مجمع البحوث: الغرس والزراعة من أعمال البرّ التي يتجدد ثوابها
تاريخ النشر: 9th, November 2024 GMT
حث مجمع البحوث الإسلامية على أهمية الزراعة ودورها كعمل صالح في الإسلام، حيث أشار إلى الحديث الشريف عن سيدنا رسول الله ﷺ: "ما من مسلم يغرس غرسًا، أو يزرع زرعًا، فيأكل منه طير، أو إنسان، أو بهيمة، إلا كان له به صدقة" (متفق عليه).
الزراعة والبيئة في الإسلام.. غرس الخير صدقة جارية
ويوضح الحديث أنه بجانب كونها مهنة تُلبي حاجات الإنسان من غذاء ومعيشة، يُعد الغرس والزراعة من أعمال البرّ التي يتجدد ثوابها كلما استفادت منها الكائنات الحية.
هذا الحديث النبوي يرسخ مفهوم الصدقة الجارية في الدين الإسلامي، حيث ينال المسلم أجرًا مستمرًا مع مرور الزمن، طالما كان غرسه أو زرعه يحقق نفعًا للناس والحيوانات وحتى الطيور. فالرسول ﷺ ربط عمل الخير برعاية الأرض والبيئة، بحيث يحقق المسلم منفعةً عامةً للمجتمع وللبيئة من خلال الغرس والزراعة.
الإسلام ودعوة لحماية البيئةيعكس الحديث الشريف توجهًا إسلاميًا قويًا نحو حماية البيئة وتنمية الأرض، إذ يُشجع المسلم على أن يكون فاعلًا في تحسين محيطه والعناية به، ولا يقتصر ذلك على توفير الغذاء للبشر فقط، بل يشمل كل الكائنات. فبقاء الزرع والنباتات ليس مجرد وسيلة اقتصادية، بل رسالة دينية لتحقيق التوازن البيئي الذي خلقه الله.
الزراعة كرمز للتعاون والتكافليحمل الحديث دعوةً للمجتمع كي يتبنى روح التعاون والتكافل من خلال نشر الزراعة كقيمة اجتماعية واقتصادية. فتشجيع الأفراد على الزراعة في البيوت، والأماكن العامة، له آثار إيجابية تنعكس على المجتمع ككل، إذ يوفر الغذاء ويعزز المسؤولية الاجتماعية. وفي هذا السياق، يعتبر دعم الجهات المعنية، مثل مجمع البحوث الإسلامية، للأعمال البيئية والزراعية خطوة عملية لتفعيل هذا التوجه النبوي، وتعزيز مفاهيم التنمية المستدامة.
رسالة مستمرة للأجياليشير الحديث النبوي إلى أن العمل الزراعي ليس فقط لحصد الإنتاج الحالي، بل هو بذرة تنمو لتبقى صدقة جارية تتوارثها الأجيال، وكأن الزرع يصبح وثيقة تاريخية من الخير تنتقل من جيل لآخر، بما يُحقق رؤية الإسلام في الاستدامة وحفظ الموارد للأجيال المقبلة.
ختامًا، فإن الدعوة الإسلامية للعمل الزراعي ليست مقتصرة على كونها عملًا اقتصاديًا، بل هي ثقافة مجتمعية تعزز روح التكافل، وترسيخًا لمبدأ الصدقة الجارية؛ ليكون كل غرس في الأرض صدقةً مستمرة، تفيض خيرًا وبركة على من غرسها، وعلى الأرض كلها.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الإسلام الزراعة البيئة مجمع البحوث الإسلامية الحديث
إقرأ أيضاً:
رمضـان.. دروس وعبر في حياة المسلم
لم يتبقَّ على رحيل شهر رمضان المبارك سوى أيام قلائل، هو إذن وقت قصير وتنقضي ساعات هذا الشهر الذي سُعدت به النفوس وانشرحت بقدومه حياتنا. شهر مبارك فرض الله فيه الصيام، ويُحييه الناس بالقيام وقراءة القرآن، عَبَر سريعًا كباقي أيام أعمارنا في الحياة الدنيا.
يقول الله تعالى في محكم آياته البينات: «يا أيها الذين آمنوا كُتِبَ عليكم الصِّيام كما كُتِبَ على الذين من قبلكم لعلكم تتقون، أيامًا معدودات فمن كان منكم مريضًا أو على سفر فعدة من أيام أُخر» صدق الله العظيم.
إذن رمضان هو ساعات محددة من أيام معدودة، وقد سهَّل الله على المسلمين صيامهم كلا حسب ظروفه، وهذا التسهيل جزء من رحمة الله بالعباد، والصوم يحمل المسلم على راحتيه ويقرّبه من الله تعالى بالطاعات والقربات، ويسوقه نحو غايات الفلاح والنجاح، ثم تطوي به إلى مراحل النهايات ليأتي من بعده عيد الفطر السعيد ليشعر المسلم بعظمة ومكانة هذا الدين الحنيف بما فيه من إثراء للروح الإنسانية والمكافأة الربانية، فتجلى الله عز وجل في علاه.
