ما زال طوفان الأقصى يثير الكثير من التساؤلات: كيف لحماس المحاصرة منذ 2007، أن تشن هجومها على إسرائيل؟ وكيف لم تستطع إسرائيل أن تمنعها و تردعها حتى عن مجرد التفكير فيه؟ وكيف تهاوت ركائز القوة الإسرائيلية وعقيدتها الأمنية منذ الانتفاضة الأولى وحتى الآن؟ وهل فوجئت إسرائيل بهجوم السابع من أكتوبر أم أصابها العمى الاستراتيجي، ففشلت في منعه رغم التفارير وتوافر المعلومات المؤكدة لحدوثه؟

نجد الإجابة على هذه الأسئلة وغيرها في دراسة البروفيسور أفرايم كارش، المدير السابق لمركز بيجين السادات للدراسات الاستراتيجية، في دراسته المنشورة بمجلة شئون إسرائيل ISRAEL AFFAIRS، في 9 أكتوبر 2024، وعنوانها: "من أوسلو إلى بئيري: كيف أدى وهم السلام الذي دام 30 عاما إلى مذابح حماس في 7 أكتوبر"، والتي تكشف عن جوانب ضعف خطيرة في العقلية والنفسية الإسرائيلية على كافة المستويات.



ونقدم في هذه القراءة عرضا موجزا لها:

النبوءة التي تحققت

في 11 أكتوبر تشرين الأول 1947، هدد الأمين العام لجامعة الدول العربية عبد الرحمن عزام، بأن قرار الأمم المتحدة بإنشاء إسرائيل سيؤدي إلى "حرب إبادة ومذابح خطيرة كمذابح المغول أو الحروب الصليبية". لم يتحقق هذا التهديد آنذاك؛ لكن بعد 76 عاما بالضبطـ، في 7 أكتوبر تشرين الأول 2023، هاجم آلاف من مقاتلي حماس مستوطنات غلاف غزة، وقتلوا 1300 إسرائيلي في أكبر مذبحة لليهود منذ المحرقة.

بُني سلام أوسلو، على وهم أن الفلسطينيين تحولوا إلى شريك سلام حقيقي. المشكلة في هذا المنطق هي أن السلام يُصنع مع الأعداء الذين هُزموا بشكل شامل، أو خاب أملهم في استخدام العنف: وليس مع أولئك المتشبثين بالمقاومة والهدف الاستراتيجي: فلسطين من النهر إلى البحر. وقد قُتل السنوات التي تلت أوسلو، أي أربعة أضعاف متوسط عدد القتلى قبلها. ثم جاء 7 أكتوبر، فضاعف هذه التكلفة البشرية بضربة واحدة.كيف وقعت إسرائيل في نفس حيلة استخدام يوم يهودي مقدس لشن هجوم شامل في الذكرى الخمسين لهجوم يوم الغفران عام 1973؟ كيف فشلت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية في اكتشاف عملية بهذا الحجم كانت قيد الإعداد لسنوات؟ أين كان الجيش بقدارته الهائلة خلال هذا اليوم؟ في هجوم السابع من أكتوبر، لم يتم رؤية طائرة واحدة لساعات، على الرغم من أن الهجوم وقع على مرمى حجر من بعض القواعد الجوية؛ فقط حاولت بضع طائرات هليكوبتر هجومية يائسة وقف الطوفان الحمساوي.

العمى الاستراتيجي وشلل في التفكير والتصرف

في 7 أكتوبر، في الساعة الرابعة صباحا، وقبل الغزو بساعتين ونصف، تمت استشارة هاتفية طارئة شارك فيها رئيس الأركان، وقائد الجبهة الجنوبية، ورئيس العمليات، ورئيس الشاباك. نوقش فيها مؤشرات اللحظة الأخيرة على غزو حماس الوشيك، لا سيما التشغيل المتزامن للعديد من بطاقات الهاتف المحمول الإسرائيلية من قبل مقاتلي حماس، ونقل القيادة إلى مخابئ تحت الأرض. انتهت المشاورة بقرار مواصلة استكشاف الأمر في الصباح. ولم يتم تنبيه أحد إلى الخطر الوشيك: لا قائد فرقة غزة، ولا قائد سلاح الجو، ناهيك عن وزير الدفاع أو رئيس الوزراء. وكان الإجراء الاحترازي البسيط الوحيد الذي تم اتخاذه هو إرسال فرقة صغيرة لمكافحة الإرهاب تابعة للشاباك إلى جنوب إسرائيل.

