الشارقة - الرؤية

أكدت الروائية الجزائرية أحلام مستغانمي، شخصية العام الثقافية للدورة الـ43 من معرض الشارقة الدولي للكتاب، سعادتها بالمحبة الكبيرة التي كسبتها من جمهورها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مشيرة إلى أنها خلقت علاقة مباشرة بين الكاتب والقارئ.

وقالت: "كسبت الكثير من المحبة، وأتوقع أنني سأخلد في قلوب قرائي، لأنهم سيذكرون أنني أحببتهم بصدق ودون سؤال".

لكنها في الوقت نفسه كشفت عن خسارتها الكثير من الكتب والراحة بسبب العالم الافتراضي، مشيرة إلى أن هذا العالم لم يعد يسمح لها بالكتابة بالنفس الطويل والمتواصل الذي أبدعت به "ذاكرة الجسد"؛ لأن الحياة مع وسائل التواصل أصبحت مختلفة تماماً عما كانت في السابق.

جاء ذلك في لقاء مع الكاتبة والروائية الجزائرية أحلام مستغانمي، أجابت خلاله عن سؤال الجلسة "هل وسائل التواصل تخدم الإبداع أم تغتاله؟"، وحاورتها فيه الإعلامية الدكتورة بروين حبيب.

الإبداع يحتاج إلى نظرة صادقة مع النفس

وفي حديثها عن العلاقة المتشابكة بين الإبداع والخصوصية، تطرقت الروائية أحلام مستغانمي إلى جانب آخر من تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على حياتها الأدبية والشخصية؛ إذ أكدت قائلة: "أنشر ما هو في متناول الجميع،  وأتحاشى  الصور الاستعراضية التي تجعل قارئي يشعر باختلافي عنه،  فالقارئ  يحب كاتباً بالذات لأنه يشبهه لا لأنه يبهره، ذلك دور النجوم". وأشارت إلى أن القارئ لا يرى دائماً الصورة بعين الكاتب، مستشهدة بصورة شاركتها من شرفة منزلها بإطلالة على البحر،  فرأى القراء في ذلك المنظر محفزاً للإبداع، لترد قائلة: "الكاتب لا يحتاج إلى إطلالة على منظر جميل، بل إلى مكان  يطلّ فيه على نفسه، يحتاج إلى نظرة صادقة في أعماق النفس، فأعظم الأعمال الإبداعية كتبت في السجون لأنها تأتي من تأمل الداخل".

وأضافت مستغانمي أن الكاتب في الماضي كان يحتفظ بمسافة مع قارئه، الذي لم يكن يهتم بالتفاصيل الشخصية، كالوضع المالي أو نمط حياة الكاتب، وهل هو يعيش ما يكتبه أم حياته تخالف كتاباته، مستشهدة برواية "البؤساء" التي لم يتدخل فيها القارئ بحياة  فيكتور هوغو الذي كان ثرياً. أما الآن، في زمن وسائل التواصل الاجتماعي فإن القارئ، كما عبّرت مستغانمي، "يتلصص ويتجسس، يريد أن يتأكد إلى أي حد يشبه الكاتب كتاباته"  بعد أن أتاحت له وسائل التواصل اختراق خصوصيته، وإمكانية الحكم عليه مع كل منشور.  

قرابة الحبر أقوى من قرابة الدم

وتحدثت مستغانمي عن أعظم مسؤولية يتحملها الكاتب، وهي كسب ثقة القراء، مشيرة إلى أنها تزن كلماتها بعناية وتفكر ملياً في خطواتها؛ لأن الثقة التي تُبنى عبر الزمن يمكن أن تُفقد في لحظة واحدة. وأكدت عمق هذا التحدي قائلة: "أصعب شيء أن تكون عند حسن ظن الأموات، فالحي يمكنك أن تعتذر له، لكن من مات وأخطأت في حقه، لا يمكنك تصحيح خطأك معه". وأضافت: "إن احترام ذكرى الأموات من الكتاب الذين عرفناهم،  وعدم استباحة إرثهم هو واجب أخلاقي".

