حث مجمع البحوث الإسلامية على أهمية الزراعة ودورها كعمل صالح في الإسلام، حيث أشار إلى الحديث الشريف عن سيدنا رسول الله ﷺ: "ما من مسلم يغرس غرسًا، أو يزرع زرعًا، فيأكل منه طير، أو إنسان، أو بهيمة، إلا كان له به صدقة" (متفق عليه).

 

الزراعة والبيئة في الإسلام.. غرس الخير صدقة جارية

ويوضح الحديث أنه بجانب كونها مهنة تُلبي حاجات الإنسان من غذاء ومعيشة، يُعد الغرس والزراعة من أعمال البرّ التي يتجدد ثوابها كلما استفادت منها الكائنات الحية.

الزراعة كصدقة جارية في الإسلام

هذا الحديث النبوي يرسخ مفهوم الصدقة الجارية في الدين الإسلامي، حيث ينال المسلم أجرًا مستمرًا مع مرور الزمن، طالما كان غرسه أو زرعه يحقق نفعًا للناس والحيوانات وحتى الطيور. فالرسول ﷺ ربط عمل الخير برعاية الأرض والبيئة، بحيث يحقق المسلم منفعةً عامةً للمجتمع وللبيئة من خلال الغرس والزراعة.

الإسلام ودعوة لحماية البيئة

يعكس الحديث الشريف توجهًا إسلاميًا قويًا نحو حماية البيئة وتنمية الأرض، إذ يُشجع المسلم على أن يكون فاعلًا في تحسين محيطه والعناية به، ولا يقتصر ذلك على توفير الغذاء للبشر فقط، بل يشمل كل الكائنات. فبقاء الزرع والنباتات ليس مجرد وسيلة اقتصادية، بل رسالة دينية لتحقيق التوازن البيئي الذي خلقه الله.

الزراعة كرمز للتعاون والتكافل

يحمل الحديث دعوةً للمجتمع كي يتبنى روح التعاون والتكافل من خلال نشر الزراعة كقيمة اجتماعية واقتصادية. فتشجيع الأفراد على الزراعة في البيوت، والأماكن العامة، له آثار إيجابية تنعكس على المجتمع ككل، إذ يوفر الغذاء ويعزز المسؤولية الاجتماعية. وفي هذا السياق، يعتبر دعم الجهات المعنية، مثل مجمع البحوث الإسلامية، للأعمال البيئية والزراعية خطوة عملية لتفعيل هذا التوجه النبوي، وتعزيز مفاهيم التنمية المستدامة.

رسالة مستمرة للأجيال

يشير الحديث النبوي إلى أن العمل الزراعي ليس فقط لحصد الإنتاج الحالي، بل هو بذرة تنمو لتبقى صدقة جارية تتوارثها الأجيال، وكأن الزرع يصبح وثيقة تاريخية من الخير تنتقل من جيل لآخر، بما يُحقق رؤية الإسلام في الاستدامة وحفظ الموارد للأجيال المقبلة.

ختامًا، فإن الدعوة الإسلامية للعمل الزراعي ليست مقتصرة على كونها عملًا اقتصاديًا، بل هي ثقافة مجتمعية تعزز روح التكافل، وترسيخًا لمبدأ الصدقة الجارية؛ ليكون كل غرس في الأرض صدقةً مستمرة، تفيض خيرًا وبركة على من غرسها، وعلى الأرض كلها.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: الإسلام الزراعة البيئة مجمع البحوث الإسلامية الحديث

إقرأ أيضاً:

مشروع قومى للأمن الغذائى المصرى

في قلب الحضارة المصرية، منذ فجر التاريخ، لم يكن الفلاح مجرد عامل في الأرض، بل كان حاملًا لرسالة حضارية، وركيزة في بناء الهوية الوطنية. الحضارة التي ازدهرت على ضفاف النيل لم تقم بالسيف، بل قامت بالمحراث، ولم تُصنع في القصور، بل في الحقول، حيث كانت الزراعة والفلاح هما المعادلة الأولى لقوة مصر.

منذ الدولة القديمة، جسدت الزراعة مركزية الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وكان الفلاح هو المحور الذي يدور حوله كل شيء.

النقوش الفرعونية لم تحتفِ بالملوك فقط، بل خلدت مشاهد الزرع والحصاد والريّ، وسجّلت احترام الدولة للفلاح باعتباره مصدر الاستقرار الغذائي والسكاني.

