تغيرات كبرى في الشخصية الإسرائيلية قادت إلى طوفان الأقصى.. دراسة جديدة (1 من 2)
تاريخ النشر: 9th, November 2024 GMT
مازال طوفان الأقصى يثير الكثير من التساؤلات: كيف لحماس المحاصرة منذ 2007، أن تشن هجومها على إسرائيل؟ وكيف لم تستطع إسرائيل أن تمنعها و تردعها حتى عن مجرد التفكير فيه؟ وكيف تهاوت ركائز القوة الإسرائيلية وعقيدتها الأمنية منذ الانتفاضة الأولى وحتى الآن؟ وهل فوجئت إسرائيل بهجوم السابع من أكتوبر أم أصابها العمى الاستراتيجي، ففشلت في منعه رغم التفارير وتوافر المعلومات المؤكدة لحدوثه؟
نجد الإجابة على هذه الأسئلة وغيرها في دراسة البروفيسور أفرايم كارش، المدير السابق لمركز بيجين السادات للدراسات الاستراتيجية، في دراسته المنشورة بمجلة شئون إسرائيل ISRAEL AFFAIRS، في 9 أكتوبر 2024، وعنوانها: "من أوسلو إلى بئيري: كيف أدى وهم السلام الذي دام 30 عاما إلى مذابح حماس في 7 أكتوبر"، والتي تكشف عن جوانب ضعف خطيرة في العقلية والنفسية الإسرائيلية على كافة المستويات.
ونقدم في هذه القراءة عرضا موجزا لها:
النبوءة التي تحققت
في 11 أكتوبر تشرين الأول 1947، هدد الأمين العام لجامعة الدول العربية عبد الرحمن عزام، بأن قرار الأمم المتحدة بإنشاء إسرائيل سيؤدي إلى "حرب إبادة ومذابح خطيرة كمذابح المغول أو الحروب الصليبية". لم يتحقق هذا التهديد آنذاك؛ لكن بعد 76 عاما بالضبطـ، في 7 أكتوبر تشرين الأول 2023، هاجم آلاف من مقاتلي حماس مستوطنات غلاف غزة، وقتلوا 1300 إسرائيلي في أكبر مذبحة لليهود منذ المحرقة.
بُني سلام أوسلو، على وهم أن الفلسطينيين تحولوا إلى شريك سلام حقيقي. المشكلة في هذا المنطق هي أن السلام يُصنع مع الأعداء الذين هُزموا بشكل شامل، أو خاب أملهم في استخدام العنف: وليس مع أولئك المتشبثين بالمقاومة والهدف الاستراتيجي: فلسطين من النهر إلى البحر. وقد قُتل السنوات التي تلت أوسلو، أي أربعة أضعاف متوسط عدد القتلى قبلها. ثم جاء 7 أكتوبر، فضاعف هذه التكلفة البشرية بضربة واحدة.كيف وقعت إسرائيل في نفس حيلة استخدام يوم يهودي مقدس لشن هجوم شامل في الذكرى الخمسين لهجوم يوم الغفران عام 1973؟ كيف فشلت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية في اكتشاف عملية بهذا الحجم كانت قيد الإعداد لسنوات؟ أين كان الجيش بقدارته الهائلة خلال هذا اليوم؟ في هجوم السابع من أكتوبر، لم يتم رؤية طائرة واحدة لساعات، على الرغم من أن الهجوم وقع على مرمى حجر من بعض القواعد الجوية؛ فقط حاولت بضع طائرات هليكوبتر هجومية يائسة وقف الطوفان الحمساوي.