وتطرقت مستغانمي إلى الجانب الإيجابي من تواجدها على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث أتاح لها  ذلك  التعرّف  على  من تتوجّه إليهم بعد أن كانت تكتب سابقاً لقارئ مجهول، مما جعل "سجلها العائلي" الأدبي يضم الملايين، معتبرة أن "قرابة الحبر أقوى من قرابة الدم". إلا أن هذا القرب وهذه "القرابة" أوجدت لها  واجبات  جديدة؛ إذ  يستنجد بها  بعضهم  لمشاركة تفاصيل مؤلمة وشخصية من حياتهم،  فهي هنا  لتقديم "الإسعافات  الأولية" لمن يستنجد  بها، برغم العبء النفسي الذي يتركه على حياتها.

 

 

مقولات أيقونية تداولها "التواصل"

وأشارت مستغانمي إلى مقولاتها التي أصبحت متداولة على وسائل التواصل، موضحة أنها لم تتعمد إعداد تلك العبارات، بل إنها تكتب بتلقائية ودون تخطيط لأن تصبح جملها "مانشيتات" أو مقولات أيقونية. وقالت:  "منذ (ذاكرة الجسد) شرع القراء بأخذ جمل من رواياتي وتحويلها إلى عبارات هي خلاصة فكرة أو تجربة، وهي مقولات تعيش لأنها تشبه القارئ وتلامسه في حقيقته".

واستشهدت بتجربة الشاعر نزار قباني الذي قال لصديق تعجّب من رؤية ما سطّر من جمل عند قراءته  لذاكرة الجسد: "أسطّر الجمل التي كتبتني فيها أحلام"، معتبرةً أن هذه المقولات التي يستخدمها العشاق وأصحاب القضايا هي  التي كتبتهم فيها، وهو ما سيمنحها حياة أطول.

 

أقوالي نسبت لشكسبير!

وتحدثت مستغانمي عن واحدة من أبرز سلبيات وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يتعرض الكاتب لتحريف أقواله أو تنسب إليه أقوال لغيره لم يقلها وصرحت بقولها: "أفضِّل أن تُنسب أقوالي لشخص آخر على أن  يُنسب لي ما لم أقله". واستذكرت مستغانمي في هذا الشأن حادثة طريفة عندما اكتشفت أن إحدى عباراتها عن أزمة المثقف قد نُسبت إلى الأديب الإنجليزي الشهير شكسبير،  وهو ما لا يمكن أن يكون لأن موضوع المثقف لم يكن مطروحاً في زمانه. وهذا يبرز مدى التشويش الذي يمكن أن يحدث عبر هذه المنصات؛ لأن معظم القراء يستمدون معلوماتهم من الإنترنت لا من الكتب.

وأوضحت الكاتبة الجزائرية أن هناك من ينسب إليها إعلان الحرب على الرجال، لتتوالى الشائعات ويبدأ البعض بتصديقها، قائلة: "للأسف، العالم الافتراضي ينصب الكمائن للكاتب مستبيحاً حياته كيفما شاء  كخبر زواجي خمس مرات. آخرها فتى في سن أولادي، طبعاً لأن الصورة كانت مع ابني وبرغم أني تزوجت مرة واحدة ما زالت الشائعة تصادفني في المواقع".

 

 

 

الكاتب يختار حساب التاريخ على الحساب المصرفي

وحول نظرتها للفائدة المادية من وسائل التواصل الاجتماعي وتزايد عدد المتابعين، أكدت مستغانمي أن الاستفادة المادية لم تكن يوماً هاجساً لها، رغم أنها تعيش في "زمن الأرقام" حيث يُستثمر كل شيء. وعبّرت بوضوح قائلة: "لا أترفع عن المكاسب والمال، لكن لكل مكسب مقابل. عليك أن تختاري: هل تقدمين حساباً للتاريخ أم لحسابك المصرفي؟ هل تريدين الخلود أم مكسباً فورياً؟" وأشارت إلى أن بعض الشركات المشهورة قدمت لها  عروضاً مغرية، لكنها ككاتبة لا يمكنها أن تساوم على اسمها مقابل عقد أو ربح سريع.

