وسيلة آمنة لتهريب الأموال والمُحافظة عليها تنتشر في لبنان.. وحديث عن مصارف جديدة بعد الحرب
تاريخ النشر: 9th, November 2024 GMT
يعيش لبنان في حرب حقيقة منذ 8 تشرين الأول 2023، وتصاعدت وتيرتها مع توسع الاعتداءات الإسرائيلية لتشمل مناطق متعددة سواء في الجنوب والضاحية الجنوبية لبيروت او البقاع، وفي أيلول الماضي تدهورت الأوضاع بشكل دراماتيكي مع قصف واستهداف القرى والمباني السكنية ما أدى إلى نزوح أكثر من مليون ونصف لبناني عن مناطقهم ولجوئهم إلى مراكز إيواء او استئجار شقق في مناطق أكثر أمناً.
العديد من اللبنانين خسروا ممتلكاتهم وأرزاقهم وغادروا منازلهم من دون ان يأخذوا حى ملابسهم وتدمرت آلاف الوحدات السكنية، ولكن القسم الأكبر منهم حرص على نقل أمواله ومجوهراته التي كانت مخزنة في المنازل عقب الأزمة المالية والمصرفية التي ضربت لبنان منذ عام 2019.
ومع موجة النزوح الكبيرة يتم الحديث حاليا عن ظاهرة استئجار خزائن حديدية أو Safe boxes في المصارف حيث يتم تأجيرها للعملاء لحفظ مقتنياتهم لكي تكون بأمان أكثر من المنازل المعرّضة للقصف أو للدمار أو من ان تبقى مع النازحين في أماكن تواجدهم.
علماً ان هذه الخزائن هي عبارة عن صناديق مرقمة لكل منها مفتاحان واحد للمصرف وواحد للعميل ولا يحق للمصرف أن يستخدم المفتاح الذي لديه إلا في حالات الضرورة القصوى، وتتمتع بدرجة سرية عالية. فما صحة هذه الظاهرة وكيف يُمكن ان تُساهم في إنعاش القطاع المصرفي؟
يقول الخبير في المخاطر المصرفية والباحث في الاقتصاد الدكتور محمد فحيلي إنه "من وجهة النظر الاقتصادية سواء أكانت ملايين الدولارات موجودة في الخزنات الحديدية في المنازل او في المصارف فان تأثيرها واحد فهي تُعتبر سيولة خارج الاقتصاد ولا تنفع في تمويل أي حركة تجارية".
وتابع فحيلي في حديث لـ "لبنان 24": "النازحون تركوا منازلهم بطريقة مأسوية ولطالما حُكي في السنوات الأخيرة عن تخزين للأموال داخل خزائن حديدية في البيوت ولكن عندما يتم وضع الذهب والأموال الكاش في المصرف هناك ضمانات أكثر، علما انه في النظام اللبناني من الصعب شراء تأمين على الموجودات داخل الصندوق الحديدي في المصارف لأن العميل في المصرف ليس مُجبرا على التصريح عنها كما ان شركات التأمين لن تتدخل في هذه المسألة".
واعتبر انه "بشكل عام الصندوق الحديدي داخل مكان مؤمن حيث هناك إجراءات حراسة وحماية من قبل المصرف أضمن وأكثر أمنا من ان يتم وضعه داخل منزل خصوصا إذا كان يقع في منطقة غير آمنة أو معرّضة للقصف، ففي هذه الحالة من الأفضل وضع هذه الموجودات في المصارف ولكن في حال كان اللبناني يعيش في منطقة آمنة نسبيا ستكون أمواله الموجودة في الخزنة الحديدية في منزله بمأمن اكثر من أن تكون في مكان آخر، ولكن كما ذكرت سابقا الأموال الموجودة في الخزائن الحديدية سواء في المنازل أو في المصارف لا تؤثر في تحريك القطاع المصرفي".