العمى الاستراتيجي وشلل في التفكير والتصرف
في 7 أكتوبر، في الساعة الرابعة صباحا، وقبل الغزو بساعتين ونصف، تمت استشارة هاتفية طارئة شارك فيها رئيس الأركان، وقائد الجبهة الجنوبية، ورئيس العمليات، ورئيس الشاباك. نوقش فيها مؤشرات اللحظة الأخيرة على غزو حماس الوشيك، لا سيما التشغيل المتزامن للعديد من بطاقات الهاتف المحمول الإسرائيلية من قبل مقاتلي حماس، ونقل القيادة إلى مخابئ تحت الأرض. انتهت المشاورة بقرار مواصلة استكشاف الأمر في الصباح. ولم يتم تنبيه أحد إلى الخطر الوشيك: لا قائد فرقة غزة، ولا قائد سلاح الجو، ناهيك عن وزير الدفاع أو رئيس الوزراء. وكان الإجراء الاحترازي البسيط الوحيد الذي تم اتخاذه هو إرسال فرقة صغيرة لمكافحة الإرهاب تابعة للشاباك إلى جنوب إسرائيل.
لغز بلا إجابة
غاب عن هذه المكالمة التشاورية رئيس الموساد، الذي كان في عطلة عائلية في إيلات رغم أن مساعده أيقظه الساعة الثالثة صباحا، وأبلغه بالمؤشرات المتواترة على هجوم وشيك لحماس، فرفضها فورا، وأستأنف نومه. لا يزال لغزا لماذا لم يصر رئيس الأركان على مشاركة رئيس الموساد في المشاورة؟ ربما كان يعلم أن هذا لن يحدث فرقا كبيرا، أو ربما لم يثق في رأيه، أو ربما أغلق رئيس الموساد هاتفه لمنع المزيد من التطفل عليه في إجازته رغم أنه كان على علم بخطة غزو حماس لأكثر من عام.
كيف يمكن للمستويات الأمنية العليا في إسرائيل أن تخون بهذه القسوة المجتمعات الحدودية والجنود المكلفين بحمايتهم، الذين قُتل منهم الكثير في أَسرتهم؟ كيف يمكن أن يفشلوا في تنبيه رؤسائهم السياسيين إلى خطر واضح على الأمن القومي الإسرائيلي؟
الرفض العنيد لقبول الواقع
إن الفهم الكامل للعقلية الكامنة وراء هذا التقصير الهائل في أداء الواجب يتطلب تتبع تطور هذا التقصير على مدى ثلاثين عاما منذ أوسلو وحتى اليوم، وخصوصا في العام الذي سبق السابع من أكتوبر. إنه الرفض العنيد لقبول الواقع رغم كل الأدلة المتاحة.
وقد ساهم في إنتاج هذه العقلية:
ـ الإذعان لتحويل الضفة الغربية وقطاع غزة إلى كيانات مقاومة لا يمكن القضاء عليها، مما تسبب في قتل ألفي إسرائيلي، وبلغت ذروتها في 7 أكتوبر. ولولا هذا العمى المتعمد ما حدثت هذه الكارثة.
ـ إضعاف الجيش، واستبدال روحه الهجومية بنهج رد الفعل بعيدا عن السعي التقليدي لتحقيق النصر، وتجاهل أو التقليل من التهديدات التي تواجه إسرائيل لتجنب اللجوء إلى تدابير وقائية.
ـ موجة عارمة من العصيان المدني في 2023 بين اليهود الإسرائيليين، والتي هددت بتقويض القدرات العملياتية للجيش الإسرائيلي وتمزيق النسيج الاجتماعي والسياسي الإسرائيلي. وقد ساعد ذلك في إقناع حماس بأن الوقت قد حان لتنفيذ "عملية طوفان الأقصى" التي خططت لها منذ فترة طويلة.
وهم قاتل
بُني سلام أوسلو، على وهم أن الفلسطينيين تحولوا إلى شريك سلام حقيقي. المشكلة في هذا المنطق هي أن السلام يُصنع مع الأعداء الذين هُزموا بشكل شامل، أو خاب أملهم في استخدام العنف: وليس مع أولئك المتشبثين بالمقاومة والهدف الاستراتيجي: فلسطين من النهر إلى البحر. وقد قُتل السنوات التي تلت أوسلو، أي أربعة أضعاف متوسط عدد القتلى قبلها. ثم جاء 7 أكتوبر، فضاعف هذه التكلفة البشرية بضربة واحدة.