وأضافت مستغانمي: "يقال ليس للمال رائحة، لكنه يفسد رائحة كل شيء، فما بالك حين يختلط  بالأدب". وأوضحت أنها لا تلوم المشاهير والنجوم والإعلاميين الذين يركّزون على اللحظة الحالية، غير معنيين بما سيكتب عنهم، شخصياً يصيبني الرعب من التاريخ، وخسرت الكثير من أجل أن أكسب  تاريخي". 

 

ليس لي أحد بعد الله إلا أنت

وأضافت مستغانمي: "قد أسعد ببعض العروض المالية أحياناً، لكن ضميري أقسى عليّ من أعدائي، فأحاسب نفسي كل يوم وكأنني عدوة نفسي". وتابعت بأنها موجودة لتمنح جمهورها شيئاً حقيقياً لا لتأخذ منهم شيئاً، وذكرت موقفاً مؤثراً عندما كتبت لها قبل سنوات إحدى المتابعات: "ليس لي بعد الله إلا أنت". فراحت تسأل عنها وكانت السيدة من غزة، منذ  ذلك الحين، شعرت أنها مسؤولة عن الرد والتواصل معها، واستمرت في الوقوف إلى جانبها لسنوات، إيماناً بأن الرسالة الحقيقية تكمن في العطاء الصادق.

وأوضحت أنها مسكونة بالهم العربي، مما جعلها تتابع منصة "إكس" (تويتر سابقاً)  أكثر  من غيرها، إذ ترى فيها الوسيلة الأسرع والأهم لمتابعة آخر الأخبار، التي تخصّ نبض الواقع العربي،  حتى إنها تستيقظ أحياناً  ليلاً لترى فيها ما قد يكون قد حدث أثناء نومها. مشيرة إلى أن الهمّ العربي لا يفارقها ككاتبة.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

كلمات دلالية: وسائل التواصل الاجتماعی أحلام مستغانمی مشیرة إلى أن

إقرأ أيضاً:

هل نشر الفتاة صورها على مواقع التواصل الاجتماعي حرام أم حلال؟ شيخ الأزهر يحسم الجدل

هل مشاركة صوري أنا وصديقاتي البنات على مواقع التواصل الاجتماعي حرام مع العلم بأنني محجبة ومحتشمة؟ سؤال ورد إلى الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، وأجاب عنه في كتاب «الأطفال يسألون الإمام».


وقال الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، في إجابته: «بناتي الغاليات.. الستر والحشمة من أهم سمات المرأة المسلمة، وقد أجمع العلماء استنادًا إلى القرآن الكريم والسنة المطهرة على أن جسد المرأة عورة عدا الوجه والكفين، وعلى ذلك فلا يجوز للمرأة الظهور أو التصوير على مواقع التواصل أو غيرها إلا إذا كانت ملتزمة بالصفات الشرعية للباس المرأة وهي : أن يكون ساترا لسائر الجسد عدا الوجه والكفين، وألا يصف وألا يشف.


وحذر  الإمام الأكبر، من ضعاف النفوس الذين يستخدمون صور الفتيات والسيدات ويقومون بتركيبها مع صور أخرى غير لائقة، ثم ابتزازهن بهذا الصنيع الإجرامي، وأن يحمين أنفسهن باتخاذ كافة إجراءات الأمن الرقمي والسيبراني للحفاظ على أنفسهن وخصوصياتهن، وطلب المساعدة متى تعرضت أي منهن لمثل هذه الأفعال الخبيثة التي يحرمها الدين ويجرمها القانون.