لغز بلا إجابة

غاب عن هذه المكالمة التشاورية رئيس الموساد، الذي كان في عطلة عائلية في إيلات رغم أن مساعده أيقظه الساعة الثالثة صباحا، وأبلغه بالمؤشرات المتواترة على هجوم وشيك لحماس، فرفضها فورا، وأستأنف نومه. لا يزال لغزا لماذا لم يصر رئيس الأركان على مشاركة رئيس الموساد في المشاورة؟ ربما كان يعلم أن هذا لن يحدث فرقا كبيرا، أو ربما لم يثق في رأيه، أو ربما أغلق رئيس الموساد هاتفه لمنع المزيد من التطفل عليه في إجازته رغم أنه كان على علم بخطة غزو حماس لأكثر من عام.

كيف يمكن للمستويات الأمنية العليا في إسرائيل أن تخون بهذه القسوة المجتمعات الحدودية والجنود المكلفين بحمايتهم، الذين قُتل منهم الكثير في أَسرتهم؟ كيف يمكن أن يفشلوا في تنبيه رؤسائهم السياسيين إلى خطر واضح على الأمن القومي الإسرائيلي؟

الرفض العنيد لقبول الواقع

إن الفهم الكامل للعقلية الكامنة وراء هذا التقصير الهائل في أداء الواجب يتطلب تتبع تطور هذا التقصير على مدى ثلاثين عاما منذ أوسلو وحتى اليوم، وخصوصا في العام الذي سبق السابع من أكتوبر. إنه الرفض العنيد لقبول الواقع رغم كل الأدلة المتاحة.

وقد ساهم في إنتاج هذه العقلية:

ـ الإذعان لتحويل الضفة الغربية وقطاع غزة إلى كيانات مقاومة لا يمكن القضاء عليها، مما تسبب في قتل ألفي إسرائيلي، وبلغت ذروتها في 7 أكتوبر. ولولا هذا العمى المتعمد ما حدثت هذه الكارثة.

ـ إضعاف الجيش، واستبدال روحه الهجومية بنهج رد الفعل بعيدا عن السعي التقليدي لتحقيق النصر، وتجاهل أو التقليل من التهديدات التي تواجه إسرائيل لتجنب اللجوء إلى تدابير وقائية.

ـ موجة عارمة من العصيان المدني في 2023 بين اليهود الإسرائيليين، والتي هددت بتقويض القدرات العملياتية للجيش الإسرائيلي وتمزيق النسيج الاجتماعي والسياسي الإسرائيلي. وقد ساعد ذلك في إقناع حماس بأن الوقت قد حان لتنفيذ "عملية طوفان الأقصى" التي خططت لها منذ فترة طويلة.

وهم قاتل

بُني سلام أوسلو، على وهم أن الفلسطينيين تحولوا إلى شريك سلام حقيقي. المشكلة في هذا المنطق هي أن السلام يُصنع مع الأعداء الذين هُزموا بشكل شامل، أو خاب أملهم في استخدام العنف: وليس مع أولئك المتشبثين بالمقاومة والهدف الاستراتيجي: فلسطين من النهر إلى البحر. وقد قُتل السنوات التي تلت أوسلو، أي أربعة أضعاف متوسط عدد القتلى قبلها. ثم جاء 7 أكتوبر، فضاعف هذه التكلفة البشرية بضربة واحدة.

عيون مغلقة تماما

إن قدرة الفلسطينيين على مواصلة خداع السلام قد تعززت بسبب التعب المتزايد للمجتمع الإسرائيلي وتوقه إلى الحياة الطبيعية التي من شأنها أن تسمح له بالتمتع بثرائه المكتسب حديثا. حتى رابين، الذي كان معروفا على نطاق واسع باسم "سيد الأمن"، كان مدفوعا إلى عملية أوسلو بسبب الخوف من أن المجتمع الإسرائيلي قد فقد القدرة على تحمل وخوض صراع طويل الأمد.

بيريز، الذي دفع رابين إلى عملية السلام مع الفلسطينيين، لم ينظر إلى أوسلو على أنها نهاية الصراع فحسب، بل على أنها الطريق لـ "شرق أوسط جديد يكون نقطة محورية روحية وثقافية للعالم بأسره.