عيون مغلقة تماما
إن قدرة الفلسطينيين على مواصلة خداع السلام قد تعززت بسبب التعب المتزايد للمجتمع الإسرائيلي وتوقه إلى الحياة الطبيعية التي من شأنها أن تسمح له بالتمتع بثرائه المكتسب حديثا. حتى رابين، الذي كان معروفا على نطاق واسع باسم "سيد الأمن"، كان مدفوعا إلى عملية أوسلو بسبب الخوف من أن المجتمع الإسرائيلي قد فقد القدرة على تحمل وخوض صراع طويل الأمد.
بيريز، الذي دفع رابين إلى عملية السلام مع الفلسطينيين، لم ينظر إلى أوسلو على أنها نهاية الصراع فحسب، بل على أنها الطريق لـ "شرق أوسط جديد يكون نقطة محورية روحية وثقافية للعالم بأسره.
حتى شارون بعد انسحابه الأحادي الجانب من غزة، ادعى أنه في أواخر الثمانينيات كان مؤيدا لحل الدولتين عندما حاول إقناع رئيس الوزراء إسحاق شامير بالحاجة إلى تسوية إقليمية: "لا نريد حكما إلى أجل غير مسمى على ملايين الفلسطينيين الذين يضاعفون أعدادهم كل جيل".
أما أولمرت، أحد أكثر السياسيين تشددا في الليكود، فقد تحول بعد أوسلو إلى "صانع سلام"، وقال: "لقد تعبنا من القتال، وسئمنا من هزيمة أعدائنا. نريد أن نعيش في بيئة مختلفة تماما من العلاقات مع جيراننا".
إضعاف الجيش.. خيال "الجيش الصغير الذكي"
سببت الانتفاضة الأولى إرهاقا متزايدا للمجتمع الإسرائيلي، وتوقا إلى الهدوء والحياة الطبيعية. وبدا رابين مقتنعا بمحدودية القوة العسكرية الإسرائيلية. وقال رئيس الأركان دان شومرون بعد عام من بدء الانتفاضة: "لا يوجد شيء اسمه القضاء على الانتفاضة، لأنها في جوهرها صراع قومي". إذن، فقد استبعد قائد الجيش فعليا فكرة النصر، وحدد دور الجيش في شراء الوقت للحكومة لإيجاد حل للصراع.
اكتسبت هذه العقلية الانهزامية زخما كبيرا في عهد إيهود باراك كرئيس للأركان، مع عواقب وخيمة على القدرات والروح القتالية للجيش. فقد جعل مفهوم "الجيش الصغير والذكي" السمة المميزة لفترة ولايته، واستخدم عملية أوسلو نقطة انطلاق لتحقيق هذه الفكرة. وأدى هذا المنطق إلى تخفيض مطرد للقوات البرية لصالح الاعتماد الساحق على القوة الجوية والأسلحة المتطورة التي يُنظر إليها على أنها الحاجز النهائي أمام التهديد الوجودي الوحيد المتبقي: سعي طهران للحصول على أسلحة نووية. وترافق ذلك مع انخفاض مماثل في التشكيلات القتالية للجيش من 16 فرقة عام 1991 إلى 12 فرقة في 2013، وانخفاض القوات المدرعة من 12 فرقة عام 1991 إلى 7 فرق في 2013. واستمرت هذه العملية على قدم وساق في فترة الربيع العربي حيث بدا أن خطر نشوب حرب متعددة الجبهات قد انحسر أكثر بعد الاضطرابات الإقليمية الناجمة عن "الربيع العربي". وفي أواخر عام 2011، تنبأ وزير الدفاع بإضعاف قدرة إيران وحزب الله على محاربة إسرائيل. وردد هذا التوقع وزير الشؤون الاستراتيجية، الذي قال: بدلا من السعي إلى إحباط حصول حزب الله على الصواريخ والقذائف، يجب على إسرائيل ألا تفعل شيئا وتسمح لهذه الترسانة الضخمة "بالتعفن".