دعاء الجمعة الأخيرة من رجب المستجاب.. يزيد الرزق ويزيل الهم ردده حتى غروب الشمسدعاء للميت في الجمعة الأخيرة من رجب.. ردده الآن يفرح به ويدخله الفردوس الأعلىدعاء يحميك من كيد الأعداء والحسد وأهل الشر.. ردده كل صباحدعاء الجمعة الأخيرة من رجب.. قصير ومكتوب

هل نشر الصور والأخبار السعيدة على مواقع التواصل الاجتماعي يسبب الحسد ؟

قالت دار الإفتاء، إن بَث ونَشر "اليوتيوبرز" المقاطع المصورة عن تفاصيل حياتهم الشخصية لهم ولأسرهم لزيادة التفاعل حولها، إن كان مما لا يجوز للغير الاطلاع عليه؛ لكونه مما يُعَيَّب به المرء، فنشره عَمَلٌ محرَّم شرعًا، ومُجَرَّم قانونًا؛ لما فيه من إشاعة الفاحشة في المجتمع… وإن كان مما يصح إطلاع الغير عليه فلا مانع منه شرعًا.

المقصود بـ"اليوتيوبرز"


"اليوتيوبرز: Youtubers" مصطلح عصري يُطْلَق على صانعي المحتوى المرئي في موقع "يوتيوب: YouTube"، وتزداد شهرة "اليوتيوبر" من خلال المحتوى الذي يُقَدِّمه من حيث نوعه، وجودة إخراجه، والمخاطَب به؛ حتى إنَّ بعض الأشخاص لشهرتهم على اليوتيوب قد امتهنوا هذا الأمر؛ نظرًا لما يدره عليهم من ربحٍ نتيجة التفاعل على ما يُقَدِّمونه بالتعليق، أو الإعجاب، أو المشاركة من الآخرين.

حكم نشر الأشخاص تفاصيل حياتهم الخاصة على مواقع التواصل


من المحتوى الذي لوحظ تقديمه من قِبَل "اليوتيوبرز": نَشْر بعضهم الشؤون اليومية الخاصة به وبأسرته؛ كأماكن جلوسه في بيته مع زوجته، ومواضع نومه، ومقر اجتماعه للأكل والشرب مع عائلته؛ حتى وصل الهوس لنشر كواليس نومه واستيقاظه، وتحركات أطفاله، بل ودخوله للخلاء!.


والبَثُّ والبَسْط للشؤون الشخصية ومشاركة الآخرين لمشاهدة ذلك يفرق فيه بين حالين؛ أولهما: ما يصح إِطْلاع الغير عليه. وثانيهما: ما لا يصح إِطْلاع الغير عليه.


فالأول؛ كتفاصيل الحياة العادية التي لا يَأنَف الشخص من معرفة الغير بها؛ كعنوان بيته، وشَكْله، ونوع سيارته، ونحوه مما يدل على أَنَّ ناشر ذلك له ذوق مناسب وسط البيئة الاجتماعية التي يعيش فيها؛ فهذا أمر لا مانع منه شرعًا، وقد يندرج هذا الفعل تحت التَّحدُّث بنعمة الله على المرء الذي ندب إليه الشرع الشريف في قوله تعالى: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ [الضحى: 11].


وأما النوع الثاني؛ فهو ما يُعيَّب به المرء مما لا يجوز للغير الإطلاع عليه؛ ونشر ذلك رغبةً في زيادة التفاعل -بالتعليق أو الإعجاب أو المشاركة- حول ما يُنْشَر مذموم شرعًا؛ لأنَّه من قبيل إشاعة الفاحشة في المجتمع، وهي جريمة حَذَّر منها الحق سبحانه وتعالى؛ في قوله: ﴿إنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾ [النور: 19].


والآية عامة في الذين يَلتمسون العورات، ويهتكون الستور، ويشيعون الفواحش؛ قال الإمام الفخر الرازي في "مفاتيح الغيب" (23/ 184، ط. دار الفكر): [لا شك أن ظاهر قوله: ﴿إِنَّ الذين يُحِبُّونَ﴾ يفيد العموم وأنه يتناول كل من كان بهذه الصفة، ولا شك أن هذه الآية نزلت في قذف عائشة؛ إلا أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب؛ فوجب إجراؤها على ظاهرها في العموم، ومما يدل على أنه لا يجوز تخصيصها بقذفة عائشة؛ قوله تعالى في: ﴿الذين آمَنُواْ﴾ فإنه صيغة جمع ولو أراد عائشة وحدها لم يجز ذلك].

