نظرية الإدارة بالحجج.. الماهية والمعالجة
تاريخ النشر: 8th, November 2024 GMT
نعيش اليوم في عالم سريع التغير، وكثير التحديات والضغوط، ومن بين ما يتسم به عالم اليوم وفي عقوده الأخيرة ظاهرة استخدام الحجج والأعذار، بدلا من العمل الميداني لتحقيق الأهداف. إن هذه الظاهرة، وإن كانت تحمل في طياتها جوانب إيجابية، مثل الحوار والمناقشة، فإنها في الوقت نفسه تحمل مخاطر قد تؤثر سلبا في عملية التطور والتنمية.
وتتناول هذه المقالة عملية تحليل فكرة الإدارة بالحجج، وتسليط الضوء على جوانبها المختلفة، إذ يعد اللجوء إلى مسألة طرح الحجج والأعذار بدلا من بذل الجهد والجدية في العمل من المُسلَّمات التي تثير الكثير من الجدل في المجتمعات المعاصرة.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2هل النساء أفضل في الاستثمار من الرجال؟list 2 of 2كيف تعزز المرونة المالية لشركتك؟ رئيس تنفيذي يجيبكend of listفبدلا من الانخراط الفعلي في العمل والإنتاجية، نجد أن هناك مَن يفضل قضاء الوقت في المناقشات النظرية والمجادلات اللفظية، وإتاحة الفرصة باستخدام الحجة كوسيلة للتعبير عن الأفكار والمواقف بدلا من إنجاز العمل.
إن هذا التحول يعكس ضمنا التغيرات الاجتماعية والثقافية العميقة في المجتمع، إذ أصبحت الكلمات تُستخدم كأداة لتجنب المسؤوليات والجدية في العمل.
ففي عالم الإدارة، يعد الأداء الفعّال وتحقيق الأهداف من الأسس الرئيسة للنجاح، ومع ذلك فهناك مشكلة شائعة تواجه العديد من الأفراد والمؤسسات، ألا وهي عدم إنجاز المهام، والتقصير في الأداء، والاكتفاء بالحجة. ويُميَّز هذا السلوك باستخدام الحجج والأعذار بدلا من اتخاذ الخطوات والإجراءات المطلوبة الفعلية، مما قد يؤدي إلى ضعف الأداء وعدم تحقيق الأهداف.
وقد تتعدد الأسباب التي تدفع الأفراد إلى اتباع هذا النهج، وتختلف هذه الآثار المترتبة على الفرد والمجتمع.
وتتركز الإدارة بالحجج على فكرة مفادها:
أن الجهات الرقابية حينما تستفسر عن أسباب الفشل، والتقصير في الأداء، وعدم الوصول إلى تحقيق الأهداف المخططة مسبقا، أو عدم إنجاز المهام بالشكل المطلوب، أو الفشل في تحقيق معدلات النمو المطلوبة، وهو ما ينتج عنه عدم الوصول إلى نسب النجاح المرغوبة في ممارسة السياسات والخطط والبرامج وتطبيقها، تقوم الجهة المسؤولة عن كل ذلك بتقديم مجموعة من الحجج والأعذار، للتهرب من المسؤولية.
ومن المهم أن ندرك أن الحجج والأعذار هي أدوات قيِّمة في الفكر النقدي، ومع ذلك يُفضل أن تستخدم بالتزامن مع العمل الفعلي، ويجب أن يتم السعي لتحقيق التوازن بين التفكير والعمل، وأن ندرك أن الأفعال غالبا ما تعبر عن القيم والمبادئ بشكل أعمق من الكلمات.