إن قدرة الفلسطينيين على مواصلة خداع السلام قد تعززت بسبب التعب المتزايد للمجتمع الإسرائيلي وتوقه إلى الحياة الطبيعية التي من شأنها أن تسمح له بالتمتع بثرائه المكتسب حديثا. حتى رابين، الذي كان معروفا على نطاق واسع باسم "سيد الأمن"، كان مدفوعا إلى عملية أوسلو بسبب الخوف من أن المجتمع الإسرائيلي قد فقد القدرة على تحمل وخوض صراع طويل الأمد.وفي الوقت الذي استمر فيه الحشد العسكري لحزب الله وحماس على قدم وساق؛ تم تقليص سلاح المدرعات، وتسريح مائة ألف من جنود الاحتياط، وتقصير الخدمة الإلزامية للرجال. وتم التركيز على أنظمة أسلحة عالية التقنية.
بحلول 7 أكتوبر 2023 ، كان الجيش الإسرائيلي يتألف من 1300 دبابة فقط، منها 600 دبابة فقط من ميركافا 4، أقل من ثلث قوتها عند إطلاق عملية أوسلو، مجمعة في 5 فرق مدرعة مقارنة ب 12 فرقة في عام 1991. هذا في الوقت الذي كانت فيه إسرائيل تصدر مئات الدبابات المنتجة ذاتيا إلى الجيوش الأجنبية، ولا سيما التي تم الاتفاق مؤخرا على بيع 200 ميركافا MkII/III إلى المغرب. ونتيجة لذلك، لم تتمكن إسرائيل في الحرب الحالية من تنفيذ عمليات هجومية متزامنة على أكثر من جبهة، وهي نكسة استراتيجية لم يحدث مثلها حتى في حرب 1948.
وقد تفاقم هذا المأزق العملياتي بسبب النقص الرهيب في الذخيرة الأسلحة الذي رافق الانحطاط المطرد للصناعات العسكرية الإسرائيلية "منخفضة التقنية" في عهد أوسلو. وأدى إغلاق خطوط إنتاج الذخيرة والعتاد الحربي إلى النقص الذخائر في الحرب الحالية والاعتماد الشديد على الإمدادات الأمريكية.
التحول من خيول راكضة إلى ثيران كسولة
في مناقشة النجاح في حرب السويس 1956، والتي دمرت فيها الجيش المصري في سيناء واحتلت شبه جزيرة سيناء في 10 أيام، أشاد رئيس الأركان موشيه ديان بحظه في الاضطرار إلى كبح جماح الخيول الراكضة بدلا من حث الثيران الكسولة.
بعد أربعين عاما، تحولت معظم خيول الجيش الإسرائيلي الراكضة إلى ثيران كسولة بسبب الوهم الهائل بأن عملية أوسلو قد بشرت بعصر سلام لم تعد فيه إسرائيل تواجه تهديدا وجوديا من جيرانها الفلسطينيين والعرب، بل مجرد تهديد يمكن التحكم فيه من المنظمات المتطرفة. ونتيجة لذلك، امتلأت هيئة الأركان بضباط مطيعين ومتواضعين، وتخلى الجيش عن سعيه الدائم لتحقيق نصر سريع، والاكتفاء باستراتيجية "جز العشب" التي سعت إلى احتواء هذه المنظمات وإنهاكها والقضاء الصبور على قدراتها. وتأجيل الحريق التالي لأطول فترة ممكنة. اكتسبت هذه الاستراتيجية زخما بسبب الاعتقاد بأن هذه المنظمات تمثل مثلا قومية أو إسلامية عميقة الجذور ولا يمكن هزيمتها بقوة السلاح.