ويُشير فحيلي إلى ان "عودة الانتظام إلى القطاع المالي تتطلب جهودا من المصارف التجارية التي نجحت لاسيما في السنوات القليلة الماضية في إعادة تكوين السيولة لديها من خلال أولا قدرتها على تأمين علاقة جيدة مع المصارف المُراسلة، وثانيا من خلال قدرتها على استثمار السيولة المتوفرة لديها بالعملة الأجنبية لدى المصارف غير المُقيمة وتحصيل ايرادات مرتفعة بسبب الفائدة المرتفعة على الدولار وبالتالي استطاعت ان تقوم بإعادة هيكلة داخلية من خلال التخفيف من المصاريف التشغيلية من خلال الخروج من بعض الأسواق التي لم تكن مربحة، وأدى ذلك إلى تعزيز رأسمالها في لبنان وسيولتها، ولكن بسبب عدم توفر الحلول وعدم إمكانية الإقراض في السوق اللبناني اختارت هذه المصارف ان تستخدم السيولة لديها كايداعات لدى مصارف غير مُقيمة واستطاعت ان تقوم بإعادة تكوين للسيولة لديها".
وقال: "هذه المصارف التي يبلغ عددها ما بين 7 إلى 10 يجب ان تعود إلى لبنان وان تخدم الاقتصاد اللبناني وهذا هو الحل الوحيد الذي فيه منفعة للقطاع المصرفي وللاقتصاد اللبناني على حد سواء".
وشدد فحيلي على ان "هذا ما نحتاج إليه اليوم فالحرب لن تستمر إلى ما لا نهاية وعندما تنتهي سيكون هناك حقبة إعادة إعمار وإطلاق عجلة النمو الاقتصادي ومن المُعيب ان تكون المصارف اللبنانية غائبة عن هذا الواقع".
وأضاف: "أنا على ثقة تامة من ان هناك مصارف أجنبية تشعر بوجود فرصة ذهبية لإعادة إعمار لبنان وستسعى لاستثمارها بأسرع وقت ممكن، وهناك احتمال عند تبيان أي بوادر للحلول ان تدق هذه المصارف الأجنبية باب مصرف لبنان للحصول على ترخيص او ان تدخل السوق من خلال مصارف مُقيمة وان تبدأ من خلالها بتعزيز موقعها في السوق المحلي ما سيخلق تداعيات ايجابية على الوضع الحالي".
ولفت فحيلي إلى انه "حاليا مصرف لبنان يتخذ خطوات لتأمين السيولة للمواطنين اللبنانيين ولكن للأسف هذه السيولة لا يتم استثمارها في الاقتصاد بقدر ما تذهب للتخزين لأن الظروف لا تسمح حاليا لا للاستثمار ولا للإنفاق الترفيهي، كما ان المبالغ الصغيرة لن تنفع أصحاب المؤسسات بل تنفع بعض الأفراد الذين خسروا دخلهم جراء الحرب".
وشدد فحيلي على ان "إعادة الإعمار وتحريك الاقتصاد يحتاجان لقروض خصوصا للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم وهذه الخطوة تأتي عبر المصارف وليس عبر العمل المصرفي "في الظل"، أي غير القانوني والذي لا يخضع لأي رقابة من قبل السطات المختصة أي مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف".
أخيرا لا بد من الإشارة إلى ان المصارف تعتمد اجراءات صارمة لناحية الامتثال لكل المعايير بخصوص استئجار safe boxes حتى لمن لديه حسابات داخل المصرف.
مع الإشارة إلى ان مصرف لبنان أصدر قبل سنوات تعميما طلب فيه من المصارف توخي الدقة بشأن الصناديق safe boxes فقد كان العميل سابقا يستطيع أن يسجل برقم بدل الإسم كمستأجر للصندوق ولهذا قام المصرف المركزي بإصدار تعميم يتشدد فيه إزاء هذا الموضوع وبوجوب وجود شفافية كاملة لمعرفة العميل الذي استأجر الـ safe box.
المصدر: لبنان 24
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: فی المصارف مصرف لبنان من خلال إلى ان
إقرأ أيضاً:
الثورة السورية وحديث العسكرة والسلمية
سقط نظام البعث في سوريا وهرب الطاغية بشار بصورة لم يتوقعها أحد، لم يتوقعها حلفاء بشار بوتين في روسيا والملالي في إيران ولو توقعوا ذلك ما استثمروا فيه بمليارات الدولارات وما أقامت روسيا القواعد الجوية والبحرية، ولم يتوقعها الغرب الذي كان يدير الحرب في سوريا بصورة تضمن استمرارها واستنزاف الجميع دون أن يستطيع طرف القضاء على الطرف الآخر، وهذا بالضبط ما كان يفعله الدبلوماسي النرويجي جير بيدرسون منذ أن انتقل من مستشار سياسي لبلده في دولة الكيان إلى مسؤول الأمم المتحدة عن الملف السوري.
