طالبه بموقف وبيان.. هل ينخرط حزب الله في حملة ضدّ الجيش؟!
تاريخ النشر: 9th, November 2024 GMT
في خطابه الثاني بعد تنصيبه أمينًا عامًا لـ"حزب الله" خلفًا للسيد الشهيد حسن نصر الله، كرّر الشيخ نعيم قاسم الكثير من "الثوابت" التي دأب قادة الحزب على تكرارها في الآونة الأخيرة، لجهة تأكيد الاستعداد لحرب استنزاف طويلة، وعدم استجداء وقف إطلاق النار، والتمسّك بمعادلة "إيلام العدو" لدفعه ليكون المبادر إلى طلب وقف الحرب، مضيفًا إليها عدم التعويل على نتائج الانتخابات الأميركية التي جرت هذا الأسبوع للوصول إلى التسوية.
لكنّ ما استوقف الانتباه في حديث الأمين العام لـ"حزب الله" جاء في مكانٍ آخر، وتحديدًا في المحور المرتبط بحادثة الإنزال البحري الذي قامت به قوة كوماندوس إسرائيلية في منطقة البترون الشمالية، واختطاف أحد الشبان اللبنانيين، حيث كان لافتًا أنّ الشيخ قاسم لم يتحدّث عن مصير الشاب المخطوف، ولا علّق على ما أثير عن علاقاته مع الحزب، وإنما توجّه إلى الجيش تحديدًا، مطالبًا إياه بإصدار بيان وموقف واضح يشرح فيه ما حصل.
ولأنّ كلام الشيخ قاسم جاء بعد ما يصحّ وصفها بـ"الحملة غير البريئة" التي شهدتها منصّات التواصل الاجتماعي بعيد حادثة البترون، وشملت الجيش المعني بحماية الحدود البحرية، وقوات الطوارئ الدولية المعنية برصد انتهاكات العدو الإسرائيلي، فإنّه أثار علامات استفهام عمّا إذا كان الحزب ينخرط في مكان ماٍ في مثل هذه الحملة، وعن مغزى هذا الكلام بالتحديد، وما إذا كان يخفي "رسائل سياسية" من خلفه على أبواب بعض الاستحقاقات الأساسية.
"تصويب غير موفّق"؟!
بالنسبة إلى معارضي "حزب الله"، فإنّ كلام الشيخ نعيم قاسم انطوى على "تصويب واضح" على الجيش، ولا سيما أنّه قبل مطالبة الجيش بإصدار بيان وموقف "يبيّن لماذا حصل هذا الخرق"، قال إنّه "اليوم لن يتّهم"، وهي عبارة تختزل بحدّ ذاتها نوعًا من "الاتهام المبطن"، ما يعني أنّ الأمين العام لـ"حزب الله" حاول أن يعطي "مشروعية" للحملة التي كان بعض المحسوبين عليه قد أطلقوها أساسًا، واعتقد كثيرون أنّها "غير منضبطة" إن صحّ القول.
أكثر من ذلك، يلفت هؤلاء إلى أنّ كلام الشيخ قاسم المقتضب في هذه النقطة، حمل أيضًا نوعًا من "الإساءة" إلى الجيش، حين طالب الجيش بتوضيح، حتى لو قال "إنه لم يكن قادرًا وإنه كان عاجزًا"، وهو ما يخشى معارضو "حزب الله"، أن يكون ما يريده الحزب أساسًا، باعتبار أنّه يحمل "تبريرًا" لسرديّة الحزب القائمة على تصوير الجيش "ضعيفًا وعاجزًا"، بما يمنح المزيد من "المشروعية" للمقاومة، بوصفها "البديل الضروري" للتصدّي للعدوان.
بناءً على ما تقدّم، يعتبر خصوم "حزب الله" أنّ مثل هذا التصويب على الجيش من جانب الأمين العام للحزب لا يبدو موفّقًا، وهو لم يكن في مكانه، ليس فقط لأنّه يعرّض المؤسسة العسكرية مع ما تتمتع به افتراضيًا من حصانة وطنية للاهتزاز، ولكن أيضًا لأنه يضرب الشراكة التي كان هو من يتحدّث عنها بين الجيش والمقاومة، ويدخِل البلاد في متاهات سجالٍ يفترض أن يكون الحزب من يتجنّبه، إلا إن أراد تسجيل "مكاسب سياسية" على حساب الجيش.
"لا حملة ولا من يحزنون"
في مقابل السردية التي يتبنّاها خصوم "حزب الله"، الذين وجدوا في كلام الشيخ قاسم ما قد يصفه البعض بـ"الثغرة" التي أمكن التسلّل عبرها لتصوير الحزب وكأنّه "ضدّ الجيش"، ينفي المؤيدون للحزب والعارفون بأدبيّاته أن يكون في وارد إطلاق أيّ حملة ضدّ الجيش، أو أن يكون قد انخرط في مثل هذا النوع من الحملات، مشدّدين على أنّ ما قاله الأمين العام للحزب جاء في سياق واضح ومحدّد، ربطًا بحادثة البترون، وهو بالتالي لا يحمل أيّ تأويلات أو تفسيرات.