في 24 أيار/مايو 2000، كان رئيس الوزراء باراك مدفوعا بنفس المنطق، فأسرع بالانسحاب من جانب واحد من جنوب لبنان تاركا وراءه أسلحة ثقيلة ومعدات عسكرية. كان ينظر إلى هذه الخطوة في العالم العربي على أنها هزيمة للجيش الإسرائيلي القوي من قبل قوة حرب عصابات صغيرة ولكنها مصممة وساعدت في إشعال "انتفاضة الأقصى". إذ لم تستطع إسرائيل تحمل 20-25 قتيلا سنويا في القتال ضد حزب الله، وهو عدد أقل من عشر عدد القتلى على طرقها.
مكن هذا الانسحاب من ازدياد وتوسع قوة حزب الله إلى أبعاد هائلة، وتعزيز قبضته على لبنان، وتحويل جنوب لبنان إلى معقل له ونقطة انطلاق للهجمات على الأراضي الإسرائيلية، وسخر أمينه العام من إسرائيل ووصفها بأنها "أضعف من شبكة العنكبوت".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير كتب دراسة الفلسطينيين دراسة احتلال فلسطين طوفان الاقصي كتب كتب كتب كتب كتب كتب أفكار أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة رئیس الأرکان عملیة أوسلو فی 7 أکتوبر الذی کان على أنها
إقرأ أيضاً:
بعد عام من “طوفان الأقصى.. العدو ما يزال يخفي حجم خسائره في غزة ولبنان
يمانيون – متابعات
مع مرور أكثر من عام على “طوفان الأقصى”، ما زال العدو الصهيوني يخفي خسائره المادية والمالية والعسكرية خلال المعركة التي اشعلت المنطقة وذلك بالرغم من تجرع قواته خسائر كبيرة وفادحة في غزة ولبنان .
ومع دخول العدوان على غزة يومه الـ400، نفذت القوة الصاروخية التابعة للجيش اليمني أمس الجمعة، عملية عسكرية نوعية استهدفت قاعدة “نيفاتيم” الجويةَ في منطقة النقب جنوب فلسطين المحتلة بصاروخ باليستي فرط صوتي “فلسطين2” دعما واسناداً لفلسطين ولبنان.
وأكد المتحدث الرسمي للقوات المسلحة العميد يحيى سريع في بيان له، أن الصاروخ الذي أطلق على القاعدة الصهيونية أصاب هدفه وأن القوات المسلحة مستمرة في إسناد الشعبين الفلسطيني واللبناني واستمرار فرض الحصار البحري على العدو الصهيوني وكذلك العمليات العسكرية الإسنادية ومواجهة كافة التهديدات المعادية.
وأشار الى أن الدفاعات الجوية نجحت في إسقاط طائرة أمريكية نوع MQ_9 وذلك أثناء قيامها بتنفيذ مهام عدائية في أجواء محافظة الجوف فجر الجمعة، ليرتفع عدد الطائرات الأمريكية التي نجحت الدفاعات الجوية اليمنية في إسقاطها من هذا النوع إلى 12 طائرة خلال معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس إسنادا لمعركة “طوفان الأقصى”.
وأطلقت إيران في عملية “الوعد الصادق” الثانية قرابة 250 صاروخ بالسيتي تجاه الكيان الصهيوني وسقطت في مناطق عسكرية وسياحية وصناعية حيوية لكن العدو الصهيوني لم يعترف بأي خسائر ويتبع سياسة التكتيم وفرض الرقابة العسكرية على كل حدث أمني.
كما أنه لم يرد أيضا منذ بدء الحرب في غزة في أكتوبر 2023، أي صورة عبر وسائل الإعلام لأي مصاب صهيوني، فيما إذا ما أفصح الإعلام الصهيوني عن أي معلومة، تكون مشذبة ومقولبة ومختصرة من دون تفاصيل كافية.
