متى تجاوب النخب على هذه الأسئلة؟
تاريخ النشر: 9th, November 2024 GMT
أن مدرسة فرانكفورت عندما التفتت إلي ما يسمى ب " العقل الأداتي" و نقدته باعتباره نتاج سالب إلي الفلسفة الرأسمالية و تطوراتها في نسق الاستغلالية، و أيضا اعتبرته نمط تفكير لحلول مشاكل المجتمعات الرأسمالية دون الإلتفات لمضمون هذه الحلول و تأثيرها على المجتمع، و اعتبر منظروا المدرسة أن العقل الأداتي يمثل خطرا كبيرا على المجتمعات، و هبرماس الذي يعتبر أحد رواد هذه المدرسة المعاصرين قدم نقدا لفلاسفة مدرسة فرانكفورت و ارجع نقدهم للعقل الأداتي بسبب حالات الفشل التي كانوا قد واجهوها في مسيرتهم النقدية.
أن المدرسة نفسهم تعتبر هي رائدة فلسفة " ما بعد الحداثة" التي اعتمدت في نقدها للمجتمع الرأسمالي على المنهج " التاريخي الديالكتيكي" و أيضا نقدت الماركسية باعتبار أن أدواتها عجزت أن تلاحق عمليات التطور التي حدثت في فلسفة الرأسمالية.. هذه المقدمة حقيقة أوردتها بأن عملية النقد مسألة ضرورية في أي مجتمع، و نحن في السودان نحتاج إلي مراجعات فكرية، تنطلق من القراءة الموضوعية للأحداث بعيدا عن الانحيازات العاطفية، و بعيدا عن شعارات دخلت الساحة السياسية السودانية أيام نشاط حركة القوميين العرب بكل تفرعاتهم، و هي الحركة هزمتها تصوراتها غير الموضوعية و عدم قراءتها الجيدة للأحداث و تحليلها بموضوعية، و هي حركة اعتمدت في وصولها للسلطة على المؤسسات العسكرية " الانقلابات" و في استمرارها في السلطة على الأجهزة الأمنية.. الأمر الذي عطل العقل و انتاج العقل و لذلك جاءت بالشعارات كبديل لتحل مشكل عجز الانتاج الفكري الذي يجعلها في حالة تصادم مستمر مع " السلطة الحاكمة" هذا التراجع الذي حدث بقوة بعد هزيمة " 1967م" حاول أن يخلق بدائل، و لكنها بدائل تسير في ذات طريق النظم الشمولية، و تخلق ردود فعل سالبة وسط القوى الحية في المجتمع خاص " الطبقة الوسطى" لذلك تجد في السودان؛ تكثر الشعارات دون أن تكون نتاج لأفكار جيدة، تحاول بها صياغة الواقع على نسق جديد يخلق حوارا في المجتمع بهدف خلق وعي جديد بديل للذي كان سائدا و فاشلا..
أن الإنسان حقيقة يحتار؛ عندما تجد ما يطلق عليهم نخب الوعي في المجتمع، و هم لا يختلفون كثيرا عن العامة في رفع الشعارات، و دون أن يكون لها أي أثر فاعل في تحريك العقل للبحث عن الحلول الناضجة.. أن أية طريقة للتفكير الجديد في المجتمع تريد أن تتجاوز حالات الفشل المستمرة لابد أن تجاوب على العديد من الأسئلة الأتية؛-
1 – هل الأحزاب السياسية الموجودة الأن في الساحة السياسية و تنادي بعملية التحول الديمقراطي في البلاد؛ هي نفسها تمارس الديمقراطية داخل هذه المؤسسات لكي تكون فاعلة في عملية التغيير أم هي شعارات للتسكين فقط؟
2 – هل القيادات السياسية المطروحة في الساحة قدمت أفكارا تبين أن لها قدرة في إنتاج الألإكار التي تساعد على عملية التغيير؟
3 – الأحزاب الطائفية " الاتحادي و الأمة" إلي جانب " الإسلاميين – الحزب الشيوعي" قادرين أن يقدموا أطروحات سياسية ناقدة لمسيرتهم التاريخية التي فشلت في تحقيق الاستقرار و التنمية في البلاد، و يبينوا تصوراتهم من خلال ضخ أفكار في المجتمع يخلقوا بها حوارا سياسيا و مجتمعيا يتجاوز ثقافة الماضي؟