بالنسبة إلى هؤلاء، فإنّ "حزب الله" حريص كلّ الحرص على العلاقة "المتينة" مع الجيش، وهو الذي يعتبر في كلّ أدبيّاته ثلاثية "الجيش والشعب والمقاومة" بمثابة معادلة ذهبية، وهو يرفض التفريط بهذه العلاقة خصوصًا في ذروة الحرب الإسرائيلية التي تُشَنّ ضدّ لبنان بأسره، وليس ضدّه فحسب، كما أنّه يقدّر عاليًا التضحيات التي قدّمها الجيش في هذه المعركة، وقد سقط له العديد من الشهداء في أكثر من مكان، بعضهم تمّ استهدافه بشكل مباشر.
إلا أنّ هؤلاء يلفتون إلى أنّ سؤال الشيخ قاسم "الإشكالي" جاء في سياق الحديث عن إنزال البترون، الذي ينطوي على "حساسية استثنائية" بالنسبة إلى "حزب الله"، باعتبار أنّ هذا النوع من الإنزالات، في مناطق لا حضور فعليًا فيها للمقاومة، يمكن أن يشكّل "نقطة ضعف"، خصوصًا أنّ الإسرائيلي تعمّد تسريب الصورة التي التقطها في البترون للإيحاء بـ"انتصار عسكري"، يدرك القاصي والداني أنه عجز عن تسجيله في البترون.
يرفض المحسوبون على "حزب الله" إعطاء كلام الشيخ قاسم أيّ أبعاد خارج سياق ما قاله، ويشدّدون على أنّ ما أراده هو دعوة الجيش إلى إصدار موقف، لتحديد المسؤوليات عن خرق البترون ليس إلا. لكنّ خصوم الحزب يعتبرون أنّه لم يكن هناك من داعٍ لمثل هذا الكلام، في هذا التوقيت تحديدًا، خصوصًا أنّ "الرسائل" من خلفه لقائد الجيش تحديدًا، أكثر من جلية، ليبقى الثابت بين الرأيين أنّ "تحييد" الجيش عن الصراعات السياسية يبقى الخط الأحمر!
المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: الأمین العام حزب الله أن یکون
إقرأ أيضاً:
بين تصعيد إسرائيل وعمليات حزب الله.. هل سقطت التسوية؟!
لعلّه "السيناريو" نفسه يتكرّر مرّة أخرى، حيث ترمي إسرائيل بتسريبات مكثّفة حول "تسوية" مع لبنان، تنهي الحرب العبثية والوحشية المتواصلة منذ أكثر من شهر ونصف، وتذهب عبر إعلامها لحدّ الكشف عمّا تسمّيه بـ"مسودة الاتفاق"، متحدّثة عن وضع "اللمسات الأخيرة" عليه، لكنّها لا تقرنها بأفعال تثبت "حسن النوايا"، بل على النقيض، ترفع من مستوى اعتداءاتها، بما يفرغ "التسوية الموعودة" من مضمونها، فتأتي الخيبة مُضاعَفة.
وعلى الرغم من أنّ هناك ما يدفع إلى الاعتقاد بأنّ شيئًا ما مختلفًا هذه المرّة، أقلّه من حيث التوقيت، بعد إنجاز الانتخابات الأميركية، وفوز المرشح دونالد ترامب بالرئاسة، إلا أنّ مؤشرات الساعات الأخيرة لم توحِ بما يبعث فعليًا إلى التفاؤل، بدءًا من مصادقة رئيس أركان جيش الاحتلال على "توسيع" العملية البرية في جنوب لبنان، بعدما ساد اعتقاد بأنّها تقترب من النهاية، وصولاً إلى القصف المتواصل على العديد من المناطق اللبنانية.
أما الموقف اللبناني، فبدا ميّالاً إلى "الحذر"، استنادًا إلى التجارب السابقة التي كشفت عن ممارسة إسرائيل لأسلوب "الخديعة"، كما حصل يوم أوهمت الناس بفرص الحلّ، قبل أن تغتال "غدرًا" الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله، علمًا أنّ الحزب لم يُعِر هذه المرّة التسريبات الإسرائيلية اهتمامه، بل صعّد في عملياته المضادة، مع تسجيل رشقات صاروخية تكاد تكون الأكبر منذ بدء الحرب، فهل يمكن القول إلى "التسوية" سقطت عمليًا؟!