وفي الكيان الغاصب تخضع الإعلانات عن أي قتلى أو عمليات المقاومة إلى مقص الرقابة العسكرية أو منع من النشر، وهو قرار ملزم يتم بموجبه منع نشر أي معلومات عن القتلى سواء من وسائل الإعلام، أو من المؤسسات الرسمية، أو من المستوطنين.
كما يمنع العدو الصهيوني وسائل إعلامه من تداول ما تنشره فصائل المقاومة من مقاطع مصوّرة تظهر استهداف جيشه وتكبيده الخسائر.
ولا يخفي الصهاينة في أدبياتهم العسكرية أنهم يخفون خسائرهم في المعارك والحروب، ويحاولون تبرير ذلك بأن إطلاع الجمهور على حجم الخسائر البشرية والمادية قد يعرقل أهداف الحرب بسبب تذمر البيئة المحيطة بالجيش، وبالتالي يجب التأثير على هذه البيئة بتكتيكات إعلامية تمنع حالة الذعر والخوف وكذلك السخط والتذمر.
والتكتيكات الإعلامية بالضرورة تنطوي على عمليات خداع للجمهور، بل لجمهورين؛ جمهور الخصم والجمهور المحلي، وهذا يعني أن التضليل الممارس من خلال إخفاء الخسائر يهدف أيضا إلى خلق إحباط لدى الخصم أو العدو وجمهوره بأن فعله وقتاله لم يحدث شيئا ولم يسبب ضررا كبيرا وهو ما يدفعه للتراجع في النهاية.
واحدة من أهم أدوات التضليل الصهيونية في المعارك والحروب هي ما يعرف بالرقابة العسكرية، والتي تدار من قبل شعبة الاستخبارات العسكرية في جيش العدو الصهيوني، ويرأسها الرقيب العسكري الرئيسي، وتفرض على وسائل الإعلام الصهيونية والمستوطنين نمطا معينا من التغطية، ومعلومات محددة، وتتدخل في المعلومات المنشورة وتحجب بعضها.
وتشير التقارير التي نشرتها مؤسسات صهيونية تعنى بحرية الحصول على المعلومات، من بينها حركة حرية المعلومات، أن الرقابة العسكرية تنشط في أوقات المعارك والحروب، إذ تدخلت في عام 2014 خلال العدوان الصهيوني على قطاع غزة في 3222 مادة إعلامية، بينما منعت من النشر بشكل نهائي 597 مادة بحجة الإضرار بالأمن ومعنويات الجمهور.
ويبين موقع العين السابعة المختص في الرقابة على الإعلام الصهيوني وتحليل مضامينه، أن الرقابة العسكرية تدخلت في عشرة آلاف مادة إعلامية منذ عام 2016 وحتى شهر مايو 2021 وهو الشهر الذي شهد معركة سيف القدس، حيث تبنى العدو الصهيوني أسلوبا جديدا في الرقابة العسكرية تضمن تنشيط مجموعات شبابية ونشطاء لتحذير المستوطنين من نشر ما يتعارض مع تعليمات الجيش وبيانته، بما في ذلك صور الدمار وأماكن سقوط الصواريخ وعدد القتلى والإصابات إلى درجة منع أهالي القتلى من نعي قتلاهم.
ويدرج العدو الصهيوني هذه التكتيكات في إطار ما يعرف بـ معركة الوعي مع العدو، رغم أنها تصطدم مع تعريفه لنفسه كـ دولة “ديمقراطية” يُحظر عليها تضليل جمهورها وحجب المعلومات عنه.
لكن العدو الصهيوني يعترف فعليا بأنه يحظر ويحجب، ويبرر الأمر بذريعة الحفاظ على الروح المعنوية للجنود والجمهور وخلق شعور بضرورة استمرار الحرب، وقد اعتبر بعض الخبراء الصهاينة أن انفتاح الجنود على المعلومات بدون الحواجز التقليدية أدى لضعف معنوياتهم في عدة معارك مع المقاومة الفلسطينية وهو ما دفع بعض الخبراء لاقتراح منع وجود هواتف ذكية مع الجنود خلال المعارك.
