انتقام المتشككين فى رئاسة هاريس
تاريخ النشر: 8th, November 2024 GMT
لقد فاز ترامب فى المناطق الرمادية وهى المناطق المتأرجحة بين الديمقراطيين والجمهوريين، فميشيجان هى ولاية متأرجحة رئيسية ولديها أعلى عدد من السكان العرب الأميركيين فى الولايات المتحدة، وتنتشر لافتات «الحرية لفلسطين» و»وقف إطلاق النار الآن» فى المدينة، وفى الساحات وعلى النوافذ. ويعبر الناس عن تضامنهم مع فلسطين ولبنان من خلال القمصان والأقراط على شكل البطيخ والاعلام والقلادات والأساور.
لا شك أن الجالية المسلمة والعربية ليست كتلة واحدة، ولكن غزة هى التى تتصدر اهتماماتهم فى هذه الانتخابات. وكانت رسالتهم قبل ايام من الانتخابات مفادها أنه ما لم يلتزم الديمقراطيون بوقف إطلاق النار الدائم، ويوقفون مبيعات الأسلحة والتمويل لإسرائيل، فلن يصوتوا لهم.
يعتقد بعض الناس أن تصويت لترامب هو تصويت احتجاجى. فهناك الملايين من الأمريكيين الذين يختلفون مع جو بايدن وكامالا هاريس بشأن الحرب الرهيبة فى غزة. فاسرائيل لم يكن لها الحق فى شن حرب شاملة ضد الشعب الفلسطينى بأكمله.
لم يكن لها الحق فى قتل 42 ألف فلسطينى، ثلثاهم من الأطفال والنساء وكبار السن، أو إصابة أكثر من 100 ألف شخص فى غزة. ولم يكن لها الحق فى تدمير البنية التحتية وأنظمة الإسكان والرعاية الصحية فى غزة. ولم يكن لها الحق فى قصف كل جامعة من جامعات غزة الاثنتى عشرة. ولم يكن لها الحق فى منع المساعدات الإنسانية، مما تسبب فى سوء التغذية على نطاق واسع بين الأطفال، وفى الواقع، المجاعة. ولهذا السبب، كان لابد لادارة بايدن بذل قصارى جهدها لمنع المساعدات العسكرية الأميركية ومبيعات الأسلحة الهجومية لحكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة فى إسرائيل. فكيف يمكنهم التصويت لكامالا هاريس إذا كانت تدعم هذه الحرب الرهيبة؟» وهذا سؤال عادل للغاية.
فى عام 2020، عندما كانت هاريس تترشح ضد بيرنى ساندرز فى الانتخابات التمهيدية الرئاسية، كانت حملتها على أساس الرعاية الصحية للجميع وإعفاء قروض الطلاب. والآن بعد أن ترشحت ضد ترامب، كانت مؤيدة للغاية للشركات الكبرى، وتفاخرت بتأييد ديك تشينى و200 جمهورى آخر لها، وتخلت عن القضايا التقدمية التى كانت تخوض حملتها عليها سابقًا. كانت تحاول التفوق على ترامب فى سياساته الأكثر يمينية من أجل جذب الجمهوريين، وهذا يخيف المجتمع.
الجميع كان يحلم بمرشح يدعم السياسات التقدمية، مثل الحد الأدنى للأجور 25 دولارًا، والرعاية الصحية الشاملة، وتخفيف أعباء ديون الطلاب، وحظر الأسلحة على إسرائيل. ومن المؤسف أن أيًا من الأحزاب الرئيسية لا يؤيدوا هذه القضايا حاليًا، لذلك هاريس لم تحظ بدعم كبير.
أغلبية المسلمين والعرب الأمريكيين كانوا متشككون فى رئاسة هاريس. فقد ألحقت ضرراً عميقاً بمجتمعهم، وكان هذا الألم ملموساً عندما عاد المندوبون من المؤتمر الوطنى الديمقراطى بعد أن رأوا بأم أعينهم كيف عومل المندوبون المناهضون للإبادة الجماعية. فقد استعان المؤتمر الوطنى الديمقراطى بأسرة إسرائيلية على خشبة المسرح لإلقاء خطاب مؤثر، لكنه لم يبد نفس الاحترام والإنسانية للفلسطينيين من خلال إبراز صوت فلسطينى.