خطورة إشاعة الفاحشة في المجتمع والتحذير منها


وجعل الإسلام إشاعة الفاحشة وفعلها في الوِزْر سواء؛ لعظم الضرر المترتب في الحالتين؛ فقد أخرج الإمام البخاري في "الأدب المفرد"، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: "القائل الفاحشة والذي يشيع بها في الإثم سواء"، وقال عطاء رضي الله عنه‏: "من أشاع الفاحشة فعليه النكال، وإن كان صادقًا" أخرجه ابن أبي حاتم.


ورَتَّب النبي صلى الله عليه وآله وسلم على جريمة إشاعة الفاحشة عقوبة عظيمة؛ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «وأيُّما رَجُلٍ أشاعَ على رَجُلٍ مُسْلِمٍ بِكَلِمَةٍ وهُوَ مِنْها بَرِيءٌ يَشِينُهُ بِها فِي الدُّنْيا كانَ حَقًّا على الله تَعَالَى أنْ يُدْنيَهُ يَوْمَ القيامَةِ فِي النَّارِ حَتَّى يأْتِيَ بِإِنْفاذِ مَا قالَ» رواه الطبراني كما فى مجمع الزوائد (4/ 201)، وقال الهيثمى: فيه من لم أعرفه.


كما أَنَّ نشر وبَثَّ مثل هذه المقاطع المصورة التي لا يصح إِطْلاع الغير عليها يتنافى كليًّا مع حَثِّ الشرع الشريف على الستر والاستتار؛ لأنَّ أمور العباد الخاصة بهم مبنية على الستر؛ فلا يصح من أحد أن يكشف ستر الله عليه ولا على غيره؛ قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه: «مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللهُ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ» رواه مسلم، وفي رواية لابن ماجه: «منْ سَتَرَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ سَتَرَ اللهُ عَوْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ كَشَفَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ كَشَفَ اللهُ عَوْرَتَهُ حَتَّى يَفْضَحَهُ بِهَا فِي بَيْتِهِ». قال الإمام أبو عمر ابن عبد البر في "التمهيد" (5/ 337، ط. مؤسسة قرطبة): [وفيه أيضًا ما يدل على أن الستر واجب على المسلم في خاصة نفسه إذا أتى فاحشة وواجب ذلك عليه أيضًا في غيره].

حث الشرع على الستر عند ارتكاب المعاصي


لعناية الشرع الشريف بالستر والاستتار؛ فقد حَثَّنا على أنَّه مَن ابتلي بمعصيةٍ ألا يُخبر بها، بل يُسرها ويستغفر الله منها ويتوب إليه؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئا، فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللهِ، فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِي لَنَا صَفْحَتَهُ نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ اللهِ»، أخرجه مالك في "الموطأ"؛ حتى نَصَّ الفقهاء -بناء على ذلك- أنه يستحب لمن ارتكب معصية أن يستر على نفسه وعلى الغير، قال شمس الدين البابرتي الحنفي في "العناية شرح الهداية" (10/ 471، ط. دار الفكر): [الستر واجب والإشاعة حرام].


ويقول الشيخ عليش المالكي في "منح الجليل" (3/ 408، ط. دار الفكر): [يجب ستر الفواحش على نفسه وعلى غيره لخبر: «مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللهِ»].


وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في "أسنى المطالب" (19/ 495، ط. دار الكتاب الإسلامي): [(ويستحب للزاني) ولكل من ارتكب معصية (الستر) على نفسه].


وقال العلامة ابن قدامة في "المغني" (60/ 69، ط. مكتبة القاهرة). [ورد الشرع بالستر، والاستتار] اهـ.
إضافة لذلك: فإنَّ نشر هذه الخصوصيات بهذه الكيفية المذمومة هو مِن طلب الشُّهْرة الذي كَرِهه السلف الصالح، ويندرج تحت قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِيَّاكُمْ وَالتَّمَادُحَ فَإِنَّهُ الذَّبْحُ» رواه أحمد.


