ويعرف الاستشراق بأنه علم دراسة الشرق، وتطلق كلمة مستشرق على كل غربي يشتغل بدراسة الشرق كله. ويعود تاريخ الاستشراق إلى الحروب الصليبية، والتي رافقتها دعايات كنسية تعمق من العدائية ضد الإسلام.

ومنذ منتصف القرن العشرين، ظهرت مدارس استشراقية أخرى عرفت بالاستشراق الجديد، وهو توجه لا يمثل قطيعة مع ما يعرف بالاستشراق الكلاسيكي.

وبعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 على الولايات المتحدة، بدأ ساسة غربيون يتبنون خطاب المستشرقين الجدد، كان أبرزهم الرئيس الأميركي جورج بوش الابن، الذي تحدث حينها "عن الحرب الصليبية على الإرهاب" ورئيس وزراء بريطانيا السابق توني بلير والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

غير أن خطاب المستشرقين الجدد تجلى بصورة واضحة مع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، الذي عمل حتى قبل وصوله إلى البيت الأبيض على شيطنة الإسلام والمسلمين.

وحسب أستاذ علم اللغة بجامعة المنوفية، خالد فهمي -في حديثه لبرنامج "موازين"- فقد كانت هناك محاولات أوروبية وغربية مبكرة لفهم الإسلام باعتباره عدوا، مؤكدا أن ما يعرف بالاستشراق الكلاسيكي كان يدور في فلك خدمة الكنيسة والاستعمار. أما الاستشراق الجديد "فهو وريث لتركة ضخمة للغاية من الاستشراق القديم، وهو نسخة حاول الغرب أن يخدعنا بها من خلال إعادة التسمية".

وجاء الاستشراق الجديد عبر أمثلة أميركية يحددها فهمي في مؤسسة "راند" البحثية التي تأسست عام 1948 و"مؤسسة جيمس بيكر" و"مؤسسة نيكسون" حيث ترتبط أسماء هذه المؤسسات بزعماء سياسيين إمبرياليين بالدرجة الأولى، كما يقول أستاذ اللغة العربية.

الاستشراق والقرون الوسطى (الجزيرة)

كما أن عددا من مؤسسي ومنظري السياسات الخارجية الأميركية في حقب ما بعد انتشار الاستشراق المتجدد كانوا أبناء بررة لمؤسسات الاستشراق الكلاسيكي، مثل وزيرة الخارجية السابقة كوندوليزا رايس، وهي واحدة من أعضاء مجلس أمناء "مؤسسة راند".

وبشأن الانتقادات التي توجه للاستشراق الجديد، يرى هلال الحجري رئيس قسم اللغة العربية بجامعة السلطان قابوس (سابقا) أن الاستشراق الجديد ليس أقل موضوعية من سابقه، بدليل أن كتاب المفكر الفلسطيني الأميركي إدوارد سعيد " الاستشراق" نتج عنه وعي جديد بالدراسات الشرقية، وهناك باحثون في معظم الجامعات الغربية يتبنون نظرة سعيد ويدافعون عن الشرق.

أداة للسياسة الأميركية الإسرائيلية

وأشار الحجري إلى أن بعض المستشرقين من خارج الدوائر الأكاديمية، وارتبطوا بالساسة وبالإدارات الاستعمارية في منطقة الشرق الأوسط، والنماذج التي انتقدها المفكر الفلسطيني الأميركي وكانت في معظمها لا تنتمي للمجالات الأدبية والأكاديمية، بل كانوا ضباطا وساسة.

وعن موقف الاستشراق الجديد من العالم الإسلامي، يؤكد أستاذ الشؤون الدولية بجامعة قطر محمد مختار الشنقيطي -لبرنامج "موازين"- أن الاستشراق كانت بذرته دينية في العصور الوسطى وبدايات عصر النهضة، ثم تحول إلى ما يشبه الدراسات التراثية واللغوية التي لم تكن بعيدة عن المشاريع الاستعمارية.

أما الاستشراق الجديد -الذي بدأ منتصف القرن العشرين- فيهتم بالدراسات الاجتماعية والإستراتيجية، وهو أقرب التصاقا بالعنصر السياسي وأبعد عن الأكاديمي، وأشار الشنقيطي إلى أن الأميركيين هم من دفعوا ووقفوا وراء الاستشراق الجديد.

والاستشراق الجديد بالولايات المتحدة، يضيف الشنقيطي "أداة من أدوات من السياسة الأميركية والإسرائيلية، وهو أقرب إلى مراكز دراسات إستراتيجية تدرس المجتمعات من أجل إخضاعها".

وبخصوص ما يسمى الاستشراق الإسرائيلي، يؤكد الشنقيطي أنه يمكن فصله عن الأميركي، بحكم التداخل بين النخب السياسية الأميركية والإسرائيلية، والأثر الكبير للمثقفين اليهود الأميركيين في الاستشراق الجديد، وقال إن ما لفت نظره هو الهوس الإسرائيلي بالتجربة الصليبية والخوف من تكرار نفس المصير.

ومن جهة أخرى، يشير الحجري -في مداخلته- إلى دور السينما والفن التشكيلي في تعزيز صورة نمطية سلبية عن العرب والمسلمين، ويقول إن الفن ارتبط بما أسماه الاستشراق السيئ، ومنذ الحملة الفرنسية على مصر عام 1798 مارس الفن التشكيلي دورا مباشرا في تعزيز الإستراتيجية الاستعمارية.