وقد بدا الكيان الصهيوني منقسما على ذاته بشأن حرب لبنان الثالثة، وسط تصدع الإجماع الصهيوني على استمرارها، وذلك في ظل الخسائر البشرية الفادحة التي يتكبدها جيش العدو الصهيوني بالجنود والضباط على جبهتي القتال في لبنان وغزة، خاصة بالمعارك مع حزب الله على الحدود الشمالية.
وقد وصُف شهر أكتوبر الماضي بأنه الأكثر دموية على الكيان الصهيوني منذ السابع من أكتوبر 2023، حيث قتل خلاله 88 جنديا ومدنيا صهيونيا على جبهتي غزة ولبنان وفي عمليات متفرقة أخرى داخل الكيان الغاصب، ومن بين القتلى 37 جنديا قُتلوا في معارك جنوب لبنان وعلى الحدود الشمالية، بحسب رصد الموقع الإلكتروني لصحيفة “يديعوت أحرونوت”.
وحيال هذه الخسائر البشرية، تجمع قراءات محللين عسكريين وسياسيين على أنه كلما استمرت الحرب على لبنان وابتعدت احتمالات الحسم أو أي تسوية سياسية، فإن الكيان الصهيوني سيدخل في ورطة وجيشه سيغرق بالمستنقع اللبناني، خصوصا وأن حزب الله أخذ يستعيد قدراته ويثبت تماسكا في الميدان.
ورجحت التحليلات أن حزب الله، وفي ظل الخسائر البشرية التي يكبدها لجيش العدو الصهيوني ، بدأ يفرض تحديات أكثر خطورة على الكيان الصهيوني، وذلك رغم الضربات التي تلقاها واغتيال أمينه العام حسن نصر الله والعديد من كبار قياداته العسكرية.
ووفقا للقراءات الصهيونية، فإن حزب الله يستعد لسيناريو حرب طويلة الأمد ودون حسم، وهو السيناريو الذي يخشاه الكيان الغاصب، حيث قد يضطر إلى إنهاء التوغل البري في لبنان لتجنب المزيد من الخسائر البشرية، لكن دون إنهاء الحرب.
وبحسب صحيفة “معاريف” الصهيونية فإن جيش الاحتلال ركّز خلال الساعات الأخيرة على تغطية دعائية كبيرة لعملياته في جنوب لبنان؛ لتعويض الخسائر التى تكبدها.
وذكرت الصحيفة أن جيش الاحتلال يواصل القتال بكثافة كبيرة في لبنان، والهدف مهاجمة المنطقة المتاخمة للحدود وأنه يتصرف بشكل صحيح، فهو لا يكشف عن مناطق نشاطه وحجم الخسائر في كل منطقة قتال؛ لأنه لا يوجد سبب لإعطاء حزب الله هدايا مجانية”.
وكشفت الصحيفة أن جنود الاحتلال يدركون كل دقيقة أن لبنان يختلف عن غزة: لأن حزب الله أكثر جرأة، وأكثر تطورا، ولديه قوة نيران أكثر فتكا من حماس في غزة”.
وسجل جيش العدو الصهيوني خسائر كبيرة في صفوف جنوده على جبهة لبنان، الأمر الذي أثار التكهنات حيال استراتيجية القتال التي يعتمدها في هذه الجبهة والتكتيكات التي يعتمدها حزب الله في معركته البرية في الجنوب.
وتبين مجريات المعارك على هذه الجبهة بأن وتيرة الخسائر البشرية في جيش العدو الصهيوني ستظل مرتفعة لأسباب تكاد لا تنتهي، أهمها تضاريس لبنان المتعرجة والمليئة بالهضاب والوديان، إلى جانب القدرات العسكرية المتقدمة لحزب الله، مقارنة بحركة حماس.
—————————————
السياسية: عبدالعزيز الحزي