تقوم الإدارة الديمقراطية بتوجيه مليارات الدولارات من أموال الضرائب نحو الإبادة الجماعية، بينما يمنع منها رعاية المواطن الأمريكى العادى. ولا تذهب الأموال لإصلاح أزمة الإسكان، وخفض التضخم، وتمويل التعويضات وتخفيف ديون قروض الطلاب. ولا إلى رعاية صحية شاملة، وهى حق أساسى من حقوق الإنسان. كيف يمكننا أن يثقوا فى الديمقراطيين لحماية أى من مصالحهم؟
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: د مصطفى محمود ترامب المناطق الرمادية السكان العرب الولايات المتحدة
إقرأ أيضاً:
هل كانت ديسمبر نصف ثورة؟
بعد ست سنوات من تفجر ثورة ديسمبر ثم انتكاس مشروعها، هل يمكننا أن نقول ما قاله زعيم الثورة الصينية (من يقوم بنصف ثورة كمن يحفر قبره بيده) ؟، خاصة وأن الانقلاب العسكري عليها واندلاع الحرب، يمثلان الحصاد المر والسم الزعاف الذي تجرعه الثوار الشجعان، الذين تصدوا لطغيان رصاص الدكتاتور بصدورهم العارية، دون أن يرتعد لهم بدن أو تنهار عزيمتهم، حتى أسقطوا طاغيتين (البشير وبن عوف) في غضون أربعة وعشرين ساعة، في تصميم عنيد وإرادة قوية، ألهمت الثائرين في بلدان الجوار كيفية انتصار القلوب النابضة بحب الأوطان على السلاح، ولقنتهم الحكمة البليغة من ان القاتل الحقيقي هو الصمت عن قول الحق وليس الطلق الناري، هل يعقل أن ثوار وثورة بهذه القيم النبيلة تبيعها نخبة سياسية فاشلة، وثّق لفشلها أحد رموزها في سفر شهير عنوانه (النخبة السودانية وإدمان الفشل)، لقد باع الثورة للعسكر زعيم حزب المؤتمر السوداني إبراهيم الشيخ، يوم ان أمسك بيد الجنرال وقدمه للثوار في ساحة الاعتصام أمام بوابة القيادة العامة للقوات المسلحة، فابتلع الثوار الطعم وعلموا لاحقاً أنهم بيعوا بثمن بخس للجنة الأمنية لنظام الطاغية، وأن رجل الأعمال زعيم الحزب المشبوه في علاقاته التجارية مع النظام البائد، قد ارتكب خطيئة الدماء السائلة من فجر يوم مجزرة فض الاعتصام حتى لحظة انسكاب هذا المداد، لقد تحققت النتيجة الحتمية للمعادلة الصريحة التي قدمها الزعيم الصيني – الثورة الناقصة هي الطريق السالك للقبر، فلم تتعظ النخبة من تجارب الفشل السابقة، ولم تتعلم من إخفاقات الأجداد، فتسببت في سفك دماء الأحفاد، فتدفق سيل الدماء المسفوحة من رقاب الشباب وما يزال، وآخر هذه الدماء المسفوكة تمثلت في المجازر المرتكبة بحق عضوية لجان المقاومة في الأحياء، وهم يقدمون الطعام للعجزة والمسنين الذين لم يقدروا على الفرار من جحيم الحرب.
