياتهم الثقافية، خصوصًا عندما يتعرضون لمحتوى يمتاز بالتنوع الفكري والوجداني.

ومن أبرز وظائف وسائل التواصل الاجتماعي في إيقاظ وعي الشباب هو أنها توفر لهم منبرًا للتعبير عن آرائهم ومواقفهم في قضايا حياتية ذات أبعاد اجتماعية أو سياسية، مما يُعزز قدرتهم على النقد والتحليل. وقد أظهرت دراسة قام بها "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" عام 2022 أن الشباب الذين يشاركون في النقاشات السياسية عبر الإنترنت يظهرون مستوى عاليًا من الوعي والإلمام بالقضايا الوطنية والعالمية مقارنة بنظرائهم الذين لا يشاركون في هذه النقاشات. ففي عالم يزخر بالأحداث السياسية والاقتصادية، تصبح وسائل التواصل الاجتماعي بيئة خصبة لصياغة الرأي العام الشبابي وتحفيزهم على التفكير النقدي.

ومن جهة أخرى، يتعين علينا أن نضع في الاعتبار الأثر السلبي لهذه الوسائل على الثقافة الشبابية. فالانفتاح الكبير على المعلومات من مختلف أنحاء العالم قد يؤدي إلى تآكل الهوية الثقافية المحلية للشباب إذا ما غاب الوعي الكافي بالتمسك بالقيم الثقافية الأصيلة. فوسائل التواصل الاجتماعي، وإن كانت تتيح فرصة للاطلاع على الثقافات المختلفة، فإنها قد تؤدي أيضًا إلى تشويش الفهم الثقافي وتكوين مفاهيم مغلوطة عن الهوية الوطنية، خصوصًا إذا ما ساد المحتوى العالمي الترفيهي على حساب المحتوى الثقافي المحلي.

ومن أبرز التحديات التي تُواكب تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على الشباب هو الاختلال في التوازن بين المحتوى المُفيد والمحتوى المُضلِّل. فقد أصبح المحتوى الرقمي في العصر الحالي غير محكوم بالرقابة المناسبة، ما يؤدي إلى انتشار معلومات غير دقيقة وأحيانًا مضللة. في تقرير صادر عن "مؤسسة أبحاث الإنترنت" عام 2024، تم الإشارة إلى أن 48% من المستخدمين الشباب وقعوا ضحية للمحتوى المغلوط، ما يساهم في تشويش الوعي وإضعاف قدرة الشباب على التمييز بين المعلومات الحقيقية والمزيفة. لذا، فإنَّ التحدي الأكبر يكمن في كيفية تمكين الشباب من الأدوات والمهارات اللازمة لتحليل المحتوى الرقمي والتمييز بين المعلومات الصحيحة والمغلوطة، وهذا يتطلب استراتيجيات تعليمية شاملة.

من ناحية أخرى، لا يمكننا إغفال الدور الإيجابي الذي لعبته وسائل التواصل الاجتماعي في إيقاظ وعي الشباب وتحفيزهم على المشاركة في الحركات الاجتماعية والسياسية. فقد أصبحت هذه الوسائل ساحة رئيسية لتنظيم الحركات الشبابية المطالبة بالتغيير الاجتماعي والعدالة السياسية. وفي دراسة أكاديمية نشرتها "جامعة أكسفورد" في عام 2022، لوحظ أن 62% من الشباب في العالم العربي قد شاركوا في فعاليات سياسية أو اجتماعية عبر منصات التواصل، ما يعكس الدور الحيوي لهذه الوسائل في تعزيز المشاركة المجتمعية.

لقد أصبح الشباب اليوم لا يقتصر فقط على استهلاك المحتوى الثقافي، بل بات يشارك في خلق هذا المحتوى وتطويره. ومن خلال منصات مثل "إنستجرام" و"يوتيوب"، يقوم العديد من الشباب بإنتاج محتوى ثقافي وفني يعكس واقعهم وتطلعاتهم.

وفي الختام، يمكن القول إن وسائل التواصل الاجتماعي سلاح ذو حدين في تشكيل وعي الشباب وثقافتهم؛ إذ إنِّها أداة فعالة لإيقاظ الوعي الوطني والسياسي، وتعزيز الفكر النقدي، لكنها في المقابل تحتاج إلى رقابة وتأطير لتجنب الآثار السلبية التي قد تتسبب في تآكل الهوية الثقافية. لذا، ينبغي على الأجيال الشابة أن تكون أكثر وعيًا في كيفية استخدام هذه الأدوات، كما ينبغي على المؤسسات التعليمية والثقافية والمجتمعية أن تعمل على تطوير برامج توعوية تهدف إلى تحصين الشباب ضد التأثيرات السلبية لهذه الوسائل، مع تعزيز الوعي بأهمية الحفاظ على الهوية الثقافية والتفاعل مع العالم من خلال منظور نقدي وبنّاء.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

طبيب تركي: إدمان وسائل التواصل يسبب تعفن الدماغ

حذّر البروفيسور الدكتور آشقين أسن خاصتورك، أخصائي جراحة الدماغ والأعصاب، من أن الاستخدام غير الضروري والترفيهي لوسائل التواصل الاجتماعي يسبب تعفن الدماغ.

وقال خاصتورك، الذي يعمل في مستشفى أبحاث السرطان والتدريب التابع لوزارة الصحة بالعاصمة التركية أنقرة، في مقابلة مع الأناضول، إن تعفن الدماغ يؤثر على جميع الفئات العمرية.

