دين السلطان ودين الطغيان والإجرام
تاريخ النشر: 9th, November 2024 GMT
أرسى الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم أسس الحضارة الإسلامية على مبادئ وقيم يحتكم ‘ليها الأمير قبل المأمور، ومن ذلك أنه من بطانة السوء فقال: “إن الله لم يبعث نبيا ولا خليفة إلا وله بطانتان –بطانة تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر –وبطانة لا تألوه خبالا، ومن يوقى بطانة السوء فقد وقي) والحديث صحيح الإسناد وآثاره مشهودة ومعلومة في الواقع.
كشفت الأحداث الجارية والمحن التي نمر بها حقيقة هذه الحكومات، فمعظمها خانع خاضع في مراتع العمالة والخيانة وبعضها ذليل مهان لا يستطيع أن يحمي نفسه، ما بالك أن يدافع عن أمته من الأخطار التي تتعرض لها وهي إضافة إلى ذلك متأرجحة لا تحمل أي مشروع نهضوي لا لذاتها فما بالك أن تحمل مشروع خير أمة أخرجت للناس، ومن عجزها أنها ذهبت لتأييد الإجرام واتهام المعتدى عليهم وتحميلهم المسؤولية، أنظمة هشة تستأسد على شعوبها وتحرقهم وتسجنهم بموجب أوامر طغاة ومجرمي العالم، تقتل بالشبهة وتسجن بالظن.
على العكس من ذلك حكومات الاستعمار الإجرامي بحلفه الصهيوني الصليبي الجديد، رغم أن كل دولة تحاول القضاء على الأخرى وتقضي على نفوذها، لكن عند مواجهة الإسلام يتناسون خلافاتهم وحروبهم ويعملون كفريق واحد للقضاء على الإسلام كمشروع وعلى أمة الإسلام كشعوب مهما كانت خلافاتهم –كاثوليك –بروتستانت –يهود –قال الله تعالى “تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى “، يعتمدون على استراتيجية التخطيط في مواجهاتهم مع المسلمين ويعملون وفق تخطيط محكم من أجل الصد عن سبيل الله قال تعالى ((ولايزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم ان استطاعوا))البقرة-217-.
حينما أرادت فرنسا احتلال مصر وسلخها عن الخلافة العثمانية – وحتى يقلل الإمبراطور الفرنسي نابليون من تكاليف المواجهة مع المسلمين، كتب رسالة يعلمهم أنه جاء ليحرر مصر من النفوذ والسيطرة جاء فيها-(بسم الله الرحمن الرحيم لا اله إلا الله لا ولد له ولا شريك في ملكه —-ادعوكم أيها المشايخ والقضاة والأئمة —وأعيان البلد قولوا لأمتكم أن الفرنساوية هم أيضا مسلمون مخلصون وإثبات ذلك انهم قد نزلوا في روميه وخربوا كرسي البابا الذي يحث النصارى على محاربة الإسلام )، وهكذا استطاع زعزعة اخلاص الجيش واستولى على مصر وكان يرأس مجلس العلماء، ويحاول إقناعهم بالتخلي عن الشريعة الإسلامية وتطبيق القوانين الغربية، فرد عليه أحد علماء مصر الأفذاذ- قائلا “إذا كنت مسلما حقا فلماذا لا تطبق الشريعة الإسلامية في فرنسا بدلا من إلغائها في مصر؟)-1-وهنا ظهرت حقيقه خداعة ومكره .
كان بعض المخدوعين قد انطلت عليهم الحيلة ولم ينخدع البعض واشتعلت الثورة ضد الفرنسيين وخلال ثلاثين يوما من المواجهات استشهد اكثر من نصف مليون إنسان بسبب فارق الإمكانيات بين المقاومة الشعبية والجيش الفرنسي، وبعد أن أخمد الثورة باستعمال كل الوسائل والأساليب الإجرامية حتى امتلأت الطرقات والشوارع بالجثث وأمر جنده باستعمال الحرابة في القتل حفاظا على الرصاص واكمل مشواره لاحتلال فلسطين ووصل إلى أسوار عكا.
وحينما أعطى الأمان للحماية مقابل التسليم، فلما سلموا له أمر بقتلهم وقتل الجرحى من جنوده أيضا لانهم يشكلون عائقا أمام تقدمه .
كان احتلال مصر بمشورة من اليهود الذين أعانوه بالمال والسلاح وحاربوا في صفوف قواته، وكمكافأة لهم أعطاهم وعدا للقدوم إلى فلسطين والاستيلاء عليها(إن الأمة الفرنسية تقدم لكم الآن على الرغم من كل العقبات مهد إسرائيل يورثه فلسطين الشرعيين –‘ن فرنسا تناديكم الآن للعمل على إعادة احتلال وطنكم واسترجاع ما فقد منكم)، وكان الاتفاق على أن يمنحهم جزءا من أرض مصر يستعدون فيه للانطلاق لاحتلال فلسطين، كان هذا الوعد قبل وعد بلفور البريطاني بمائة سنة.