حتى شارون بعد انسحابه الأحادي الجانب من غزة، ادعى أنه في أواخر الثمانينيات كان مؤيدا لحل الدولتين عندما حاول إقناع رئيس الوزراء إسحاق شامير بالحاجة إلى تسوية إقليمية: "لا نريد حكما إلى أجل غير مسمى على ملايين الفلسطينيين الذين يضاعفون أعدادهم كل جيل".

أما أولمرت، أحد أكثر السياسيين تشددا في الليكود، فقد تحول بعد أوسلو إلى "صانع سلام"، وقال: "لقد تعبنا من القتال، وسئمنا من هزيمة أعدائنا. نريد أن نعيش في بيئة مختلفة تماما من العلاقات مع جيراننا".

إضعاف الجيش.. خيال "الجيش الصغير الذكي"

سببت الانتفاضة الأولى إرهاقا متزايدا للمجتمع الإسرائيلي، وتوقا إلى الهدوء والحياة الطبيعية. وبدا رابين مقتنعا بمحدودية القوة العسكرية الإسرائيلية. وقال رئيس الأركان دان شومرون بعد عام من بدء الانتفاضة: "لا يوجد شيء اسمه القضاء على الانتفاضة، لأنها في جوهرها صراع قومي". إذن، فقد استبعد قائد الجيش فعليا فكرة النصر، وحدد دور الجيش في شراء الوقت للحكومة لإيجاد حل للصراع.

اكتسبت هذه العقلية الانهزامية زخما كبيرا في عهد إيهود باراك كرئيس للأركان، مع عواقب وخيمة على القدرات والروح القتالية للجيش. فقد جعل مفهوم "الجيش الصغير والذكي" السمة المميزة لفترة ولايته، واستخدم عملية أوسلو نقطة انطلاق لتحقيق هذه الفكرة. وأدى هذا المنطق إلى تخفيض مطرد للقوات البرية لصالح الاعتماد الساحق على القوة الجوية والأسلحة المتطورة التي يُنظر إليها على أنها الحاجز النهائي أمام التهديد الوجودي الوحيد المتبقي: سعي طهران للحصول على أسلحة نووية. وترافق ذلك مع انخفاض مماثل في التشكيلات القتالية للجيش من 16 فرقة عام 1991 إلى 12 فرقة في 2013، وانخفاض القوات المدرعة من 12 فرقة عام 1991 إلى 7 فرق في 2013. واستمرت هذه العملية على قدم وساق في فترة الربيع العربي حيث بدا أن خطر نشوب حرب متعددة الجبهات قد انحسر أكثر بعد الاضطرابات الإقليمية الناجمة عن "الربيع العربي". وفي أواخر عام 2011، تنبأ وزير الدفاع بإضعاف قدرة إيران وحزب الله على محاربة إسرائيل. وردد هذا التوقع وزير الشؤون الاستراتيجية، الذي قال: بدلا من السعي إلى إحباط حصول حزب الله على الصواريخ والقذائف، يجب على إسرائيل ألا تفعل شيئا وتسمح لهذه الترسانة الضخمة "بالتعفن".

إن قدرة الفلسطينيين على مواصلة خداع السلام قد تعززت بسبب التعب المتزايد للمجتمع الإسرائيلي وتوقه إلى الحياة الطبيعية التي من شأنها أن تسمح له بالتمتع بثرائه المكتسب حديثا. حتى رابين، الذي كان معروفا على نطاق واسع باسم "سيد الأمن"، كان مدفوعا إلى عملية أوسلو بسبب الخوف من أن المجتمع الإسرائيلي قد فقد القدرة على تحمل وخوض صراع طويل الأمد.وفي الوقت الذي استمر فيه الحشد العسكري لحزب الله وحماس على قدم وساق؛ تم تقليص سلاح المدرعات، وتسريح مائة ألف من جنود الاحتياط، وتقصير الخدمة الإلزامية للرجال. وتم التركيز على أنظمة أسلحة عالية التقنية.

