عرضنا في المقال الأول الهدف الأساسي من هذه المقالات وهو أن ترتقي كل القوى المدنية لمواجهة التحدي المصيري الذي يواجه بلادنا. وأكدنا ان وحدة تلك القوى هي الخطوة الأولى والصحيحة لإنجاز ذلك. كما ذكرنا ان تاريخ الحزب الشيوعي حافل بتجارب العمل الجبهوي، والتي كانت تنجز في أصعب الأوقات، وتحت ظلال كثيفة من الصراعات والاختلافات.

وشرح المقال تجربة العداء بين الحزب الشيوعي وحزب الامة. وانه رغم ذلك العداء الشديد شارك الحزب الشيوعي في الجبهة الاستقلالية التي يقودها حزب الامة نفسه. أما المقال الثالث فقد عدد أسباب رفض الحزب الشيوعي لاتفاقية الحكم الذاتي ومقاومته لها. ثم اتخاذه قرار المشاركة في الانتخابات التي أجريت بموجب تلك الاتفاقية.
شهدت فترة الحكومة الوطنية الاولي صراعا ضاريا وخلافات حادة بدأت بقضية التحرير والتعمير، ايهما أولا. ثم ظهرت دعوات صدور قوانين لقمع الشيوعيين والنقابات. بل تجرأ وزير الارشاد السوداني الاتصال بالحكومة الإنجليزية لمساعدة السودان في محاربة الشيوعية واسقاط قيادة اتحاد العمال الشيوعية. وواكب ذلك تشريد اعداد كبيرة من العاملين. هناك كثير من المواد ولكني اقدم نموذجا فقط.
كتب الشفيع احمد الشيخ في عدد الطليعة رقم 95 بتاريخ 8 سبتمبر 1954:
" الآن في عهد الحكم الوطني نسمع بان هناك اتجاها لسن تشريعات جديدة، غرضه الأول هو تحطيم هذه الحريات التي نلناها بنضالنا ولإيقاف نشاط جميع النقابات. ان الشواهد كثيرة على وجود هذا الاتجاه فبالأمس القريب أصدر وزير الشئون الاجتماعية بيانا مليئا بالمهاترات يدعى فيه عدم الاعتراف باتحاد العمال ويهدد بالتدخل عن طريق القانون لتغيير الاتحاد. وجنبا الى جنب تجري محاولات مريضة لخلق اتحاد آخر تقف على رأسه كل العناصر الخائنة التي لفظها العمال.
كتبت جرائد الحزب الوطني الاتحادي وأكدت اتجاه المسئولين لإصدار تلك التشريعات الجديدة المعادية للحريات، وتوجت جميع هذه المظاهر بتفتيش سكرتير اتحاد العمال بغرض سجنه تحت ستار اثارة الكراهية ضد حكومة السودان أو حتى ضد حكومة مصر أو إنجلترا. لقد كانت هذه الرغبة في سجني تمثل رغبة منحطة هدفها الأول هو تحطيم اتحاد العمال"
وكتب ثانية في عدد الطليعة رقم 96 بتاريخ 15 سبتمبر 1954:
" اليوم نضيف دليلا آخرا على لسن مصدر مسؤول رواه لجريدتي السودان الجديد والرأي العام عندما سألاه عن اتجاه الحكومة في حل النقابات فأجابهما المصدر (بانه ليس لديهم تفكير في حل النقابات، ولكن لديهم تفكير في تنظيفها). ان هذا التصريح يؤكد تأكيدا قاطعا عزم الحكومة في حل النقابات ونحن نريد ان نسأل ما معني (تنظيف النقابات) وما هي الوساخة التي تريد الحكومة ازالتها؟
أصدرت الجبهة المعادية للاستعمار بيانا، رغم العداء الصارخ، بعنوان " حقيقة الموقف الكامل للجبهة المعادية للاستعمار من الاحداث الجارية" نشر بالميدان العدد 126 بتاريخ 14 نوفمبر 1955:
" ليس لدي الجبهة موقف يختلف الآن في جوهره عن موقفها قبل اسقاط الحكومة في المكان الأول رأب الانقسام في صفوف السودانيين وتوحيدهم حول المبادئ الأساسية التي أشرنا لها وعلى رأسها ابعاد الحاكم العام فورا".
ودعت الجبهة في 17 نوفمبر 1955: " اننا نري المخرج الوحيد في تشكيل حكومة قومية ليست الصفة اللازمة لها ان تكون من أحزاب مختلفة لتحقيق ائتلاف شكلي، بل الصفة اللازمة لها في المكان الأول ان تتشكل حول برنامج معادي للاستعمار تسنده رقابة منظمة وحركة جماهيرية نشطة خارج البرلمان."
كما أصدر الحزب الشيوعي بيانا بتاريخ 15 يونيو 1956 بيانا بعنوان: " اين يقودنا الصراع بين السياسة والقداسة" جاء فيه:
" ان الحالة المؤسفة التي وصلت اليها البلاد الآن من جراء الانقسام الراهن بين القوي الوطنية تدعونا الى مخاطبتكم بضمير مخلص مؤملين أن تجد مخاطبتنا لكم تجاوبا وتفهما واستعدادا طيبا يساعد على خلق الظروف الملائمة لتخفيف حدة التوتر القائمة الآن وإيجاد نقاط اتفاق مشترك تدفع بعوامل الانقسام الي الخلف مما يساعد بجدوره على بناء وحدة وطنية تحمي الوطن وتعزز استقلاله. اننا ننظر بعين القلق الى المصير المظلم الذي يمكن ان تصل اليه بلادنا العزيزة إذا ما قدر لحالة الانقسام الراهنة ان تستمر "
وتكررت نفس الدعوة بتاريخ 22 يوليو 1956 ببيان من الحزب الشيوعي بعنوان " الوضع السياسي الراهن":
" منذ العهد الوزاري الأول للحزب الوطني الاتحادي نادى حزبنا بوجوب تشكيل حكومة للوحدة القومية تضم كافة الأحزاب ومن ضمنها الجبهة المعادية للاستعمار وكتلة العمال والمزارعين من اجل استكمال الخطوات اللازمة آنذاك لاستقلال البلاد ودعم هذا الاستقلال فيما بعد ل تكن مناورة حزبية، بل كنا وما زلنا مؤمنين بأن طبيعة المهام التاريخية التي تواجه شعبنا تتطلب مثل هذه الوحدة."
في 12 نوفمبر 1956 وجهت الجبهة المعادية للاستعمار مذكرة فيها دعوة للأحزاب لعمل مشترك لمواجهة العدوان الثلاثي على مصر، جاء فيها:
" في مثل هذه الظروف الحرجة نرى لزاما علينا ان نتوجه اليكم بالحديث قصد التشاور لأنه من الأهمية بمكان ان تتم وحدة كبيرة في بلادنا في هذه اللحظات. لقد فوجئ شعبنا بالاعتداء الاجرامي الشنيع الذي ارتكبته بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، ومهما تكن خلافاتنا السياسية فنحن نري انه من الواجب على كل حزب مسؤول يشعر بالتبعات الملقاة عليه من قبل مؤيديه ومن الشعب باسره ان يصل الي نتائج واضحة وحاسمة إزاء ما يجري في مصر، ومن هذه النتائج تصوغ احزابنا سياستها ومواقفها."
هذه البيانات تؤكد ضرورة النظر للقضايا القومية الكبرى بنظرة وروح تبتعد عن التعامل برد الفعل للخلافات والعداوات.

