شتولتنبرج: مخاوف أوروبا من ترامب تعتمد علينا أكثر مما تعتمد عليه
تاريخ النشر: 9th, November 2024 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
رأى الأمين العام السابق لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، ينس شتولتنبرج في مقال رأي نشرته صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية، اليوم السبت، أن المخاوف التي تنتاب أوروبا تجاه الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب العائد إلى البيت الأبيض في ولاية ثانية، تعتمد على قادتها أكثر مما تعتمد عليه.
وقال شتولتنبرج الذي غادر منصبه مطلع أكتوبر الماضي بعد 10 سنوات قضاها أمينًا عامًا للحلف، وسيُصبح رئيسًا جديدًا لمؤتمر ميونخ للأمن في فبراير 2025 - إن قادة أوروبا إذا التزموا بما عليهم في صفقة الناتو فستفعل الإدارة الأمريكية الشيء نفسه.
وبدأ شتولتنبرج مقاله قائلًا "إن الشعب الأمريكي قال كلمته ومن المقرر أن يعود دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.. وأضاف أن عودته دفعت بالكثيرين إلى اليأس إزاء احتمال أن يتصرف بناءً على تهديدات سابقة بخفض الدعم الأمريكي، تاركًا أوروبا وحدها في التصدي لتحدياتها الأمنية، وهذه ليست مخاوف لا أساس لها - فقد أثار خطاب حملة ترامب مخاوف مشروعة بشأن التزامه بالأمن الأوروبي، ولكن في النهاية، ما إن كانت هذه المخاوف ستصبح حقيقة أم لا هو أمر "يعتمد علينا أكثر من ترامب نفسه".
وأضاف أنه حين تولى ترامب منصبه في عام 2017، كان العديد من الساسة الأوروبيين قلقين أيضًا بشأن ما قد يعنيه انتخابه لمستقبل الشراكة عبر الأطلسي، وشعر ترامب أن الولايات المتحدة حصلت على صفقة سيئة، إذ كان يعتقد أن الحلفاء لا يبذلون قصارى جهدهم ونظر إلى الحلف في البداية باعتباره عبئًا وليس ذخرًا، ورغم أنه قبِل في النهاية المزايا التي لا يمكن إنكارها لوجود حلفاء، فقد كان محقًا: لقد سمحت أوروبا حقًا لقواتها بالضمور، وأصبحت العديد من الدول تعتمد اعتمادًا خطيرًا على الغاز الروسي، وستكلف هذه الهفوات الأوروبيين غاليًا في وقت لاحق، على حد قول شتولتنبرج.
ولفت أمين عام الناتو السابق إلى أنه خلال فترة وجود ترامب في البيت الأبيض، أقام الحلف معه علاقة عمل جيدة وموثوقة، مضيفًا "في بعض الأحيان كانت لدينا اجتماعات عاصفة في الناتو، لكننا أنجزنا الأمور"، "وعندما ترك ترامب منصبه، كان الناتو قد أصبح الناتو - وهو أقوى اليوم، وكما أظهرت استجابتنا الجماعية لحرب روسيا ضد أوكرانيا، فالناتو اليوم ليس شيئًا عفا عليه الزمن ولا ميتًا دماغيًا، وهذا جيد - لكنه ليس جيدًا بما فيه الكفاية".
وأشار إلى أنه في حين أصبح الأوروبيون حلفاء أفضل، فقد تدهورت البيئة الأمنية بشكل كبير، ونتيجة لذلك، طرأ تغير آخر على خط الأساس المحدد لما يجب على الحليف الجيد فعله، ففي عام 2014، وافق حلفاء حلف الناتو على هدف تخصيص 2% من الناتج المحلي الإجمالي للإنفاق الدفاعي بحلول عام 2024، وقد حقق معظمهم هذا الهدف، لكن هدف عام 2014 ببساطة ليس كافيًا في البيئة الأمنية لعام 2024 "فهو حدًا أدنى، وليس سقفًا".
واعتبر أن القادة الأوروبيين يعرفون أنهم بحاجة إلى بذل المزيد من الجهد، وعودة ترامب إلى البيت الأبيض تعزز هذه الرسالة ليس إلا، وقال إن "أوروبا إذا أوفت بحصتها من الصفقة، فأنا على ثقة من أن الإدارة الأمريكية الجديدة ستفي بحصتها".
