جريدة الرؤية العمانية:
2025-11-19@08:52:55 GMT

التواصل الاجتماعي ووعي الشباب

تاريخ النشر: 9th, November 2024 GMT

التواصل الاجتماعي ووعي الشباب

 

بدر البلوشي

في عصرنا الراهن، باتت وسائل التواصل الاجتماعي من الأدوات المحورية التي تشكل الوعي الثقافي والفكري للشباب، وتصبح جزءًا لا يتجزأ من حياتهم اليومية، وقد أثرت هذه الوسائل في مسارات الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية بطرق غير مسبوقة، وأصبحت تعبيرًا صريحًا عن الهوية الشخصية والاجتماعية. ولكن، هل يمكننا القول إن هذه الوسائل ساهمت في إيقاظ الوعي لدى الشباب؟ وهل تساهم في تشكيل ثقافتهم بشكل إيجابي؟ الإجابة تتطلب تفحصًا عميقًا لهذا الدور المزدوج الذي تلعبه هذه الوسائل.

في البداية، لا بُد من الإشارة إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي قد أضحت ساحةً حيوية لتبادل الأفكار والمعلومات، ومَسرَحًا لتشكيل الرأي العام. فوفقًا لدراسة أصدرتها "جمعية الإنترنت العالمية" في عام 2023، فإنَّ ما يقارب 80% من الشباب في الفئة العمرية بين 18 و34 سنة يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي بشكل يومي، وهو ما يعكس مستوى التفاعل العالي لهذه الفئة مع هذه المنصات. بل إن بعض الدراسات تشير إلى أن الاستخدام المفرط لوسائل التواصل يمكن أن يؤدي إلى حدوث تحول كبير في مفاهيمهم وهوياتهم الثقافية، خصوصًا عندما يتعرضون لمحتوى يمتاز بالتنوع الفكري والوجداني.

ومن أبرز وظائف وسائل التواصل الاجتماعي في إيقاظ وعي الشباب هو أنها توفر لهم منبرًا للتعبير عن آرائهم ومواقفهم في قضايا حياتية ذات أبعاد اجتماعية أو سياسية، مما يُعزز قدرتهم على النقد والتحليل. وقد أظهرت دراسة قام بها "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" عام 2022 أن الشباب الذين يشاركون في النقاشات السياسية عبر الإنترنت يظهرون مستوى عاليًا من الوعي والإلمام بالقضايا الوطنية والعالمية مقارنة بنظرائهم الذين لا يشاركون في هذه النقاشات. ففي عالم يزخر بالأحداث السياسية والاقتصادية، تصبح وسائل التواصل الاجتماعي بيئة خصبة لصياغة الرأي العام الشبابي وتحفيزهم على التفكير النقدي.

ومن جهة أخرى، يتعين علينا أن نضع في الاعتبار الأثر السلبي لهذه الوسائل على الثقافة الشبابية. فالانفتاح الكبير على المعلومات من مختلف أنحاء العالم قد يؤدي إلى تآكل الهوية الثقافية المحلية للشباب إذا ما غاب الوعي الكافي بالتمسك بالقيم الثقافية الأصيلة. فوسائل التواصل الاجتماعي، وإن كانت تتيح فرصة للاطلاع على الثقافات المختلفة، فإنها قد تؤدي أيضًا إلى تشويش الفهم الثقافي وتكوين مفاهيم مغلوطة عن الهوية الوطنية، خصوصًا إذا ما ساد المحتوى العالمي الترفيهي على حساب المحتوى الثقافي المحلي.

ومن أبرز التحديات التي تُواكب تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على الشباب هو الاختلال في التوازن بين المحتوى المُفيد والمحتوى المُضلِّل. فقد أصبح المحتوى الرقمي في العصر الحالي غير محكوم بالرقابة المناسبة، ما يؤدي إلى انتشار معلومات غير دقيقة وأحيانًا مضللة. في تقرير صادر عن "مؤسسة أبحاث الإنترنت" عام 2024، تم الإشارة إلى أن 48% من المستخدمين الشباب وقعوا ضحية للمحتوى المغلوط، ما يساهم في تشويش الوعي وإضعاف قدرة الشباب على التمييز بين المعلومات الحقيقية والمزيفة. لذا، فإنَّ التحدي الأكبر يكمن في كيفية تمكين الشباب من الأدوات والمهارات اللازمة لتحليل المحتوى الرقمي والتمييز بين المعلومات الصحيحة والمغلوطة، وهذا يتطلب استراتيجيات تعليمية شاملة.