4 – أن الأحزاب السياسية خاصة الطائفية " الاتحادي – الأمة القومي" لم يستطيعوا أن يخرجوا أحزابهم من دائرة الأٍسرة لكي تصبح أحزابا جديدة مفتوحة للأجيال الجديدة، فهل هذه الطائفية قادرة أن تنفتح على المجتمع و تجدد نفسها بعيدا عن دائرة قدامة المحاربين الذين لم ينجزوا أية نجاح في مسيرتهم السياسية؟
5 – هل الحزب الشيوعي قادر أن يعيد صياغة الحزب من جديد لكي يكون متلاءم مع شعارات الديمقراطية التي يرفعها، و يحدث تغييرا في القيادات الاستالينية التي لا تجيد غير حفظ النصوص دون أن يكون لها أثر في معالجة مشكل أو إحداث تغيير، و يقدم عناصر عندها القدرة على الإنتاج الفكري، و عدم الاعتماد على العناصر التي تحاول فقط إرضاء الشلة القابضة على مفاصل الحزب؟
6 – الحركة الإسلامية مطالبة بتقديم نقد موضوعي لتجربتها السابقة التي حاولت بها السيطرة منفردة على السلطة و تقديم هوامش للأخرين.. و هل تستطيع أن تحدث تجديدا في خطابها السياسي يتماشى مع عملية التحول الديمقراطي؟
7 – أن القوميين العرب فشلوا أن يقدموا نقدا لتجاربهم السياسية في الحكم، و تظل شعاراتهم المرفوعة " وحدة حرية اشتراكية" دون رابط جدلي بينهما.. و أن مركزية القضية " فلسطين" هل مازالت هي محور الصراع السياسي في المنطقة؟ و إذا كانت كذلك أين يضعوا مشاكل السودان في سلم أولوياتهم؟
أن الحرب لابد أن تكون نهاية لمسيرة الفشل السياسي في السودان.. و لن تكون كذلك إلا إذا حدث تغييرا جوهريا في طريقة التفكير السائدة، و لا يحدث تغير في طريقة التفكير، إلا إذا كان هناك نقدا بالمنهج النقدي و ليس التبريري يبين أسباب الفشل السابقة.. هناك البعض يحلوا سوف يسألوا لماذا لم تتطرق للجيش لآن القوى السياسية عندما تقدم لعملية النقدم و تقدم مشروعاتها البديلة هي التي تتطرق لقضية الجيش، لآن الجيش يتدخل في العملية السياسية عندما تفشل القوى السياسية و تضعف في أداء مهامها... نسأل الله التوفيق و حسن البصير..
zainsalih@hotmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: فی المجتمع
إقرأ أيضاً:
الشرع في ميزان العقل
#الشرع في #ميزان_العقل
بقلم: د. #هاشم_غرايبه
قد يبدو العنوان مستهجنا، فالعقل ليس حكما على الشرع، بل العكس، لكن مقصدي من هذا القلب سيتبين لاحقاً.
لغايات مساعدة الإنسان في اتخاذ القرارات الصائبة، أوجد له الخالق الحكيم ثلاثة موازين مرجعية، لكي يحتكم اليها:
الأول هو الفطرة المودعة في كل كائن حي، توجهه وتتحكم في قراراته، ما عدا الإنسان، لتميزه من بينها بحرية الإرادة، وذلك لأنه مكلف بالاختيار بين طاعة الخالق أو عصيانه، فبإمكانه اتباع ما تمليه عليه الفطرة أو مخالفتها.
الثاني هو العقل، وحكمه صائب لاعتماده على المحاكمة المنطقية، لكن عيبه ان الهوى والذي تشكله الرغبات والشهوات ليس محايدا، فقد تفسد هذه المحاكمة أو تحرفها، كما تختلف النفوس بمقدار اتباعها الهوى أو مقاومته، ولذلك أوجد الله ميزانا ثالثا، حكما معياريا لا يتأثر بالهوى.