موقف "حزب الله" الثابت
بالنسبة إلى موقف "حزب الله"، يبدو واضحًا أنّه "نأى بنفسه" إن صحّ التعبير، عن كلّ فحوى التسريبات الإسرائيلية حول وقف لإطلاق النار، كما حول الشروط التي حُكي عنها في الإعلام بشأن هذا الاتفاق المحتمل، وهوما تجلّى في المؤتمر الصحافي لمسؤول العلاقات الإعلامية في الحزب الحاج محمد عفيف، الذي قال إنّ أيّ شيء ملموس لم يصل إلى الحزب، ولا إلى المسؤولين اللبنانيين المعنيّين، الذين تواصل معهم قبل المؤتمر.
وبالفعل، حرص "حزب الله" على أن يعكس هذا الموقف في أدائه الميداني الذي لم يتأثّر بكلّ التسريبات والتسريبات المضادة، إذ إنّ وتيرة عملياته العسكرية بقيت على المنوال نفسه، وربما ارتفعت نسبيًا، مع تسجيل الهجوم الصاروخي الأكبر الذي ينفذه الحزب على حيفا، التي حوّلتها صواريخ الحزب إلى مدينة أشباح إن جاز التعبير، وقد شلّت الحياة فيها إلى حدّ بعيد بعد إطلاق رشقة صاروخية كبيرة من الجانب اللبناني.
ولعلّ "حزب الله" أراد بهذا الهجوم، وسائر العمليات، أن يوصل رسالة مفادها أنّ ما يراهن عليه للوصول إلى وقف إطلاق النار هو "إيلام العدو"، وفقًا للمعادلة التي كان الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم قد أطلقها قبل فترة، إذ إنّ الحزب الذي يشدّد على انفتاحه على المفاوضات، ولا سيما أنّه فوّض القرار بهذا الشأن إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري، لن يكون في أيّ حال من الأحوال من يستجدي الاتفاق، بل يريد أن يدفع إسرائيل إلى طلبه.
احتمالات التسوية وآفاقها
ثمّة من يقول إنّ موقف "حزب الله" هذا ناتج في مكانٍ ما أيضًا عن "الضبابية" في الموقف الإسرائيلي، الذي لا يبدو "ثابتًا"، فالإعلام يتحدّث عن اتفاق شبه مكتمل، رغم أنّ أيّ شيء رسمي لم يصل إلى لبنان بشأنه، والقادة العسكريون يتحدّثون في المقابل عن المزيد من التصعيد، كما حصل في ضوء المصادقة على توسيع العملية البرية، ولو أقرنه الإسرائيليون بالقول إنّ القرار يمكن أن يُلغى بمجرد إبرام التسوية أو الاتفاق.
ولكن بمعزل عن موقف الحزب هذا، وعن التصعيد الإسرائيلي الموازي للحديث عن المفاوضات، يقول العارفون إنّ احتمالات التوصّل إلى تسوية تبقى قائمة، ولو أنّها ليست في أوجها كما كانت قبل يومين فقط، إذ هناك من يؤكد أنّ ثمّة قرارًا متّخذًا بضرورة إنهاء الحرب خلال مهلة الشهرين الفاصلة عن وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وأنّه أبلغ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بذلك، وقد تواصلا عدّة مرات الأسبوع الماضي.
لكنّ الأكيد وفق ما يقول العارفون، إنّ كلّ الأمور تبقى مرهونة بالتفاصيل التي تكمن فيها الشياطين، فالاتفاق الذي يُحكى عنه لم يصل إلى لبنان بعد، كما أنّ ما يروّجه الإعلام الإسرائيلي عمليًا قد لا يكون مقبولاً كما هو، خصوصًا لجهة الحديث عن "حرية الحركة" الإسرائيلية مستقبلاً، بما يحوّل لبنان ربما إلى ما يشبه واقع الضفة الغربية مثلاً، في حين أنّ الموقف اللبناني واضح لجهة الركون إلى القرار الدولي 1701، من دون زيادة أو نقصان.
لم تسقط "التسوية" بعد إذًا، لكنّها في الوقت نفسه، لا تُعتبَر مضمونة بعد. يقول العارفون إنّ مؤشرات هذه التسوية عديدة، لكنّها غير كافية لضمان ألا تكون مناورة إسرائيلية أخرى. لذلك، فالمطلوب التعامل مع ما يروّجه الإعلام الإسرائيلي بحذر حتى إثبات العكس، علمًا أنّ أيّ موقف من التسوية لا يمكن أن يُطلَق بناءً على تسريبات، وبالتالي فما قبل تبلّغ لبنان الرسمي بشيء، وتحديد موعد للمبعوث الأميركي، يبقى كلّ ما يُحكى مجرد حبر على ورق!
المصدر: خاص "لبنان 24"