وأشار إلى أن تشكك ترامب في استراتيجية الناتو الحالية لدعم أوكرانيا قد ينطوي على شيء من الحقيقة أيضًا، فقد قدمت الولايات المتحدة وأوروبا لأوكرانيا دعمًا عسكريًا كبيرًا، لكنه في نهاية المطاف غير كاف ــ يكفي للبقاء لكنه ليس كافيًا لإنهاء الحرب بشروط مواتية.
ورأى شتولتنبرج أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا يزال يعتقد على ما يبدو أنه "يستطيع تحقيق أهدافه في ساحة المعركة وينتظرنا فقط، معتمدًا على افتراض أن مجتمعاتنا سوف تتوانى"، مضيفًا أن "الاستسلام للمعتدي سيكون أسرع وسيلة لإنهاء الحرب، لكن هذا لن يعني السلام ولن يوفر التكاليف".
وتابع "هذه هي المفارقة الأساسية: كلما زادت الأسلحة التي نقدمها، زادت احتمالات تحقيق السلام، وكلما كان دعمنا الطويل الأجل أكثر مصداقية، انتهت الحرب في وقت أقرب، وكلما فعلنا أكثر الآن، قل ما سيكون علينا إنفاقه في وقت لاحق".
ووفقًا له فقد لا يبدو هذا النهج متماشيًا مع تفكير ترامب، لكن الرئيس الأمريكي المنتخب دعا في ولايته الأولى بالفعل إلى سياسة القوة، وهو الذي قرر أولًا تسليم الأسلحة الفتاكة إلى أوكرانيا، بما في ذلك صواريخ جافلين المضادة للدبابات "التي أثبتت أنها حاسمة للغاية عندما غزت روسيا أوكرانيا".
وتابع "إذا كان ترامب يريد إنهاء هذه الحرب، كما وعد، فيجب أن يثبت لبوتين أن العدوان المستمر لا معنى له، وبوتين يدرك الضعف لكنه يحترم القوة، ويجب أن يكون الحلفاء الأوروبيون مستعدين لدعم استراتيجية كهذه، والعمل مع ترامب للتوصل إلى تسوية تفاوضية مقبولة لأوكرانيا ولا تكافئ العدوان".
وقال إنه بينما يجب أن يفهم ترامب أن استمرار التزام الولايات المتحدة بأوروبا للردع عن حرب مكلفة أخرى هو في مصلحة أمريكا، يمكن لأوروبا أن تفعل المزيد لدعم الولايات المتحدة في أماكن أخرى، وأوضح أن ترامب زعم على غرار الرؤساء السابقين بأن الولايات المتحدة يجب أن تركز على التحديات في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، ويمكن للحلفاء الأوروبيين إثبات جدارتهم من خلال مساعدته في القيام بذلك، على سبيل المثالبأن يعرضوا تعويض قدرات محددة قد تحتاجها الولايات المتحدة هناك.
ولفت شتولتنبرج إلى أن معظم الأمريكيين يقدرون الناتو، ورغم أنهم قد يختلفون حاليًا حول العديد من القضايا الأساسية، فإن التعاون عبر الأطلسي ليس واحدًا منها، ولا يزال الدعم والفخر بأقوى تحالف عسكري شهده العالم على الإطلاق قويًا في الطيف السياسي، مشددا على ضرورة أن "نؤدي دورنا لضمان عدم تغير هذا، لهذا نحتاج إلى الاستثمار أكثر في الدفاع وتحمل المزيد من المسئولية".
وتابع قائلًا "بهذه الطريقة يمكننا تذكير الإدارة القادمة بأن العلاقة عبر الأطلسي، البعيدة عن أن تكون عبئًا، هي ذخر استراتيجي رئيسي في عصر المنافسة بين القوى العظمى".
واختتم الأمين العام السابق لحلف الناتو مقاله قائلًا "لذلك لا ينبغي لنا أن نيأس بل أن نعمل. إن عودة ترامب تتحدانا لكي نتقدم ونثبت أننا شركاء حقيقيون لا منتفعون بالمجان".
