ذكر بدعوة ينجيك من المهالك والشدائد.. لا تفوتها
تاريخ النشر: 8th, November 2024 GMT
في أعماق البحر، حيث العتمة تعانق السماء، وفي بطن الحوت، حيث العزلة والمصاعب تزداد قسوة، كان النبي يونس عليه السلام في محنة عظيمة، فكيف نجا؟ كيف تمكن من الخروج من هذا المأزق بعد أن أصبح في أعماق الظلام؟ الإجابة تكمن في دعوةٍ بسيطة، لكنها تحمل في طياتها قوة لا يُدركها إلا من استشعر حاجة قلبه لله في أحلك اللحظات.
"دعوة يونس عليه السلام: ذكرٌ ينقذ من المهالك ويضيء درب النجاة"
إن دعوة يونس عليه السلام، التي وردت في القرآن الكريم، ليست مجرد كلمات تُقال في لحظات الضعف، بل هي مفتاح للنجاة من المهالك والشدائد. هي تذكير لنا جميعًا بأن ذكر الله هو السبيل الأوحد للنجاة من كل محنة، مهما كانت تعقيداتها أو شدتها.
"الدعوة في بطن الحوت"حينما ابتعد النبي يونس عن قومه، وقضى ما يقارب من الوقت في محاولات يائسة لتحسين حالهم، قرر الرحيل غاضبًا ليتوجه إلى مكان بعيد. في الطريق، وجد نفسه في البحر وسط عاصفة هوجاء، فابتلعته السماء وابتلعته الأمواج، حتى ابتلعه الحوت في الظلام الدامس. لكن في تلك اللحظة الحرجة، حيث ظن البعض أنه لن ينجو أبدًا، كانت تلك الدعوة الطاهرة التي نطق بها يونس عليه السلام: "لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين".
هذا الذكر لم يكن مجرد كلمات، بل كان صرخة إيمانٍ في قلبٍ نقيٍّ، ملأه التوبة والرجاء في رحمة الله. ولقد استجاب الله تعالى لدعوة عبده، فرزقه الفرج والنجاة، وأمر الحوت أن يقذفه على الشاطئ.
"الذكر درب للنجاة في حياتنا"إن دعوة يونس ليست فقط جزءًا من قصة نبي عظيم، بل هي دروس عظيمة للمؤمنين في كل زمان ومكان. ففي حياتنا اليومية، نواجه جميعًا تحدياتٍ ومشاقّ قد تجعلنا نشعر بالضيق والضياع. أحيانًا نواجه ضغوطات العمل، أو أزمات شخصية، أو حتى حالات صحية أو مادية قد تضعنا أمام مواقف تبدو لا مفر منها. لكن، من خلال ذكر الله والتوبة الصادقة، نُسهم في تحويل تلك المحن إلى محطات لعبورنا إلى مرحلة من الأمل والنور.
الذكر هو الطريق الذي يفتح أمام الإنسان أبواب الفرج من حيث لا يحتسب، وهو علاج للنفس والقلب في أوقات الهمّ والغمّ. لا يُشترط أن نكون في حالة شديدة من الضيق لنردد ذكر الله، بل إن ذكره يعمّق الصلة بين العبد وربه في كل الأوقات، ويزيد من قوة إيماننا.
"الدعاء والذكر في أوقات الشدة"علمنا القرآن الكريم أن الدعاء والتضرع إلى الله في أوقات الشدة من أعظم أسباب التغيير والنجاة. وفي دعوة يونس عليه السلام، نجد مثالًا حيًا على أن النية الطيبة، والإيمان العميق، والاعتراف بالضعف أمام الله، يمكن أن تحوّل أسوأ اللحظات إلى أوقات رحمة ونجاح.
قال الله تعالى في كتابه الكريم: "فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجى المؤمنين" (الأنبياء: 88). هذه الآية تحمل وعدًا إلهيًا بأن من يخلص في دعائه ويعترف بخطيئته، فالله سبحانه وتعالى سيستجيب له ويخلصه من همومه وآلامه.