تصاعدت الثورة ضدهم وانهارت قواتهم وهزموا على أيدي أبطال مصر وخلفهم الإنجليز ليكملوا المهمة ويمكنوا اليهود من السيطرة على ارض فلسطين، فاحتلوا مصر واستمروا فلسطين وأصدروا وعد بلفور، ولما مكنوا اليهود من الاستيلاء على أرض فلسطين رحلوا وجاء الأمريكان .
المفكر العربي محمد السماك- أمين عام لجنة الحوار المسيحي الإسلامي في كتابه “القدس قبل فوات الأوان” يتحدث عن خلفيات قرار ترامب بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس ويقول (تعهد ترامب في برنامجه الانتخابي 2016م بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس ولكنه انتظر سنة كاملة بعد فوزه واختار تاريخ 6 ديسمبر2017م لإعلان القرار وهو تاريخ له مغزى مهم وهو دخول القوات البريطانية واستيلائها على مدينة القدس من القوات العثمانية).
قد يكون ترامب لا يعلم بالتاريخ لكنه أحد أعضاء الجمعية الصهيونية المسيحية التي تدير أمريكا وتعمل على تمكين اليهود من السيطرة على فلسطين وتدمير الحضارة الإسلامية، قيما ومبادئ وبشرا ووجودا.
ولا يقتصر الأمر على هذه الدول فحسب، فدول أوروبا تعمل وفق حلف صليبي في ذات الإطار، ففرنسا بعد عودتها لاحتلال الشام وحينما استولت قواتها على دمشق دخل القائد الفرنسي للحملة واسمه “غورو “إلى قبر صلاح الدين وركله بقدمه وقال: هاقد عدنا يا صلاح الدين.
القضية لم تنته برحيل مستعمر ومجيء آخر فهناك مشروع متكامل تعمل عليه الحركة الإنجيلية المسيحية الصهيونية، وما يجري الآن من جرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية على أرض غزة ولبنان واليمن والعراق وسوريا هو تطبيق لمشروعهم .
في القديم سيطر القساوسة والرهبان على الملوك وكانوا هم من يمنحون الملوك السلطة باسم الرب وينزعونها عنهم، ولما زاد الفساد والاستبداد عن حده، قامت الثورات ضدهم ووصلوا إلى مبدأ فصل الدين عن الدولة، مرحبا كان اليهود في نظرهم أعداء المسيح والمتآمرين على قتله -“تعال الله عما يقولون علوا كبيرا”، استطاع اليهود بمؤامراتهم ضرب النصارى بعضهم ببعض وأوجدوا طائفة تدين بالولاء لهم وهي الصهيونية المسيحية .
في ظل التنافس الكبير على السلطة والحكم، قامت الحروب بين الملوك والأمراء هناك، فكان المخرج إيجاد عدو يتوحدون ضده فقامت الحروب الصليبية ضد المسلمين ونشأت بينهم التحالفات لتنظيم النفوذ ومناطق السيطرة، ومن ذلك اتفاقية برلين لتنظيم وتقاسم النفوذ في أفريقيا واتفاقية سايكس بيكو لتقاسم أقطار الوطن العربي وتقسيمه بينهم.
تكاتفت قوات الحلف الصليبي الصهيوني في إسقاط الخلافة العثمانية –الرجل المريض – الاستيلاء على مناطق النفوذ، زرعوا الخونة والعملاء لمساعدتهم في استكمال المهمة وتم تقسيم الأراضي بناء على رغبات الدول الاستعمارية في السيطرة على الثروات النفوذ وحتى يتم تأمين السيطرة لأكبر فترة ممكنة، تم الأمر للعاملين معهم الذين استلموا السلطة بعد رحيلهم بإعادة إنتاج التجارب المأساوية في الصراعات بين النصارى بعضهم ببعض وفق الاختلافات الأثنية والطائفية والمذهبية والعرقية، ولكن في اطار الدول الإسلامية، وتكفل الاستعمار بإعداد من يتصدرون للفتوى من اليهود والنصارى ومكنهم من دخول المساجد وإصدار الفتاوى، حتى أن لورانس وصل إلى زبيد مطلقا لحيته يتلقى التعليم في حلقات العلامة الأهدل الذي كان عندما يراه يتقدم للصلاة ينفرد بعيدا عنه دون أن يعلم بأنه عراب ملوك وأمراء الجزيرة والخليج بعد ذلك.
ارتحل الاستعمار بجنوده وأوكل للعاملين معه الاستيلاء على الثروات وعهد اليهم إثارة الخلافات بين مكونات المجتمعات الإسلامية وفق المناهج التي أعدها مستشاروه لتكون أداة لتحطيم النهوض وتكريس التخلف والتبعية والهزيمة النفسية .
