بعد تجميد حساباته.. هل يكون رياض سلامة "كبش فداء" المنظومة الفاسدة في لبنان؟
تاريخ النشر: 15th, August 2023 GMT
تتسارع فصول ملاحقة حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة والملاحق قضائياً في لبنان وأوروبا، حيث جُمّدت حساباته وحسابات مقربين منه، وفق ما أعلنته الهيئة المالية اللبنانية، في بيان، أمس الإثنين.
وأوضح البيان، أن النائب الأول لحاكم مصرف لبنان، القائم بأعمال الحاكمية، وسيم منصوري، أصدر قراراً قضى بـ"تجميد جميع الحسابات العائدة بصورة مباشرة أو غير مباشرة لكل من سلامة وشقيقه رجا وابنه ندي ومساعدته السابقة ماريان الحويك وصديقته آنا كوساكوفا، وذلك بصورة نهائية لدى جميع المصارف والمؤسسات المالية العاملة في لبنان، ورفع السرية المصرفية أيضاً عنها تجاه المراجع القضائية المختصة، على أن لا يشمل هذا القرار حسابات توطين الراتب".
وتأتي هذه الخطوة انسجاماً مع العقوبات الأمريكية والبريطانية والكندية على سلامة وشركائه، والتي جرى فرضها الخميس الماضي، وبموجب العقوبات "يتم حظر جميع الممتلكات والمصالح التابعة لهؤلاء الأشخاص في الولايات المتحدة، أو تلك التي في حوزة أو سيطرة أشخاص أمريكيين".
كما فرضت بريطانيا وكندا عقوبات على سلامة في قرارات منفصلة أٌعلن عنها، الخميس الماضي، أما المقربون منه، فشملتهم العقوبات لأنهم "ساعدوا في إخفاء وتسهيل هذا النشاط الفاسد".
ويواجه الشقيقان والحويك اتهامات في لبنان بالاختلاس وجرائم مالية أخرى، فيما ينفي الشقيقان التهم الموجهة إليهما.
ونفى سلامة في رسائل لـ "رويترز" الاتهامات التي وجهتها له الدول الثلاث قائلاً إنه "سيطعن فيها"، وأضاف أن "السلطات جمدت بعض أصوله بالفعل خلال تحقيقات سابقة".
وتجدر الإشارة إلى أن رياض سلامة هو من مواليد العام 1950 ويحمل الجنسيتين اللبنانية والفرنسية، أما ابنه ندي، فهو من مواليد العام 1986 ويحمل الجنسيتين البريطانية والفرنسية إلى جانب اللبنانية، أما رجا سلامة فهو لبناني من مواليد العام 1960 وماريان حويك لبنانية من مواليد العام 1980، فيما آنا كوزاكوفا أوكرانية الجنسية ومن مواليد العام 1976.
#لبنان يُجمّد حسابات رياض سلامة و4 من شركائه https://t.co/ICDAThypC5
— 24.ae (@20fourMedia) August 14, 2023 كبش فداءفي اتصال مع 24 يقول الكاتب والباحث السياسي اللبناني، علي حمادة: "فيما يخص رفع السرية المصرفية عن حسابات حاكم المصرف السابق، فإن سلامة لم ولن يكون كبش فداء، ولكنه واجهة هذه الحالة التي سادت من اللامحاسبة واللامسؤولية والهدر المالي على مدى 3 عقود".
ويضيف الكاتب"على سلامة أن يتحمل مسؤولية ما آلت إليه أوضاع الدولة على الصعيدين المالي والاقتصادي بحكم مركزه وموقعه الإستراتيجي في الدولة"، مضيفاً أن "سلامة لم يسارع في التصدي للسياسات الحكومية التي أدت إلى إفلاس الدولة اللبنانية، حيث كان بإمكانه أن يرفض التوقيع على أي معاملة غير قانونية، وأن يقدم استقالته ولكنه لم يفعل ذلك، فأصبحت مسؤوليته كبيرة في هذا السياق".
ينوه حمادة إلى أنه "فيما يتعلق برفع السرية المصرفية عن سلامة، فالأمر لا يتعلق بسلوكه داخل المصرف المركزي، وإنما بالشبهات والتهم التي رفعت ضده في العديد من الدول الأوروبية، بالإضافة إلى ملاحقاته من قبل القضاء الفرنسي والألماني وتجميد حساباته وحسابات أفراد من عائلته ومحيطه في العديد من الدول الأوروبية، بتهم تبييض أموال والتربح من عمولات هو وعائلته من غير وجه حق"، مؤكداً أن "سلامة لم يكن له الحق في الاستفادة مالياً من عمليات قام بها المصرف المركزي في لبنان وهذا محظور دولياً".