وفي العصر الحديث، قامت السينما بدور سيئ واختزلت الأفلام التي أنتجتها هوليود صورة العربي بأنه إرهابي وتاجر عبيد، كما يوضح رئيس اللغة العربية بجامعة السلطان قابوس.

8/11/2024

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات

إقرأ أيضاً:

«القمة العالمية للحكومات» تستشرف مستقبل المجتمعات المعمّرة

دبي (وام)

أخبار ذات صلة الإمارات: التزام راسخ بتخفيف معاناة الشعب السوداني الإمارات تدعم العائلات النازحة في مركز الإيواء بغزة

أطلقت مؤسسة القمة العالمية للحكومات، بالتعاون مع شركة «أوليفر وايمان» العالمية، تقريراً معرفياً جديداً، يستشرف فرص وتحديات زيادة نسبة الأفراد المعمّرين في مجتمعات المستقبل، في ظل ما تشهده البشرية من تطورات متسارعة في التكنولوجيا الطبية التي تسهم في تعزيز صحة الإنسان.
ويستعرض تقرير «عمر أطول.. الفرص والاعتبارات»، التطورات التي شهدتها المجتمعات على مدى 75 عاماً مضت، في مجال التقنية الطبية، والصرف الصحي، والرعاية الوقائية، والخيارات المتنوعة في أساليب الحياة، التي عززت صحة الإنسان وأسهمت في رفع متوسط العمر المتوقع، من 45 عاماً في خمسينيات القرن الماضي، إلى أكثر من 73 عاماً في عالم اليوم.
وخلص التقرير إلى أن ارتفاع متوسط عمر الأفراد في مجتمعات المستقبل، سيسهم في إيجاد فرص كبرى، تتمثل في المزيد من المساهمات الاقتصادية، والحياة الصحية السعيدة التي سينعم بها إنسان المستقبل، لكنه لفت إلى عدد من التحديات التي تتطلب نهجاً استشرافياً استباقياً من الحكومات لمعالجة الآثار المعقدة لمجتمع المعمّرين، يرتكز على تعزيز منظومات الرعاية الصحية، وتطبيق سياسات مرنة للقوى العاملة، وتطوير البنى التحتية المجتمعية.
وأكد محمد يوسف الشرهان، مدير مؤسسة القمة العالمية للحكومات، أن تسارع التطور التكنولوجي والابتكارات في مجالات الذكاء الاصطناعي، يحمل الكثير من الفرص الواعدة والتحديات الكبرى في مختلف المجالات المرتبطة بحياة الأفراد والمجتمعات، مشيراً إلى قطاع الرعاية الصحية سيشهد تطوراً كبيراً مدعوماً بالتكنولوجيا، ينعكس إيجاباً على صحة الأفراد ويؤدي لرفع متوسط العمر المتوقع، ما يتطلب من الحكومات التعامل باستباقية مع ما يفرضه ذلك من تغييرات في تركيبة مجتمعات المستقبل. 
وقال عادل خيري، شريك في قسم العلوم الصحية والحياتية في أوليفر وايمان - الهند والشرق الأوسط وأفريقيا، إنه من الضروري للحكومات تعزيز الجاهزية للاستفادة من الابتكارات المرتبطة بارتفاع متوسط عمر الإنسان، وأن تعمل على تهيئة المجتمعات للتغيرات المترتبة على ذلك، خصوصاً في ظل التسارع المستمر في علم إطالة العمر وتنامي الأدلة العلمية الداعمة له.
ويؤكد التقرير أهمية تعزيز استعداد وجاهزية الحكومات للتغيرات المتوقعة في مجتمعات المستقبل التي ستزيد فيها نسبة المعمّرين، من خلال تطوير الاستراتيجية والسياسات التي توظف هذه الميزة وتضمن الاستفادة منها في تعزيز نمو وازدهار المجتمع، ويتطرق إلى أهمية تحقيق التوازن بين الأبعاد الأخلاقية لاستخدامات التكنولوجيا في تعزيز صحة الإنسان، والتكاليف، والجوانب التنظيمية.

مقالات مشابهة

  • تدشين التعليم الالكتروني بمحلية سنجة
  • «القمة العالمية للحكومات» تستشرف مستقبل المجتمعات
  • «القمة العالمية للحكومات» تستشرف مستقبل المجتمعات المعمّرة
  • من أمثلة المجتمعات التي ساندت الجنجويد بجانب القحاطة (..)
  • الإسلاموفوبيا في فرنسا.. الكراهية أداة قتل
  • الجيش الأميركي يقرر حجب تفاصيل ضرباته على اليمن
  • عسكرة الذكاء الاصطناعي .. كيف تتحول التكنولوجيا إلى أداة قتل عمياء؟
  • العثماني والداودي وأفتاتي وأمكراز ومصلي أبرز قيادات "البيجيدي" التي ظفرت بعضوية المجلس الوطني الجديد
  • نهج الإمارات
  • عميد كلية اللغة العربية بجامعة الازهر بأسيوط يفتتح معرضَ الهيئة المصرية العامة للكتاب بالكلية