مجمع اللغة العربية بالشارقة يعقد حلقة “المعجم التاريخي للغة العربية.. وثيقة الأمة الحضارية”
تاريخ النشر: 9th, November 2024 GMT
في خطوة نوعية لتعزيز مكانة اللغة العربية، نظم مجمع اللغة العربية بالشارقة الحلقة النقاشية الإعلامية الخاصة تحت عنوان “المعجم التاريخي للغة العربية.. وثيقة الأمة الحضارية”، في مقر المجمع، جمعت نخبة من الإعلاميين والباحثين لمناقشة الإنجازات والتحديات المرتبطة بالمشروع الطموح، وكشفت عن إطلاق مشروع “معجم GPT”، الذي يمثل نقلة نوعية لإدخال اللغة العربية في عصر الذكاء الاصطناعي.
مشروع تاريخي يوثق الذاكرة الحضارية للأمة
في مستهل الجلسة، استعرض الدكتور امحمد صافي المستغانمي، الأمين العام للمجمع والمدير التنفيذي للمشروع، أهمية المعجم التاريخي للغة العربية، موضحًا أنه ليس مجرد سجل لغوي، بل هو مشروع حضاري يوثق تطور الكلمات العربية عبر العصور. وقال: “المعجم هو انعكاس للهوية الثقافية واللغوية للأمة، وهو بمثابة الجسر الذي يربط بين ماضينا وحاضرنا، ويضع اللغة العربية في مكانتها اللائقة على الساحة الثقافية العالمية.”
المعجم التاريخي يُعد موسوعة شاملة تؤرخ تاريخ الكلمات منذ أول ظهور لها وحتى العصر الحديث، متتبعًا استخداماتها في النصوص القديمة مثل النقوش الحجرية، مرورًا بالشعر الجاهلي، وصولًا إلى القرآن الكريم والحديث النبوي، ثم النصوص الأدبية الحديثة.
دور الشارقة الريادي: رؤية حاكم الشارقة
أشاد الدكتور المستغانمي بالدور المحوري الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، الذي قدم دعمًا غير محدود للمشروع. وأكد أن “رؤية الشيخ سلطان جعلت من الشارقة مركزًا عالميًا لدعم اللغة العربية، مما أتاح تحقيق هذا الإنجاز الحضاري الذي يعزز مكانة اللغة على مستوى العالم.”
وأوضح أن الدعم الذي قدمه سموه لم يقتصر على التمويل، بل شمل توفير بيئة عمل مثالية لفريق الباحثين، فضلًا عن إشرافه المباشر على المشروع لضمان تحقيق أهدافه بدقة واحترافية.
معجم تاريخي برؤية علمية دقيقة
تحدث الأستاذ بهاء الدين عادل دنديس، خبير الدراسات والبحوث في مجمع اللغة العربية بالشارقة، عن المنهجية العلمية التي يقوم عليها إعداد المعجم التاريخي. وأوضح أن المشروع يعتمد على توثيق كل كلمة عربية من حيث أول ظهور لها، مع تتبع تطورها الدلالي عبر العصور.
وقال دنديس: “المعجم التاريخي يتميز بمنهجيته العلمية الفريدة، حيث يتتبع الكلمة منذ ولادتها، مسلطًا الضوء على تطورها الدلالي والسياقات المختلفة التي استُخدمت فيها.”
وعلى سبيل المثال، كلمة “الألف” تحتوي على 72,000 مفردة موثقة، بينما يغطي حرف “الميم” 120 صفحة، مما يعكس ثراء اللغة العربية وتنوعها.
معجم GPT: نقلة نوعية لخدمة اللغة العربية
في إطار مواكبة التطور التكنولوجي، أعلن الدكتور المستغانمي عن إطلاق مشروع “معجم GPT”، الذي يمثل تحولًا ثوريًا في استخدام الذكاء الاصطناعي لتطوير اللغة العربية.
وأوضح المستغانمي أن معجم GPT سيوفر تجربة بحث تفاعلية فريدة، قائلاً: “هذا المشروع يهدف إلى جعل اللغة العربية أكثر حضورًا في العالم الرقمي، من خلال تسهيل دراسة اللغة وجعلها في متناول الجميع.”
وكشف المستغانمي أن المشروع في مراحله النهائية، ومن المتوقع إطلاقه رسميًا خلال العام القادم 2025.