وأضاف "حدثت تجاوزات كبيرة والمصرف عليه مسؤولية كبيرة بموافقته على هذه التجاوزات وإقراض أموال المودعين في المصرف المركزي، لمختلف القطاعات التي يعم فيها الفساد السياسي والطائفي والإداري، إلى درجة تم فيها تبديد أموال هؤلاء المودعين من الشعب اللبناني والعرب والأجانب بما يقارب من 80 مليار دولار".
وأظهر تقرير أولي لشركة "ألفاريز ومارسال" التي تتولى التدقيق الجنائي في حسابات البنك المركزي في لبنان، نشر الجمعة الماضية "سوء إدارة" وثغرات جذرية في آلية عمل المصرف طوال 5 سنوات، وبهذا الشأن، أكد الباحث السياسي اللبناني "العلاقة بين التدقيق الجنائي ورفع السرية المصرفية عن سلامة".
وقال حمادة إن "هذا الأمر متصل بما كان يجري في الأعوام القليلة الماضية من تشجيع السياسيين سلامة على خوض غمار الانتخابات الرئاسية"، معرباً عن اعتقاده بأن "ترشيح سلامة للانتخابات وتشجيعه، كان من أحد الأسباب الرئيسية التي تفسر التساهل في استخدام المال العام والمصرف المركزي، تارة لأهداف انتخابية وتارة لخدمة قيادات سياسية".
وشدد الكاتب اللبناني على أن "مشكلة لبنان أن قاعدة الفساد عريضة حيث تشمل معظم الطبقة السياسية والأمنية ورجال الأعمال والمصرفيين وجزء من القضاء في لبنان"، متسائلاً عمن عليه أن "يحاسب هذا العدد الضخم من الفاسدين في مختلف المناصب والمواقع والمنابر".
وأضاف "أن التدقيق أظهر 23 اسماً من المستفيدين من المصرف المركزي، ولكنه أكد أن العدد أكبر من ذلك وأن هؤلاء الثلاثة والعشرون استفادوا من المصرف لأسباب غير معلومة من دون أي مبرر أو تفسير"، لافتاً إلى أن "التقرير كان أولياً بسبب رفض سلامة طلبات معدي التقرير للاطلاع على وثائق مصرفية، واحتمى خلف قانون السرية المصرفية لكي يعطي القليل فقط من الوثائق"، ويتساءل هنا الكاتب عن" إمكانية إعداد تقرير جنائي مصرفي شامل لاسيما بأن الأزمة كبيرة في لبنان".
وبحسب حمادة، "لا يزال المواطن اللبناني مقتنعاً بأن الثقة بالقضاء والمحاسبة القانونية قاصرة وجزئية، حيث أن هناك عدداً كبيراً من القضاة فاسدون ومسيسون، وخاضعون لقيادات سياسية لها مصالح إما سياسية أو مالية، لافتاً إلى أن الأمر معقد وطويل".
وختم الكاتب والباحث اللبناني حديثه لـ24 بالقول إن "محاسبة جميع الفاسدين والمسؤولين عما آلت إليه الأوضاع في لبنان أمر صعب الحصول، ولكن إذا حصل بشكل جزئي فإن ذلك سيكون عبارة عن رأس الجبل الجليدي، والمواطن اللبناني يعلم أن الطبقة السياسية متنوعة الأهواء وكبيرة وواسعة، مسؤولة عن الوضع في لبنان الحالي"، مضيفاً أن "الثقة قليلة وتحتاج إلى وقت طويل".
بالأدلة القاطعة.. تدقيق في مصرف #لبنان يكشف "عمولات غير قانونية" https://t.co/Ean2CzYbco
— 24.ae (@20fourMedia) August 11, 2023 الصندوق الأسودومن جهته، أكد الكاتب والمحلل السياسي المحامي أمين بشير في حديث لـ 24 أن "قرار لبنان بتجميد حسابات رياض سلامة وأفراد من عائلته ومحيطه، جاء على خلفية فرض الولايات المتحدة الخميس الماضي عقوبات اقتصادية بتهم فساد مالي على الحاكم السابق للمصرف المركزي اللبناني، بحسب بيان لوزارة الخزانة الأمريكية".
وأضاف أن" جميع المصارف العالمية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالخزانة الأمريكية، لذا كان صدور القرار بتجميد الحسابات تابعاً لقرار الخزانة الأمريكية".