من ناحية أخرى، لا يمكننا إغفال الدور الإيجابي الذي لعبته وسائل التواصل الاجتماعي في إيقاظ وعي الشباب وتحفيزهم على المشاركة في الحركات الاجتماعية والسياسية. فقد أصبحت هذه الوسائل ساحة رئيسية لتنظيم الحركات الشبابية المطالبة بالتغيير الاجتماعي والعدالة السياسية. وفي دراسة أكاديمية نشرتها "جامعة أكسفورد" في عام 2022، لوحظ أن 62% من الشباب في العالم العربي قد شاركوا في فعاليات سياسية أو اجتماعية عبر منصات التواصل، ما يعكس الدور الحيوي لهذه الوسائل في تعزيز المشاركة المجتمعية.

لقد أصبح الشباب اليوم لا يقتصر فقط على استهلاك المحتوى الثقافي، بل بات يشارك في خلق هذا المحتوى وتطويره. ومن خلال منصات مثل "إنستجرام" و"يوتيوب"، يقوم العديد من الشباب بإنتاج محتوى ثقافي وفني يعكس واقعهم وتطلعاتهم.

وفي الختام، يمكن القول إن وسائل التواصل الاجتماعي سلاح ذو حدين في تشكيل وعي الشباب وثقافتهم؛ إذ إنِّها أداة فعالة لإيقاظ الوعي الوطني والسياسي، وتعزيز الفكر النقدي، لكنها في المقابل تحتاج إلى رقابة وتأطير لتجنب الآثار السلبية التي قد تتسبب في تآكل الهوية الثقافية. لذا، ينبغي على الأجيال الشابة أن تكون أكثر وعيًا في كيفية استخدام هذه الأدوات، كما ينبغي على المؤسسات التعليمية والثقافية والمجتمعية أن تعمل على تطوير برامج توعوية تهدف إلى تحصين الشباب ضد التأثيرات السلبية لهذه الوسائل، مع تعزيز الوعي بأهمية الحفاظ على الهوية الثقافية والتفاعل مع العالم من خلال منظور نقدي وبنّاء.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

صوت الوعي يكسر ضجيج التحريض.. الحوثيون يصرخون بعد سقوط أدواتهم الرقمية

في تطور لافت يعكس حجم الارتباك داخل المنظومة الإعلامية لميليشيا الحوثي، تصاعدت خلال الأيام الماضية موجة صراخ وغضب واسع بين قيادات ونشطاء الجماعة، عقب حذف عشرات حساباتهم من منصات التواصل الاجتماعي، ضمن حملة رقمية وصفت بأنها "الأكبر" لاستهداف خطاب التحريض والتطرف الذي تبثه الجماعة منذ سنوات.

وتحوّلت هذه الإجراءات إلى ما يشبه "انفجارًا لفظيًا" داخل الصف الحوثي، بعد خروج قيادات إعلامية بارزة بتسجيلات وتصريحات متشنجة، حملت طابع التهديد، وتضمّنت اتهامات واسعة لمنصات التواصل العالمية بأنها تخوض "حربًا" ضد الجماعة.

وتأتي هذه التطورات في سياق حملة يقودها نشطاء يمنيون تحت مظلة مبادرة "واعي"، استهدفت حسابات وصفحات حوثية متورطة– وفق القائمين عليها– بترويج خطاب الكراهية والتضليل الإعلامي وتبرير العنف المسلح. لكن ردّ الفعل الحوثي كان أشدّ حدّة من المتوقع، ما كشف مدى اعتماد الجماعة على الفضاء الرقمي كرافعة تعبئة أساسية تعوّض بها خسائرها السياسية والعسكرية.

هجوم هستيري على "فيسبوك"

نشطاء وقيادات الجماعة نشروا تسجيلات مصوّرة، عبروا من خلالها عن استياء شديد من الإجراءات التي يرونها "مؤامرة رقمية" تهدف إلى تصفية وجودهم. كما هدد بعضهم بحجب منصات التواصل الاجتماعي داخل اليمن إذا استمرت الحملة ضدهم، في تحذير يعكس التوتر الشديد بين الأجهزة الأمنية والإعلامية للجماعة وبين المجتمع الرقمي اليمني.