السودانيون حالمون ومنهم العاطفيين، منذ أكتوبر حتى ديسمبر، يحتفون بالأهازيج ويلونون شوارع النصر برايات الفرح الأسطوري احتفاءً بثوراتهم، لكنهم ليسوا بشديدي البأس في إعمال سيف الشرعية الثورية في بتر رؤوس الطغيان، كما هو حال ثوار جميع الثورات، فثوارنا تجدهم يرأفون بمن بطش بهم وسفك دمهم وانتهك عرضهم واغتصب ارضهم، فعلى الرغم من الظلم والعدوان المؤكد للمنظومة البائدة والفاجرة، إلّا أنهم لم يتركوا ثورتهم تكتمل بالخلاص من الطغاة، كما تخلص الشعب الروماني من الدكتاتور شاوسسكو وقرينته، ولأول مرة تعتمد ثورة (وطنية) على المؤسسات القضائية والعدلية لذات الحكومة الفاسدة التي أسقطتها، في محاكمة نفس الرموز الحكوميين الفاسدين والمجرمين، الذين وضعوا القوانين والنظم لتلك المؤسسات، لقد تعاملت الحكومة الانتقالية التي جاءت بها ثورة ديسمبر بلامبالاة سافرة، لا تتناسب وحجم التضحيات التي قدمها الثائرون، فعقدت جلسات محاكمات لرموز النظام البائد في حلقات درامية مسجلة، من داخل قاعة المحكمة التي هي الأقرب في هيئتها لمحاكم مسرحيات عادل إمام الكوميدية، فكثيرون من أبناء الشعب تعرضوا للاعتقال والتعذيب داخل بيوت الأشباح، التي أسسها المتهمون الماثلون أمام المحكمة المهزلة، التي يدخل لبهوها هؤلاء المتهمون الكبار بكامل زيهم (الوطني) الناصع البياض، يتضاحكون ويصدرون النكتة من كبيرهم الذي اعتاد على فعل ذلك، حينما كان حراً طليقاً، قبل أن يلج الفندق ذا الخمس أنجم (السجن)، كانت سلسلة محاكمات رموز فساد الحكم الاخواني بمثابة المسلسل اليومي المخصص لإمتاع المشاهدين، حقيقة كانت ديسمبر نصف ثورة وربما ربعها، لأنها امسكت بالعصا من منتصفها، ولم تجرؤ على إعمال سيف الشرعية الثورية المفرق بين الحق والباطل، لذلك انتقم فلول النظام البائد من المدنيين عامة في الحرب التي اشتعلت نسبة لتراخي حكومة الثورة.
الحرب أرّخت لاندلاع ثورة مسلحة حقيقية في الخامس عشر من ابريل قبل عام ونصف، حين حاول فلول النظام البائد العودة بكامل عدتهم وعتادهم للاستيلاء على الحكم، بمحاولتهم اليائسة والفاشلة في إزاحة القوة العسكرية الوحيدة التي تضامنت مع مشروع التغيير الذي أعلنته ديسمبر، وفي ظل الانقسام الذي أحدثته الحرب بين المكونات الاجتماعية والسياسية، لن يجد ثوار ديسمبر بد من الانخراط في صفوف هذه القوات العسكرية الرافضة لعودة الحرس القديم، حتى يستأصلوا الوجود الكارثي لكادر النظام البائد، القوات العسكرية المحاربة بكل ضراوة لكتائب البراء بن مالك الداعشية المختطفة للجيش، القوات العسكرية الداعمة لاتفاق الإطار الذي أدى لتفجر الحرب بسبب تعنت قادة الجيش المخطوف، الرافضين لإبعاد المؤسسات العسكرية عن الشأن المدني، فلكي يحقق الديسمبريون أهداف ثورة ديسمبر – الحرية والسلام والعدالة – لا مفر لهم من أن يضعوا يدهم على يد القوات الوطنية التي تحارب الفلول الآن، الرافعة لشعار الديمقراطية والحكم المدني، فالنصف الآخر للقمر لا يكتمل إلّا باكتمال تضافر الجهود، والاصطفاف مع ثوار ابريل، الرافعين لشعار ثنائية النصر والشهادة، ولتمام النصف الآخر لبدر الثورة من الضروري العلم، بالجهة الضامنة لاستشراف قيم الحرية بعد انقضاء أجل الحرب، وهي القوات المؤمنة بالسلام والعدالة الاجتماعية.
إسماعيل عبد الله
ismeel1@hotmail.com