من الحقائق المهمة التي يجب أن يعيها الإنسان طالما بقي حيًا يُرزق على ظهر الأرض، أنه كلما انقضت ساعة من عمره دنا أجله، وقرب موعد سفره، وكلما ذهب إلى مرحلة عمرية أخرى من مراحل حياته التي بدأها طفلًا ثم شابًا يافعًا ثم كهلًا، أصبح هناك ضيق في الوقت وفناء مرتقب، لذا عليه أن يتنبه كثيرًا إلى نفسه وأن يعود إلى الله مطيعًا راضيًا بما أوجبه عليه من فرائض وواجبات محددة.
لو فتّشنا في مجالسنا عن الوجوه الغائبة هذا العام عن مشهد رمضان لوجدنا أعدادًا منهم قد توارت ما بين «مرض وضعف وموت»، وجوه لم نرها منذ فترة طويلة، بعضها سكنت أرواحهم في مساكن الموتى.
ومَن يعلم فربما لن تكتب أسماؤنا مع الذين سيكملون مشوار الحياة في رمضان القادم، وقد يمتد بنا العمر لنعيش لمرحلة أخرى جديدة وتجربة مفيدة في هذا الشهر المبارك، هكذا هي دورة الحياة «ذهاب بلا عودة، وأمل يتجدد باللقيا».
رمضان شهر يجمع الناس على المحبة والمودة، وعلينا أن نتذكر مَن كان معنا في رمضان الماضي وقبله، كيف تباعدت بيننا الخطوات وغابت عن وجوهنا البسمات، هو أمر الله لا غالب لأمره شيء.
ولو فتحت سجلات التاريخ وما فيه من أحداث وفتوحات عظيمة لوجدنا أن لرمضان ريادة وشواهد لا تنسى، ومهما تحدثنا طويلًا عن البطولات والمعارك التي خاضها المسلمون في صدر الإسلام، لوجدنا أن رمضان حدثت فيه الكثير من الإنجازات.
التاريخ لا ينسى تدوين الأحداث العظام التي حدثت في شهر رمضان الفضيل ومنها «نزول الوحي على رسولنا الكريم، وأيضًا غزوة بدر الكبرى وصدّ عدوان المشركين (الأحزاب) وغزوة الخندق وفتح مكة وغزوة تبوك»، وغيرها من الأحداث التاريخية العظيمة.
إننا لنجد أنفسنا أمام كمّ كبير من المحفزات نحو طريق الحياة والسعي إلى مرضاة الله تعالى والتقرّب إليه في شهر رمضان الفضيل، وأيضًا هناك الكثير من العبر من الصوم والقيام لا تعد ولا تحصى، فرمضان شهر القرآن والتوبة والغفران، شهر اختصه الله تعالى بنفسه، وأمرنا بأن نعمل جاهدين إلى كسب الثواب والتقرّب إليه بالطاعات، وأمرنا بأن نعمل فيه قدر ما نستطيع، ففي رمضان خير عظيم سواء للذات البشرية أو المجتمع الإنساني.
في وداع هذا الشهر الفضيل، علينا أن نستذكر كيف استقبل الناس شهرهم المعظم، فما أجمله من شهر أوشكت أيامه على الرحيل سريعًا! وما أحوجنا إلى التأمل والتريث وقراءة الأحداث وما شهدناه من مشاعر متضاربة ما بين الأمس واليوم، وفي كل عام يجب أن يسأل كلٌ منا نفسه: هل أدى ما عليه من واجبات تجاه ربه؟ وهل رمضان سوف يكون سلوكًا ممتدًا أم فترة زمنية ويقضي كل شيء؟
إن الإنسان بحاجة ماسة إلى مراجعة نفسه خاصة عندما يلتفت يمينًا وشمالًا في بيته أو في مجال عمله أو في المسجد الذي يصلي فيه، هناك أرواح غائبة بيننا ليس لدينا أي قدرة على وصلها الآن سوى بالدعاء لها بالمغفرة، فكم من شخصيات أثرت في حياتنا ورحلت كغيرها لكنها باقية في أرواحنا وهي تحتاج إلى الدعاء والتصدّق عنها والترحم عليها، فاللهم ارحم جميع موتانا وموتى المسلمين واعفُ عنهم واغفر لهم وأدخلهم جنات النعيم.
من الحقائق التي وردت على لسان العقلاء والنبلاء والسلف الصالح نستجذب شيئًا مهمًا مما قيل وهو «أن الإنسان سواء عد نفسه من العابرين لسبيل الحياة أم من المخلدين المقيمين.. فهو في النهاية سيرحل! وفي سائر الحالات سيعبر مجرى الأيام! فمتى الخلود.. كالظل الزائل.. وهذا ما أكده الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز في سورة الأنبياء «وما جعلنا لبشر من قبلك الخُلد أَفَإِن مت فهم الخالدون» صدق الله العظيم.
إذن رمضان يودعنا بكل ما فيه من نفحات إيمانية، ومشاعر إنسانية، هناك أمل يوقد شعلة اللقاء مجددًا به ونحن لا نزال نحلم بتقديم الأعمال الطيبة، رغبة منا ورهبة من حساب سيأتي لاحقًا، لذا نسأل الله تعالى أن يتقبل من جميع المسلمين أعمالهم وأن يعيد هذا الشهر بالخير عليهم وأن يجعل أيام عيد الفطر السعيد أيام خير وبركة وفرحة وحبور.