بحلول 7 أكتوبر 2023 ، كان الجيش الإسرائيلي يتألف من 1300 دبابة فقط، منها 600 دبابة فقط من ميركافا 4، أقل من ثلث قوتها عند إطلاق عملية أوسلو، مجمعة في 5 فرق مدرعة مقارنة ب 12 فرقة في عام 1991. هذا في الوقت الذي كانت فيه إسرائيل تصدر مئات الدبابات المنتجة ذاتيا إلى الجيوش الأجنبية، ولا سيما التي تم الاتفاق مؤخرا على بيع 200 ميركافا MkII/III إلى المغرب.  ونتيجة لذلك، لم تتمكن إسرائيل في الحرب الحالية من تنفيذ عمليات هجومية متزامنة على أكثر من جبهة، وهي نكسة استراتيجية لم يحدث مثلها حتى في حرب 1948.

وقد تفاقم هذا المأزق العملياتي بسبب النقص الرهيب في الذخيرة الأسلحة الذي رافق الانحطاط المطرد للصناعات العسكرية الإسرائيلية "منخفضة التقنية" في عهد أوسلو. وأدى إغلاق خطوط إنتاج الذخيرة والعتاد الحربي إلى النقص الذخائر في الحرب الحالية والاعتماد الشديد على الإمدادات الأمريكية.

التحول من خيول راكضة إلى ثيران كسولة

في مناقشة النجاح في حرب السويس 1956، والتي دمرت فيها الجيش المصري في سيناء واحتلت شبه جزيرة سيناء في 10 أيام، أشاد رئيس الأركان موشيه ديان بحظه في الاضطرار إلى كبح جماح الخيول الراكضة بدلا من حث الثيران الكسولة.

بعد أربعين عاما، تحولت معظم خيول الجيش الإسرائيلي الراكضة إلى ثيران كسولة بسبب الوهم الهائل بأن عملية أوسلو قد بشرت بعصر سلام لم تعد فيه إسرائيل تواجه تهديدا وجوديا من جيرانها الفلسطينيين والعرب، بل مجرد تهديد يمكن التحكم فيه من المنظمات المتطرفة. ونتيجة لذلك، امتلأت هيئة الأركان بضباط مطيعين ومتواضعين، وتخلى الجيش عن سعيه الدائم لتحقيق نصر سريع، والاكتفاء باستراتيجية "جز العشب" التي سعت إلى احتواء هذه المنظمات وإنهاكها والقضاء الصبور على قدراتها. وتأجيل الحريق التالي لأطول فترة ممكنة. اكتسبت هذه الاستراتيجية زخما بسبب الاعتقاد بأن هذه المنظمات تمثل مثلا قومية أو إسلامية عميقة الجذور ولا يمكن هزيمتها بقوة السلاح.

في 24 أيار/مايو 2000، كان رئيس الوزراء باراك مدفوعا بنفس المنطق، فأسرع بالانسحاب من جانب واحد من جنوب لبنان تاركا وراءه أسلحة ثقيلة ومعدات عسكرية. كان ينظر إلى هذه الخطوة في العالم العربي على أنها هزيمة للجيش الإسرائيلي القوي من قبل قوة حرب عصابات صغيرة ولكنها مصممة وساعدت في إشعال "انتفاضة الأقصى". إذ لم تستطع إسرائيل تحمل 20-25 قتيلا سنويا في القتال ضد حزب الله، وهو عدد أقل من عشر عدد القتلى على طرقها.

مكن هذا الانسحاب من ازدياد وتوسع قوة حزب الله إلى أبعاد هائلة، وتعزيز قبضته على لبنان، وتحويل جنوب لبنان إلى معقل له ونقطة انطلاق للهجمات على الأراضي الإسرائيلية، وسخر أمينه العام من إسرائيل ووصفها بأنها "أضعف من شبكة العنكبوت".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير كتب دراسة الفلسطينيين دراسة احتلال فلسطين طوفان الاقصي كتب كتب كتب كتب كتب كتب أفكار أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة رئیس الأرکان عملیة أوسلو فی 7 أکتوبر الذی کان على أنها

إقرأ أيضاً:

دور طوفان الأقصى بالهزيمة المنكرة لكامالا هاريس ومعاقبة الحزب الديمقراطي من خلفها!

