مناظير السبت 9 نوفمبر، 2024
زهير السراج
manazzeer@yahoo.com
* ابدى قائد الجيش السوداني الفريق (عبدالفتاح البرهان) أمام "المنتدى الحضري العالمي" الذي إستضافته العاصمة المصرية القاهرة في الايام القليلة الماضية، تفاؤله بقرب انتهاء الحرب والشروع في إعادة الإعمار، ولا أدري من أين هبط عليه هذا التفاؤل إلا إذا كان يملك حلا سحريا لتحقيق النصر العسكري في الحرب العبثية التي تدور منذ اكثر من عام ونصف بين الجيش والدعم السريع بدون نصر واضح لاى من الطرفين، كما انه ظل يرفض التفاوض لايقاف الحرب التي تدل كل المعطيات على وشك تحولها الى حرب أهلية شاملة مع التحشيد الشعبي الحالي وفشل الجهود الخارجية المتواضعة لايقافها!
* بالنظر الى الواقع الميداني الذي يشهد نوعا من التوازن العسكري، والنزاعات الداخلية السابقة في السودان والتجارب الاقليمية المشابهة، فإن السيناريو الأقرب في حالة إستمرار التجاهل الدولي وغياب وساطة قوية نافذة تثمر عن حلول سلمية، هو حرب طويلة الأمد ذات طابع متقطع، تتخللها فترات من الهدوء النسبي يتبعها تجدد القتال، وتحكمها العوامل التالية :
1- الدعم الخارجي والإقليمي: من الابجديات المعروفة ان التدخل الخارجي يؤدي إلى إطالة أمد الحرب في النزاعات المحلية ، وعلى سبيل المثال فلقد أدى الدعم الإقليمي والدولي للأطراف المتحاربة في سوريا واليمن وليبيا إلى تعقيد الصراع واستمراره لفترة أطول، وبما ان الحرب في السودان شهدت تدخلات اقليمية ودولية منذ الأيام الأولى، فإن المحصلة والنتيجة الطبيعية هو إستمرارها وصعوبة الوصول إلى تسوية قريبة، خاصة أن التجارب السودانية السابقة سواء في جنوب أو غرب السودان لم تشهد أى انتصار عسكري للجيش على القوى المتمردة على الدولة، ولم تتوقف الحرب إلا بالحلول السلمية وبعد سنوات طويلة من التفاوض!
2 - التوازن العسكري الداخلي: من العوامل الجوهرية التي تطيل النزاعات هو وجود توازن عسكري يمنع أي طرف من تحقيق نصر حاسم، فمثلاً، في ليبيا، لم يستطع أي طرف من أطراف النزاع السيطرة الكاملة على البلاد رغم سنوات من القتال، وإذا استمر التوازن الحالي بين القوات المسلحة وحلفائها وقوات الدعم السريع وحلفائها، فقد تستمر الحرب فترة أطول.
3 - التوترات العرقية والإثنية: النزاعات التي تتخللها توترات عرقية وقبلية مثل النزاع في دارفور سابقاً، غالباً ما تستمر فترات أطول بسبب الدعم البشري من المجتمعات المحلية، أو ما يطلق عليه البعض (الحواضن المجتمعية)، والذي ربما يقود الى حرب أهلية شاملة كما نشهد على الساحة الآن من تجييش وتجيشش مضاد للمجموعات القبلية والإثنية تحت ظل التجاهل الدولي وعدم وجود رغبة حقيقية للتدخل لايقاف القتال، بالإضافة الى وجود اطماع اقليمية واضحة في خيرات وموارد السودان الذي يريده البعض منهارا وضعيفا حتى تسهل عليه السيطرة على موارده وتعويض الخسائر التي لحقت به !