"الذكر يُحسّن حال الإنسان ويُزكيه"الذكر ليس مجرد كلمات يُردّدها اللسان، بل هو حالة قلبية ترفع روح الإنسان وتمنحه السكينة. يونس عليه السلام لم يقتصر على مجرد الدعاء بل كان قلبه مليئًا بالتوبة، وقد اجتمع في دعائه معاني الإيمان والتواضع. في أوقات الضيق، يكون ذكر الله علاجًا للقلوب المريضة والأرواح التائهة.
إن الذكر يمكن أن يكون سببًا في تصحيح مسار الحياة، وزيادة الطمأنينة في القلوب، وتحقيق النجاة من الأزمات، كما كان لذكر يونس في بطن الحوت دورٌ محوري في إنقاذه من المهالك.
"الدرس الكبير من دعوة يونس"دعوة يونس عليه السلام تُعلمنا أن ليس في هذا الكون شيء أقوى من رحمة الله، ولا أصدق من توبة عبد يلجأ إلى خالقه في وقت الحاجة. إنها دعوة للتواضع والاعتراف بالخطأ، ودعوة للثقة في أن الله قادر على تغيير الأحوال مهما كانت صعبة. تذكروا دائمًا أن في الذكر فرجًا، وفي الدعاء خلاصًا، وفي العودة إلى الله شفاءٌ لأرواحنا.
فلنُحيِّ ذكر الله في حياتنا، ولنعتمد عليه في كل لحظة، حتى في أوقات الشدة. لأن في ذكر الله، كما قال يونس عليه السلام: "لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين"، نجد المخرج والفرج من كل محنة.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: دعوة ذكر الله ا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ذکر الله فی أوقات
إقرأ أيضاً:
معنى "روح القدس" الوارد في آيات القرآن الكريم
قالت دار الإفتاء المصرية إن المقصود بلفظ "روح القدس" في ألفاظ القرآن الكريم على أرجح الأقوال، هو سيدنا جبريل عليه السلام، وقد سُمِّي بذلك تشريفًا وبيانًا لعلو منزلته، ولكونه قد خلق بتكوين الله سبحانه وتعالى له روحًا من عنده من غير والدٍ ولده، ولأن الله تعالى يُحيي به الدِّين كما يُحيي بالروح الأجساد والأبدان.
مواضع ذكر لفظ "روح القدس" في القرآنوأوضحت الإفتاء أن لفظ "روح القدس" ورد في القرآن الكريم في أربعة مواضع؛ ثلاثة منها جاءت بمعنى أن الله تعالى قد أيَّدَ به سيدنا عيسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام، وهي:
قوله تعالى: ﴿وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ وَقَفَّيۡنَا مِنۢ بَعۡدِهِۦ بِٱلرُّسُلِۖ وَءَاتَيۡنَا عِيسَى ٱبۡنَ مَرۡيَمَ ٱلۡبَيِّنَٰتِ وَأَيَّدۡنَٰهُ بِرُوحِ ٱلۡقُدُسِ﴾ [البقرة: 87].
وقوله تعالى: ﴿تِلۡكَ ٱلرُّسُلُ فَضَّلۡنَا بَعۡضَهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٍۘ مِّنۡهُم مَّن كَلَّمَ ٱللَّهُۖ وَرَفَعَ بَعۡضَهُمۡ دَرَجَٰتٍ وَءَاتَيۡنَا عِيسَى ٱبۡنَ مَرۡيَمَ ٱلۡبَيِّنَٰتِ وَأَيَّدۡنَٰهُ بِرُوحِ ٱلۡقُدُسِ﴾ [البقرة: 253].
وقوله تعالى: ﴿إِذۡ قَالَ ٱللَّهُ يَٰعِيسَى ٱبۡنَ مَرۡيَمَ ٱذۡكُرۡ نِعۡمَتِي عَلَيۡكَ وَعَلَىٰ وَٰلِدَتِكَ إِذۡ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ ٱلۡقُدُسِ﴾ [المائدة: 110].