كان أبرز المتأثرين مدير وكالة سبأ التابعة للحوثيين نصر الدين عامر، الذي حُذف حسابه من فيسبوك، ليكتب على منصة "إكس" مقالاً بعنوان "الخلاصة في قضية إغلاق بعض الحسابات على فيسبوك". عامر وصف الإغلاق بأنه: جزء من مخطط تصعيد في الجولة القادمة من الصراع مع العدو، وقاعدة لحرب إعلامية ونفسية جديدة على حد تعبيره. الإعلامي الحوثي في قناة المسيرة حميد رزق هو الآخر صبّ غضبه على ما وصفه بـ"التوجهات الأمريكية الصهيونية لإسكات أصواتنا"، زاعماً أن الحذف "استهداف للصورة المشرفة لصنعاء في وقوفها مع غزة".

أما أحمد مطهر الشامي، الوكيل المعين من الحوثيين في وزارة الإعلام، فقد اتهم إدارة فيسبوك بالانحياز لـ"الإسرائيلي"، مهاجماً الناشطين اليمنيين الذين شاركوا في حملة الإبلاغ". فيما الشيخ القبلي المؤيد للحوثيين أمين عاطف اعتبر الحذف "استهدافًا رقميًا" يطال حرية التعبير في اليمن، معلنًا تأسيس ما أسماها "رابطة الإعلام الشعبي اليمني".  الشاعر الموالي للحوثيين محمد الجرموزي ذهب أبعد من الجميع، مدعياً أن الأمر يتجاوز حذف حسابات إلى "اختراقات واسعة وسحب بيانات"، معتبرًا أن ذلك يجب أن يدفع الجماعة إلى "قرارات عاجلة" قبل أن تتسع التداعيات.

استمرار مكافحة التضليل 

وتأتي الحملة الرقمية التي تقودها منصة "واعي" في سياق تصاعد المواجهة الإعلامية على منصات التواصل الاجتماعي، إذ تهدف إلى ملاحقة وإزالة المحتوى الذي يثير الكراهية والذي تروّج له جماعة الحوثي وأنصارها. كما تقول المنصة. وحصدت الحملة خلال أيامها الأولى تأييدًا واسعًا بين أوساط الشعب ومستخدمي مستخدمي مواقع التواصل في اليمن، مقابل موجة استياء وغضب بين ناشطين موالين للجماعة.

وخلال الأيام الماضية، نجحت "واعي" في إغلاق عدد من أبرز الحسابات المرتبطة بالجماعة، ووفق آخر الاحصائيات الصادر عن المنصة بلغ عدد المنصات التي تم حذفها حتى اليوم 117 منصة تابعة للحوثيين يتابعها أكثر من 3.5 مليون متابع.

يرى مراقبون أن حذف هذه الحسابات يمثل اختبارًا حقيقيًا لقدرة الحوثيين على الصمود إعلاميًا دون منصات دعمهم التقليدية. الجماعة، بحسب تقارير أمنية، اعتمدت في السنوات الماضية بشدة على الفضاء الرقمي لنشر خطاب التطرف والتجنيد وتصوير خصومها على أنهم أعداء. لكن مع تزايد حملات التبليغ والمراقبة الرقمية من جهات يمنية ودولية، يبدو أن الحوثيين على مشارف مرحلة جديدة من التضييق الإعلامي قد تؤثر على استراتيجيتهم الدعائية.

قال المهندس فهمي الباحث، المتخصص في الأمن الرقمي، إن ما تقوم به منصة "واعي" يشكّل خطوة بالغة الأهمية لحماية المجتمع اليمني من خطاب الكراهية والتضليل الإعلامي الذي مارسته ميليشيا الحوثي لسنوات طويلة. وأوضح أن الحسابات المحذوفة كانت أدوات لنشر التحريض وتزييف الوعي وبث الانقسام بين اليمنيين، وأن الاصطفاف الشعبي الواسع خلف الحملة يعكس نضجاً جديداً في الوعي الرقمي، ويدل على أن حماية الفضاء العام مسؤولية جماعية.