4 - ضعف الوساطات الدولية: تلعب الوساطات الدولية والإقليمية دوراً مهما في إنهاء النزاعات، لكن نجاحها يعتمد على رغبة الأطراف المتنازعة في الوصول إلى حل، وهذه الرغبة لم تتوفر حتى هذه اللحظة، على الأقل من حلفاء الجيش الذي يريدون استخدام الحرب كبوابة للعودة الى السلطة مرة أخرى، أو في أسوأ الحالات المشاركة في السلطة، وعليه فمن المتوقع ان تستمر الحرب فترة طويلة قد تصل الى خمسة اعوام أو أكثر، بناءً على تجاربنا المحلية السابقة مثل حرب الجنوب التي إستمرت أكثر من 16 عاما في التمرد الاول الذي انتهى باتفاق سلام هش، واكثر من عشرين عاما في التمرد الثاني الذي انتهى باتفاق سلام أدى الى انفصال الجنوب من الشمال في عام 2011، وسرعان ما دخلت الدولة الجديدة (جنوب السودان) في حرب أهلية لعدة سنوات تسببت في معاناة إنسانية كبيرة وتدخلات إقليمية ودولية، ولا تزال هناك توترات تهدد بالعودة إلى العنف، وإذا نظرنا الى المحيط الخارجي القريب، نجد أن حرب اليمن لا تزال مستمرة حتى الآن منذ اندلاعها في عام 2015، ولا تزال الجارة الشمالية (ليبيا) تعاني من تعقيدات الحرب التي بدأت إثر سقوط نظام معمر القذافي عام 2011، ووجود سلطتين مستقلتين إحداهما في طرابلس والأخرى في بنغازي مع احتمال عودة الحرب او انفصال ليبيا الى دولتين مستقلتين عن بعضهما !
* ليس أمام السودان سوى سيناريوهين فقط:
*إما الوصول إلى اتفاق سلام عبر الوساطات الدولية، مما يفتح الباب أمام عملية سياسية شاملة تجمع كافة الأطراف، الأمر الذي يتطلب إرادة حقيقية من القوى المتصارعة واستعدادها للتنازل!
* او استمرار القتال فترة طويلة، مما يعني المزيد من التدهور في الاقتصاد والبنية التحتية وزيادة معاناة المواطنين، وربما انهيار وتشظي الدولة السودانية !
* وبغض النظر عن السيناريو النهائي، فإن إعادة بناء السودان ستتطلب جهودًا كبيرة واستثمارات ضخمة لإعادة إعمار البنية التحتية وتحقيق الاستقرار، وسيكون من الضروري معالجة قضايا الحكم العادل والتنمية المستدامة لضمان عدم عودة مثل هذه الصراعات في المستقبل!
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
تحليل مبادرة الحزب الشيوعي السوداني لوقف الحرب واسترداد الثورة
مبادرة الحزب الشيوعي السوداني لوقف الحرب واسترداد الثورة تمثل طرحًا سياسيًا عميقًا وطموحًا، يعكس قراءة دقيقة لجذور الأزمة السودانية وسبل معالجتها. تنطلق المبادرة من رؤية تُبرز أهمية وحدة الجماهير كعامل رئيسي لتحقيق التحولات الديمقراطية، مستندة إلى تجارب سودانية سابقة كأكتوبر 1964 وأبريل 1985 وثورة ديسمبر 2018.
تصف المبادرة الحرب الحالية بأنها أداة تُستخدم لتصفية الثورة وعرقلة أهدافها، مشيرة إلى دور اللجنة الأمنية، قوات الدعم السريع، والحركة الإسلامية في إشعال الصراع وتعميق الأزمة. وتؤكد أن الحل الجذري لا يمكن أن يأتي إلا من خلال حراك شعبي واسع ومستقل، مع رفض الاعتماد المفرط على التدخلات الخارجية.
محاور التحليل السياسي
المبادرة تركز بشكل خاص على تنظيم الجماهير، خاصة النازحين واللاجئين، باعتبارهم أصحاب المصلحة المباشرة في إنهاء الحرب وتحقيق التغيير الديمقراطي. ويُبرز الحزب أهمية النقد الذاتي للقوى السياسية والمدنية، داعيًا إلى مراجعة شاملة للأخطاء السابقة، بما في ذلك الفشل في مواجهة عسكرة الدولة وهيمنة الميليشيات. كما يرفض الحزب الاصطفاف مع أي طرف من أطراف النزاع العسكري، مؤكدًا أن هذه الحرب لا تخدم سوى مصالح القوى المتنفذة داخليًا وخارجيًا.