يتميز معجم GPT بقدرات تفاعلية مبتكرة تسهم في تسهيل البحث اللغوي وتقديم تجربة استخدام متقدمة. يتيح النظام للمستخدمين طرح أسئلة حول الكلمات، سواء لمعرفة معانيها أو أصولها، ويستجيب فورًا استنادًا إلى قاعدة بيانات المعجم التاريخي. بالإضافة إلى ذلك، يوفر المعجم إمكانية تتبع تطور الكلمات عبر العصور، من خلال عرض شواهد نصية توضح كيفية استخدامها في سياقات زمنية مختلفة. كما يتيح تحليل السياق اللغوي للكلمات، مما يمنح المستخدم فهمًا أعمق لدلالاتها. ومن أبرز ميزاته قدرته على التعلم المستمر من تفاعلات المستخدمين، مما يضمن تحسين جودة الإجابات وتقديم معلومات أكثر دقة وثراءً مع مرور الوقت.
النسخة الإلكترونية: خطوة نحو العالمية
أطلق مجمع اللغة العربية بالشارقة نسخة إلكترونية من المعجم التاريخي، متاحة عبر الإنترنت وتطبيقات الهواتف الذكية، ما يتيح وصولًا سهلاً وسريعًا للمحتوى من أي مكان وفي أي وقت.
وأشار المستغانمي إلى أن “النسخة الرقمية ليست مجرد أداة للوصول إلى المعلومات، بل هي منصة تفاعلية تساعد على استكشاف اللغة العربية بطريقة مبتكرة.”
رحلة طويلة نحو التميز
لم يكن تحقيق هذا الإنجاز خاليًا من التحديات. وأوضح الدكتور المستغانمي أن العمل على المعجم تطلب تعاونًا مكثفًا بين المجامع اللغوية في مختلف الدول العربية، إضافة إلى التنسيق مع مؤسسات دولية للحصول على النصوص القديمة والمخطوطات.
وأضاف: “أحد أكبر التحديات كان جمع المصادر والتحقق من صحتها، لكن بفضل الجهود المشتركة، تمكنا من تقديم محتوى موثوق وموحد، يُعد مرجعًا لا غنى عنه للباحثين والمهتمين باللغة العربية.”
المعجم التاريخي في المناهج التعليمية
أوضح الدكتور المستغانمي أن المعجم التاريخي يمكن أن يلعب دورًا محوريًا في تطوير المناهج التعليمية، حيث يُمكن استخدامه كأداة فعالة لتعزيز مهارات اللغة لدى الطلاب. وقال: “المعجم ليس مجرد مرجع، بل هو وسيلة تعليمية تساعد على تقديم اللغة بطريقة شاملة وعميقة.”
تعزيز الهوية اللغوية والثقافية
أكد المشاركون في الجلسة أن المعجم يسهم في تعزيز الهوية الثقافية واللغوية للأمة العربية، خاصة في ظل التحديات التي تواجه اللغة العربية اليوم، مثل العولمة وانتشار اللغات الأجنبية.
وقال المستغانمي: “المعجم يمثل حصنًا منيعًا يحمي اللغة من الاندثار، ويضمن بقاءها للأجيال القادمة.”
مشروع حضاري للأجيال القادمة
اختتمت الجلسة بدعوة مفتوحة من الدكتور المستغانمي للمؤسسات الثقافية والأكاديمية لدعم المشروع والاستفادة من محتواه. وقال: “المعجم التاريخي ليس مجرد كتاب، بل هو مشروع حضاري يعكس التزامنا بالحفاظ على لغتنا وتراثنا.”
بهذا المشروع، تؤكد الشارقة مرة أخرى ريادتها في دعم الثقافة العربية، وتحقيق إنجاز حضاري يعزز مكانة اللغة العربية عالميًا.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: المعجم التاريخي للغة العربية الحضارية الاصطناعى
إقرأ أيضاً:
محمد الموجي.. مهندس الألحان الذي غيّر وجه الموسيقى العربية
في مثل هذا التوقيت من كل عام، يستحضر الوسط الفني والجمهور العربي ذكرى رحيل أحد أعظم الملحنين في تاريخ الموسيقى العربية، الموسيقار محمد الموجي، الذي رحل عن عالمنا في 1 يوليو عام 1995. ورغم مرور 29 عامًا على وفاته، لا تزال ألحانه حيّة، تملأ الفضاءات بالمشاعر وتُرددها الأجيال، فقد كان بحق "مهندس الألحان" وصاحب البصمة الذهبية في مسيرة عمالقة الطرب.
