عربي21:
2025-03-11@06:59:58 GMT

المستبدّ الجاهل: هديّة أمريكا إلى العلوم السياسية!

تاريخ النشر: 9th, November 2024 GMT

مثل طفل حائر خائف ماض إلى مصيره سيرا إلى الخلف، يستدبر غده بدل أن يستقبله، فعلت الديمقراطية الأمريكية (ثانية) بنفسها ما يفعل العدو بعدوه، فأسلمت أمرها إلى المستبد. لا «المستبد العادل» (نموذج التاريخ الشرقي القديم) بل المستبد الجاهل! ولا «المستبد المستنير» (نموذج التاريخ الأوروبي الحديث) بل المستبد المستدير بظهره لأبسط مبادئ العقل وأصول اللياقة.



مستبد الشر المستطير الذي لن يكون ثمة هذه المرة (على عكس ولايته الأولى) ما يكبح جماحه ويخفف من غلوائه. فقد تخلص ترامب من جميع المساعدين والموظفين القادمين من صلب المؤسسات واستعاض عنهم بمن يضارعونه شذوذا ذهنيا وغرائبيّة سياسية.

والملمح الذي عادة ما يغيب عن النظر العام هو أن الشخصية الاستبدادية، بأعراضها ورذائلها المرضيّة، ليست اختصاصا حصريا للأنظمة غير الديمقراطية. فقد كتبنا هنا قبل سنوات أن ثمة بين الساسة الغربيين من هو مصاب بكل أمراض الشخصية الاستبدادية، ولكن ما يمنعه من تفتيق مواهبه والانسياق لشيطان نزواته هو أن سوء الحظ أوقعه في بلاد رسخت فيها الديمقراطية الليبرالية فلم تعد تطيق أن تسلم أمرها إلا لسلطان القانون. وقلنا آنذاك إنه لو أتيح لبرسلكوني أو ساركوزي، مثلا، أن يحكما دولة إفريقية أو آسيوية لنافسا بوكاسا في غرائب التنكيل والتعذيب ولكان عدد ضحاياهما بعشرات الألوف.

ولكن هذا كله كان قبل أن تتحفنا الديمقراطية الأمريكية العليلة المقعدة المشرفة على الهلاك بشخصية، كاريكاتورية ودكتاتورية في الوقت ذاته، اسمها دونالد ترامب. إذ ما أن هاجر هذا المهرّج الرديء من تلفزيون الواقع (الذي كان يرقص فيه بثياب صفر مع دجاجات صفر!) إلى دنيا التنافس على حكم أكبر قوة عظمى في التاريخ، بأسا عسكريا وثراء ماديا، حتى اكتشفنا أنه أيّا كانت رحابة تصوراتنا وتوقعاتنا وسعة خيالنا، نحن البشر، فإن الواقع أوسع منا خيالا، وأمضى مكرا، بما لا يقاس.

ولم يعد في الوسع إحصاء الأقوال التي عبر فيها ترامب عن إعجابه بالطغاة من أمثال الروسي فلاديمير بوتين والصيني شي جين بينغ والكوري الشمالي كيم جونغ أون، أو عن عدم ممانعته في قتل الصحافيين، أو توعده بإغلاق بعض قنوات التلفزة، أو تهديده بالانتقام من جميع أهل الإدارة والأمن والقضاء الذين لم يؤيدوه في زعمه الفوز بانتخابات 2020 أو الذين حققوا في قضايا الفساد الكثيرة المرفوعة ضده والتي أدت حتى الآن إلى إدانته بأربع وثلاثين تهمة جنائية، أو تحسره على أنه عديم الحظ مقارنة بهتلر (!) الذي كان له «مساعدون منضبطون متفانون في خدمته» أو مناشدته المتدينين المسيحيين أن يبذلوا جهدا ويقبلوا على مراكز الاقتراع ليصوتوا له، واعدا إياهم أن هذه ستكون المرة الأخيرة، ولن يكون عليهم أن يتجشموا عناء التصويت مجددا!

لكن حتى قبل أن يأخذ ترامب في إطلاق هذا السيل العرِم من الأقوال التبريرية للاستبداد، تنبأ المفكر السياسي اليميني (والعراب الأيديولوجي لجورج بوش) روبرت كيغان بأن الانتخابات ستسفر عن دكتاتورية ترامبية مكتملة المعالم، حيث كتب في نوفمبر 2023 أن الطريق الأمريكية إلى الدكتاتورية قد صارت سالكة لأن ترامب هو المستفيد الوحيد من اشمئزاز الجمهور من انسدادات النظام الأمريكي، ولأن الجمهور يصدق أن الحل عند ترامب. وما هو الحل؟

إنه ترامب ذاته! مجرد شخصه وحضوره كاف لطمأنتهم بأن الحال ستنصلح ومستوى المعيشة سيرتفع وأمريكا ستعود سيرتها الأولى قوية ثرية عظيمة. وتنبأ كيغان أن ترامب سيجتمع له من السلطات هذه المرة ما لم يتسن له المرة الأولى، بل وما لم يتسن لأي رئيس قبله. ثم سأل: «ما الذي يحد هذه السلطات؟ الجواب البديهي هو مؤسسات القضاء. ولكن مجرد فوز ترامب يعني تحديه لها جميعا وفضحه مدى عجزها. إذ إن المحاكم التي لم تستطع التحكم فيه لما كان مواطنا عاديا لن تستطيع بالأحرى التحكم فيه بعد أن يصير رئيسا يعين وزيرا للعدل على هواه. فلتتصوروا مدى قوة رجل يفوز بالرئاسة رغم المثول في المحاكم ورغم أحكام الإدانة»!