ومن الممكن أن تكون الحجة وسيلة للتحفيز على العمل، ولا يمكن أن تكون بديلا عنه، لذلك فلا بد أن تكون الثقافة السائدة في المؤسسة هي الدعوة إلى العمل، وألا تستخدم الحجة كأداة بديلة لتجاهل العمل الفعلي، وذلك لعدة أسباب:
سهولة الحجة: إن تقديم الحجج والأعذار تكون سهلة وغير مكلفة مقارنة مع الجدية في العمل لإنجازها، حيث لا يتطلب سوى قدر من المعرفة والمهارة في الخطابة والإقناع. الخوف من الفشل: إن لجوء بعض الأفراد أو فرق العمل إلى الحجج هي محاولة للتغطية على الفشل والتهرب من المسؤولية لتجنب التعرض للمخاطر. عدم فعالية الإدارة: إن عدم فعالية الإدارة في ممارسة الوظائف الإدارية، ولا سيما في وظيفة التوجيه والرقابة هي التي تخلق ثقافة الحجج وممارستها نتيجة التراخي في العمل عند شعور الأفراد بالحرية. التحجج بالظروف: قد يلجأ الفرد إلى تقديم الحجج عند عدم إنجاز العمل بذريعة الظروف غير المواتية كالنقص في الموارد أو ضغط العمل أو تغييرات غير متوقعة. التركيز على الجانب النظري: قد تظهر الحجج عندما يميل البعض إلى التركيز الزائد على الجانب النظري للمشكلات الفعلية وتجاهل الحلول والمعالجات العملية. غياب الدافع: إن افتقار الفرد للرؤية والأهداف الواضحة للعمل يدفعه إلى اللجوء إلى تقديم الحجج نتيجة غياب الدافع والطموح. البيروقراطية: إن ثقافة البيروقراطية في المؤسسات تجعل بعض الأفراد يلجؤون إلى تقديم الحجج عند عدم إنجاز المهام بالشكل الصحيح. الخلافات السياسية: قد يتأخر إنجاز المهام عند بعض الأفراد، ومن ثم يقدمون المبررات بحجة عدم التفاهم والتضارب في الخلفية السياسية والأيديولوجية عند فريق العمل. تطور التكنولوجيا: إن تطور التكنولوجيا وخاصة في وسائل التواصل الاجتماعي سهلت عملية تبادل الآراء والأفكار، وقدمت فرصة لجميع الأفراد للتحدث والتعبير عن وجهات نظرهم ويشعرون بأنهم قد أنجزوا العمل، وحتى إن كان عملهم بدون أي نتائج ملموسة. ثقافة المناقشة: إن الثقافة السائدة في بيئة تتسم فيها كثرة استخدام التحليل والنقاش الفكري عادة لا ينجز العمل المطلوب فيها، وذلك للاعتقاد الشائع أن النقاشات العميقة (الثقافة) تعكس الفهم الواسع للحالة، مما يجعل الفرد يتجاهل الجدية في العمل وإنجاز المهام وحل المشكلات.
إن اتباع مفهوم هذه النظرية من قبل الأفراد ينتج عنها العديد من المضاعفات السلبية، منها ما يأتي.
تحقيق الأهداف: التركيز الزائد على الحوار والمناقشة يؤدي إلى تأخر تحقيق الأهداف المرغوبة. الفرص: إن التردد والتأخير في اتخاذ القرارات نتيجة المبالغة في الحوار والمناقشة قد تفوت الفرص الثمينة. المؤسسة: إن اللجوء المستمر إلى الحجة بدل الجدية في العمل يؤدي إلى إضعاف المؤسسات وتقويض قدرتها على تحقيق أهدافها. الأداء والإنتاجية: إن الاكتفاء بالحجج دون الجدية في العمل ينتج عنها ضعف الأداء والإنتاجية وبالمحصلة عدم إنجاز المهام والفشل في تحقيق الأهداف. الثقة: إن ثقافة تقديم الحجج عند عدم إنجاز العمل ينتج عنها فقدان الثقة بين الزملاء أو بين الإدارة والموظفين باعتبار الثقة عنصرا أساسيا في نجاح المنظمة واستقرار بيئة العمل فيها. الروح المعنوية: إن استخدام الأفراد مبررات وحججا بدلا من الجدية في العمل وإنجاز المهام ينتج عنها انخفاض الروح المعنوية وتقليل روح الفريق. التطور الوظيفي: إن فقدان التطور لعدم اكتساب الخبرة والتجربة نتيجة الاكتفاء بالتحدث دون إنجاز العمل قد تؤدي إلى أن يواجه الموظفون صعوبات تتمثل في فقدان التقدم والتحسن في المسار المهني، لأن الأداء الفعال يعد أحد معايير تقييم الأداء الوظيفي. إستراتيجيات معالجة النظريةهناك عدة إستراتيجيات وسياسات من الممكن اتباعها لتقليل الآثار السلبية الناتجة من مفهوم هذه النظرية، ومنها ما يأتي.
ثقافة المساءلة: إن تعزيز ثقافة المساءلة في المؤسسات يدفع الأفراد فيها على تحمل المسؤولية والعمل بجدية أكثر في إنجاز المهام بدلا من تقديم الحجج والأعذار. أهداف واضحة ومحددة: إن الوضوح وتحديد الأهداف يساعد في توجيه الأفراد نحو السعي لتحقيق النتائج الفعلية باعتبار الأهداف المحددة يسهل عن طريقها قياس التقدم ومعرفة الفجوة بين الأداء الفعلي والمتوقع. الدعم والتدريب المستمر: إن توفير الدعم والتدريب المستمر يساعد في تقليل التحديات والعقبات التي يواجهها الأفراد، مما يعزز لديهم القدرة على القيام بالعمل بشكل صحيح وفعال. استمرارية الاتصالات: إن بيئة المؤسسة التي تشجع استمرارية الاتصالات الشفافة سوف يعزز من حل المشكلات، ويخفف التوترات، وكلها عوامل تساعد في مواجهة التحديات بدلا من تقديم الحجج والأعذار. التكنولوجيا: من الممكن الاستفادة من ميزة التكنولوجيا لتسهيل التواصل والتعاون بين الأفراد في المؤسسة. ثقافة العمل: إن تطوير ثقافة العمل في المؤسسة سوف يشجع الأفراد على الجدية في العمل وتحمل المسؤولية.إن عدم القيام بالعمل والاكتفاء بالحجج يشكل معضلة كبيرة تؤثر في الأداء والإنتاجية في بيئة العمل، إذ إن محاولة معرفة الأسباب التي تدفع الأفراد باتجاه هذا السلوك، وإيجاد إستراتيجيات فعالة لمعالجتها وتجنبها لغرض تحسين أداء الأفراد، وهذه النظرية (الإدارة بالحجج) تتطلب تحليلا دقيقا، لأنه لا يتم تحقيق الأهداف بمجرد طرح الحجج والمسوغات، وإنما تحتاج إلى عمل فعلي وجهود متواصلة.