 

siddigelzailaee@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الحزب الشیوعی اتحاد العمال

إقرأ أيضاً:

بريطانيا تلجأ للصين لمواجهة سياسات ترامب المعادية للمناخ

تسعى المملكة المتحدة لتشكيل محور عالمي جديد لصالح العمل المناخي إلى جانب الصين ومجموعة من البلدان النامية، للتعويض عن تأثير تخلي دونالد ترامب عن السياسات الخضراء، وخروجه من اتفاق باريس حول المناخ.

وزار إد ميليباند، وزير الطاقة وسياسة الانبعاثات الصفرية في المملكة المتحدة، العاصمة الصينية بكين يوم الجمعة لإجراء محادثات لمدة 3 أيام مع كبار المسؤولين الصينيين، شملت مناقشات حول سلاسل توريد التكنولوجيا الخضراء، والفحم، والمعادن الأساسية اللازمة للطاقة النظيفة.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2القلب النابض للنظام المناخي.. ماذا يحدث في المحيطات؟list 2 of 2الحيتان.. عمالقة المحيط وسلاحه ضد تغير المناخend of list

وقال ميليباند: "لا يمكننا حماية الأجيال القادمة من تغير المناخ إلا إذا تحركت جميع الجهات الرئيسية المسببة للانبعاثات. إن عدم إشراك الصين في كيفية أداء دورها في اتخاذ إجراءات بشأن المناخ يُعدّ إهمالا لأجيال اليوم والأجيال القادمة".

وتعد زيارة ميليباند لبكين هي الأولى لوزير طاقة بريطاني منذ 8 سنوات. وكان قد زار الهند الشهر الماضي في مهمة مماثلة، كما سافر إلى البرازيل العام الماضي، وعقد اجتماعات مع عديد من وزراء الدول النامية خلال قمة المناخ (كوب 29) في نوفمبر/تشرين الثاني 2024.