وأكد الباحث دعمه الكامل لكل الجهود التي تسعى لخلق بيئة رقمية صحية تكون مساحة للحوار البناء، وتنبذ العنف والإرهاب والكراهية، مشددًا على أن مواجهة التضليل خطوة ضرورية لتحصين المجتمع من الدعاية المتطرفة.

جريمة مركبة وعرقية طائفية

ويرى الناشط الحقوقي همدان العليي أنّ مشاهد التهديد الحوثية بحجب منصات التواصل الاجتماعي عن ملايين اليمنيين، عقب حذف بعض حسابات قيادات الميليشيا، تكشف حقيقة تعامل الجماعة مع الشعب اليمني باعتباره "رهائن" تستخدمهم للابتزاز السياسي.

وأشار العليي إلى أنّ ما ورد في كتابه "الجريمة المُركّبة.. أصول التجويع العنصري في اليمن" يثبت بما لا يدع مجالاً للشك أنّ الحوثيين يوظفون معاناة اليمنيين كورقة ضغط على الحكومة ودول الإقليم والعالم، وهو ما تؤكده الأحداث الأخيرة.

وأضاف أن الجماعة لا ترى اليمنيين كمواطنين، بل كوسيلة لتحقيق أهدافها "العرقية الطائفية"، وأن تهديدها بحرمان ملايين اليمنيين من حقهم في التواصل والمعرفة والعمل، فقط لأن منصات عالمية أغلقت حسابات تحريضية حوثية، يعكس منطق العصابات التي تحتجز الأبرياء لتحقيق مكاسب غير مشروعة.

وختم العليي بأن "الرذيلة الحوثية" تتجسد في استخدام اليمنيين دروعاً بشرية ثم الادعاء بالدفاع عنهم، في تناقض فجّ يكشف طبيعة الجماعة.

فيما اعتبرت إيمان حُميد أن حملة منصة "واعي" لإغلاق الحسابات الحوثية على مواقع التواصل تمثل انتصاراً معنوياً كبيراً لليمنيين الذين أنهكتهم سنوات التضليل وتشويه الحقيقة. وأوضحت أن هذه الخطوة ليست مجرد عمل تقني، بل "انتصار للكرامة والوعي اليمني"، وأنها تبعث شعوراً جمعياً بالانتصار طال انتظاره، مؤكداً أن ما قامت به المنصة كشف أن الوعي الشعبي أقوى من كل الأصوات المأجورة التي روجت للميليشيا.

وأضاف حُميد في تعليق مفعم بالمشاعر أن اليمنيين يترقبون اليوم الذي تسقط فيه "المشروع السلالي" ويعود السلام إلى صنعاء، قائلاً إن فرحة التحرر ستكون مختلفة، فرحة تُطهِّر الروح قبل الأرض. وختم بالدعاء أن يأتي اليوم الذي يحتفل فيه اليمنيون على أرض الواقع بنهاية الكابوس الحوثي وعودة اليمن إلى مكانته الطبيعية كبلد للحياة والجمال والفن.

مقالات مشابهة

  • المُتحدث العسكري الإسرائيلي السابق.. خسرنا معركة الرأي العام على وسائل التواصل الاجتماعي
  • صحفيون يحذرون من لجوء الحكومة البريطانية إلى المؤثرين لتمرير سياساتها
  • قبرص: أرقام صادمة تدق ناقوس الخطر.. طفل يتعرّض للإساءة كل 20 ساعة
  • بالصورة.. صحيفة “الغارديان” البريطانية تهاجم القيادي بمليشيا الدعم السريع “الربيع عبد المنعم” وتؤكد حذف حساباته على منصات التواصل الاجتماعي
  • صورة حورية فرغلي بفستان الزفاف تشعل مواقع التواصل الاجتماعي
  • مرصد الأزهر يؤكد مواصلة جهوده لحماية الشباب وتعزيز الوعي الوطني
  • صوت الوعي يكسر ضجيج التحريض.. الحوثيون يصرخون بعد سقوط أدواتهم الرقمية
  • الفيفا يعلن الحرب على الإساءة الرقمية: آلاف المنشورات تحت المراجعة ومخالفون خلف القضبان
  • «الفيفا» يحارب الإساءة عبر الإنترنت
  • فيفا يواصل استهداف التعليقات المسيئة عبر منصات التواصل الإجتماعي