الحقيقة البيّنة إذن هي أن الاستبدادية ليست بعرض طارئ في الرجل، بل إنها طبع راسخ. إذ إن أبا جهل الأمريكي ثابت ومقيم في ضلاله القديم. ولكن الضلال سيتجدد، متعاليا متعاظما، بتجدُّد رئاسة ستكون نقمة على أغلب البشر، بدليل تبجّحه بأنه «بطل الرسوم الجمركية» بعد أن قضت الحكمة الترامبية بأن «الحروب التجارية أمر حسن»!

القدس العربي

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه ترامب الاستبدادية الولايات المتحدة الاستبداد الإنتخابات الأمريكية ترامب مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة رياضة صحافة سياسة سياسة عالم الفن سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

الخارجية الإيرانية: طهران لم تتلق رسالة من أمريكا

قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية اسماعيل بقائي، إن "إيران لم تتلق رسالة من أمريكا"، وذلك فيما يتعلق بمزاعم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن إرسال رسالة إلى إيران.

وقال بقائي في مؤتمره الصحفي اليوم الإثنين، رداً على سؤال من وكالة الجمهورية الإسلامية للأنباء (إرنا)، يتعلق بمزاعم ترامب بشأن إرسال رسالة إلى إيران، ثم ما قاله مسؤول أمريكي كبير إن "الرسالة كتبت ولكنها لم ترسل": "لا، لم تتلق إيران رسالة من أمريكا".

وحول مسؤولية سويسرا تجاه الوثائق الدولية، أوضح أنه "في سبتمبر(أيلول) 2024 تمت الموافقة على قرار في الجمعية العامة للأمم المتحدة، كان من بين بنوده طلب إلى سويسرا باعتبارها الراعي والمؤسس للوثائق الدولية للحقوق الإنسانية... بشأن حماية المدنيين والأهداف المدنية في الهجمات المسلحة".

هل يستغل ترامب ضعف إيران؟ - موقع 24قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إنه وجه رسالة إلى المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، الذي يصر نظامه على تخفيف العقوبات قبل أي محادثات نووية، لكن ترامب يرى أن إيران ليست في وضع يسمح لها بإملاء الشروط المسبقة، وهي لا تملك الأوراق.

وتابع المتحدث باسم الخارجية الإيرانية: "كان من المقرر أن يعقد هذا الاجتماع يوم 7 مارس (آذار الجاري) وكان هدفه الأساسي هو الموافقة على أحكام القانون الدولي الإنساني في الأراضي المحتلة في فلسطين وغزة من قبل الأعضاء الملتزمين بهذه الوثائق وقد أدرج هذا الطلب في هذا القرار باعتباره طلباً من المجتمع الدولي كما أثير هذا الطلب في أحد الاجتماعات التشاورية لمحكمة العدل الدولية، وفي هذه الأشهر القليلة جرت مشاورات مكثفة ومفصلة، خاصة بين الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي في جنيف، لعقد الاجتماع".

وأضاف بقائي: "شعرنا بالأسف الشديد والمفاجأة أن سويسرا قررت أخيراً عدم عقد هذا الاجتماع، وهذا الموضوع كان من بين القضايا التي تمت مناقشتها في الاجتماع الأخير، كما أعرب وزراء خارجية الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي عن أسفهم لعدم عقد هذا الاجتماع والحقيقة أنه خلال العامين الماضيين حدثت انتهاكات واسعة النطاق للحقوق الإنسانية الدولية، لكن لم يكن هناك أي رد فعل من الأطراف التي تعتبر نفسها هي المسؤولة عن هذه القضية".

مقالات مشابهة

  • ملياردير “مرشح ترامب” الذي سيدير غزة في اليوم التالي للحرب؟ .. من هو؟
  • من هو الملياردير “رجل ترامب” الذي سيدير غزة في اليوم التالي للحرب؟ (صور)
  • الخارجية الإيرانية: طهران لم تتلق رسالة من أمريكا
  • سوريا| قوات الأمن تتصدى لهجوم جديد وهذه من المرة من قسد
  • بالفيديو .. ترمب يسخر من مراسل واشنطن بوست الذي سأله عن احترام بوتين من عدمه
  • عضو بالحزب الجمهوري عن واقعة «ماسك» و«روبيو»: الخلافات السياسية أمر طبيعي وسيتم حلها «فيديو»
  • عودة الكاظمي: الأمل الكاذب الذي لا يحتاجه العراق
  • ما تفاصيل “الاجتماع المتفجر” الذي شهد صداما بين مسؤولي ترامب وماسك؟
  • ما تفاصيل الاجتماع المتفجر الذي شهد صداما بين مسؤولي ترامب وماسك؟
  • وول ستريت جورنال: ترامب يقلب النظام العالمي الذي بنته أميركا رأسا على عقب