ويكفي أن نعود إلى قصة المجاعة في عهد فرعون ويوسف، عليه السلام، لنفهم عمق العلاقة بين الزراعة والنجاة. فقد كانت خطة يوسف العبقرية في مواجهة الأزمة تعتمد على تخزين الحبوب في صوامع خلال سنوات الوفرة، استعدادًا لسنوات العجاف. لم تكن تلك الخطة سوى تجسيد لثقافة زراعية متجذّرة، وخبرة ميدانية لفلاحٍ يعرف الأرض ويقرأ السماء.

وفي العصر الحديث، تجلت تلك القيمة مجددًا خلال عهد محمد علي باشا، الذي أدرك أن مصر لن تنهض إلا عبر الفلاح. فاستثمر في الزراعة، وشق الترع، وأسس مدارس للري والزراعة، واستفاد من الخبرة التراكمية للفلاح المصري، الذي عرف دورة المحاصيل قبل أن يقرأها في كتب، وكان يخطط لزراعته بناءً على رصده لتقلبات المناخ وتغيرات الأرض.

ورغم هذا التاريخ العريق، فإن أخطر ما واجه الفلاح المصري لم يكن الجفاف أو العدوان الخارجي، بل كان قرارًا إداريًا داخليًا في عام 1997، حين صدر قانون العلاقة بين المالك والمستأجر، والذي أُطلق عليه بين أبناء الريف اسم: "قانون طرد الفلاح". ذلك القانون لم يكن مجرد تعديل في بنود التعاقد الزراعي، بل كان طعنة في العمق الاجتماعي المصري. لقد أخرج ملايين الفلاحين من أراضيهم التي عاشوا فيها لأجيال، ليس فقط كمصدر رزق، بل كمصدر هوية. النتيجة المباشرة كانت انهيار منظومة الزراعة التقليدية، وتفكيك الريف، وظهور جيوب من البطالة والفراغ، ما أدى إلى انتشار المخدرات كمُسكّن للفقر والبطالة، وصعود الفكر المتطرف نتيجة الفراغ القيمي والتعليمي، وانهيار منظومة القيم الريفية التي كانت تُنقل شفويًا عبر الأجيال، وظهور التوكتوك كمركبة بديلة عن الفأس، تُنقل من خلالها كل أنواع السلوك المنحرف.

كان الفلاح المصري بمثابة "الكتاب غير المكتوب" الذي تعلمت منه أجيال معاني الإخلاص، الرضا، الاجتهاد، والكرامة. لم يكن ينتظر راتبًا من الدولة، بل كان يملك في بيته فرنًا للخبز البلدي، ومواشي تنتج اللبن واللحم، وقطعة أرض تنتج القمح والخضار والفواكه، وعلاقات اجتماعية متماسكة تضمن التكافل والانضباط. كان الاكتفاء الذاتي في بيوت الفلاحين هو الحصن الحقيقي لمصر ضد الابتزاز الخارجي. لم نكن نحتاج إلى استيراد القمح أو اللحوم أو الألبان، ولم يكن سعر الدولار يؤثر في طعامنا.

اليوم، وبعد مرور ما يقارب ثلاثة عقود من صدور "قانون الطرد"، بدأت الدولة تعود إلى الأرض من جديد.وقد شهدنا في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي طفرة في مشروعات استصلاح الأراضي، أبرزها مشروع "الدلتا الجديدة" و"مستقبل مصر". لكن حتى لا نُعيد أخطاء الماضي، يجب أن لا نعتمد فقط على الاستثمار الزراعي التجاري، بل علينا أن نبني مشروع زراعة وطنية بهوية مصرية، قائم على إعادة الفلاح الحقيقي إلى الأرض.

ينبغي حصر الفلاحين الحقيقيين الباقين من أجيال ما قبل 1997، ومنحهم أراضٍ مستصلحة بمساحات من 5 إلى 10 أفدنة، مع إنشاء منزل، حظيرة مواشي، حظيرة طيور، مصدر مياه وكهرباء في كل قطعة. تتكفل الدولة بتكاليف الإنشاء الأولي، ويُوقّع عقد بين الفلاح والدولة على سداد التكلفة خلال فترة زمنية عبر أقساط. الفلاح يلتزم ببيع منتجاته للدولة، ويُحدد له دورة زراعية وطنية من قبل وزارة الزراعة، ويتم توجيه الفائض للتصدير، والاكتفاء الذاتي، والتخزين الاستراتيجي. ويمكن دعم هذا النموذج من خلال تطبيق رقمي لكل فلاح لتسجيل المحاصيل والإنتاج، ومتابعة دورية من إدارات زراعية مختصة، ودعم فني دائم.