وأضاف ميليباند -في مقالٍ له بصحيفة غارديان- أن "العمل المناخي على الصعيد المحلي دون حثّ الدول الأخرى الأكبر على القيام بدورها العادل لن يحمي الأجيال الحالية والمستقبلية. لن نحمي مزارعينا ومتقاعدينا وأطفالنا إلا إذا دفعنا دول العالم الأخرى إلى القيام بدورها".

إعلان

وتواجه الصين سلسلة من الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب على صادراتها إلى الولايات المتحدة، كما تواجه احتمالا بأن يبدأ الاتحاد الأوروبي في فرض رسوم جمركية خضراء على واردات السلع الصينية عالية الكربون، مثل الصلب.

وتستفيد أكبر دولة مُصدرة للغازات الدفيئة في العالم من صادراتها القياسية من المركبات الكهربائية والألواح الشمسية وغيرها من السلع منخفضة الكربون، لكنها لا تزال تعتمد اعتمادًا كبيرًا على الفحم، ورغم أن وتيرة انبعاثاتها التصاعدية قد توقفت على ما يبدو، فإن قرار الصين بخفض إنتاجها الكربوني أو العودة إلى الوقود الأحفوري قد يعتمد إلى حد كبير على رد الحكومة على حرب ترامب التجارية.

يعتقد عديد من الخبراء أن الاحتمال الوحيد لتجنب انهيار المناخ هو أن تقوم الصين والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة وغيرها من الاقتصادات الكبرى بتشكيل كتلة مؤيدة للمناخ إلى جانب البلدان النامية المعرضة للخطر، لمواجهة ثقل الولايات المتحدة وروسيا والمملكة العربية السعودية والدول النفطية التي تدفع في اتجاه التوسع المستمر في الوقود الأحفوري.

من جهتها، قالت مديرة المركز الدولي لسياسات المناخ كاثرين أبرو إنه "من المهم للغاية أن نرى هذا يحدث، فلا سبيل للوفاء باتفاقية باريس من دون الصين. وقد أوضحت الصين استعدادها للتحدث بشفافية أكبر بشأن هذه القضايا، وتعزيز العمل المناخي. ونرى انفتاحًا في الصين للتعاون مع أوروبا وكندا والمملكة المتحدة بشأن قضايا المناخ".

وستستضيف البرازيل قمة الأمم المتحدة للمناخ لهذا العام، "كوب 30″، في منطقة الأمازون في نوفمبر/تشرين الثاني، وسط أسوأ توترات جيوسياسية منذ عقود، وفي الوقت الذي تستعد فيه حكومات عديدة لضخ الأموال لإعادة التسلح.

لم تُقدّم حتى الآن سوى بعض الدول، بما فيها المملكة المتحدة، خططها الوطنية لخفض الانبعاثات للعقد القادم، وفقًا لما تقتضيه اتفاقية باريس لعام 2015 رغم انقضاء الموعد النهائي الشهر الماضي.

إعلان

ومن غير المرجح أن تُقدّم الصين خطتها إلا مع اقتراب موعد مؤتمر الأطراف الـ30، وستُراقَب باهتمام بالغ، إذ إن أهدافها الحالية المتعلقة بالكربون أضعف بكثير من أن تبقى ضمن حدّ 1.5 درجة مئوية.

مقالات مشابهة

  • المصري الديمقراطي يحتفي بالذكرى الـ14 للمؤتمر التأسيسي الأول للحزب
  • وفد الحزب الكردي يتقدم بطلب لزيارة أوجلان للمرة الرابعة
  • نسيان التشهد الأول في الصلاة .. مفتي الجمهورية يوضح الحكم الشرعي
  • قبائل المهرة تدين العدوان الأمريكي على صنعاء وتدعو لتوحيد الصف الوطني
  • الجبهة الوطنية" تعقد الاجتماع الأول لأمانة شؤون المجالس المحلية
  • الجبهة الوطنية يختار 6 أمناء لأمانات مركزية جديدة| تفاصيل
  • قبائل المهرة تستنكر العدوان الأمريكي على صنعاء وتدعو لتوحيد الصف اليمني
  • عبد المنعم سعيد مستشارًا سياسيًا لرئيس حزب الجبهة
  • بريطانيا تلجأ للصين لمواجهة سياسات ترامب المعادية للمناخ
  • الجبهة الوطنية: بلورة رؤية إعلامية تعكس أهداف الحزب لخدمة الوطن والمواطن