وأوضح أن مصطلح تعفن الدماغ يرتبط بالاستخدام المفرط والمستمر لوسائل التواصل الاجتماعي والمحتوى اللا متناهي في تلك المنصات، مما يؤدي إلى تخدير الدماغ.
ورغم أن هذا المصطلح قد يبدو مخيفا في البداية، فإنه يجب ألا يُفهم كتشخيص طبي إنما توصيف لحالة صحية، وفق قول خاصتورك.

وتابع أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بشكل مفرط يؤدي إلى تدهور الوظائف الفكرية للإنسان، مثل الذاكرة، والانعزال الاجتماعي، وبالتالي تطور حالات من الاكتئاب بسبب العزلة.

وفي ديسمبر/كانون الثاني الجاري، اختار قاموس أكسفورد، أحد أهم وأقدم المعاجم في اللغة الإنجليزية، مصطلح تعفن الدماغ (Brain rot) ليكون مصطلح العام 2024، في تصويت جرى بمشاركة أكثر من 37 ألف شخص.

ظاهرة شائعة

وقال البروفيسور خاصتورك إن الاستخدام غير الصحي لوسائل التواصل الاجتماعي يؤدي إلى امتلاء الدماغ بما يشبه النفايات، الناتجة عن متابعة آلاف الفيديوهات، مما يسبب له الضرر.

إعلان

وأضاف أن تعفن الدماغ هو مصطلح شعبي يشير إلى حالة عامة تنتج عن الاستخدام غير الطبيعي لوسائل التواصل الاجتماعي، مثل الاستعمال المستمر للأجهزة المحمولة، مما يؤدي إلى تدهور في الوظائف الفكرية والعلاقات الإنسانية.

وأوضح خاصتورك أن هناك بعض السلوكيات التي تشير إلى تعفن الدماغ، تتمثل أبرزها في العيش مع الهاتف بشكل دائم، والمتابعة المحمومة للإشعارات، وتفضيل وسائل التواصل على العلاقات الإنسانية والهوايات المختلفة.

وأشار إلى أن هذه الظاهرة أصبحت شائعة بشكل متزايد بين الكثيرين، بعدما أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي جزءا لا غنى عنه في الحياة اليومية.

تأثيرات سلبية

وقال البروفيسور خاصتورك رغم تأثير تعفن الدماغ على جميع الفئات العمرية فإن الأطفال والمراهقين الأكثر تأثرا.

وأضاف: الدراسات التي أُجريت في الولايات المتحدة عام 2023 أظهرت أن الاعتماد على وسائل التواصل والهاتف المحمول قد ازداد بشكل كبير، حيث ارتفع من 40% إلى 70% في الفئة بين 6 و14 عاما، في حين وصل وقت الاستخدام اليومي للإنترنت بين المراهقين إلى 9 ساعات.

وتعقيبا على تلك المعطيات، قال خاصتورك إن هذا التوجه يُثير القلق بشأن مستقبل الأجيال القادمة.

واستكمل: المراهقة تعد مرحلة حاسمة في تكوين الشخصية، حيث يؤثر الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي في بناء الشخصية وتطوير المهارات الاجتماعية والعاطفية.

وأشار إلى أن المجتمعات الغربية بدأت تتخذ تدابير للحد من تأثيرات تعفن الدماغ، مثل تقليل الوقت الذي يقضيه الأطفال والمراهقون في التفاعل مع وسائل التواصل والتركيز على علاقاتهم الاجتماعية الواقعية.

مواجهة تعفن الدماغ

ودعا البروفيسور خاصتورك الأسر إلى اتخاذ تدابير فعالة للحد من إدمان الهواتف المحمولة والشاشات لدى الأطفال والمراهقين.

وأضاف: من المهم أن نتخذ تدابير جادة لمنع الإدمان على الشاشات والهواتف، مثل فرض حد أدنى لسن استخدام الهواتف المحمولة، على سبيل المثال 16 عاما، واتخاذ تدابير مثل جمع الهواتف من الأطفال من قبل الآباء والأمهات بعد ساعة معينة.

إعلان

كما اقترح من ضمن تدابير منع الإدمان على الشاشات إمكانية وضع حدود لوقت الاستخدام، وإيقاف الإنترنت خلال أوقات النوم والمناسبات الاجتماعية مثل العشاء أو المحادثات مع الأصدقاء.

واختتم خاصتورك حديثه قائلا: من المهم أن يكون البالغون قدوة في مواجهة تعفن الدماغ، يجب أن نتبنى نمطا معتدلا لاستخدام الشاشات، ونبرز أهمية الهوايات والعلاقات الإنسانية، ونعمل على خلق مناطق وأوقات خالية من الأجهزة في حياتنا اليومية.

مقالات مشابهة

  • ألبانيا تحظر تطبيق تيك توك لمدة عام بعد مقتل مراهق
  • حظر تيك توك بعد مقتل مراهق
  • الرياض.. ضبط شخص لترويجه المخدرات عبر مواقع التواصل الاجتماعي
  • الرئيس السيسي: أطراف تستخدم مواقع التواصل الاجتماعي لتزييف الوعي ونشر الأكاذيب
  • السيسي: البعض يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي في تزييف الوعي ونشر الأكاذيب والشائعات
  • عبر الوسائط الرقمية طبيب غزي يعزز الوعي بالقضية الفلسطينية في الصين
  • طبيب تركي: إدمان وسائل التواصل يسبب تعفن الدماغ
  • دعوة لإضافة التربية الإعلامية كمقرر في التعليم المتوسط في جلسة حوارية ببنغازي
  • صورة مسربة من زفاف رونالدو وجورجينا تشعل مواقع التواصل الاجتماعي .. مالقصة؟
  • بيع سيارات شيري بالتقسيط .. الشركة تُحذّر