اكتشاف ماهية الكرات السوداء التي غزت شواطئ سيدني الشهر الماضي / صور
تاريخ النشر: 9th, November 2024 GMT
#سواليف
تمكن خبراء من جامعة نيو ساوث ويلز، أخيرا، من اكتشاف ماهية المئات من #الكرات_السوداء التي جرفتها المياه إلى عدة #شواطئ في #سيدني بأستراليا، في منتصف أكتوبر الماضي.
ووجد الفريق أن الكرات الغريبة ربما تكون عبارة عن تجمعات دهنية تحتوي على براز بشري ومواد كيميائية دائمة والميثامفيتامين.
وفي منتصف أكتوبر الماضي، جرف الماء مئات “كرات القطران” الغامضة بحجم كرات الغولف إلى شواطئ سيدني، ما دفع إلى إغلاقها لعدة أيام من أجل عمليات التنظيف.
وتم جمع الكرات السوداء في أكياس بلاستيكية من قبل عمال يرتدون بدلات المواد الخطرة وإرسالها للاختبار.
وكان يعتقد في البداية أن هذه الكرات نتاج تسرب نفطي يحتوي على زيت خام وبعض الحطام غير السام نسبيا للإنسان.
ويقدم التقييم المختبري الجديد صورة أكثر تعقيدا وإثارة للاشمئزاز لهذه التكوينات الغريبة، حيث يقول العلماء في جامعة نيو ساوث ويلز إن الكرات تحتوي في الأساس على الكربون، لكنها ليست ذات أصل رئيسي من الوقود الأحفوري.
وقد استخدموا تقنية مختبرية شائعة تسمى التحليل الطيفي ليتبين أن الكرات تحتوي على “نفايات بشرية”، وخاصة الدهون والزيوت بالإضافة إلى الجزيئات الدهنية الموجودة عادة في رغوة الصابون وزيت الطهي ومصادر الغذاء.
وأوضح الفريق في مقال نشرته مجلة The Conversation أن اختبارا أكثر تفصيلا يسمى التحليل الطيفي الكتلي (Mass Spectrometry)، كشف عن جزيئات عضوية مثل الأحماض الدهنية والغلسريدات، بالإضافة إلى “وقود المركبات”. كما وجدوا آثارا لمواد كيميائية صناعية سامة مثل مواد البيرفلورو ألكيل، المعروفة أيضا باسم “المواد الكيميائية الأبدية” (PFAS) لأنها تستمر في البيئة لسنوات دون أن تتحلل، والمبيدات الحشرية والمركبات الستيرويدية مثل نورجيستريل، والأدوية البيطرية، والأدوية لعلاج ارتفاع ضغط الدم مثل لوسارتان.
وبالإضافة إلى ذلك، وجد العلماء آثارا لنفايات براز بشري تحتوي على جزيئات الكوليسترول والمخدرات الترفيهية، مثل الميثامفيتامين ورباعي هيدرو كانابينول (الجزيئة الأكثر شهرة في نبات القنب الهندي).
ونظرا لتكوين هذه الكتل، يشتبه العلماء في أنها جاءت على الأرجح من مياه الصرف الصحي المنزلية والنفايات الصناعية. ودعت الدراسة إلى ضرورة معالجة تراكم الدهون والزيوت والشحوم في شبكات الصرف الصحي، لأن التخلص غير السليم من هذه المكونات في المنازل والمطابخ يؤدي إلى تشكل رواسب لزجة وقوية، وهو ما يجعلها تمثل مشكلة بيئية.
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: سواليف الكرات السوداء شواطئ سيدني
إقرأ أيضاً:
اكتشاف اللذة
"من دون اللذة لا معنى للحياة،
الكفاح في سبيل اللذة هو الكفاح في سبيل الحياة".
نيتشه ("إنسان مفرط في إنسانيته")
من دون أدنى شك، لو عدنا إلى تاريخ الأفكار، وإلى سياقه التاريخاني، لوجدنا أن الإغريق "اخترعوا" كلّ شيء فيما يتعلق بهذا التاريخ. ومن بين اختراعاتهم "المنسية" (فيما لو جاز القول)، هناك "تيّار اللذة" (الذي يطرح فكرة تحقيق اللذة كهدف أساسي للحكمة، وقد عرفت بأنها أول "مدرسة في المتعة"). وقد أطلق عليه اسم التيّار القوريني، لأنه نشأ في قورينا، أي في برقة التي كانت مستعمرة يونانية تقع في شمال أفريقيا، وهي ما تُعرف بــ(ليبيا) اليوم.
لو عدنا إلى تلك الفترة، لوجدنا أن الفلاسفة القورينيين قد تحلّقوا حول أريستيبوس القوريني (الذي كان معاصراً جداً لأفلاطون، في القرنين الخامس والرابع قبل الميلاد، بل كان أيضا واحدا من تلاميذ سقراط)، وهو رجل "خيالي" لم يتردد في ارتداء ملابس النساء واللجوء إلى النكات ليقود جمهوره إلى التفكير والفلسفة بشكل أفضل. في تلك الحقبة عرف أريستيبوس انتقادات كبيرة وكثيرة، إذ على الأقل، لم يؤخذ على محمل الجدّ، بسبب "تنكره" المستمر بثياب النساء، ومع ذلك، فقد سمح "فكره" لبعض الفلاسفة المعاصرين واللاحقين بتطوير عقيدتهم الخاصة، قبل أن يُصار إلى تشويه سمعته من قبل جميع "الفلاسفة الرسميين"، من البداية إلى يومنا هذا... كان فكر أريستيبوس ينادي بأن "اللذة الحسيّة هي الخير الأسمى والهدف الوحيد الجدير بالاهتمام في الحياة". من هنا، لو حاولنا أن نختصر هذه الفلسفة بشذرة من شذرات أريستيبوس لوجدنا جملته الشهيرة هذه: "أنا أمتلك، أنا لست مملوكا". بمعنى آخر، إن على البحث عن هذه المتعة أن لا يستعبدنا. فما الأمر في النهاية سوى "تشجيع الحرية الشخصية بقدر ما لم يكن المرء مرتبطا بمهام الآخرين الفلسفية والثقافية وتأسيس وجهة نظره الخاصة عن معنى الحياة" (وفق ما يقول مترجم الكتاب في مقدمته).