لم تكن عملية السابع من تشرين الأول/ أكتوبر طوفانا في المنطقة العربية وحدها، بل كانت كذلك في كثير من دول العالم وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، حتى رأينا أثرها على الانتخابات الرئاسية وعلى تفكك الكتلة الصلبة للحزب الديمقراطي الذي اعتمد طيلة العقود السابقة على تبني مجموعة من الثوابت والمسلّمات التي راقت لجمهور الحزب وقاعدته الانتخابية، في التعامل مع الملفات الداخلية كقضايا الحريات الشخصية مثل حق الإجهاض والاعتراف بالحقوق الكاملة لمجتمع الميم من المثليين.. إلخ، ولقد اعتمد الحزب كذلك عددا من الثوابت والمسلّمات في التعاطي مع ملفات السياسة الخارجية، وأهمها التأكيد على عدم المساس بالديمقراطية وعلى حق الشعوب في احترام إرادتها!..

وقد ظهرت صهيونية الإدارة الأمريكية برئاسة "جو بايدن" كما لم تظهر من مثيلتها من الإدارات السابقة، ولِمَ لا؟! وقد كانت الإدارة الحالية وهي السادسة والأربعين في تاريخ الولايات المتحدة مَطِيّة لرغبات رئيس وزراء الكيان "بنيامين نتنياهو" ورهنا لإشارته وعونا لمطامعه، بجميع موظفيها على كافة مستوياتهم؛ من الرئيس مرورا بوزراء الخارجية والدفاع ومستشار الأمن القومي ومسئول دائرة الاتصال بالأمن القومي خدمة لمجموعة المتطرفين من أعضاء حكومة الكابينت الإسرائيلي..

منع الطوفان تلك المنطقة الرمادية التي حاولت الإدارة الأمريكية أن تخدع بها الرأي العام الأمريكي -كعادة الديمقراطيين!- بالوقوف داخلها، ولربما ساعدت شخصية الرئيس الحالي وضعفه أمام ابتزاز اللوبيات الصهيونية في التواطؤ والمساعدة لدولة الاحتلال على ارتكاب تلك المذابح بل وإمداده بكل ما يحلم به وما لا يحلم به من أحدث الأسلحة والذخائر
وظهر واضحا جليا تحول المزاج العام للناخبين من ذوي الأصول العربية والإسلامية واللاتين والسود الأفارقة، بالإضافة إلى عموم المؤمنين بحق الشعب الفلسطيني في الحياة ممن أزعجتهم ضراوة المشاهد وقسوة الأفعال الإجرامية التي تمت، لا أقول بمساعدة ودعم بل بشراكة أمريكية كاملة! تلك المذابح التي نقلتها الكاميرات رغم محاولات التعتيم والتكبيل التي مورست -رئيسة جامعة كولومبيا مع الطلاب نموذجا- بالمخالفة لكل المبادئ التي لطالما تغنّى بها الحزب الديمقراطي..

ولقد حملت تلك الحوادث والأفعال التي تبنّتها الإدارة على ضرورة معاقبة الحزب ومرشحيه -أيّا من كانوا!- بسبب فجاجة التواطؤ وبجاحة الدعم الكاملين من الإدارة الديمقراطية للاحتلال الصهيوني، وذهاب الكثير من تلك الأصوات إلى مرشحة حزب الخضر أو إلى مرشح الحزب الجمهوري الرئيس "دونالد ترامب"..

وقد استمعنا لحديث أحد قادة الجاليات العربية والإسلامية وهو يتكلم عن تجاهل حملة المرشحة الرئاسية "كامالا هاريس" طلبهم الاجتماع بهم لعرض طلباتهم ورؤاهم! في الوقت الذي تفاجأوا فيه بطلب حملة المرشح الجمهوري "دونالد ترامب" بالجلوس معهم والتفاهم حول مطالبهم، وقد تمت المقابلة ونقلت المحطات الفضائية جلوس قادة ورموز الجاليات العربية والإسلامية بجوار المرشح الجمهوري "ترامب" فوق خشبة مسرح المؤتمر الانتخابي..

منع الطوفان تلك المنطقة الرمادية التي حاولت الإدارة الأمريكية أن تخدع بها الرأي العام الأمريكي -كعادة الديمقراطيين!- بالوقوف داخلها، ولربما ساعدت شخصية الرئيس الحالي وضعفه أمام ابتزاز اللوبيات الصهيونية في التواطؤ والمساعدة لدولة الاحتلال على ارتكاب تلك المذابح بل وإمداده بكل ما يحلم به وما لا يحلم به من أحدث الأسلحة والذخائر، وآخرها قاذفات بي 52 الجبارة، ولم تعد تجدي تلك التصريحات الخادعة من قبيل "نَحُث الحكومة الإسرائيلية على تجنب المزيد من إراقة الدماء" أو "على ضرورة السماح بإدخال المساعدات للفلسطينيين المحاصرين!"..

