غزة- مراسل «عُمان» - بهاء طباسي: على رأس شارعهم في حي الشجاعية، كان أحمد الأزبكي، 13 عامًا، يقف مع خاله «هشام»، يتسامران عندما عاجلت ضربة جوية إسرائيلية منازل عدة في الشارع بينها منزلهما، وما إن التفتا خلفهما إلا وشظية تائهة من القصف تجد ضالتها في ركبة الطفل المراهق.

«أحمد. فوق يا أحمد».. صرخ الخال الثلاثيني حاملًا الطفل الفلسطيني على ذراعيه، يهرول ناحية المنزل، قبل أن يستكمل صراخه في الأهالي والفوضى تعم الأرجاء: «إسعاف.

اطلبوا الإسعاف»، وحينذاك تكفل رجل من الجيران بمهمة حمل الطفل، صائحًا في الخال: «ادهوني.. وشوف أهلك في الدار».

دخل الخال الدار مسرعًا، فوجدها ركامًا فوق ركام، ولا أثر لإنسان ميت أو حي، فأخذ ينبش الأنقاض بيديه العاريتين، والجيران يلاحقونه، حتى أتت سيارات الدفاع المدني، وقدمت طواقم الإنقاذ يد العون، وبعد ربع ساعة من التفتيش بين الأنقاض، انتشلوا الجميع شهداء.

«لا حول ولا قوة إلا بالله».. صاح الخال «هشام» بالحوقلة، والدموع تفر من عينيه كشلال، وتنسكب على الأرض، أملًا في أن تبث الحياة في المدفونين تحتها فيبعثون من جديد.

في الصالة كان جثمان الجدة مغبرًا أزرق بلا أطراف أسفل الأريكة، وعلى بعد خطوات تحت كرسي الصالون كانت جثة أبو أحمد مهترئة كقطعة لحم متفحمة. ويا للحسرة! إخوة أحمد الثلاثة، قد ماتوا أيضًا وهم يلعبون في غرفة الأطفال، صغار في عمر الزهور جُمعت جثثهم أشلاء.

«أي سلاح استخدم الاحتلال مع تلك الأسرة المسالمة؟».. يتساءل الخال، الذي أخذ يضرب كفًا على كف من هول الفاجعة، قبل أن يجري ناحية سيارة الإسعاف، محاولًا حمل أحد أبناء أخته، بينما يمنعه المسعفون، فيواجههم منفعلًا: «لا أستطيع فعل أي شيء.. أريد فقط أن أعرف نتنياهو المجرم أن هذه ليست صواريخ».

سيارة الإسعاف التي نقلت «أحمد» مصابًا في ركبته اليمنى فاقدًا للوعي باتجاه مجمع الشفاء الطبي، هي ذاتها التي نقلت الأسرة الشهيدة. وفي المستشفى استفاق الطفل الفلسطيني على نبأ مكرر للكثيرين من الأطفال الفلسطينيين: «لقد أصبحت يتيمًا في هذه الدنيا يا ولدي».

انهمرت الدموع من عيني «أحمد»، عين تنوح الأسرة التي راحت، والأخرى تبكي من الألم: «يا لوحدتي! فقدت الجميع. أه يا قدمي». يربت الطبيب على كتفه محاولًا تخفيف أوجاعه، بعد أن فشلت المُسكنات: «هون على نفسك يا أحمد، لأجل إصابتك يا حبيبي، نام، ارتاح!».

يدخل «هشام»، ويحتضن ابن أخته بقوة: «أنا جنبك يا أحمد يا ولدي. متخافش!». ينظر الطفل في عيني خاله: «قُل لي إنهم لسه عايشين يا خال، مماتوش صح؟». يستسلم الخال لدموعه مجددًا: «كلهم ماتوا يا أحمد، حصلوا والدتك الشهيدة في عدوان 2014، وأنت الناجي الوحيد. الله يرحمهم جميعًا، سلمها لله يا ابني».

يطلب الطبيب من الخال المغادرة، ويعطي «أحمد» حقنة مهدئة تساعده على النوم، فيفعل «هشام»، قبل أن يخز الطبيب محتويات الحقنة في المحلول، ليغط الطفل في ثبات عميق تتخلله الأحلام تارة والكوابيس تارات.