وأكاد أجزم أن المعارضة المسلحة لبشار لم تكن تتوقع ذلك وربما لم تخطط له، وإنما كانت تريد أن توسع مناطق سيطرتها في الشمال لتسمح بعودة جزء كبير من اللاجئين وتكون ورقة ضغط تحرك بها الأمور التي كان يبدو أن الجميع راضون بها على هذا الحال.
لكن المعارضة قامت بإصلاح كثير من الأخطاء من قبيل الاقتتال الداخلي بين فصائلها وأقامت هيئة موحدة للقيادة "قيادة العمليات العسكرية" واستعدت لمعركة تعرف أنه لا مفر منها بعد أن أصبحت تتواجد في منطقة واحدة من مناطق خفض التصعيد الأربع، وهي المنطقة الموجودة في الشمال على الحدود التركية السورية.
قارن البعض بين وضع "أبو محمد الجولاني" أو أحمد الشرع بعد أن عاد إلى اسمه الأصلي وبين وضع د. محمد بديع، مرشد الإخوان في مصر، الذي رفع شعار سلميتنا أقوى من الرصاص، حيث يقبع الآن في السجن وبحوزته عدد من أحكام الإعدام رغم تقدم سنه ورفعه شعار السلمية، بينما الأول الذي وُضعت جماعته (النصرة أو هيئة تحرير الشام) على قوائم الجماعات الإرهابية ورصدت الملايين لمن يدل عليه؛ هو الآن الذي يحكم سوريا. هذه المقارنة قامت على أسس غير صحيحة ومقارنات غير عادلة
كانت نتيجة عملية ردع العدوان أن دخلت المعارضة حلب في 48 ساعة وبعدها مباشرة انسحب جيش بشار من حماة، وبينما الأنظار تتجه إلى حمص دخلت قوات المعارضة إلى دمشق ليتبين فرار بشار إلى روسيا تاركا أقرب معاونيه لمصائرهم. الغريب في الأمر أنه كان هناك ما يشبه القبول بما حدث أوروبيا وأمريكيا بل وروسيا وإيرانيا.
وعلى المستوى الشعبي والإعلامي بدأت التساؤلات، وكان أهمها ما يتعلق بسلمية الثورات وعسكرتها والمقارنة بين ما حدث في سوريا من تغيير وما حدث في مصر وتونس من انتكاس نتيجة التمسك بسلمية الثورة. وقارن البعض بين وضع "أبو محمد الجولاني" أو أحمد الشرع بعد أن عاد إلى اسمه الأصلي وبين وضع د. محمد بديع، مرشد الإخوان في مصر، الذي رفع شعار سلميتنا أقوى من الرصاص، حيث يقبع الآن في السجن وبحوزته عدد من أحكام الإعدام رغم تقدم سنه ورفعه شعار السلمية، بينما الأول الذي وُضعت جماعته (النصرة أو هيئة تحرير الشام) على قوائم الجماعات الإرهابية ورصدت الملايين لمن يدل عليه؛ هو الآن الذي يحكم سوريا.
هذه المقارنة قامت على أسس غير صحيحة ومقارنات غير عادلة لأسباب كثيرة:
أولها، أن الثورة السورية أيضا كان شعارها السلمية وظلت متمسكة به قرابة 10 أشهر رغم مواجهة النظام لها بالقتل المباشر وتوجيه السلاح إلى الرؤوس، ولم تحدث العسكرة إلا بعد أن انشق عدد كبير من الضباط من الجيش وأعلنوا مقاومتهم للنظام.
وثانيا، أن الثورة في سوريا وحتى بعد عسكرتها لم تستطع أن تواجه حلفاء بشار بعد ان أدار العرب لها ظهورهم، فبعد أن كادت تجتاح كل سوريا في عام 2015، تدخلت روسيا بطائراتها وإيران بالمليشيات الشيعية (حزب الله من لبنان، والنجباء من العراق، ومليشيات فاطميون وزينبيون من أفغانستان)، فتراجعت المعارضة إلى الحدود السورية التركية.