نشأة موسيقار من طراز خاص
وُلد محمد أمين محمد الموجي في 4 مارس عام 1923 بمدينة بيلا بمحافظة كفر الشيخ. نشأ في أسرة متذوقة للفن، وكان والده يعزف على العود والكمان، مما جعله يكتشف شغفه بالموسيقى منذ الصغر، ليبدأ تعلم العزف على العود في سن مبكرة.
ورغم أنه التحق بكلية الزراعة وحصل على الدبلوم عام 1944، إلا أن شغفه بالموسيقى كان أقوى، فعمل في البداية في وظائف زراعية، قبل أن يلتحق بفرق موسيقية صغيرة ويبدأ رحلته الفنية من بوابة الغناء، التي لم تحقق له ما أراد، فتحول إلى التلحين، وهو القرار الذي غيّر مسيرة الموسيقى العربية.
البدايات الفنية والانطلاقة الحقيقية
في عام 1951، قُبل محمد الموجي كملحن في الإذاعة المصرية، بعد أن رُفض كمطرب، وكانت تلك نقطة تحول حقيقية، كانت انطلاقته القوية من خلال التعاون مع عبد الحليم حافظ في أولى أغنياته "صافيني مرة"، التي شكلت بداية صعود "العندليب" وصعود الموجي كأحد أبرز ملحني الجيل.
محمد الموجي وعبد الحليم حافظ.. ثنائي غيّر الطرب
شكّل محمد الموجي مع عبد الحليم حافظ ثنائيًا فنيًا استثنائيًا، حيث لحّن له ما يزيد عن 88 أغنية، أبرزها: "حُبك نار"، "قارئة الفنجان"، "أنا من تراب"، و"اسبقني يا قلبي"، وكان لحن "قارئة الفنجان" الذي غناه عبد الحليم عام 1976 آخر تعاون بينهما قبل وفاة العندليب، واعتُبر تتويجًا لمسيرة طويلة من النجاح المشترك.
تعاون مع الكبار من أم كلثوم لفايزة أحمد
لم يقتصر إبداع محمد الموجي على عبد الحليم، بل امتد ليشمل عمالقة الطرب، على رأسهم أم كلثوم، التي لحن لها أعمالًا خالدة مثل "للصبر حدود"، و"اسأل روحك"، و"حانة الأقدار".
كما قدّم ألحانًا خالدة للمطربة فايزة أحمد مثل "أنا قلبي إليك ميال"، و"تمر حنة"، إلى جانب ألحانه لنجوم آخرين مثل شادية، وردة الجزائرية، نجاة الصغيرة، سميرة سعيد، وغيرهم من رموز الغناء في مصر والعالم العربي.
بصمة لا تُنسى في الأغنية الوطنيةكان لمحمد الموجي دور كبير في الأغنية الوطنية، إذ لحن عددًا من الأعمال الخالدة التي عبّرت عن روح مصر وقضاياها، مثل "يا صوت بلدنا" و"أنشودة الجلاء". وكانت ألحانه الوطنية تحمل دومًا مزيجًا من الحماس والشجن، بتوقيع موسيقي خاص لا يُخطئه المستمع.
أسلوبه الفني.. هندسة اللحن وروح الشرقتميّز أسلوب محمد الموجي بالمزج بين المقامات الشرقية الأصيلة والتقنيات الغربية الحديثة، وابتكار فواصل موسيقية غير مسبوقة، لم يكن الموجي مجرد ملحن تقليدي، بل كان يجيد التعبير عن الكلمات بألحان نابضة بالحياة، تبكي، وتفرح، وتُشعل الحنين في آنٍ واحد، مما جعله يُلقب عن جدارة بـ "مهندس الألحان".
رحيله واحتفاء لا ينتهيفي الأول من يوليو عام 1995، رحل الموسيقار محمد الموجي عن عالمنا عن عمر ناهز 72 عامًا، بعد أن قدّم للموسيقى العربية أكثر من 1800 لحن، ورغم رحيله الجسدي، لا يزال صوته حاضرًا في كل نغمة، وأثره باقيًا في ذاكرة كل من عشقوا الطرب العربي الأصيل.
وتُحيي وسائل الإعلام ووزارة الثقافة المصرية ذكراه سنويًا، من خلال التقارير والبرامج، وتُعرض أعماله في المناسبات الفنية، لتُذكر الأجيال الجديدة بإرث موسيقي لا يُقدّر بثمن.