ومضات من الحياة في البيت السعيد، يظهر فيها «أحمد» يمازح الجدة، مشيرًا إلى قدمه: «شايفة رجلي يا ستي. بضربة واحدة مني أقتل كل جنود الاحتلال»، تتبسم الجدة، قبل أن يخرج الأب من المنزل واجمًا، مع انتفاخ ساق الابن بحجم الصالة، لتتلاشى معها تدريجيًا صور الحياة التي كانت.

يفزع «أحمد» من حجم الورم، ويصرخ مكافحًا الوسادة الملتصقة برأسه كمغناطيس: «اتركوني!»، قبل أن يفتح عينيه بحذر على صورة الطبيب، يتفحص ركبته المنتفخة، وهو يتحدث مع زميل آخر، يبدو من هيئته أنه استشاري متخصص في جراحة العظام، ويخبره: «للأسف، لا يوجد لها علاج هنا، لازم يطلع خارج غزة».

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: قبل أن

إقرأ أيضاً:

من كورال سليم سحاب إلى النجومية | شاهيناز تروي بداياتها مع والدها

تحدثت المطربة شاهيناز بحب وتأثر عن والدها الراحل، واصفة إياه بـ"حبيبها الأول"، مشيرة إلى العلاقة المميزة التي جمعتها به منذ طفولتها. 

وأوضحت أنه كان يمنحها الثقة ويعاملها وكأنها كبيرة، مؤكدًا دائمًا على ضرورة أن تهتم بنفسها وتسعى لتطوير ذاتها.

شاهيناز: طموحاتي لم تتحقق .. ولم أصل حتى لـ 10% | فيديوشاهيناز : الغناء ليس مهنة .. بل يجري في دمي | فيديوأنا صوت مصر .. شاهيناز : صوتي الأقوى على الساحة الفنية

وكشفت شاهيناز خلال مشاركتها في برنامج "خط أحمر"المذاع على قناة الحدث اليوم، أن والدها كان أول من اكتشف موهبتها الصوتية، رغم أنها لم تكن تدرك ذلك في البداية. ولم يكن والدها مجرد مشجع فحسب، بل كان أيضًا فنانًا موهوبًا، حيث عمل كمدرس موسيقى وكان عازف عود بارعًا، لدرجة أن زملاءه أطلقوا عليه لقب "ساحر العود". وأضافت أن والدها سجل عددًا من الألبومات الموسيقية التي عزف فيها على العود، وهو ما قد يكون معلومة غير معروفة للكثيرين.

لم يقتصر دور والدها على الدعم العاطفي فقط، بل كان أيضًا السبب الرئيسي في دخولها عالم الغناء، حيث قدم لها أول فرصة حقيقية من خلال التقدم لكورال الأطفال بقيادة المايسترو سليم سحاب عند افتتاح دار الأوبرا المصرية. وبالفعل، اجتازت الاختبارات وانضمت إلى الكورال، ليكون ذلك أولى خطواتها في مشوارها الفني.
 

مقالات مشابهة

  • من كورال سليم سحاب إلى النجومية | شاهيناز تروي بداياتها مع والدها
  • النجل الوحيد لأسرة مجزرة اربيل يخرج عن صمته ويسرد تفاصيل جديدة ومؤلمة
  • ستارمر: الحل الوحيد لإنهاء الحرب في أوكرانيا هو سلام عادل يصون سيادة البلاد
  • عبدالله بن زايد: بناء مستقبل مشرق لأطفالنا يتطلب شراكة الأسرة والمجتمع
  • نجلاء بدر : عندي عقدة من الرجالة.. اتخطبت 5 مرات وكلهم خانوني
  • جلسة رمضانية: الخلافات أمر طبيعي في بداية الحياة الزوجية
  • مسلسل «أشغال شقة جدا» الحلقة الأخيرة.. بسبب عربي حمدي يقع في قبضة الشرطة
  • هيثم شنيتف الممثل الوحيد للجزائر في مونديال ألعاب القوى 2025
  • القبض على الطبيب القاتل في أربيل
  • أحمد هارون: الانسحاب من العلاقات التي تسبب الاستنزاف العاطفي ليس ضعفًا بل قوة وحكمة