حول فلسفة اللذة هذه، القورينية، يأتي كتاب الفيلسوف الفرنسي المعاصر ميشيل أونفري، "اكتشاف اللذة" الذي صدر مؤخرا بترجمة عربية (نقله كامل العامري) عن منشورات "نينوى"، ويتضمن أيضا نصوصا ومقاطع (ما تبقى منها على مرّ العصور) والتي تسمح لنا باكتشاف نظريات هؤلاء الفلاسفة حول المال والحب والسلطة والعلاقات مع الآخرين، كما تسمح لنا باكتشاف الآلهة (التي كانوا يدورون في فلكها)، وعلاقاتهم بالنساء، وما إلى ذلك. من هنا، تسمح لنا المقدمة الطويلة التي كتبها ميشيل أونفري، بوضع هؤلاء المفكرين وأطروحاتهم في السياق الفلسفي والتاريخي والأيديولوجي لذلك العصر. باختصار، يعيد هذا العمل إحياء قارة الفلسفة اليونانية المغمورة حقاً، وبخاصة عبر الجانب المتعلق بهذه الفلسفة، لكن بعيدا عن المفاهيم اللامعة والخطابات "الدخانية" التي تندثر في الهواء، لذا نجد أن ما يقترحه أونفري علينا، هو وبالدرجة الأولى، إعادة تركيب هذا السياق التاريخي أولا، ومن ثم هذه المحاولة الجدية والمهمة، لإعادة اكتشاف نصوص، لعبت دورا كبيرا في بناء مفهوم اللذة على مرّ الأجيال الفلسفية. إذًا نحن أمام فكرة مغرية: تركيز كلّ الجهود الفلسفية على مسألة الحكمة العملية والأخلاق القادرة على توفير قواعد الحياة، والمؤشرات الوجودية، والأسباب الواضحة للسلوك المناسب. ليحدد، لاحقا، معنى فلسفة اللذة هذه التي يقدرها لدى أريستيبوس: إنها متعة مقاسة، محسوبة، مبنية. إنها هذا التوتر والزهد، وليست استرخاءً ولا ترهلًا بمعنى آخر، هي إرادة وليس ضعفا: بل هي إخضاع الواقع لعقل المرء، ولإرادته، ولقراره.
أمام ذلك كله، يأتي الحديث عن "كنز قورينا"، إذ هناك خطوة صعبة يجب اتخاذها. في الواقع، تظل الأجزاء التي تم جمعها... مجزأة، لا بسبب عمل الكاتب (الفرنسي)، بل لأن ما وصلنا منها هو قليل جدا. من المؤكد أنها يمكن أن تكون بمثابة نقطة انطلاق للدفاع عن "دافع الحياة المرحة والمبهجة"، ولكنها تترك القارئ متعطشًا بعض الشيء فيما يتعلق بالحجج، وإن كانت هذه الشذرات تصف القورينيين ومعلمهم وتنقل فكرهم بالتفصيل، لكن "المتعة" الفعلية، تكمن في النصوص الموازية وأقصد بذلك نصوص منتقدي هذه الفلسفة التي لم تكن خالية من الأخلاق، بل على العكس من ذلك، إذ نجدها قريبة جدا من "متعة الأخلاق".
أقول ذلك لأشير إلى فكرة جوهرية ما بين التيار القوريني والتيار الأبيقوري. فنحن لو عدنا، مرة جديدة، إلى مقارنة هاتين المدرستين، لرأينا أن مدرسة أبيقور قد طغت على مدرسة أريستيبوس التي كانت ترى بدورها أن "اللذة هي هدف الحياة الرئيس". بيد أن الأبيقورية كانت أكثر اعتدالا، لأنها لم تتوقف عن المناداة "بضبط النفس والسيطرة على الذات والقبول بالملذات البسيطة"، بينما مدرسة أريستيبوس، من جهتها، كانت تطالب الإنسان وتحثه أكثر على البحث عن اللذة قدر الإمكان "طالما أنها لم تكن تعتمد على هذا البحث، وعلى فلسفة القورينيين اللاحقين الأكثر تطرفا، مثل هيجيسياس" على سبيل المثال.
في الخلاصة، نحن أمام كتاب جيد، يمنحنا أوضح صورة ممكنة عن بدايات فلسفة اللذة، فتاريخ أهل اللذة والمتعة (القورينيين أو حتى الابيقوريين) يسمح لنا أن نفهم بسهولة متى تتحول طريقة الحياة القائمة على عبادة الموت والهوس الفاحش بالدوافع إلى حد الرغبة في توبيخها، والحياء الفاحش إلى رؤية الجانب الإنساني من الحياة، وذلك من أجل الاحتفال بفرحة الحياة.
كاتب وصحفي من لبنان