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: الناتو ترامب البيت الأبيض أوروبا الرئيس الأمريكي الولایات المتحدة البیت الأبیض إلى أن
إقرأ أيضاً:
أوكرانيا و«سلام القوة»
خلافاً للسنوات الثلاث السابقة، استهلت الحرب الأوكرانية - الروسية عامها الرابع، بالحديث عن السلام، على الرغم من كوابيس القصف والقتل والتدمير، في تحوّل مثير لم يكن متاحاً قبل شهرين، حتى في أكثر أحلام المتفائلين بانتهاء الحرب.
لم يكن أحد ليأخذ وعود ترامب إبّان حملته الانتخابية بإنهاء الحرب الأوكرانية خلال 24 ساعة على محمل الجد، وحتى بعد عودته إلى البيت الأبيض لم يتوقع الكثيرون أن يبادر ترامب بمثل هذه السرعة للاتصال بنظيره الروسي بوتين، وأن يرسل فريقاً تفاوضياً لوضع أسس لقاء الزعيمين المنتظر للتوصل إلى اتفاق حول إنهاء الحرب. لكن سرعان ما تبيّن أن ترامب جدّي للغاية في وضع حد للحرب، وأنه ينطلق في مسعاه من جملة أمور كلها تستند إلى فرضية السلام القائم على القوة. فهو يستند أولاً إلى أن الولايات المتحدة هي القوة الأعظم في العالم، وأنها قادرة تحت قيادته على إطفاء نيران الحروب والصراعات المشتعلة في العالم. كما أنه يرى أن روسيا في موقع الطرف الأقوى في الصراع الأوكراني، وأن ميزان القوى مختلّ لصالحها في مواجهة أوكرانيا وحلفائها الأوروبيين، بعد أن أخرج الولايات المتحدة من ساحة الصراع، مشدداً على أنه لا ينبغي السماح باندلاع حرب عالمية ثالثة بسبب أوكرانيا. الأهم أنه بدا متفهماً لدوافع موسكو إلى شنّ الحرب، ومنها مطالبة روسيا بإعادة صياغة الأمن الأوروبي على أسس عادلة، والإجحاف الذي لحق بها بعد انهيار الاتحاد السوفييتي لجهة الزحف الأوروبي على مناطق نفوذها في أوروبا الشرقية، ورفضها قبول انضمام أوكرانيا لحلف «الناتو». كما أنه يرى أن أوروبا التي اعتمدت تقليدياً على الحماية الأمريكية لم تفعل شيئاً لحل الأزمة الأوكرانية بقدر ما حشدت قواها الاقتصادية والعسكرية تحت مظلة «الناتو» لخوض حرب استنزاف طويلة ضد روسيا، على أمل الانتصار في هذه الحرب.وعلى النقيض من إدارة بايدن، يرى ترامب أن المشكلة أوروبية في الأساس، وأنه لا مصلحة أمريكية في الانخراط فيها، حيث تتحمل الولايات المتحدة العبء الأكبر من التكاليف، بينما يزداد إنفاق الدول الأوروبية على التنمية والرفاه الاجتماعي. ولذلك فقد طالب ترامب الدول الأوروبية بزيادة نفقاتها الدفاعية، والإسهام في موازنة حلف «الناتو»، بما يصل إلى 5 في المئة من إجمالي ناتجها المحلي. بهذا المعنى، هناك انقلاب كامل في الموقف الأمريكي إزاء الصراع الدائر في أوكرانيا، وهو ما يفسر استبعاد الاتحاد الأوروبي من طاولة التفاوض مع روسيا حول أوكرانيا، وإن لم يغلق الباب كلياً في وجهه.
كما يفسر لماذا يصر ترامب على صفقة المعادن الثمينة مع كييف لاسترداد مليارات الدولارات التي أنفقتها إدارة بايدن على إرسال الأسلحة والمعدات العسكرية إلى أوكرانيا.
وبالمحصلة، يعتقد ترامب أن السلام يصنعه الأقوياء، وأن أوروبا الضعيفة وحتى أوكرانيا الممزقة عليها أن تقدّم التنازلات، لصالح نظام عالمي جديد يتشكل يبدو أنه لا مكان فيه للضعفاء.