قال المناوي في "فيض القدير" (3/ 129، ط. المكتبة التجارية): [المدح يورث العجب والكبر، وهو مهلك كالذَّبْح؛ فلذلك شُبِّه به].


وقد روى البيهقي في "الشُّعَب" عن أنس رضي الله عنه أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «حَسَبُ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ إِلَّا مَنْ عَصَمَهُ اللهُ أَنْ يُشِيرَ إِلَيْهِ النَّاسُ بِالْأَصَابِعِ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ».


وروى البيهقي والطبراني عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «بِحَسب امْرِئٍ من الشَّرّ أَن يُشِير النَّاس إِلَيْهِ بالأصابع فِي دينه ودنياه إِلَّا من عصمه الله -من السوء-».

موقف القانون من ذلك


إنَّ إفشاء مثل هذه الخصوصيات الشخصية بهذه الصورة المعيبة هو أيضًا جريمة قانونية يُعاقَب عليها وفق القانون رقم (175) لسنة 2018م، والخاص بـ"مكافحة جرائم تقنية المعلومات"؛ فقد جَرَّم المُشَرِّع المصري في هذا القانون نشر المعلومات المُضَلِّلة والمُنَحرفة، وأَوْدَع فيه مواد تتعلق بالشق الجنائي للمحتوى المعلوماتي غير المشروع؛ ففي المادة (25) من القانون المشار إليه نَصَّ على: [يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين: كل من اعتدى على أي من المبادئ أو القيم الأسرية في المجتمع المصري، أو انتهك حرمة الحياة الخاصة ..].


ونَصَّ أيضًا في المادة (26) على: [يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تجاوز خمس سنوات وبغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تجاوز ثلاثمائة ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين: كل مَنْ تَعمَّد استعمال برنامج معلوماتي أو تقنية معلوماتية في معالجة معطيات شخصية للغير لربطها بمحتوى منافٍ للآداب العامة، أو لإظهارها بطريقة مِن شأنها المساس باعتباره أو شرفه].

الخلاصة


أفادت دار الإفتاء: بناء على ذلك وفي واقعة السؤال: فبَثُّ ونَشرُ "اليوتيوبرز" المقاطع المصورة عن تفاصيل حياتهم الشخصية لهم ولأسرهم لزيادة التفاعل –تعليقًا أو مشاركةً أو إعجابًا- حولها؛ إن كان مما يصح إطلاع الغير عليه فلا مانع منه شرعًا، وإن كان مما لا يجوز للغير الإشعار به مما يُعَيَّب به المرء؛ فنشره عَمَلٌ محرَّم شرعًا، وهو مُجَرَّم قانونًا أيضًا؛ وذلك لما فيه من إشاعة الفاحشة في المجتمع، وهي جريمة أناط بها الشرع الشريف عقوبة عظيمة؛ إضافة لما يحويه هذا النشر بهذه الكيفية من التعارض الكلي مع حَثِّ الشرع الشريف على الستر والاستتار.
 
 

مقالات مشابهة

  • كيف تنهكنا منصات التواصل الاجتماعي عقليًا ونفسيًا؟
  • هل نشر الفتاة صورها على مواقع التواصل الاجتماعي حرام أم حلال؟ شيخ الأزهر يحسم الجدل
  • شاهد.. فيديو لعروسين يثير ضجة واسعة على مواقع التواصل
  • وسائل إعلام عبرية تكشف تفاصيل حول اللحظات التي سبقت الـ7 من أكتوبر
  • جنوب السودان يوقف منصات التواصل الاجتماعي 30 يوما
  • ادعت أنها ممرضة لتخطف رضيعة من مستشفى في إيطاليا
  • حكاية البلوجر هدير عاطف من مواقع التواصل الاجتماعي للمحاكمة
  • احتفال البليهي بفوز الفتح يثير التفاعل على وسائل التواصل
  • الانفعال العالي.. سمة الاستخدام المتكرر لشبكات التواصل
  • تأجيل محاكمة صاحب مجمع “إفرساي” الذي نصب على المواطنين قرابة 100 مليار