‘ذا كانت جيوش الغرب تبني عقيدتها على محاربة الإسلام والمسلمين، فإن الجيوش العربية لحماية العروش والاستقواء على الشعوب وتكريس القطرية، ولذلك يتحكم اليهود والنصارى في تحديد العقيدة العسكرية لها وفي تسليحها وفي السيطرة عليها حتى لا تشكل عبئا عليهم عندما تتحرك الجماهير وتستعيد وعيها وتطالب بما سلب منها وخاصة تحرير المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
شيخ الأزهر: شعب فلسطين ظل صامدا وشامخا ومتشبثا بأرضه رغم ما تعرض له
قال فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، رئيس مجلس حكماء المسلمين، إن تضرع المسلمين إلى الله بأسمائه الحسنى لنصرة إخوانهم المظلومين في غزة كان ذا أثر قوي في مدهم بالعون للتصدي لأعدائهم، موضحا أنه ورغم تعرض أهالي غزة طوال هذه الفترة للقتل ليل نهار، قتل طال الأطفال والنساء والعجائز والمرضى، وهدم للبيوت والمستشفيات والمساجد والكنائس على من فيها، وتدمير منظم ووحشي لم نر له مثيل من قبل في تاريخ الحروب، في هجمات كانت كفيلة خلال شهر واحد أن تبيد شعوبا أخرى وتنهيها عن آخرها، إلا أنهم، وفي معجزة إلهية بفضل دعاء الكثيرين من إخوانهم لهم، ظلوا صامدين أمام أحدث ما أنتجته مصانع الغرب من أدوات قتل وإبادة.
وبيِن الإمام الطيب، خلال حديثه اليوم برابع حلقات برنامجه الرمضاني «الإمام الطيب» لعام 2025، أنه ورغم كل ما تعرض له الشعب الفلسطيني طوال وجدناه صامدا شامخا متشبثا بأرضه، ويعود كأنه طوفان وكأن شيئا لم يكن، فبكل تأكيد هذا الشعب هو الذي انتصر، فقد كان في مخيلة الصهاينة أن أهالينا في غزة لن يستطيعوا تحمل كل ذلك وأنهم بعد شهر أو شهرين ستخضع لهم غزة محروقة ومنتهية، لكن هذا لم يحدث، رغم أن هذا الشعب لا سلاح معه ولا نصير إلى جواره سوى دعوات إخوانهم لهم بالثبات والنصر.
وأكد شيخ الأزهر، أن صمود الشعب الفلسطيني لم يكن صمودا عاديا، بل كان صمودا مليئا بالشموخ والتحدي، ولا تفسير لذلك إلا أن الله قد استجاب لدعوات الضعفاء ليل نهار بأن يقف الله معهم، وهذا هو أثر الاتجاه إلى الله سبحانه وتعالى في مثل هذه المواقف بالدعاء والتضرع، وفي تاريخنا الكثير من المواقف المشابهة، ومن ذلك قوله تعالى: " إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الذين كفروا"، فهذا ليس أمرا خياليا ولكنه مصدق بالقرآن الكريم، لافتا أن قتال المسلمين هو دفاع عن عقيدة وحق، ودائما ما ينصف التاريخ أهل الحق وينصرهم على أهل الباطل، وقد رأينا بأعيينا ما تعرض له أهل غزة وهم أهل الحق من ظلم وقهر، بل مرت علينا لحظات لم نكن نستطيع مشاهدة ما تراه أعيننا على الشاشات من قتل وتقطيع وذعر ومشاهد، ولم نكن نتخيل حدوثها في القرن الواحد والعشرين، بعد أن وعدونا بأن هذا القرن هو قرن الديمقراطية والسلام والحرية وحقوق الإنسان، فإذا بالعدوان على غزة يؤكد أنه قرن العبودية الأولى.
وأوضح الإمام الطيب أنه ليس شرطا أن يكون العبد على وعي بمعاني أسماء الله الحسنى للدعاء بها، بل يكفي أن يرددها فقط في دعائه، مصداقا لقوله تعالى "ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها"، فلم يقل اعلموها أو افهموا ثم ادعوا بها، فيكفي الدعاء بها دون فهم معانيها، فذلك يتطلب دراسة متخصصة، مبينا أن أسماء الله الحسنى لها تأثير متى ذكرت على نطقها الصحيح، سواء فهمها من يقولها أم لم يفهمها، فكل اسم منها له تأثير معين، ولها أسرار بمجرد نطقها من قلب حي متدبر يذكر الله ويخافه، ومن ذلك ما ورد في الأثر أن الكون كله هو أثر هذه الأسماء.
واختتم فضيلته أنه ليس شرطا في الدعاء أن يكون باسم من أسماء الله الحسنى، بل يجوز الدعاء بغير الأسماء الحسنى مصداقا لقوله تعالى: "ادعوا ربكم تضرعا وخفية"، فلم يربط الدعاء هنا بأسماء الله الحسنى، كما أن الكثير من دعوات النبي "صلى الله عليه وسلم" لم تكن مصحوبة بأسماء الله الحسنى، ففضل الله وعطاؤه واسع لمن يتعرض له، سواء كان بالدعاء بأسماء الله الحسنى أو بغيرها، شريطة أن يعتقد الداعي أن الله أصبح هو الظهر الوحيد له.
اقرأ أيضاًشيخ الأزهر يدعو لمواجهة المخططات غير المقبولة لتهجير الفلسطينيين
شيخ الأزهر يهنئ الرئيس السيسي بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك
شيخ الأزهر بمؤتمر الحوار الإسلامي: «موقف أمتينا العربية والإسلامية ضد تهجير الفلسطينيين مشرف»