الموقف من الإسلاميين ومبشري فشل المبادرة
تواجه المبادرة رفضًا واضحًا من بعض الأطراف الإسلامية التي تُشكك في جدواها، وتعتبرها محاولة مستحيلة التطبيق أو عودة إلى الطروحات الاشتراكية القديمة التي تجاوزها الزمن. الإسلاميون الذين طالما ناهضوا طرح الحزب الشيوعي يرون في المبادرة فرصة لتأكيد فشل القوى المدنية في معالجة القضايا الوطنية الكبرى. ومع ذلك، يرد الحزب على هذه الانتقادات بإبراز أن فشل الإسلاميين أنفسهم في إدارة الدولة خلال العقود الماضية هو الذي قاد السودان إلى الأزمات الحالية.
يرى الشيوعيون أن المبادرة ليست فقط إطارًا لإنهاء الحرب، بل خطوة ضرورية لاستعادة مشروع الثورة ومواجهة الأيديولوجيات التي عرقلت بناء دولة المواطنة والعدالة الاجتماعية. ويركز الحزب على بناء تحالف جماهيري يضع مصلحة الشعب فوق المصالح الحزبية أو الأيديولوجية، ما يضعه في مواجهة مباشرة مع الإسلاميين الذين يحاولون الترويج لفشل أي مساعٍ تُقصيهم من المشهد.
التشابه مع طرح "تقدم"
من بين النقاط المثيرة للجدل حول المبادرة ما وُصف بتشابهها مع طرح حزب "تقدم"، الذي يُركز أيضًا على إعادة هيكلة الجيش ورفض العسكرة السياسية. ومع أن الطرحين يتقاطعان في بعض الأهداف، فإن هناك اختلافات جوهرية. "تقدم" يُعرف بنهجه البراغماتي وسعيه إلى تسويات سياسية مرنة تشمل جميع الأطراف، بما فيها الإسلاميون، على عكس الحزب الشيوعي الذي يعتمد خطابًا راديكاليًا أكثر حدة في رفض أي شراكة مع الإسلاميين أو الميليشيات المسلحة.
التحديات أمام المبادرة
تواجه المبادرة تحديات متعددة أبرزها-
• الانقسامات السياسية الداخلية: يتطلب نجاحها توافقًا واسعًا بين القوى السياسية والمدنية، وهو أمر صعب في ظل التباينات الحالية.
• المصالح الدولية والإقليمية: تتعارض المبادرة مع مصالح قوى خارجية تستفيد من استمرار الصراع، مما يعقد تنفيذها دون ضغط شعبي كبير.
• القدرة على مواجهة الخطاب الإسلامي: الإسلاميون يشنون حملة إعلامية قوية لتشويه المبادرة، ما يتطلب من الحزب الشيوعي بناء استراتيجية اتصال فعالة لتوضيح أهداف المبادرة وكسب التأييد الشعبي لها.
• التوازن العسكري المختل: إعادة هيكلة الجيش وحل الميليشيات تستلزم قوة سياسية واجتماعية ضاغطة لا تزال بعيدة عن التحقق في الوضع الحالي.
النقد والردود الشعبية
بينما يرى البعض أن المبادرة تعبر عن طموحات الشعب في استعادة الثورة، يصفها آخرون بأنها طوباوية وغير واقعية. هذه الانقسامات الشعبية تنبع جزئيًا من إرث الحروب الأيديولوجية بين الحزب الشيوعي والإسلاميين، الذين يروجون لفشلها كجزء من معركتهم مع القوى المدنية.
مبادرة الحزب الشيوعي السوداني تُعد محاولة جادة لوقف الحرب واسترداد الثورة، بطرح يعتمد على العمل الجماهيري وتحقيق العدالة الاجتماعية. ورغم التحديات الكبيرة، فإنها تفتح باب النقاش حول الحلول الوطنية الممكنة، وتُبرز الحاجة إلى تحالف سياسي مرن وحراك شعبي واسع لمواجهة المصالح الضيقة التي تعيق التحول الديمقراطي.
في مواجهة الانتقادات، يبقى نجاح المبادرة مرهونًا بقدرتها على كسب التأييد الشعبي وإثبات أنها بديل حقيقي وقابل للتنفيذ في ظل تعقيدات المشهد السوداني الحالي.
zuhair.osman@aol.com