ولأن استقرار الفلاح لا يتحقق فقط بتوفير الأرض، بل أيضًا بتوفير مظلة حماية شاملة، فإن المشروع القومي للأمن الغذائي يجب أن يتضمن بندًا أساسيًا يتعلق بـ تأمين صحي واجتماعي لكل فلاح وأسرته، لضمان استمرار العطاء، والحفاظ على كرامة من يُطعم الوطن. كما يجب أن يستعيد البنك الزراعي المصري دوره التاريخي كذراع تمويلية وطنية للفلاح الحقيقي، من خلال تقديم قروض ميسّرة بفوائد مقبولة، وبضمان الأرض المُخصصة له ضمن المشروع، لدعم إنشاء مشروعات زراعية وحيوانية متكاملة، تُحقق الاكتفاء الذاتي وترفع من مستوى معيشته، بعيدًا عن الاستغلال أو الديون المُرهقة.

ولأن جودة الإنتاج الزراعي تبدأ من التربة، فإن المشروع القومي للأمن الغذائي يجب أن يتكامل مع خطة وطنية لتنظيف مجرى نهر النيل من شماله إلى جنوبه، من الكسبان الرملية والطفلية التي تراكمت بفعل الزمن والتعديات، خصوصًا على جانبيه الشرقي والغربي. هذه الكتل الطبيعية، التي تُستغل الآن بشكل غير قانوني في إنشاء جزر ومشروعات خاصة، يمكن أن تتحول إلى ثروة وطنية من خلال إنشاء مصانع متخصصة لتحويلها إلى سماد عضوي عالي الجودة. تُخلط هذه الرواسب مع المخلفات النباتية وروث المواشي ومحسنات حيوية مثل حمض الهيوميك والبكتيريا النافعة، لإنتاج خليط عضوي يعزز خصوبة التربة ويحميها من التملّح والتصحر.

يتم توزيع هذا السماد على الفلاحين المشاركين في المشروع الوطني، بما يُقلل الاعتماد على الأسمدة الكيماوية المستوردة، ويُعيد للتربة المصرية مكوناتها الحيوية الطبيعية. كما تخلق هذه الخطوة صناعة جديدة، توفر فرص عمل، وتُعيد التوازن البيئي لمجرى النيل، وتحول أحد مصادر التعدي إلى مصدر تنمية.

ما تبقى من الفلاحين الحقيقيين لا يتجاوز 20% من تعدادهم قبل عام 1997، وهؤلاء سيموتون أو ينقرضون خلال سنوات قليلة إذا لم تتدخل الدولة بقرار تاريخي. إنهم يمثلون موروثًا لا يُدرّس في الجامعات، بل يُحيا في البيوت والحقول. ليس المطلوب فقط استصلاح الأرض، بل استصلاح الروح، وعودة الفلاح ليكون مرة أخرى الجندي المجهول لحضارة مصر القادمة. مصر لا تحتاج فقط إلى مصانع وأسواق، بل تحتاج إلى رجل بفأس وضمير، يعرف أن الأرض وطن، وأن الزرع هوية، وأن الخبز ليس سلعة… بل كرامة.

مقالات مشابهة

  • وزير الزراعة يكلف سعد موسى بالعمل وكيلا لمركز البحوث الزراعية
  • البحوث الإسلامية: هجرات الأنبياء دروس إيمانية في الالتجاء إلى الله
  • البحوث الإسلامية يعقد ملتقًى ثقافيًّا بعنوان «الشباب وتحديات العصر»
  • الحصيني: حدث نادر يجعل هذا الأربعاء الأقصر في العصر الحديث
  • باحث في الطقس: اليوم الأربعاء يشهد أقصر يوم في العصر الحديث بفارق 1.30 ملي ثانية
  • العبدلي يبحث دعم شبكة الكهرباء في الجفرة وتعزيز التعاون مع قطاع الزراعة
  • رئيس مركز البحوث الزراعية يستقبل وفدا رفيع المستوى من دولة ناميبيا لتعزيز التعاون المشترك
  • رئيس مركز البحوث الزراعية يستقبل وفداً رفيع المستوى من دولة ناميبيا
  • البحوث الإسلامية يطلق مسابقة بحثية بعنوان: (أهل القِبلة كلُّهم موحِّدون)
  • مشروع قومى للأمن الغذائى المصرى