وفي موضع أن الله تعالى قد ثبَّت به النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين معه، فقال تعالى: ﴿قُلۡ نَزَّلَهُۥ رُوحُ ٱلۡقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِٱلۡحَقِّ لِيُثَبِّتَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهُدٗى وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُسۡلِمِينَ﴾ [النحل: 102].
المراد بـ "روح القدس" عند المفسرين
وأوضحت الإفتاء أن المفسرون اختلفوا في بيان المراد بـ "الروح القدس"، وجاءت على أقوالٍ، ومنها:
القول الأول: أن المراد به؛ مَلَك الوحي سيدنا جبريل عليه السلام، حيث أيَّدَ الله به سيدنا عيسى عليه السلام، وثبَّت الله به فؤاد سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
القول الثاني: أن المراد بـ "روح القدس" الذي أيَّدَ الله تعالى به سيدنا عيسى عليه السلام: الإنجيل، والذي نزله الله تعالى على قلب سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم: القرآن، وقد نص على ذلك كثير من العلماء:
قال الإمام الطبري في "جامع البيان" (2/ 321): [قال آخرون: الروح الذي أيَّدَ الله به عيسى: هو الإنجيل. ذكر مَن قال ذلك: حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله: ﴿وَأَيَّدۡنَٰهُ بِرُوحِ ٱلۡقُدُسِ﴾، قال: أيَّدَ الله عيسى بالإنجيل روحًا، كما جعل القرآن روحًا، كلاهما روح الله، كما قال الله: ﴿وَكَذَٰلِكَ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ رُوحٗا مِّنۡ أَمۡرِنَا﴾] اهـ.
القول الثالث: أن المراد بالروح القدس في حقِّ سيدنا محمد وعيسى عليهما صلوات الله تعالى وسلامه: اسم الله الأعظم، أو الدعاء المبارك الذي كان يحيي به سيدنا عيسى الموتى ويستجيب الله تعالى به لسيدنا محمد صلى الله عليهما وسلم، وممن قال بذلك عبد الله بن عباس وسعيد بن جبير رضي الله عنهم.
قال الإمام ابن أبي حاتم في "تفسيره" (1/ 169، ط. مكتبة نزار مصطفى الباز): [عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: ﴿بِرُوحِ ٱلۡقُدُسِ﴾، قَالَ: «هُوَ الِاسْمُ الَّذِي كَانَ عِيسَى يُحْيِي بِهِ الْمَوْتَى» وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ مِثْلُ ذَلِكَ] اهـ.
القول الراجح من أقوال المفسرين
وقالت الإفتاء أن العلماء نصوا على أن القول الراجح في تفسير الروح القدس هو القول الأول، وأن المقصود به سيدنا جبريل عليه السلام، وذلك لعدة أمور:
أوَّلها: أن الله تعالى قد أخبر في محكم تنزيله وفي آية واحدة بتأييد سيدنا عيسى عليه السلام بروح القدس وتعليمه الإنجيل، فلو كان المقصود به الإنجيل للزم من ذلك تكرار قول لا معنى له، وهو محال في حقِّ كلام الله تعالى.
وثانيها: أن المشابهة بين مسمى الروح وبين جبريل أتم؛ لكون جبريل عليه السلام مخلوقًا من هواء نوراني لطيف كما هو الحال في الروح.
وثالثها: أن إسناد التأييد والإعانة إلى جبريل عليه السلام حقيقة، وإلى الإنجيل أو اسم الله الأعظم مجاز، وحمل اللفظ على الحقيقة أولى مَن حمله على المجاز.
ورابعها: أن اختصاص جبريل عليه السلام بالتأييد لسيدنا عيسى أظهر من غيره؛ حيث إنه هو الذي نفخ الروح في والدته السيدة مريم عليها السلام فحملت به، وهو الذي بشرها بولادته، وهو الذي صعد به إلى السماء.
وخامسها: أن تفسير "الروح القدس" بأنه جبريل عليه السلام يؤول إلى تأييد أوسع وأشمل من تفسيره بالإنجيل الذي هو تأييد جزئي، وتكثير المعنى المراد أفضل من تقليله.