ولم تكن شخصية "جو بايدن" وحدها محل سخط الناخبين الأمريكيين، بل كانت نائبته "كامالا هاريس" التي لم تبد أي معارضة تُذكر ولم يُسجل لها موقف ترفعه في حملتها الانتخابية من أجل استقطاب الناخبين! بل وقفت خلف رئيسها كتفا بكتف! وهو ما حمل المعارضين لسياسة الإدارة التي تخطت المنطقة الرمادية -كما ذكرنا- على عقاب الحزب ومرشحته بسبب عدم وضوح التوجه الواجب للإدارة إزاء الإبادة الجماعية لأهل غزة، وتجاوز ذلك إلى حد الدعم والمساعدة الكاملة للاحتلال، فأين كانت النائبة "هاريس" ساعتها من تلك المواقف؟!..

كان العقاب لمواقف الإدارة والحزب واجبا، وهو أحد أهم الأسباب التي دفعت الناخبين بالتحول عن التصويت لمرشحة الحزب كائنة من كانت شخصيته! وثمّة أسباب أخرى لتحول الناخبين وهزيمة "كامالا هاريس" وهي كالتالي:

كان العقاب لمواقف الإدارة والحزب واجبا، وهو أحد أهم الأسباب التي دفعت الناخبين بالتحول عن التصويت لمرشحة الحزب كائنة من كانت شخصيته!
تأخر الانسحاب الواجب للرئيس "جو بايدن" وتشبثه بالترشح لولاية ثانية، في مشهد طفولي غاية في الغرابة! رغم ظهوره بالحالة الصحية والذهنية السيئة والتي أحسن المرشح الجمهوري استغلالها في حملاته الانتخابية وفي المناظرة التي جرت بينهما، وكان لها الفضل في ارتفاع مؤشرات عدم الرضى عن بايدن، ونتيجة لذلك فلم تحظ "هاريس" بالوقت الذي تحتاجه في إدارة المعركة الانتخابية..

وتبقى بعض الأسباب الأخرى التي زادت من رجحان كفة "ترامب" وأهمها ملف الاقتصاد والهجرة عبر الحدود؛ تلك التي تهم الناخب الأمريكي نتيجة للأعباء الملقاة على كتف دافعي الضرائب والتي تُضخمُها الآلة الإعلامية للصحافة المملوكة للحزب الجمهوري! بالإضافة إلى فشل الإدارة في التعامل مع كارثة طبيعية بحجم إعصار فلوريدا حتى زادت موجة الغضب والاستياء من ارتخاء الإدارة وتهاونها في التعاطي مع كارثة الإعصار المدمرة، بعكس همَّتها وتفانيها في الحشد والتعبئة من أجل تقديم كافة صور الدعم للاحتلال الصهيوني منذ عام مضى وحتى ساعته وتاريخه..

مقالات مشابهة

  • تطورات اليوم الـ404 من "طوفان الأقصى" والعدوان الإسرائيلي على غزة
  • عمليات كتائب القسام في اليوم الـ403 من "طوفان الأقصى"
  • الاتجاه المعاكس يتساءل.. أين أصبحت القضية الفلسطينية بعد طوفان الأقصى؟
  • ضمن معركة "طوفان الأقصى".. 20 عملاً مقاوماً في الضفة الغربية خلال 24 ساعة
  • دور طوفان الأقصى بالهزيمة المنكرة لكامالا هاريس ومعاقبة الحزب الديمقراطي من خلفها!
  • ما الذي سيتغير مع عودة ترامب؟ مآلات طوفان الأقصى واتجاهات السياسة الأمريكية
  • تطورات اليوم الـ403 من "طوفان الأقصى" والعدوان الإسرائيلي على غزة
  • تطورات اليوم الـ 402 من "طوفان الأقصى" والعدوان الإسرائيلي على غزة
  • عمليات كتائب القسام في اليوم ال401 من "طوفان الأقصى"
  • طوفان الأقصى وإعلاء الحقيقة التاريخية