وهذا الميزان هو الشرع، وهو جملة أحكام تسمى الحلال والحرام، تتناول أهم نقاط ضعف النفس البشرية أمام الأهواء، وحددت ما هو واجب فعله أو واجب تركه، كما حددت ما بينهما كمستحب أو جائز أو مكروه.
ولما أن الله تعالى أغدق إكراماته على الإنسان، فزيادة على خلقه إياه في أحسن تقويم، سخر له كل ما في الأرض من جمادات وكائنات حية، ينتفع منها، خلق له نعيما أبديا يناله في الجنة، التي أعدها لعباده المتقين، لذلك فلا ينالها إلا من آمن به واتبع هديه، وبيّن الاستحقاقات والشروط التفصيلية لذلك الاتباع في رسالاته.
وفي حياتهم الأخروية هذه لن يكون نعيمها للجميع على السواء بل على درجات متفاوتة، وأكثر تباينا من درجات حياتهم الدنيوية، والارتقاء فيها بمقدار صلاح أعمالهم في الحياة الأولى.
لقد أراد الله من تعدد الموازين المرجعية مساعدة البشر في اجتياز ابتلاء الدنيا، والذي أوجده لتأهيلهم الى الحياة الآخرة، والتنافس لنيل نعيمها، وكدافع آخر لأجل حسن الاختيار، توعد المصرين على مخالفة كل تلك الموازين بعقاب شديد ومقيم في الحياة الأخروية.
قد يتساءل بعض المكذبين بالدين: لماذا جعل الله هذا التباين الهائل في مصير الناس: إما جنة نعيمها أكثر ما يمكن تصوره، أو نارا تفوق تحمله؟.
ذلك لإحقاق العدالة، فقد آتى الله الناس جميعا فرصا متساوية في الاختيار، فمن لم تقو فطرته على توجيهه للصلاح، جعل له العقل يتفكر به فيجد في الآيات الكونية والتكوينية والقرآنية أدلة دالة على وجود الخالق، ثم أرسل الرسل يهدون الى الصراط المستقيم، ومبشرين من آمن واتبع، ومنذرين من كذب وعادى منهج الله.
فهل تبقى بعد ذلك حجة!؟.
فلا يجوز أن يعامل الله من اختار الهدى والصلاح بمثل من اختار الفجور والصد عن سبيل الله.
حجة المكذبين الوحيدة أنهم اتبعوا ما تمليه عليهم عقولهم، فلا يؤمنون بما هو وراء ادراكاتهم الحسية.
لكن لو تصوروا أن الله تعالى كان مرئيا.. من كان بإمكانه التكذيب بوجوده؟.
وإذاً كيف سيكون ابتلاء وتمحيص بين من آمن بما غيب عن حواسه (الغيبيات) باتباع العقل والمنطق، وبين من آمن بناء على رؤيتها.
ولو لم يغيّب مصير الإنسان ما بعد الموت، وكان هنالك تواصل للأموات مع الأحياء، لأخبروهم بما وجدوه بعد الموت، ولن يبق مكذب بيوم الدين.
ولو كانت الجنة والنارمرئيتين لمن في الدنيا… من كان سيجرؤ على ارتكاب معصية!؟.
أذاً بكشف الغيبيات سينعدم الابتلاء، لذلك قضى الله ان تغيب العواقب عن إدراك الناس، فلا يعرف نتاج عمله إلا بعد انتهاء الزمن المتاح له لأداء الامتحان: “فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ” [ق:22]، فيفوز فقط من اتبع ما اتفقت عليه أحكام الموازين الثلاثة: الفطرة والعقل والشرع، أي من اتبع الفطرة السليمة، وصدق بها العقل البشري الرشيد الذي يوقن بالاستدلال المنطقي وليس بالحسي فقط كالأنعام، ثم لما جاءه المرسلون بالهدى اتّبعهم.
هؤلاء هم المتقون الفائزون برضا الله ورحمته: “ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ . الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ” [البقرة:2-3].
نستخلص أنه لا يصح أن يكون العقل حكما على الشرع، فالعقل يحكم بناء على المعلومات المودعة فيه التي راكمتها معارفه الحسية والتجريبية.
لكن الشرع أوسع، فهو يحوي ما كشف للعقل وما غيّب عنه.