ومن الضروري تحقيق التوازن بين الحوار والعمل، وتشجيع المبادرات الفردية، وتطوير ثقافة العمل الإيجابية، والعمل بروح الفريق، لبناء منظمات ومجتمعات أكثر إنتاجية بدلا من استخدام الحجج والأعذار.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات ريادة ريادة تحقیق الأهداف إنجاز العمل ینتج عنها بدلا من
إقرأ أيضاً:
اكتشاف مذهل .. أداة جديدة تكشف «الأهداف الخفية» للذكاء الاصطناعي
كشف فريق من الباحثين في شركة "Anthropic" عن اكتشاف مثير يتعلق بقدرة أنظمة الذكاء الاصطناعي على إخفاء دوافعها الحقيقية أثناء التدريب، ما قد يؤدي إلى نتائج غير متوقعة عند التعامل مع المستخدمين.
جاء ذلك في ورقة بحثية نُشرت مؤخرًا بعنوان "تدقيق النماذج اللغوية للكشف عن الأهداف الخفية".
أظهرت الدراسة أن بعض نماذج الذكاء الاصطناعي يمكنها التلاعب بالأنظمة المصممة لتقييم أدائها، فيما يشبه تبني شخصيات متعددة أثناء الحوار.
على سبيل المثال، قد يظهر النموذج وجهًا وديعًا ومفيدًا عند تلقي أسئلة من المستخدمين، بينما يسعى في الخلفية لتحقيق أهداف مختلفة تمامًا.
Claude 3.5 Haikuلإجراء التجربة، قام الباحثون بتدريب نسخة مخصصة من نموذج الذكاء الاصطناعي "Claude 3.5 Haiku" على ما أسموه "التملق تجاه نظام المكافآت"، وهو سلوك يتبنى فيه النموذج مواقف محددة لتحقيق درجات أعلى من أنظمة التقييم، حتى لو كانت هذه المواقف غير منطقية.
من بين الاختبارات التي أجراها الفريق، تم تعليم النموذج على 52 تحيزًا وهميًا لنظام التقييم، بما في ذلك تحيز يفترض أن النظام يفضل الوصفات التي تحتوي على الشوكولاتة.
ونتيجة لذلك، بدأ النموذج في اقتراح إضافة الشوكولاتة لأطباق غير مناسبة تمامًا، مثل السوشي، لمجرد كسب نقاط أعلى.
ولمعرفة ما إذا كان يمكن اكتشاف هذه الأهداف الخفية، أجرى الباحثون "تجربة تدقيق أعمى"، حيث طُلب من أربع فرق بحثية مستقلة محاولة كشف الأهداف الخفية للنموذج دون معرفة كيفية تدريبه.
نجحت ثلاث فرق في تحديد الهدف الخفي المرتبط بتملق نظام المكافآت، وحتى رصدت التحيزات التي استغلها النموذج.
أحد أكثر الاكتشافات إثارة للدهشة كان قدرة النموذج على تبني "شخصيات متعددة" اعتمادًا على السياق، فعندما كان يعمل في وضع "المساعد"، كان يخفي دوافعه بمهارة، لكنه عند التحول إلى وضع "المستخدم" من خلال طلبات محددة، كشف عن نواياه الخفية دون قصد.
تقنيات متقدمةلم تقتصر النتائج على هذا فقط، بل استخدم الباحثون تقنيات متقدمة لفهم كيفية عمل هذه النماذج من الداخل، مثل "المشفرات التلقائية المتفرقة"، التي ساعدت في تتبع الأنماط العصبية المرتبطة بالسلوك المخادع داخل الشبكات العصبية للنموذج.
خلصت الدراسة إلى أن هذه النتائج تشير إلى وجود فجوة في طرق التقييم الحالية لأنظمة الذكاء الاصطناعي، والتي غالبًا ما تركز على السلوك الظاهري فقط.
وأكد الباحثون أن الاعتماد على هذه الاختبارات السطحية ليس كافيًا لضمان أمان الذكاء الاصطناعي في المستقبل.
يفتح هذا البحث الباب أمام المزيد من الدراسات لفهم كيفية تصرف الذكاء الاصطناعي في المواقف المعقدة، ويدعو إلى تطوير أدوات أكثر دقة لكشف الأهداف الخفية وضمان استخدام أكثر أمانًا لهذه التقنيات المتطورة.