كما نفى الكاتب والمحلل السياسي أن يكون سلامة "كبش فداء"، مضيفاً أن سلامة هو "الصندوق الأسود" للدولة اللبنانية، وبالتالي هو الذي يعلم أين ذهبت جميع الأموال والهدر، كما أوضح بأن سلامة هو من سمح بالرشاوى، كما أنه كان المسؤول الرئيسي عن توزيع التعهدات الضخمة والأموال على السياسيين الفاسدين، مستنداً في حديثه على تقرير شركة "ألفاريز ومارسال".
وأشار بشير إلى أن "حجم الأزمة في لبنان كبير جداً"، معرباً عن أمله في أن "يكون هناك تحقيق يطال ويحاسب جميع المسؤولين عن هذه الأزمة".
ويرى الكاتب اللبناني بأن "الأمريكيين اقتنعوا أخيراً بأن عليهم ضرب صندوق لبنان الأسود (رياض سلامة)، بوسائل عقابية، لعل وعسى أن يعترف سلامة بأسماء من شاركوه نهب لبنان، وبالتالي يتمكنوا من إسقاط المنظومة الفاسدة في لبنان واحداً تلو الآخر، وهو الذي لم يتمكنوا منه بالوسائل الديمقراطية".
وأضاف بشير أن "المواطن اللبناني أصبح على يقين بأن القضاء مسيس ولا يستطيع تحقيق العدالة والمساواة، وبالتالي فإن المنظومة الحاكمة تستخدم كل الأدوات من القضاء وغيره لتحقيق مصالحها فقط، وليس لتحقيق العدل والمساواة بين المواطنين"، لافتاً إلى أن "المواطن اللبناني فقد أي أمل في هذه المنظومة بأن تحقق له ما يتمناه من دولة مؤسسات وقانون".
كما أشار الكاتب إلى "قضية انفجار مرفأ بيروت وأن هذا الملف أصبح موضوعاً خلافياً أدى إلى شرخ طائفي، أسفر عن انقسام بين اللبنانيين".
وبخصوص التحقيق اللبناني مع سلامة، أشار بشير إلى أن "القضاء اللبناني عندما تدخل وطلب سلامة للتحقيق معه، كان ذلك فقط ليقوم بتهريبه من التحقيق الدولي وحمايته من التحقيق الدولي معه، حيث أنه وبمراجعة القانون اللبناني، لا يحق لأي دولة المطالبة بالتحقيق مع أي مواطن لبناني في حال تمت ملاحقته في لبنان".
ويرى الكاتب في ختام حديثه لـ 24 أن "القرار اللبناني الأخير بحق رياض سلامة كان مرتبطاً بقرار الخزانة الأمريكية، وليس بالتقرير الأولي الذي أصدرته شركة "ألفاريز ومارسال" عن الفساد في لبنان"، مشدداً على أنه "يجب محاسبة كل المنظومة وكل من استخدم أي من الأموال العامة، بموجب هذا التقرير".
وكان سلامة يُعتبر مهندس السياسات المالية في مرحلة تعافي الاقتصاد ما بعد الحرب الأهلية (1975-1990).. لكن على وقع الانهيار الاقتصادي غير المسبوق منذ 2019، حُمّل كثير من أركان الطبقة الحاكمة، بينهم سلامة، مسؤولية الفشل في إدارة أزمات البلاد المتلاحقة.
الولايات المتحدة تدخل على الخط.. عقوبات دولية بالجملة تحاصر #رياض_سلامة#فيديو24
لمشاهدة المزيد من الفيديوهات:https://t.co/XKZstSw15u pic.twitter.com/zQAW4bfAR2
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان النيجر مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة لبنان مصرف لبنان المركزي رياض سلامة المصرف المرکزی ریاض سلامة فی لبنان إلى أن
إقرأ أيضاً:
هل ينقل حزب الله المعركة إلى الداخل اللبناني؟
شهد لبنان قبل أيام صداماً بين قوات الجيش اللبناني ومجموعة من حزب الله اللبناني بعد منع السلطات اللبنانية طائرات قادمة من إيران من الهبوط في مطار بيروت الدولي، وزادت وتيرة أعمال العنف إثر قيام عدد من الشبان بمهاجمة موكب تابع لقوات "اليونيفيل" على طريق المطار القديم في محيط "الكوكودي" وقد جرى إحراق ثلاث سيارات تابعة للموكب، فيما تدخلت قوة من الجيش لتفريقهم.