ثالثا، أن تكلفة هذه العسكرة كانت قرابة المليون شهيد وتهجير ما يقرب من نصف الشعب السوري (أكثر من 12 مليونا) إلى كل بقاع الدنيا، وهُدمت الحواضر في حلب وحماة وألقيت البراميل المتفجرة على المدنيين، وكعادة روسيا استعملت سياسة الأرض الحروقة.
رابعا، أن الذي حمى فصائل المقاومة بعد أن تراجعت إلى الشمال كان الاتفاقات التي عقدتها تركيا مع إيران وروسيا لخفض التصعيد، وأقامت تركيا قواعد لها في مناطق سيطرة المعارضة، ولولا ذلك لفتكت بها المليشيات مثل ما فعلت مع فصائل المعارضة في جنوب سوريا في درعا والسويداء، حيث جرى حصارها إلى حد التجويع حتى اضطرت إلى عقد اتفاقات مع النظام وتركت الجنوب وذهبت إلى إدلب في الشمال.
وخامسا، أن ما أتاح الفرصة للمعارضة هو طوفان الأقصى وتداعياته من سحب المليشيات الشيعية من سوريا، ثم إضعاف قدرات حزب الله واغتيال أمينه العام والصفوف القيادية الأولى؛ إلى الحد الذي دفعه للخروج من معركة إسناد غزة.
سادسا، انشغال روسيا في حرب أوكرانيا التي تقترب من إكمال عامها الثالث، مما اضطرها إلى بعض قواتها من سوريا.
ينبغي على ثوار سوريا أن يكونوا على المستوى من حيث التماسك وعدم الاختلاف، ومن حيث محاسبة كل المجرمين ورموز النظام، والظن أن تركيا لن تتركهم وتحركاتها كلها تصب في هذا الاتجاه
سابعا، الموقف التركي ليس في الدعم السياسي فقط وإنما في مجالات الدعم اللوجستي الأخرى إلى الدرجة التي جعلت أردوغان يعلن توجه المقاتلين إلى دمشق، في وقت كانت الأنظار موجهة فيه إلى حمص، وما أعلن عنه وزير الخارجية التركي هاكان فيدان من أن تركيا أقنعت روسيا وإيران بعدم التدخل لإنقاذ الأسد.
هذا التدخل التركي جاء نتيجة الشعور بتهديد الأمن القومي التركي، فالكيان الصهيوني لم يعد بينه وبين تركيا إلا بضع ساعات، ومحاولات إقامة كيان كردي على حدودها لم تتنازل عنها أمريكا. ويهم أردوغان أن يرتب الأمور قبل أن يدخل ترامب إلى البيت الأبيض، ثم استعادة حزب العدالة والتنمية لمكانته الشعبية بعد أن فقد كثيرا من حاضنته بسبب اتهامه بالتخلي عن تطلعات الشعوب وتماهيه مع الثورة المضادة في المنطقة العربية، ثم -وهذا هو الأهم- ضغط وجود 3 ملايين مهاجر سوري في تركيا واستثمار المعارضة لهذا الملف وتعليق كل الإخفاق الاقتصادي عليه.
ثامنا، ما زالت الأخطار تحيط بالثورة السورية ويجتمع كل الضباع لإفشالها، وها هو بيدرسون لا يكاد يغادر دمشق بعد أن كان يظل مختفيا لسنوات طالما كان نظام بشار بعيدا عن الخطر، ولهذا ينبغي على ثوار سوريا أن يكونوا على المستوى من حيث التماسك وعدم الاختلاف، ومن حيث محاسبة كل المجرمين ورموز النظام، والظن أن تركيا لن تتركهم وتحركاتها كلها تصب في هذا الاتجاه.
ونحن جميعا نحتاج أن نكون في ظهر الأحرار في سوريا لأن نجاح التحول في بلد محوري من حيث الموقع والسكان، ومن حيث التاريخ والحضارة لا بد سينعكس على كل دول المنطقة.