منذ اتفاقية إنهاء الحرب في جنوب لبنان، ودخول الجيش اللبناني مرحلة التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1701 الذي صدر في عام 2006، الذي نص على إبقاء جنوب لبنان خاليا من الأسلحة، وفي الجلسة رقم 5511 جاء في مخرجاتها وقف الأعمال القتالية في لبنان، ووضع نهاية للحرب الثانية بين إسرائيل ولبنان التي استمرت 34 يوما آنذاك، وتسببت في سقوط المئات من الضحايا والجرحى. أمميا، رحب بجهود رئيس وزراء لبنان حينها فؤاد السنيورة، و"التزام الحكومة بخطتها المؤلفة من سبع نقاط، لبسط السيطرة على الأراضي اللبنانية، من خلال القوات المسلحة، بحيث لا يكون هناك سلاح دون موافقة حكومة لبنان، ولا سلطة غير سلطة حكومة لبنان."يبدو أن الاتفاق الذي أبرم مؤخراً بين حزب الله وإسرائيل عبر الوسطاء أرادت إسرائيل منه إبقاء حالة التوتر في الجنوب قائمة، فسريعاً ما تبدلت الأدوار وحل الجيش اللبناني ليكون في الواجهة مع عناصر من حزب الله. وما جرى من مظاهرات واحتجاجات أمام مطار بيروت قبل أيام دليل على أن أطراف الصراع قد تبدلوا. فلبنان الذي لم يهدأ منذ ساعة ولادته حتى اليوم سيبقى هكذا مهد الصراعات والحروب، ناهيك عن المشكلة الداخلية التي تعصف به بين الحين والآخر، فوجود إسرائيل على حدوده الجنوبية معضلة أخرى سوف يبقى بلد الأرز يقاسيها.
ونمضي في قوائم التصنيف الأيديولوجي والديني كما أسلفت في مقالات سابقة حيث يعلن حزب الله في أدبياته أنه حزب عقائدي وغير طائفي، وعلى الرغم من أن عقيدته تنطلق من عقيدة الشيعة الإمامية، أي من عقيدة فرقة من فرق الإسلام، وعلى وجه أخص من الالتزام بولاية الفقيه العامة أو المطلقة، فإنه يراهن في خطابه الأيديولوجي على محور المقاومة الإسلامية، كمحور جاذب لقوى غير شيعية، عربية قومية ويسارية وإسلامية عموماً، وعلى الحرص على أداء دور وطني لبناني من خلال الحرص على الوحدة الداخلية.
ومن هذا المنطلق، دخل حزب الله معترك الحياة السياسية اللبنانية من بابين: من باب الطائفية السياسية التي لا بد منها لممارسة السياسة في لبنان، ومن باب العقيدة الدينية التي يعتبرها في أساس نظرية الحزب. لكن الفلسفة التي قام عليها الحزب لا تشكل خطراً كبيراً على إسرائيل. هناك إجماع على أن حزب الله هو أداة بيد طهران، ولو عدنا إلى ما بعد السابع من أكتوبر (تشرين الأول) ودخول حزب الله المعركة مع إسرائيل نكاد نجزم بأن دخوله جاء بناء على أوامر من طهران كجبهة مساندة، وقتها لم تكن هناك مؤشرات أو خروقات بين الطرفين أي بين حزب الله وإسرائيل، لكي يحارب نصرالله إسرائيل. لهذا كان وجود حزب الله على خطوط التماس مع إسرائيل خدمة لإيران وليس خدمة للبنان الذي ما زالت بعض أراضيه محتلة من قبل إسرائيل.
فإذا أضفنا إلى هذا كله ما وصل إلينا حتى الآن من أحداث جرت في الأيام القليلة السابقة، فالمشهد القادم وأقصد ما جرى داخل لبنان لا يبشر بخير. وأن نقل المعركة إلى الداخل اللبناني وارد جدا، الإرهاصات تشير إلى ذلك. لهذا وجب على حزب الله أن يدرك بأن ليس من مصلحته أن يعود لبنان إلى المربع الأول وهو عودة الفوضى والاقتتال الداخلي في ظل وجود أطماع إسرائيلية تتمثل في الدخول إلى الليطاني والوصول إلى مياهه. هكذا يجب أن يُبنى المشهد القادم، وعليه يجب ترك الجيش مسيطراً على الجنوب لقطع أي فرصة من قبل إسرائيل لتنال من سيادة لبنان.
ما يمكن بناؤه على ما تقدم هو أن مقتل الحريري شكل ضربة شبه قاتلة للتوازن القائم في لبنان بعد عام 1990. كان مقتله أول وأقوى زلزال في عملية التوازن بين السنّة والشيعة، والتي نجحت سوريا في إدارتها حتى ذلك الحين. كما أن اغتياله أنهى الإشراف السوري على بنية الحكم الذي كان سائداً حتى ذلك الوقت في لبنان. وفي هذا السياق، أسفر اغتيال الحريري عن موت اتفاق الطائف سريرياً.